شهدت منطقة شمال إفريقيا حركة دبلوماسية كثيفة وحدثين متزامنين مع بداية الأسبوع الجاري، وهما على التوالي زيارة وزير الخارجية المصري إلى المغرب يوم الإثنين الأخير، أعقبتها زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى الجزائر يوم الثلاثاء، ويظهر أن القاسم المشترك بين التحركين الدبلوماسيين هو وجود الملف الليبي على طاولة النقاش، سواء تعلق الأمر بالنسبة للمغرب ومصر، أو الجزائر وروسيا.
وكما هو معلوم، فإن الملف الليبي يشهد تنافسا مؤخرا بين الجزائر ومصر في ظل الحديث عن صراع وخلافات مستقبلية حادة بين البلدين، وعلى الطرف الآخر، ما زال المغرب يعلن الحياد في هذا الملف، في حين أن هناك حضورا روسيا قويا في ليبيا..
• فهل نشهد محورا مغربيا مصريا في مواجهة الجزائر؟
• وهل يقابله حلف روسي جزائري؟
هذا ما يحاول هذا الملف ملامسته.
بداية التنافس الجزائري المصري في الملف الليبي
منذ أن انهارت العملية السياسية في ليبيا التي كان مقررا خلالها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية يوم 24 دجنبر من العام الماضي، أخذ المغرب مسافة مما آلت إليه الأمور، واكتفى بالتأكيد على ضرورة إجراء الانتخابات الليبية في موعدها، معتبرا أن الحل الأنسب للأزمة يجب أن يمر عبر الانتخابات، ثم احتضن في شهر يناير الماضي، لقاء بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، وسط حديث مصادر ليبية عن وساطة مغربية لتجاوز مأزق تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ورغم ذلك، استمر الوضع على ما هو عليه، ومع نشوب الأزمة الأوكرانية بداية من يوم 24 فبراير من العام الجاري، شهدت ليبيا تطورا جديدا، ويتعلق الأمر بتأدية الحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا اليمين القانونية يوم 3 مارس، أمام مجلس النواب المنعقد في طبرق، بعد فشل العملية السياسية طوال سنة 2021. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ الملف الليبي يشهد تطورات جديدة، وخاصة في ظل تدخل أطراف جديدة كانت تعتبر نفسها إلى أواخر السنة الماضية، محايدة في هذا الملف، ويتعلق الأمر بالجزائر.. فعلى الأقل كانت الجارة الشرقية لا تؤيد أي طرف بصفة علنية اللهم موقفها من الجنرال خليفة حفتر.
وانطلاقا من ذلك التاريخ، بدأ ينظر إلى ليبيا على أنها ستخلق أزمة جديدة في الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط، لا تقل أهميتها عن الأزمة الأوكرانية، خصوصا بعدما أظهرت القوى الغربية موقفا غامضا من دعم حكومة فتحي باشاغا من عدمه، فيما كانت مصر هي الدولة الوحيدة التي أعلنت بلا مواربة عن دعمها للحكومة الجديدة بناء على تقديراتها بأن باشاغا هو الرجل المناسب محليا وإقليميا ودوليا في هذه المرحلة، حيث تنزعج القاهرة من ترك الأزمة الليبية مفتوحة على سيناريوهات سلبية، غير أن الجزائر لم تسمح بأن تظل مصر ممسكة بهذا الملف، بل إنها أعلنت قبل إعلان البرلمان الليبي عن تعيين فتحي باشاغا، عن دعمها الصريح لعبد الحميد الدبيبة.. فقد استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عبد الحميد الدبيبة يوم 22 فبراير بقطر على هامش مشاركة الرئيس تبون ورئيس الوزراء الليبي في القمة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز والمنعقدة بالعاصمة الدوحة، وعقب الاستقبال، صرح الدبيبة للصحافة أن اللقاء تميز بـ”الترحاب والأخوة” مؤكدا أن “الجزائر تمثل الدولة الجارة والسند الذي يعتمد عليه الشعب الليبي في استقرار بلاده ودعمها في التقدم والرقي”.
غير أن الموقف الجزائري من الصراع في ليبيا، أحدث فجوة في العلاقات المصرية الجزائرية، بعد إعلان الرئيس عبد المجيد تبون أن الجزائر لا تعترف إلا بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ما أثار موجة من الانتقادات العنيفة في وسائل الإعلام المصرية، ويُحيل هذا الخلاف حول الموقف من طرفي النزاع في ليبيا، إلى خصومات سابقة بين الجزائريين والمصريين قد تكون شرارتها أحيانا مباراة في كرة القدم، لكنها اكتست في بعض الأحيان بُعدا سياسيا مثل مطالبة الجزائر بتدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية كي لا يبقى حكرا على الوزراء المصريين المتقاعدين، وهو الاقتراح الذي رفضته القاهرة بشدة.
الحياد المغربي في الملف الليبي
في ظل الصراع المصري الجزائري، ظل المغرب يأخذ مسافة من الملف الليبي.. ففي يوم 22 فبراير الماضي، وهو تاريخ لقاء الرئيس الجزائري ونظيره الليبي بقطر، اعتبر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية مالطا، إيفاريست بارتولو، أن “أخطر شيء يمكن أن يمس ليبيا هو الفراغ المؤسساتي”، مؤكدا على ضرورة استمرار المؤسسات الليبية في عملها بشكل طبيعي.
وأكد بوريطة أن بلاده لا تتدخل في الشؤون الليبية وفي قرارات المؤسسات هناك، وأن ما يهمه هو عودة الاستقرار، لافتا إلى أن الانتخابات يتعين أن تكون منطلقا لتعزيز الاستقرار في ليبيا، وعلى كل الفرقاء الاشتغال في اتجاه واحد لتلبية الحاجيات اليومية لليبيين، ومن جهة أخرى، قال بوريطة إن بلاده تبقي الباب مفتوحا لتقريب وجهات النظر، وخلق الفضاء المناسب لليبيين للقاء والحديث فيما بينهم لما فيه مصلحة ليبيا دون أجندات أو تدخل أو أي إملاءات.
المحلل والمعارض الجزائري أنور مالك، علق بناء على مصادره الخاصة، بأن من بين الأسباب التي دفعت الجزائر دفعا إلى تأييد حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها، هو أن الحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا كانت تستعد للاعتراف بمغربية الصحراء، وأن هذا سببا مباشرا لكي تنخرط الجزائر بكل قوة في الفترة الأخيرة في الشأن الداخلي الليبي.
هل يمكن مشاهدة محور جزائري-روسي مقابل محور مغربي-مصري؟
لا تثير ليبيا هذا المشكل وحده، بل إنها تطرح إشكالا آخر، يتعلق بالوجود الروسي فيها، فرغم انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية إلا أنها كثفت من حضورها بقوة في عدة بلدان إفريقية أهمها ليبيا.. فقد تمددت روسيا عسكريا بقوة في عدد من المناطق الليبية، وبصفة خاصة في الهلال النفطي وتتركز في مدينة سرت، وتسعى إلى فتح طريق نحو فزان، وقد لوحظت حركة جديدة للقوات الروسية قرب القاعدة الجوية في الجفرة، كما أن الشركات الروسية الخاصة المقربة من الدولة حاضرة في قطاعات عدة، وخصوصا في عمليات إزالة الألغام، وطباعة الأوراق المالية.
وفي ظل الصراع الجزائري المصري حول ليبيا، وبالتزامن مع زيارة وزير الخارجية المصري إلى المغرب، يزور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجزائر، وقد أعلن أن زيارته جاءت لبحث الأزمتين الأوكرانية والليبية، وكذا الوضع في الشرق الأوسط، ومستجدات أسواق الطاقة.. فهل معنى هذا أن هناك تحركا جزائريا روسيا ضد مصر بخصوص الملف الليبي؟
كما هو معلوم، فإن القاهرة دعمت روسيا خلال الحرب الأوكرانية الأخيرة، وهو ما جعل واشنطن تمارس ضغوطا على القاهرة، بسبب موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، ودعمها للمعسكر الروسي، كما تمارس الولايات المتحدة ضغطها على النظام المصري في ملف حقوق الإنسان، حيث صرحت وزارة الخارجية الأمريكية بأن “وفاة الباحث الاقتصادي المصري أيمن هدهود، تتطلب تحقيقا شاملا وشفافا ويتسم بالصدقية”، وذلك بعد وفاته في مستشفى للأمراض النفسية بالقاهرة حيث أحالته الأجهزة الأمنية التي احتجزته.
وكما هو معلوم، فإن الوجود الروسي في ليبيا قوي، ولا يقتصر عليها وحدها، بل إنها تمددت في عدة دول، منها إفريقيا الوسطى، التي توغلت فيها روسيا منذ العام 2017، ويتركز التعاون العسكري بين البلدين في تكوين الوحدات العسكرية وتدريبها، وحماية رئيس الجمهورية والمؤسسات الكبرى في الدولة، ويصل عدد الخبراء العسكريين الروس في إفريقيا الوسطى إلى 1135 فردا، حسب الأرقام المعلنة، و2500 فرد، حسب التقديرات الموضوعية، ويُعتقد أن روسيا تحصل على معادن إفريقيا الوسطى ثمنا لدعمها لحكومة بانغي، أما في الموزمبيق، فقد بدأ الحضور العسكري الروسي منذ سنة 2019، وتركز في مجال الاقتصاد النفطي والقطاع المصرفي، ودخلت القوات الأمنية الروسية الخاصة بقوة في إقليم كابوديلغادو الغني بالغاز الطبيعي في شمال البلاد، حيث تنشط التنظيمات الراديكالية الإسلامية.
فهل تغامر روسيا بحليف وازن في الشرق الأوسط دعمها خلال الأزمة الأوكرانية من أجل الجزائر، أم أنها ستمسك العصا من الوسط ما دامت متحكمة في الملف الليبي ولها وجود على الأرض، وتحتاج لحلفاء في القادم من الأيام أكثر مما تسعى لخسارتهم؟
وفيما يتعلق بالمغرب، يبدو أن هناك خللا في العلاقات بينه وبين روسيا، تجلت معالمه من خلال رسالة مبطنة بعثت بها المملكة إلى روسيا خلال الأيام الأخيرة.. فبعدما ظل المغرب محايدا فيما يتعلق بالصراع الروسي الأوكراني، شارك مؤخرا في مؤتمر احتضنته القاعدة الأمريكية في ألمانيا ”رامشتاين”، خصص لدعم أوكرانيا ضد روسيا.. فهل يتعلق الأمر بموقف مغربي جديد من روسيا،
أم أن المغرب قد يستفيد من الحضور الروسي في القارة الإفريقية ومن ضمنها ليبيا؟ ذلك أن هناك من يرى بأن المغرب يمكن أن يستفيد من الوجود الروسي في إفريقيا، حيث يرى الباحث في الشأن الأمني بإفريقيا، عبد الواحد أولاد مولود، أن “الرباط أرست محدداتها الأمنية والاستخباراتية والروحية والاقتصادية بالقارة الإفريقية”، ثم تابع: “المشاريع التنموية الكبرى قد تدفع روسيا إلى التعاون مع المغرب، بل يمكن للحضور المغربي أن يعود عليه بالنفع السياسي بشأن قضية الوحدة الترابية”، وخلص ذات الباحث إلى أن ”الدبلوماسية المغربية عليها استثمار الحضور الروسي من أجل تغيير بعض الأفكار لديها إزاء المنطقة، بوصف المغرب قوة إقليمية بارزة في القارة ككل”، ليختم بأن ”المغرب قد يساهم في خلق التوازنات الإقليمية بين روسيا وأمريكا وفرنسا بالمنطقة”.
فهل يمكن أن تؤشر أحداث هذا الأسبوع على تحول جذري، أم أن روسيا في حاجة إلى المغرب ولا تريد التفريط فيه بهذه السهولة، في ظل تقارب واضح بين البلدين طيلة الست سنوات الماضية ؟
ملف الأسبوع | مؤشرات تحالف مصري مغربي في الملف الليبي ضد المخطط الجزائري - الأسبوع الصحفي
الأسبوع الصحفي - ملف الأسبوع - ملف الأسبوع | مؤشرات تحالف مصري مغربي في الملف الليبي ضد المخطط الجزائري
www.alousboue.ma