لاتفاقيات العسكرية بين اسرائيل و الولايات المتحدة
المقدمة.
لم تبن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بين عشية وضحاها، ورغم ما تحمل هذه العلاقة من مفارقات، فهي ما زالت تتقدم. ويعكس واقع التحالف اليوم إفرازات نصف قرن من العلاقات الخاصة بينهما، والتي أسفرت عن قناعة الإدارة الأمريكية بأن تترك إسرائيل تنفذ ما تراه لأنها أدرى بمصالحها، كما تدرك أمريكا، أن مصالحها في المنطقة تصان، وتتحقق عندما يكون لدى إسرائيل حرية الحركة، والقدرة على تهديد وردع جيرانها العرب، لاسيما وأن إسرائيل هي أول وأهم من يساندها في حالة تهديد مصالحها.
ويُعد التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، هدفاً إسرائيليا متأصلاً، يرجع إلى بداية الخمسينيات من القرن العشرين، عندما التقى وزير الخارجية الإسرائيلي وقتها، موشي شاريـت Moshé Sharett، مع وزير الدفاع الأمريكي "جورج مارشال" George Marshall، في نيويورك في ديسمبر 1950، حيث طرح شاريت أول أفكار إسرائيلية عن التعاون الإستراتيجي، واتفق مع وزير الدفاع الأمريكي على إعداد مذكرة تفصيلية حول هذا الموضوع، تضمنّت عرضاً لموقف إسرائيل الاقتصادي، والصناعي، على ضوء الحصار العربي المضروب حولها، وطلبت المساعدة الأمريكية في حل تلك المشكلة، مركزّة على أن ما حققه جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، في مجال الدفاع عن دولة ولدت لتوها ضد القوات العربية، يمثّل مؤشراً جيداً على الخدمة التي تستطيع إسرائيل تقديمها للعالم الحر، إذا نمت قدرتها العسكرية.
وثمة دلالة أخرى تشير إلى محاولات إسرائيل المبكرة للتعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي رسالة وزير الخارجية الأمريكي، "دين أتشيسون" Dean Acheson، إلى السفارة الأمريكية لدى إسرائيل في ديسمبر 1950، والتي تكشف مناشدة إسرائيل لوزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين، تقديم مساعدات لدعم الصناعات الحربية الإسرائيلية، وطالبت بأن تؤخذ إسرائيل في الحسبان عند وضع الخطط الغربية للدفاع عن الشرق الأدنى - من خلال إنتاج السلاح في إسرائيل- بما يساعد على تزويد الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، كإيران، وتركيا، واليونان، وإمدادها بالسلاح في الوقت المناسب.
ويعود تاريخ علاقات المساعدات العسكرية الرسمية بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، إلى عام 1952، إلا أنها لم تصبح المورد الرئيسي للأسلحة، التي تحصل عليها إسرائيل إلا عام 1967، أما برنامج المساعدات العسكرية الأمريكية السنوي فقد بدأ عقب حرب أكتوبر 1973، واستمر حتى الآن، وقد سبق ذلك تقديم قروض عسكرية أمريكية لإسرائيل، وموافقتها على ضمان بيع الأسلحة إما من مصادر أجنبية، أوعن طريقها.
وقد بلغ إجمالي المساعدات العسكرية الإسرائيلية، أكثر من 1.4 مليار دولارا خلال الفترة من عام 1950 حتى عام 1973. ومنذ عام 1973 زادت هذه المساعدات زيادة كبيرة. ومن الواضح أن حجم المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، قد تأثرت بالأحداث السياسية، وقضية الصراع العربي الإسرائيلي، حيث استقرّ حجم المساعدات عند مليار دولار سنوياً، خلال السنوات المالية 1978 حتى 1980، أما السنة المالية 1977، فقد خصص لها 2.2 مليار دولار، وارتبط ذلك بالانسحاب الإسرائيلي من سيناء.
وخلافاً لذلك، فقد زادت المساعدات العسكرية الخارجية في مجال التسلح عن معدلها العام في حالتين:
- الحالة الأولى: عند إعادة تسليح إسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر 1973، حيث بلغت قيمة هذه المساعدات نحو 2.5 مليار دولار في السنة المالية 1974.
- الحالة الثانية: عندما حصلت إسرائيل على 17 مليار دولار في شكل قروض، خلال السنة المالية "1976"، بعد اتفاق فض الاشتباك الثاني في سيناء.
والواضح أن توجه السياسة الأمريكية نحو إسرائيل، بدأ يتزايد بعد عام 1967، حيث ازدادت مكانة إسرائيل باعتبار أنها تلعب دوراً رئيسياً في إطار المصالح الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط.
وكنتيجة مباشرة للمتغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بعد حرب أكتوبر 1973 "توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ـ سقوط شاه إيران ـ الغزو السوفيتي لأفغانستان"، ومنذ بداية الثمانينيات، بدأ شكل التعاون الإستراتيجي بين البلدين يأخذ مساراً متعاظماً.
هناك دوافع مشتركة، أو منفصلة، بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في إقامة العلاقات الإستراتيجية، تطورت باستمرار إلى الأفضل دون النظر إلى المتغيرات الحادة في العالم وفي المنطقة.
ويمكن أن تتلخص في الآتي:
إسرائيل.
تمثل الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الإستراتيجي الذي ساند إسرائيل في تحقيق مصالحها وأهدافها القومية، سواء على الصعيدين الإقليمي والدولي، من خلال تقوية مكانتها بالمحافل السياسية، والاقتصادية الإقليمية، علاوة على زيادة إمكانياتها الإنتاجية، بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة التي تتيح لها قدرة الاندماج في الأسواق العالمية الآسيوية ـ الأوروبية، ودعم سياستها في التغلغل بالقارة الأفريقية، لتحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية، فضلاً عما تحصل عليه من مكاسب مباشرة في التعامل مع السوق الأمريكي، أو بدول الأمريكتين من خلال الولايات المتحدة الأمريكية.
الولايات المتحدة الأمريكية.
تشكل إسرائيل أحد أهم ركائز تحقيق أهداف السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط، من خلال الدور، الذي تلعبه مع تركيا لشغل الفراغ الإستراتيجي بمنطقة الخليج العربي، وآسيا الصغرى، والقوقاز، سواء لتأمين المصالح البترولية الأمريكية بتلك المناطق، ومواجهة العدائيات المحتملة من جانب إيران والعراق، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، ووسائل إطلاقها، أو لتأمين المصالح الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط، في ظل تنامي الدور الأوروبي المنافس للدور الأمريكي في مستقبل الترتيبات الأمنية في حوض البحر الأبيض المتوسط. إضافة إلى الدور الذي تلعبه إسرائيل في تحقيق المصالح الأمريكية بالقارة الأفريقية، بصفة عامة، والقرن الأفريقي بصفة خاصة.
كما تقوم إسرائيل بدور الوكالة لتحقيق المصالح الأمريكية في كل من الصين، ودول أمريكا اللاتينية، ومناطق أخرى، من خلال تنفيذ أهداف السياسة الأمريكية، في هذه المناطق بعيداً عن الكونجرس الأمريكي.
ويزيد من قوة الدوافع الأمريكية السابقة، حقيقة قوة ضغط اللوبي الصهيوني الأمريكي على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، سواء في السياسة الخارجية، أو داخل الإدارة الأمريكية، أو الكونجرس الأمريكي.
كما تأتي الدوافع الأمريكية من خلال اهتمامها بأمن إسرائيل، كالتزام أساسي للسياسة الخارجية الأمريكية، فقد أكد الرؤساء الأمريكيون، وأعضاء الكونجرس التزامهم تجاه بقاء إسرائيل، والحفاظ على أمنها، ويتركّز هذا الدعم في ثلاثة اتجاهات رئيسية، تتمثل في الآتي:
اتجاه سياسي، وإن أخذ اتجاهات أخرى.
يتمثل في أن الالتزام الأمريكي تجاه إسرائيل، هو التزام "أخلاقي" يتمثل في أن لليهود حق في أن تكون لهم دولة, بصرف النظر عن تعارض ذلك مع حقوق العرب الفلسطينيين، كما أن إسرائيل تعتبر دولة ديموقراطية تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في كثير من قيمها.
اتجاه ينبع من السياسة الداخلية المؤثرة على الإدارة الأمريكية.
حيث يرجع أسباب الاهتمام الأمريكي بإسرائيل، إلى اعتبارات داخلية أهمها، وجود الجماعات اليهودية التي تعد على درجة عالية من الكفاءة والنشاط، وكذلك ميل الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل، وليس إلى العرب.
اتجاه يستند على مصالح وإستراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية.
يرتكز هذا الاتجاه في تفسيره للعلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، على الفكرة الكلاسيكية الخاصة بالمصلحة القومية، بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترسل بملايين الدولارات في شكل معونة عسكرية واقتصادية لإسرائيل، لمجرد الشعور بالتزام أخلاقي، أو لسبب ضغوط اللوبي اليهودي، ولكنها تفعل ذلك من منطلق أن إسرائيل تشكل رصيداً إستراتيجيا مهماً لها في منطقة الشرق الأوسط، التي تعتبر من أهم المناطق للمصالح الأمريكية. فقيمة إسرائيل الإستراتيجية، تنبع من كونها الحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في هذه المنطقة، بل إنها يمكن أن تستخدم قواتها لحماية المصالح الأمريكية، وأن تقدم أو تخصص قواعد لعمليات عسكرية أمريكية في المنطقة. وقد ظهر ذلك واضحاً في حرب يونيه 1967، حيث حققت إسرائيل الهدف الأمريكي في إيقاف المد الثوري المصري، والتأثير على مصالح الغرب البترولية في المنطقة، كذلك في أثناء تصاعد الخلافات بين السلطات الأردنية والعناصر الفلسطينية داخلها في سبتمبر 1970، حيث كان تقدم القوات الإسرائيلية في اتجاه الأردن، والذي نفذ بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة رادع للتدخل السوري في الأردن، دون أي تدخل من الجانب الأمريكي. وقد أدارت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأزمة، كحالة لدراسة أبعاد التعاون العسكري الإسرائيلي ـ الأمريكي.
على أساس مبادئ أساسية هي:
- التأكيد على أن التدخل الإسرائيلي لن يؤدى إلى تصعيد الموقف.
- الإعداد لمعاونة إسرائيل عسكرياً إذا ما تصاعد الموقف.
- التنسيق الحذر للمطالب العسكرية السياسية لإسرائيل والأردن.
وقد أدّت نتائج الاعتبار السابق إلى نقل انطباع واضح لدى القيادات الأمريكية المتعاقبة، على ضرورة تحقيق تفوق إسرائيل عسكرياً، واقتصاديًا، وتكنولوجياً كقاعدة مسلحة تحمى المصالح الأمريكية والغرب في المنطقة، وكذا التفكير في تحويل إسرائيل كقوة ردع سريع خاضعة لأمريكا، تعمل بتنسيق وتعاون مع البنتاجون، من أجل تحقيق المصالح الأمريكية بالمنطقة.
مرت السياسة الأمريكية في إطار التعاون مع إسرائيل، تجاه الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بتطورات عديدة منذ عام 1948، وقد تحددت هذه السياسة نتيجة لعاملين:
- السياسة الأمريكية تجاه المنطقة ككل، والتي كانت من خلال تطور الصراع الدولي والدور المتغير الذي لعبته إسرائيل في إطار المفاهيم الأمريكية للدفاع عن مصالحها السياسية، والإستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط.
- العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والتعاطف مع تلك الدولة، والذي يرجع لأسباب تاريخية، ودينية، وإنسانية، الأمر الذي ضمن لإسرائيل قدراً من التأييد الأمريكي لها، حتى عندما كان يبدو هذا التأييد متعارضاً مع المصالح الأمريكية في المنطقة.
هذا وقد مرت علاقات البلدين بعدة مراحل:
المرحلة الأولى من عام 1948 حتى عام 1957.
شهدت هذه المرحلة سعي الولايات المتحدة الأمريكية، لإدخال دول منطقة الشرق الأوسط ـ ومن بينها مصر ـ في نظام الدفاع الغربي، وذلك في إطار سياسة الاحتواء الأمريكية الموجهة ضد الاتحاد السوفيتي السابق. وكانت السياسة الأمريكية في هذه المرحلة - والتي تتطلب الاقتراب من الدول العربية، ومنها مصر ـ تتصادم مع الاهتمام الأخلاقي والتعاطف مع إسرائيل، مما أدى إلى توتر جزئي في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، غير أن التصادم قد تفاوت من فترة إلى أخرى.
المرحلة الثانية 1957-1967.
تميزت هذه المرحلة بفشل المحاولات الأمريكية، لربط الدول العربية بنظام الدفاع الغربي، وتخليها بالتالي عن هذا الهدف, والسعي بدلاً من ذلك إلى المحافظة على نفوذها في المنطقة، ومحاولة وقف النفوذ السوفيتي فيها، وذلك من خلال سياسة تحقيق الاستقرار وتوازن القوى الإقليمي.
وقد أزال تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن محاولتها، ربط الدول العربية بنظام الدفاع الغربي مصدراً أساسياً من أسباب التوتر في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، وأصبح من الممكن لأمريكا أن تنمي الصداقة مع دول عربية إلى جانب إسرائيل، من أجل تحقيق الاستقرار، وتوازن القوى في المنطقة كأحد أهداف السياسة الأمريكية.
المرحلة الثالثة 1967 – 1973.
قامت السياسة الأمريكية، بعد وقف إطلاق النار في يونيه 1967، على ضرورة التوصل إلى تسوية للصراع في منطقة الشرق الأوسط، يتحقق من خلالها الأمن الكامل, وضمان بقاء إسرائيل، وليس مجرد العودة إلى ترتيبات الهدنة،على أن تكون هذه التسوية بإرادة أطراف الصراع دون فرضها عليهم، ودون التقيد ببرنامج زمني لهذه التسوية. كما وضعت السياسة الأمريكية في اعتبارها إمكانية قيامها بدور يؤدي إلى توصل الأطراف المختلفة إلى تسوية للصراع، ينبع من الإرادة الأمريكية، وعلاقاتها بدول المنطقة، ويضمن تحقيق المصالح الأمريكية دون التورط في صدام عسكري مع الاتحاد السوفيتي، خاصة إن استمرار الصراع ـ من وجهة النظر الأمريكية ـ سيؤدي إلى صعوبة تنمية العلاقات بين الحكومات العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، ويؤثر سلباً على مصالحها.
غير أنه لما كانت الإدارة الأمريكية ـ في ذلك الوقت ـ مهتمة بحصر نفوذ مصر، فإنها كانت تسعى لإيجاد تسوية للصراع من نوع خاص، بحيث يؤدي إلى بقاء نفوذ مصر داخل حدودها، وفي الوقت نفسه التوجه للدول العربية، وإقناعهم بعدم جدوى الاعتماد على مساعدة السوفيت، أو توجيه أي تهديد لإسرائيل. ومن ثم كانت السياسة الأمريكية تقوم على محاولة استثمار انتصار إسرائيل عام 1967، من أجل التوصل إلى تسوية نهائية للصراع.
نيكسون.
وبينما استمرت النظرة الأمريكية بشأن تسوية الصراع في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون Richard Nixon، خلال عام 1970، على أساس التسوية الشاملة للصراع، إلا أن الفترة التالية لها وحتى عام 1973، تميزت بظهور منهج جديد للتسوية، يقوم على أساس محاولة تأييد صيغ جديدة مؤقتة لا تصل إلى حد التسوية الشاملة للصراع، وبالتالي تجنب القضايا الأساسية موضع الخلاف التي تعوق مثل هذه التسوية.
وكان الاعتقاد السائد لدى صانعي القرار الأمريكي، خلال الفترة السابقة لحرب أكتوبر 1973، بأنه يمكن ردع احتمال نشوب حرب بين مصر وإسرائيل، وذلك من طريق استمرار ميزان القوى لصالح إسرائيل، وبما يحقق هدف الولايات المتحدة الأمريكية في حماية أمن وسلامة إسرائيل، وفي الوقت نفسه يقلل من تأثير النفوذ السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط.
المرحلة الرابعة ما بعد نصر أكتوبر 1973.
أثبتت حرب أكتوبر 1973، ونتائجها خطأ التقديرات الأمريكية القائلة، بأن الدعم الأمريكي الشامل لإسرائيل يضمن لها التفوق المطلق علي خصمها العربي في كل الظروف, بما يؤدي إلى تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت الإدارة الأمريكية ناجحة في استيعاب هذه المفاجأة الضخمة، والعمل على تعديل تصوراتها للموقف، ولإمكانيات التحرك الأمريكي انطلاقا من إدراكها للأبعاد الجديدة للصراع في ضوء نتائج حرب أكتوبر 1973، ومدى تهديدها للمصالح الأمريكية، خاصة فيما يتعلق باحتمالات المواجهة مع الاتحاد السوفيتي، واستخدام العرب لسلاح البترول بفاعلية. ومن ثم كان على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تسعى لحل الصراع، والتحرك تجاه القيادة المصرية، وإقناعها بالدور الأمريكي من أجل تحقيق السلام في المنطقة، وقد تبلورت هذه التحركات جميعا بتوقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية في مارس 1979. وهكذا بدأت مرحلة هامة تالية في التعاون الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
المرحلة الخامسة 1974-1981.
مع الانغماس الأمريكي المتزايد في شؤون المنطقة العربية عامة، والعلاقات المصرية ـ الإسرائيلية خاصة، وما أدت إليه الوساطة الأمريكية من توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية عام 1979، كانت هناك متغيرات أخرى شهدتها المنطقة، مثل سقوط شاه إيران في فبراير 1979، والغزو السوفيتي لأفغانستان في 24 ديسمبر 1979، والتي أدت بطبيعة الحال إلى بلورة رؤية أمريكية لأمن المنطقة.
في ظل إدارة الرئيس رونالد ريجان Ronald Reagan، بدأت السياسة الأمريكية تأخذ أبعاداً جديدة تجاه دول المنطقة، مع إعطاء أسبقية مطلقة، وأساسية لقضية المواجهة مع الاتحاد السوفيتي، ومحاولة إقناع دول المنطقة بأن الخطر الأساسي الذي يتهددها هو خطر النفوذ السوفيتي. ومن ثم تحركت الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هدفين أساسيين:
- محاولة إقناع دول المنطقة بأهمية الحماية الأمريكية لها، وبما يستتبع ذلك من التسليم بضرورة التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، وضرورة مساهمة دول المنطقة في ترتيبات الأمن، التي تعد لها الولايات المتحدة الأمريكية.
- إقامة شكل من أشكال التحالف غير المعلن بين محور كامب ديفيد والدول الأخرى، المرتبطة بالسياسة الأمريكية في المنطقة.
ومع فشل الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق هذين الهدفين، مع الدول العربية بالمنطقة، اتجهت لتوقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل في 29 نوفمبر 1983.
المشاكل التي واجهت التحالف.
إن التطور المطرد في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، وصولاً لصيغة التحالف لم يمر دون مشاكل، مثل التجسس المتبادل بين الدولتين، وتدمير السفينة الأمريكية ليبرتي USS Liberity في يونيه 1967، واتهام إسرائيل بفعل ذلك عمداً، وقضايا الفساد، وسوء استخدام المساعدات الأمريكية، إلا أن هذه القضايا لم تقف دون استمرار التحالف ونموه.
يضاف إلى ذلك المعارضة الداخلية الأمريكية، للمساعدات الضخمة التي تقدم لإسرائيل، وقد جاء ذلك على لسان أحد أبرز ممثلي الحزب الجمهوري الأسبق بوب دول Bob Dole. كذلك كان هناك التغيير السلبي في صورة إسرائيل كمجتمع للحرية، والديموقراطية، بعد غزو لبنان، وأحداث الانتفاضة الفلسطينية، إلا أن هذا التغيير قد أضرّ بمصالح إسرائيل وصورتها أمام العالم والإدارة الأمريكية، كما أضر بمصالح اليهود الأمريكيين، وقدرتهم على ممارسة ضغوط على الإدارة الأمريكية، وخصوصاً مع الخوف اليهودي من أثر الأصولية المسيحية من وجهة النظر الإسرائيلية، التي لا ترى أو تهتم ألا بمسألة عودة المسيح فقط.
تطور العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية.
قبل الخوض في الموضوع، لابد من تفهم حقيقة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، التي توجهت باستمرار لصالح إسرائيل، دون النظر لمصالح دول المنطقة أو حسن الجوار، أو دون مراعاة مسؤولية دولة كبرى تجاه أمن المنطقة ككل، ولكنها نظرت لأمن إسرائيل وبقائها على أنه التزام أدبي وإستراتيجي. وتسيطر منظمة "الإيباك AIPAC على مقدرات السياسة الأمريكية منذ الثلث الأول من القرن العشرين، وتضع مصالح إسرائيل، في مقدمة السياسة الأمريكية، وتمثل أكبر آليات "لوبي الضغط" على الإدارة الأمريكية منذ ذلك الحين, وحتى الآن. ويزيد من قدرة تلك المنظمة في الضغط على الحكومة الأمريكية، أن تصنيف اليهود في أمريكا، يغاير تماما التصنيفات الأخرى، حيث إن معظمهم من أصحاب رؤوس الأموال، أو من العاملين في وسائل الإعلام، أو من أصحاب النفوذ المسيطرين على مجريات الأمور، وللدلالة على ذلك فإن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بيل كلينتون Bill Clinton خلال فترة الرئاسة الثانية، كان بين أعضائها أربعة وزراء يهود، يمثلون نسبة 25% من إجمالي الحكومة، كما تتولى 55 شخصية يهودية، وظائف رئيسية في البيت الأبيض، والحكومة.
منقوللللللللللل
دوافع إقامة العلاقات العسكرية الإسرائيلية ـ الأمريكية وتطورها
المقدمة.
لم تبن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بين عشية وضحاها، ورغم ما تحمل هذه العلاقة من مفارقات، فهي ما زالت تتقدم. ويعكس واقع التحالف اليوم إفرازات نصف قرن من العلاقات الخاصة بينهما، والتي أسفرت عن قناعة الإدارة الأمريكية بأن تترك إسرائيل تنفذ ما تراه لأنها أدرى بمصالحها، كما تدرك أمريكا، أن مصالحها في المنطقة تصان، وتتحقق عندما يكون لدى إسرائيل حرية الحركة، والقدرة على تهديد وردع جيرانها العرب، لاسيما وأن إسرائيل هي أول وأهم من يساندها في حالة تهديد مصالحها.
ويُعد التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، هدفاً إسرائيليا متأصلاً، يرجع إلى بداية الخمسينيات من القرن العشرين، عندما التقى وزير الخارجية الإسرائيلي وقتها، موشي شاريـت Moshé Sharett، مع وزير الدفاع الأمريكي "جورج مارشال" George Marshall، في نيويورك في ديسمبر 1950، حيث طرح شاريت أول أفكار إسرائيلية عن التعاون الإستراتيجي، واتفق مع وزير الدفاع الأمريكي على إعداد مذكرة تفصيلية حول هذا الموضوع، تضمنّت عرضاً لموقف إسرائيل الاقتصادي، والصناعي، على ضوء الحصار العربي المضروب حولها، وطلبت المساعدة الأمريكية في حل تلك المشكلة، مركزّة على أن ما حققه جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، في مجال الدفاع عن دولة ولدت لتوها ضد القوات العربية، يمثّل مؤشراً جيداً على الخدمة التي تستطيع إسرائيل تقديمها للعالم الحر، إذا نمت قدرتها العسكرية.
وثمة دلالة أخرى تشير إلى محاولات إسرائيل المبكرة للتعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي رسالة وزير الخارجية الأمريكي، "دين أتشيسون" Dean Acheson، إلى السفارة الأمريكية لدى إسرائيل في ديسمبر 1950، والتي تكشف مناشدة إسرائيل لوزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين، تقديم مساعدات لدعم الصناعات الحربية الإسرائيلية، وطالبت بأن تؤخذ إسرائيل في الحسبان عند وضع الخطط الغربية للدفاع عن الشرق الأدنى - من خلال إنتاج السلاح في إسرائيل- بما يساعد على تزويد الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، كإيران، وتركيا، واليونان، وإمدادها بالسلاح في الوقت المناسب.
ويعود تاريخ علاقات المساعدات العسكرية الرسمية بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، إلى عام 1952، إلا أنها لم تصبح المورد الرئيسي للأسلحة، التي تحصل عليها إسرائيل إلا عام 1967، أما برنامج المساعدات العسكرية الأمريكية السنوي فقد بدأ عقب حرب أكتوبر 1973، واستمر حتى الآن، وقد سبق ذلك تقديم قروض عسكرية أمريكية لإسرائيل، وموافقتها على ضمان بيع الأسلحة إما من مصادر أجنبية، أوعن طريقها.
وقد بلغ إجمالي المساعدات العسكرية الإسرائيلية، أكثر من 1.4 مليار دولارا خلال الفترة من عام 1950 حتى عام 1973. ومنذ عام 1973 زادت هذه المساعدات زيادة كبيرة. ومن الواضح أن حجم المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، قد تأثرت بالأحداث السياسية، وقضية الصراع العربي الإسرائيلي، حيث استقرّ حجم المساعدات عند مليار دولار سنوياً، خلال السنوات المالية 1978 حتى 1980، أما السنة المالية 1977، فقد خصص لها 2.2 مليار دولار، وارتبط ذلك بالانسحاب الإسرائيلي من سيناء.
وخلافاً لذلك، فقد زادت المساعدات العسكرية الخارجية في مجال التسلح عن معدلها العام في حالتين:
- الحالة الأولى: عند إعادة تسليح إسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر 1973، حيث بلغت قيمة هذه المساعدات نحو 2.5 مليار دولار في السنة المالية 1974.
- الحالة الثانية: عندما حصلت إسرائيل على 17 مليار دولار في شكل قروض، خلال السنة المالية "1976"، بعد اتفاق فض الاشتباك الثاني في سيناء.
والواضح أن توجه السياسة الأمريكية نحو إسرائيل، بدأ يتزايد بعد عام 1967، حيث ازدادت مكانة إسرائيل باعتبار أنها تلعب دوراً رئيسياً في إطار المصالح الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط.
وكنتيجة مباشرة للمتغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بعد حرب أكتوبر 1973 "توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ـ سقوط شاه إيران ـ الغزو السوفيتي لأفغانستان"، ومنذ بداية الثمانينيات، بدأ شكل التعاون الإستراتيجي بين البلدين يأخذ مساراً متعاظماً.
دوافع إقامة العلاقات العسكرية الإسرائيلية ـ الأمريكية
هناك دوافع مشتركة، أو منفصلة، بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في إقامة العلاقات الإستراتيجية، تطورت باستمرار إلى الأفضل دون النظر إلى المتغيرات الحادة في العالم وفي المنطقة.
ويمكن أن تتلخص في الآتي:
إسرائيل.
تمثل الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الإستراتيجي الذي ساند إسرائيل في تحقيق مصالحها وأهدافها القومية، سواء على الصعيدين الإقليمي والدولي، من خلال تقوية مكانتها بالمحافل السياسية، والاقتصادية الإقليمية، علاوة على زيادة إمكانياتها الإنتاجية، بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة التي تتيح لها قدرة الاندماج في الأسواق العالمية الآسيوية ـ الأوروبية، ودعم سياستها في التغلغل بالقارة الأفريقية، لتحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية، فضلاً عما تحصل عليه من مكاسب مباشرة في التعامل مع السوق الأمريكي، أو بدول الأمريكتين من خلال الولايات المتحدة الأمريكية.
الولايات المتحدة الأمريكية.
تشكل إسرائيل أحد أهم ركائز تحقيق أهداف السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط، من خلال الدور، الذي تلعبه مع تركيا لشغل الفراغ الإستراتيجي بمنطقة الخليج العربي، وآسيا الصغرى، والقوقاز، سواء لتأمين المصالح البترولية الأمريكية بتلك المناطق، ومواجهة العدائيات المحتملة من جانب إيران والعراق، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، ووسائل إطلاقها، أو لتأمين المصالح الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط، في ظل تنامي الدور الأوروبي المنافس للدور الأمريكي في مستقبل الترتيبات الأمنية في حوض البحر الأبيض المتوسط. إضافة إلى الدور الذي تلعبه إسرائيل في تحقيق المصالح الأمريكية بالقارة الأفريقية، بصفة عامة، والقرن الأفريقي بصفة خاصة.
كما تقوم إسرائيل بدور الوكالة لتحقيق المصالح الأمريكية في كل من الصين، ودول أمريكا اللاتينية، ومناطق أخرى، من خلال تنفيذ أهداف السياسة الأمريكية، في هذه المناطق بعيداً عن الكونجرس الأمريكي.
ويزيد من قوة الدوافع الأمريكية السابقة، حقيقة قوة ضغط اللوبي الصهيوني الأمريكي على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، سواء في السياسة الخارجية، أو داخل الإدارة الأمريكية، أو الكونجرس الأمريكي.
كما تأتي الدوافع الأمريكية من خلال اهتمامها بأمن إسرائيل، كالتزام أساسي للسياسة الخارجية الأمريكية، فقد أكد الرؤساء الأمريكيون، وأعضاء الكونجرس التزامهم تجاه بقاء إسرائيل، والحفاظ على أمنها، ويتركّز هذا الدعم في ثلاثة اتجاهات رئيسية، تتمثل في الآتي:
اتجاه سياسي، وإن أخذ اتجاهات أخرى.
يتمثل في أن الالتزام الأمريكي تجاه إسرائيل، هو التزام "أخلاقي" يتمثل في أن لليهود حق في أن تكون لهم دولة, بصرف النظر عن تعارض ذلك مع حقوق العرب الفلسطينيين، كما أن إسرائيل تعتبر دولة ديموقراطية تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في كثير من قيمها.
اتجاه ينبع من السياسة الداخلية المؤثرة على الإدارة الأمريكية.
حيث يرجع أسباب الاهتمام الأمريكي بإسرائيل، إلى اعتبارات داخلية أهمها، وجود الجماعات اليهودية التي تعد على درجة عالية من الكفاءة والنشاط، وكذلك ميل الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل، وليس إلى العرب.
اتجاه يستند على مصالح وإستراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية.
يرتكز هذا الاتجاه في تفسيره للعلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، على الفكرة الكلاسيكية الخاصة بالمصلحة القومية، بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترسل بملايين الدولارات في شكل معونة عسكرية واقتصادية لإسرائيل، لمجرد الشعور بالتزام أخلاقي، أو لسبب ضغوط اللوبي اليهودي، ولكنها تفعل ذلك من منطلق أن إسرائيل تشكل رصيداً إستراتيجيا مهماً لها في منطقة الشرق الأوسط، التي تعتبر من أهم المناطق للمصالح الأمريكية. فقيمة إسرائيل الإستراتيجية، تنبع من كونها الحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في هذه المنطقة، بل إنها يمكن أن تستخدم قواتها لحماية المصالح الأمريكية، وأن تقدم أو تخصص قواعد لعمليات عسكرية أمريكية في المنطقة. وقد ظهر ذلك واضحاً في حرب يونيه 1967، حيث حققت إسرائيل الهدف الأمريكي في إيقاف المد الثوري المصري، والتأثير على مصالح الغرب البترولية في المنطقة، كذلك في أثناء تصاعد الخلافات بين السلطات الأردنية والعناصر الفلسطينية داخلها في سبتمبر 1970، حيث كان تقدم القوات الإسرائيلية في اتجاه الأردن، والذي نفذ بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة رادع للتدخل السوري في الأردن، دون أي تدخل من الجانب الأمريكي. وقد أدارت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأزمة، كحالة لدراسة أبعاد التعاون العسكري الإسرائيلي ـ الأمريكي.
على أساس مبادئ أساسية هي:
- التأكيد على أن التدخل الإسرائيلي لن يؤدى إلى تصعيد الموقف.
- الإعداد لمعاونة إسرائيل عسكرياً إذا ما تصاعد الموقف.
- التنسيق الحذر للمطالب العسكرية السياسية لإسرائيل والأردن.
وقد أدّت نتائج الاعتبار السابق إلى نقل انطباع واضح لدى القيادات الأمريكية المتعاقبة، على ضرورة تحقيق تفوق إسرائيل عسكرياً، واقتصاديًا، وتكنولوجياً كقاعدة مسلحة تحمى المصالح الأمريكية والغرب في المنطقة، وكذا التفكير في تحويل إسرائيل كقوة ردع سريع خاضعة لأمريكا، تعمل بتنسيق وتعاون مع البنتاجون، من أجل تحقيق المصالح الأمريكية بالمنطقة.
مراحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتأثيرها على التعاون العسكري الإسرائيلي ـ الأمريكي
مرت السياسة الأمريكية في إطار التعاون مع إسرائيل، تجاه الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بتطورات عديدة منذ عام 1948، وقد تحددت هذه السياسة نتيجة لعاملين:
- السياسة الأمريكية تجاه المنطقة ككل، والتي كانت من خلال تطور الصراع الدولي والدور المتغير الذي لعبته إسرائيل في إطار المفاهيم الأمريكية للدفاع عن مصالحها السياسية، والإستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط.
- العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والتعاطف مع تلك الدولة، والذي يرجع لأسباب تاريخية، ودينية، وإنسانية، الأمر الذي ضمن لإسرائيل قدراً من التأييد الأمريكي لها، حتى عندما كان يبدو هذا التأييد متعارضاً مع المصالح الأمريكية في المنطقة.
هذا وقد مرت علاقات البلدين بعدة مراحل:
المرحلة الأولى من عام 1948 حتى عام 1957.
شهدت هذه المرحلة سعي الولايات المتحدة الأمريكية، لإدخال دول منطقة الشرق الأوسط ـ ومن بينها مصر ـ في نظام الدفاع الغربي، وذلك في إطار سياسة الاحتواء الأمريكية الموجهة ضد الاتحاد السوفيتي السابق. وكانت السياسة الأمريكية في هذه المرحلة - والتي تتطلب الاقتراب من الدول العربية، ومنها مصر ـ تتصادم مع الاهتمام الأخلاقي والتعاطف مع إسرائيل، مما أدى إلى توتر جزئي في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، غير أن التصادم قد تفاوت من فترة إلى أخرى.
المرحلة الثانية 1957-1967.
تميزت هذه المرحلة بفشل المحاولات الأمريكية، لربط الدول العربية بنظام الدفاع الغربي، وتخليها بالتالي عن هذا الهدف, والسعي بدلاً من ذلك إلى المحافظة على نفوذها في المنطقة، ومحاولة وقف النفوذ السوفيتي فيها، وذلك من خلال سياسة تحقيق الاستقرار وتوازن القوى الإقليمي.
وقد أزال تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن محاولتها، ربط الدول العربية بنظام الدفاع الغربي مصدراً أساسياً من أسباب التوتر في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، وأصبح من الممكن لأمريكا أن تنمي الصداقة مع دول عربية إلى جانب إسرائيل، من أجل تحقيق الاستقرار، وتوازن القوى في المنطقة كأحد أهداف السياسة الأمريكية.
المرحلة الثالثة 1967 – 1973.
قامت السياسة الأمريكية، بعد وقف إطلاق النار في يونيه 1967، على ضرورة التوصل إلى تسوية للصراع في منطقة الشرق الأوسط، يتحقق من خلالها الأمن الكامل, وضمان بقاء إسرائيل، وليس مجرد العودة إلى ترتيبات الهدنة،على أن تكون هذه التسوية بإرادة أطراف الصراع دون فرضها عليهم، ودون التقيد ببرنامج زمني لهذه التسوية. كما وضعت السياسة الأمريكية في اعتبارها إمكانية قيامها بدور يؤدي إلى توصل الأطراف المختلفة إلى تسوية للصراع، ينبع من الإرادة الأمريكية، وعلاقاتها بدول المنطقة، ويضمن تحقيق المصالح الأمريكية دون التورط في صدام عسكري مع الاتحاد السوفيتي، خاصة إن استمرار الصراع ـ من وجهة النظر الأمريكية ـ سيؤدي إلى صعوبة تنمية العلاقات بين الحكومات العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، ويؤثر سلباً على مصالحها.
غير أنه لما كانت الإدارة الأمريكية ـ في ذلك الوقت ـ مهتمة بحصر نفوذ مصر، فإنها كانت تسعى لإيجاد تسوية للصراع من نوع خاص، بحيث يؤدي إلى بقاء نفوذ مصر داخل حدودها، وفي الوقت نفسه التوجه للدول العربية، وإقناعهم بعدم جدوى الاعتماد على مساعدة السوفيت، أو توجيه أي تهديد لإسرائيل. ومن ثم كانت السياسة الأمريكية تقوم على محاولة استثمار انتصار إسرائيل عام 1967، من أجل التوصل إلى تسوية نهائية للصراع.
نيكسون.
وبينما استمرت النظرة الأمريكية بشأن تسوية الصراع في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون Richard Nixon، خلال عام 1970، على أساس التسوية الشاملة للصراع، إلا أن الفترة التالية لها وحتى عام 1973، تميزت بظهور منهج جديد للتسوية، يقوم على أساس محاولة تأييد صيغ جديدة مؤقتة لا تصل إلى حد التسوية الشاملة للصراع، وبالتالي تجنب القضايا الأساسية موضع الخلاف التي تعوق مثل هذه التسوية.
وكان الاعتقاد السائد لدى صانعي القرار الأمريكي، خلال الفترة السابقة لحرب أكتوبر 1973، بأنه يمكن ردع احتمال نشوب حرب بين مصر وإسرائيل، وذلك من طريق استمرار ميزان القوى لصالح إسرائيل، وبما يحقق هدف الولايات المتحدة الأمريكية في حماية أمن وسلامة إسرائيل، وفي الوقت نفسه يقلل من تأثير النفوذ السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط.
المرحلة الرابعة ما بعد نصر أكتوبر 1973.
أثبتت حرب أكتوبر 1973، ونتائجها خطأ التقديرات الأمريكية القائلة، بأن الدعم الأمريكي الشامل لإسرائيل يضمن لها التفوق المطلق علي خصمها العربي في كل الظروف, بما يؤدي إلى تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت الإدارة الأمريكية ناجحة في استيعاب هذه المفاجأة الضخمة، والعمل على تعديل تصوراتها للموقف، ولإمكانيات التحرك الأمريكي انطلاقا من إدراكها للأبعاد الجديدة للصراع في ضوء نتائج حرب أكتوبر 1973، ومدى تهديدها للمصالح الأمريكية، خاصة فيما يتعلق باحتمالات المواجهة مع الاتحاد السوفيتي، واستخدام العرب لسلاح البترول بفاعلية. ومن ثم كان على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تسعى لحل الصراع، والتحرك تجاه القيادة المصرية، وإقناعها بالدور الأمريكي من أجل تحقيق السلام في المنطقة، وقد تبلورت هذه التحركات جميعا بتوقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية في مارس 1979. وهكذا بدأت مرحلة هامة تالية في التعاون الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
المرحلة الخامسة 1974-1981.
مع الانغماس الأمريكي المتزايد في شؤون المنطقة العربية عامة، والعلاقات المصرية ـ الإسرائيلية خاصة، وما أدت إليه الوساطة الأمريكية من توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية عام 1979، كانت هناك متغيرات أخرى شهدتها المنطقة، مثل سقوط شاه إيران في فبراير 1979، والغزو السوفيتي لأفغانستان في 24 ديسمبر 1979، والتي أدت بطبيعة الحال إلى بلورة رؤية أمريكية لأمن المنطقة.
المرحلة السادسة، وهي مرحلة التحالف بعد عام 1981.
في ظل إدارة الرئيس رونالد ريجان Ronald Reagan، بدأت السياسة الأمريكية تأخذ أبعاداً جديدة تجاه دول المنطقة، مع إعطاء أسبقية مطلقة، وأساسية لقضية المواجهة مع الاتحاد السوفيتي، ومحاولة إقناع دول المنطقة بأن الخطر الأساسي الذي يتهددها هو خطر النفوذ السوفيتي. ومن ثم تحركت الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هدفين أساسيين:
- محاولة إقناع دول المنطقة بأهمية الحماية الأمريكية لها، وبما يستتبع ذلك من التسليم بضرورة التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، وضرورة مساهمة دول المنطقة في ترتيبات الأمن، التي تعد لها الولايات المتحدة الأمريكية.
- إقامة شكل من أشكال التحالف غير المعلن بين محور كامب ديفيد والدول الأخرى، المرتبطة بالسياسة الأمريكية في المنطقة.
ومع فشل الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق هذين الهدفين، مع الدول العربية بالمنطقة، اتجهت لتوقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل في 29 نوفمبر 1983.
المشاكل التي واجهت التحالف.
إن التطور المطرد في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، وصولاً لصيغة التحالف لم يمر دون مشاكل، مثل التجسس المتبادل بين الدولتين، وتدمير السفينة الأمريكية ليبرتي USS Liberity في يونيه 1967، واتهام إسرائيل بفعل ذلك عمداً، وقضايا الفساد، وسوء استخدام المساعدات الأمريكية، إلا أن هذه القضايا لم تقف دون استمرار التحالف ونموه.
يضاف إلى ذلك المعارضة الداخلية الأمريكية، للمساعدات الضخمة التي تقدم لإسرائيل، وقد جاء ذلك على لسان أحد أبرز ممثلي الحزب الجمهوري الأسبق بوب دول Bob Dole. كذلك كان هناك التغيير السلبي في صورة إسرائيل كمجتمع للحرية، والديموقراطية، بعد غزو لبنان، وأحداث الانتفاضة الفلسطينية، إلا أن هذا التغيير قد أضرّ بمصالح إسرائيل وصورتها أمام العالم والإدارة الأمريكية، كما أضر بمصالح اليهود الأمريكيين، وقدرتهم على ممارسة ضغوط على الإدارة الأمريكية، وخصوصاً مع الخوف اليهودي من أثر الأصولية المسيحية من وجهة النظر الإسرائيلية، التي لا ترى أو تهتم ألا بمسألة عودة المسيح فقط.
تطور العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية.
قبل الخوض في الموضوع، لابد من تفهم حقيقة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، التي توجهت باستمرار لصالح إسرائيل، دون النظر لمصالح دول المنطقة أو حسن الجوار، أو دون مراعاة مسؤولية دولة كبرى تجاه أمن المنطقة ككل، ولكنها نظرت لأمن إسرائيل وبقائها على أنه التزام أدبي وإستراتيجي. وتسيطر منظمة "الإيباك AIPAC على مقدرات السياسة الأمريكية منذ الثلث الأول من القرن العشرين، وتضع مصالح إسرائيل، في مقدمة السياسة الأمريكية، وتمثل أكبر آليات "لوبي الضغط" على الإدارة الأمريكية منذ ذلك الحين, وحتى الآن. ويزيد من قدرة تلك المنظمة في الضغط على الحكومة الأمريكية، أن تصنيف اليهود في أمريكا، يغاير تماما التصنيفات الأخرى، حيث إن معظمهم من أصحاب رؤوس الأموال، أو من العاملين في وسائل الإعلام، أو من أصحاب النفوذ المسيطرين على مجريات الأمور، وللدلالة على ذلك فإن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بيل كلينتون Bill Clinton خلال فترة الرئاسة الثانية، كان بين أعضائها أربعة وزراء يهود، يمثلون نسبة 25% من إجمالي الحكومة، كما تتولى 55 شخصية يهودية، وظائف رئيسية في البيت الأبيض، والحكومة.
منقوللللللللللل