لمــاذا أخفقــت القــوات الروسيــة حتــى الــآن فــي إنجــاز مهمتهــا ؟
على مدى أيام كنت أبحث في أسباب الأداء السيء والهزيل للقوات البرية الروسية في أوكرانيا من المواقع الغربية والروسية (من حيث الأداء القتالي والتنظيمي organized performance) ووصلت لنتيجة مفادها أن الروس يعيدون تكرار ذات الأخطاء في حرب الشيشان الأولى، مما جعلهم يتحولون لتطبيق واتباع سياسة الأرض المحروقة scorched-earth policy للتغطية على فشل قواتهم البرية في تحقيق أهدافها المطلوبة !!! لم أتطرق لحجم المقاومة الأوكرانية أو تنوع أسلحتها والدعم الغربي، لكن فقط لنقاط الإخفاق الروسية التي تحدثت عنها تلك المصادر.
فحتى بعد حرب الشيشان في منتصف تسعينات القرن الماضي، أنجز الجيش الروسي تحضيرات واستعدادات محدودة للخوض معارك المدن (باستثناء وحدات سبتناز Spetsnaz الخاصة التي كانت أكثر اهتماماً بهذا الجانب في تدريباتها) والكثير من الوحدات الروسية لم تجر أو تمارس أي نوع من أنواع التدريبات على مدى أكثر من خمس سنوات. هكذا، المعركة الحضرية خلال السنوات السابقة لم تعد محط اهتمام التمارين المعمقة والمكرسة للقوات الروسية، وأهملت المناهج الدراسية العسكرية القضية تقريباً بشكل كلي، وأكتفي الجيش الروسي بالخبرات التي إكتسبتها بعض وحداته من الحرب الأهلية السورية.
نقلت بعض المصادر العسكرية الروسية عن قدرة قواتها على الاستيلاء على الأراضي والمدن الأوكرانية المهمة خلال 72 ساعة فقط، حيث توقع هؤلاء الاستحواذ على مركز مدينة "كييف" Kyiv وتنصيب حكومة موالية للإدارة الروسية بخطوة سريعة. المعدات والتجهيزات التقنية الروسية التي استخدمت كانت أقل كفاءة، خصوصاً مع إدراك القيادة العسكرية الروسية لضعف الرغبة القتالية لدى خصومهم.. أغلب الجنود الروس كانوا غير متعودين على القتال في الليل والدبابات كانت عاجزة عن التقدم ليلا دون دعم المشاة، كما تذكر المصادر أن معظم الجنود الروس تلقوا ساعات محدودة من تدريبات القتال الحضري (تم تسجيل الكثير من حالات الهروب وترك المعدات سليمة في أرض المعركة، وأحيانا دون وجود إشتباك أو تهديد محيط).
أفتقد الجيش الروسي إلى القدرة على توفير الأغذية الكافية إلى جنوده. في الحقيقة نقص الغذاء يعكس حالة مشينة ومخزية للعديد من وحدات القتال الروسية. أسوأ من ذلك، وحدات التموين كانت في أغلب الأحيان غير قادرة على توفير المياه الصالحة للشرب، الأمر الذي تسبب في استهلاك القوات الروسية للمياه الملوثة، مما أدى إلى مشاكل صحية إضافية. وبالإضافة للتكتيكات غير الملائمة inappropriate tactics والتقييم غير الكافي أو الواقعي لحجم قوات المقاومة الأوكرانية، عانت بعض منظومات الأسلحة الروسية من أوضاع الأداء السيئ.
افتقدت القوات الأرضية الروسية أيضاً للخرائط الكافية حول تفاصيل المدن الأوكرانية، للحد الذي تعرضت فيه بعض وحداتهم للضياع والفقدان في أحياء المدن الكبرى. حتى قياسات هذه الخرائط كانت خاطئة، والكثير من وحداتهم لم تكن متعودة على أجواء القتال في هذه المدن. وعندما بدأت العمليات فعلياً، أخفقت القوات الروسية في إكمال تطويق وحصار encirclement بعض المدن الهامة لأيام، مما سمح للقوات الأوكرانية والمتطوعين بإدخال المزيد من التعزيزات وتطوير المقاومة الداخلية.. في الختام، يمكن القول أن الإستراتيجية الأوكرانية تركز كما يبدو على إيقاع إصابات كافية بالجانب المعتدي، وإجبار الرأي العام الروسي للوقوف ضد النزاع، فكانت بعض المعارك مثل معركة "ماريوبول" Mariupol (عاشر أكبر مدينة أوكرانية من حيث الحجم، مع تعداد سكان يقترب من نصف مليون نسمة) مختبر جيد لهذه الإستراتيجية.