بداية دراسة العقيده الإسلاميه فى المنتدى ..

عبدَ الله

<b><font color="#FF00FF">فرسان النهار</font></b>
إنضم
5 يناير 2008
المشاركات
559
التفاعل
6 0 0
بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستهديه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهديه الله فهو المهتدِ و من يضلل فلن تجد له و لياً مرشداً
أما بعد ..
يعلم الجميع أن الله خلقنا فى هذه الدنيا لعبادته وحده لا شريك له قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } و لذلك أرسل لنا رسولاً يدعونا إلى دينه و صراطه المستقيم { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }
و هذا الدين يتكون ببساطه من إتجاهين متلازمين لا ينفصلان و لا ينفكان عن بعضهما البعض و ذلك لأن الدين ما جاء إلا لإقامتهما
الأول خط أو إتجاه العبادات : أى ما يتعبد به إلى الله من الأعمال التى تكون بين العبد و ربه فقط كالصلاة و الصيام و الزكاه و الحج و الجهاد و و و و و غيرها
و هذه العبادات لها شرطان لتُقبل الأول الأخلاص لله تعالى الثانى إتباع النبى صلى الله عليه و سلم
لقوله تعالى { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }
العمل الصالح هو العمل كما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قال ذلك أهل التفسير
و الثانى خط أو إتجاه المعاملات : أى التعامل بين الناس أو بمعنى أوضح حسن الخلق لقول النبى صلى الله عليه و سلم { إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق } و قال أيضاً { إن من أقربكم منى منزلة يوم القيامه أحاسنكم أخلاقا }
و قال أيضاً لأصحابه يوماً أتدرون من الفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار قال إنما المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامه بحسنات كأمثال الجبال و لكنه سب هذا و شتم هذا و سفك دم هذا فيأخذ هذا من حسناته و هذا من حسناته حتى إذا فنيت أخذ من سيئاتهم ثم طرح عليه ثم طرح فى النار .. أو كما قال صلى الله عليه و سلم
و بهذا أدركنا اهمية هاذين الخطين فى حياة المسلم و يجب عليه أن يسير فى كليهما بتساوى حتى لا يهلك و يصل إلى رضوان الله اللهم ارضى عنا و اغفر لنا و أرحمنا اللهم آمين
بعد أن أوضحنا هذه النقطه ننتقل إلى نقطه أخرى هامة أيضاً فى معرفة تسلل الشريعة الإسلاميه
و يلخصها حديث النبى الذى يرويه عن رب العزه حيث يقول الله تعالى
{ ما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى مما أفترضته عليه ولا يزال عبدى يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به و بصره الذى يبصر به و يده الى يبطش بها و رجله التى يمشى بها و لإن سألنى لأعطينه و لإن استعاذنى لأُعيذنه } البخارى
نفهم من هذا الحديث أن الدين فرائض و نوافل
الفرائض : هى ما جاء عليه دليل بوجوب فعله أو بوجوب تركه سواء فى القرآن أو السنه أو إجماع سلف الأمه
النوافل : ما ورد عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه فعله أو قاله أو حث عليه بأمر يفيد الإستحباب لا الوجوب لأنه لو أقتضى الوجوب لكان داخل فى معنى الفرائض و مثال ذلك تقصير الثوب للرجال طبعاً و اللحيه للرجال أيضاً
إذا نطبق هذا التقسيم إلى فرائض و نوافل على الخطين اللذين شرحنهما فى الأعلى و هما العبادات و المعاملات
فيكون هناك عبادات واجبه و عبادات مستحبه و أخلاق واجبه و أخلاق مستحبه
و تفصيل ذلك فى أوانه بإذن الله نسال الله التوفيق و السداد و الهدايه على طريقه المستقيم و الثبات عليه حتى الممات
ثم إن هاذان الخطان لابد لهما من قاعده سليمه ينطلقان منها هى التى تدفعهما إلى مواصلة السير و مجاهدة النفس فى طاعة الله و البعد عن المعصية و هذه القاعده هى العقيده الإسلاميه عقيده المسلم فى ربه و كيف يصل إلى محبة ربه حتى يعبد الله عن حب و عقيدته فى وجود الجنه و النار حتى يكون حافزاً له لفعل الطاعات و ترك المنكرات و و سيأتى تفصيل ذلك أيضاً بإذن الله و لكن علمنا الآن أن أول شىء لابد أن نتعلمه حتى يصلح لنا باقى ديننا هو ماذا ؟ .... العقيده



و على هذا فوجب معرفة العقيده لما سبق توضبحه من أهميتها فى إستقامة حياة المسلم فلو صلى إنسان كأحسن ما يكون و صام كأحسن ما يكون و يعامل الناس أفضل معامله و لكنه عنده نوع من أنواع الشرك فى العقيده يكون حاله كحال رهبان النصارى الذين يظلون يتعبدون طوال حياتهم يظنون انهم يعبدون الله و هم يشركون به مع ما يفعلون من أعمال فيها مشقة لهم كقوله تعالى { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}
و قوله تعالى { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } فهؤلاء عملوا و اخلصوا و لكن عقيدتهم فاسده و كذلك من تفسد عقيدته من المنتيمن إلى الإسلام بأحد الأمور الشركيه أو البدع التى تذهب ثواب العمل يكون حاله كحالهم يكون عمله هبائاً منثورا ..

الباب الأول : أصل الدين
الدين و الإيمان فى الإسلام : قول و عمل يزيد بالطاعه و ينقص بالمعصيه
القول .. قول القلب و قول اللسان
و العمل .. عمل القلب و عمل اللسان و عمل الجوارح
1) قول القلب فهو إعتقاده و تصديقه
2) قول اللسان نطقه بالشهادة
3) عمل القلب هو إخلاصه و خوفه و رجائه و محبته و يقينه
4) عمل اللسان هو الذكر و قرأة القرآن و الإستغفار
5) عمل الجوارح هو العبادات الظاهرة من الصلاة و الصيام و الحج و الجهاد
و نأخذه نقطه نقطه نوضح فيها العقيده الإسلاميه حتى نستوفى فى النهايه مجمل عقيدة أهل السنه و الله المستعان

[ 1 ] قول القلب
قول القلب كما قلنا هو إعتقاده و تصديقه .. تصديقه بماذا تصديقه بما أخبر به الله و رسوله من أركان الإيمان السته
1] الإيمان بالله
2] الإيمان بالملائكة
3] الإيمان بالكتب
4] الإيمان بالرسل
5] الإيمان باليوم الآخر
6] الإيمان بالقدر خيره و شره
ويقصد بالإيمان التصديق و الإنقياد التصديق و العمل بمقتضى ذلك التصديق
و العقيده معناها الإصطلاحى : جملة المعانى الشرعية التى يجب أن تنعقد فى ذهن المسلم و عقله و قلبه و وجدانه بما بتعلق بشأن الله و ملائكته و الكتب و الرسل و اليوم الآخر و القدر و غير ذلك مما دل عليه الدليل الشرعى .
و على هذا فأول ركن يجب التصديق به فى العقيده هو الإيمان بالله وحده لا شريك له
أى توحيد الله عزل وجل فى ربوبيته و ألوهيته و أسمائه و صفاته و سيأتى تفصيل كل من هذه على حدى بإذن الله
التوحيد شرعاً : إفراد الله عز وجل بما يختص به من الربوبيه و الألوهية و الأسماء و الصفات .
و القرآن كله يتكلم عن التوحيد فآياته إما :
1) خبر عن الله تعالى و عن أفعاله و صفاته يجب التصديق به
2) دعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له
3) أمر أو نهى فهو حقوق التوحيد و مكملاته
4) إخبار عن ثواب الموحدين فى الجنه
5) إخبار عن عقاب المشركين و الكافرين فى النار
و بناء على التعريف السابق للتوحيد فإنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام أستنبطها أهل العلم من القرآن و السنه بالتتبع و الإستقراء و أول من قال بها من أهل العلم إبن بطه و إبن منده
القسم الأول : توحيد الربوبيه
القسم الثانى : توحيد الألوهية
القسم الثالث : توحيد الأسماء و الصفات
و قد جمعها الله تعالى فى قوله { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }
و حديثنا اليوم بالتفصيل عن القسم الأول وهو :

توحيــــــــد الربوبيــــــــــه


هو إفراد الله سبحانه و تعالى بأفعال الرب و صفاته من التصرف فى المخلوقات و تدبير الكون و التحكم فيه و تنظيم شأنه و مثال ذلك الخلق و الرزق و التدبير و الإحياء و الإماته و الملك و التدبير و التحليل و التحريم
و كل أفعال الربوبيه تندرج تحت ثلاث تشملها و هى إفراد الله تعالى بالخلق و الملك و التدبير
1) إفراد الله بالخلق :
أن يعتقد الإنسان أن لا خالق غير الله سبحانه و تعالى لقوله تعالى { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } و كذلك يدخل فيها الإحياء و الإماته قال تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } و قوله أيضاً { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ }
فمن خالف ذلك و أعتقد أن غير الله يمكنه أن يخلق ولو مثقال ذرة أو أن غير الله يستطيع أن يحيى و يميت فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم
ولو قال قائل هناك من صنعون الإنسان الآلى الآن نقول إن الله يخلق من العدم و هؤلاء إنما يصنعون هذا الآلى من مواد خلقها الله مثل المعدن و الزجاج و غير ذلك
2) إفراد الله بالملك :
أن يعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم فهو الذى يرزقهم و يعطيهم و يمنعهم لحكمته وهو الذى له الحق فى التحليل و التحريم وحده و الأدله على ذلك مستفيضة { قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } و قال أيضا { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} و قال أيضا { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون }
و قال أيضا { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
فمن أعتقد أن غير الله يملك الملك المطلق فى الكون و له تصرف فيه كمن يعتقد ذلك من الصوفيه و يقولون أن هناك أقطاب يتحكمون فى الكون بعد موتهم فهذا شرك بالله فى الربوبيه و كذلك من أعتقد أن غير الله يرزقك فقد أشرك مع الله فى الربوبيه كمن يذهبون إلى قبور الصالحين و يقولون يلا بدوى أرزقنى يا بدوى أرزقنى ولداً يا حسين أرزقنى مالاً فهذا كله شرك لأنهم يعتقدون أن غير الله يملك الرزق و سيأتى الكلام عن هذه بالتفصيل فى توحيد الألوهية و من أتخذ من دون الله أنداداً يُشرٍعون غير شرع الله فقد أشرك مع الله فى الربوبيه الله ولهذا يروى من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال للرسول ـصلى الله عليه وسلم ـ في قوله تعالى‏:‏ ‏{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون َ}‏ قال‏:‏ يا رسول الله إنا لسنانعبدهم قال‏:‏ ‏(‏أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه‏)‏قال‏:‏ نعم يا رسول الله قال‏:‏ ‏(‏فتلك عبادتهم‏)‏ فجعل النبي ـ صلى الله عليهوسلم ـ هذا من الشرك و هذا ما يعتقده الشيعه فى أئمتهم الإثنى عشر فيعتقدون أن الله أعطاهم حق التحليل و التحريم و لذلك تجد فى دينهم الفاسد كل فُحش و دنس فيحللون الزنى و يُحللون الكذب و اهل البيت و رب الكعبه منهم براء
يقول الشيخ بن عثيمين : فى شرح الآيه { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
أما بالنسبة لمن وضع قوانين تشريعيه مع علمه بحكم الله و مخالفه هذه القوانين لحكم الله , فهذا قد بدل الشريعة بهذه القوانين فهو كافر لانه لم يرغب بهذا القانون عن شريعة الله إلا وهو يعتقد أنه خير للبلاد و العباد و عندما نقول انه كافر فنعنى بذلك ان هذا الفعل يوصل للكفر .
و كذلك من أعتقد أن غير الله يملك إيصال النفع و الضر فهذا شرك أيضا كمن يذهبون إلى القبور ليسألوا أصحابها أن يشفوهم أو يرزقوهم أموال و كمن يذهبون للدجالين و السحرة و يتقربون إلى الجن حتى لا يضرونهم و يأتى بيان ذلك فى موضعه فى توحيد الألوهية بإذن الله و إنما نحن هنا نركز على الإعتقاد
هنا نقطه .. ما ورد من إثبات ملكيه لبعض الناس فى الدنيا كقوله { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ } فهذه ملكيه قاصرة إذ لا يمكن أن يتصرف فى ملكية الآخرين و ملكيته له فيها ضوابط شرعها له الله فى التعامل معها
3) إفراد الله بالتدبير :
فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر للكون ولا مُصرف لشئونه إلا الله وحده لقوله تعالى { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ }
و كما قلنا سابقاً من أعتقد أن غير الله يصرف أمور الكون و يتحكم فيه كمن يعتقدون فى الكواكب و النجوم أنهم يتحكمون فى بعض أمور الكون فهذا شرك فالله هو المدبر لهذا الكون وحده و كل مخلوق له وظيفه فى الحياه قد ينتج عن أدائه لوظيفته مثلاً هطول الأمطار فهذه وظيفته و ليس هو الذى يتحكم و يدبر بل إن الله هو الذى خلقه لذلك سبحانه و تعالى عما يشركون .
و من معانى الربوبيه أيضا قوله تعالى { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } فنفى العجز هنا دل على كمال صفتى العلم و القدرة لأن العجز إما يكون فى أحدهما او كلاهما
و نأخذ هنا قاعده هامه و هى " كل نفى أضيف إلى الله عز وجل فنفى عنه ما لا يليق بجلاله فى القرآن أو السنه فإن المقصود به إثبات كمال الضد " و مثال ذلك كثير منها قوله تعالى { وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا } و { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } و { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
و هذا النوع من التوحيد أى الربوبيه لم يعارض فيه أحد من اهل الأرض حتى المشركين أيام النبى صلى الله عليه وسلم يُقرون بتوحيد الربوبيه
قال تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} و كذلك ما ورد أن في أول الإسلام حاول الكفار صد النبي صلى الله عليه وسلم عن دينه , فأرسلوا حصين بن المنذر فلما دخل حصين قال : يا محمد فرقت جماعتنا و شتت شملنا فان أردت مالا أعطيناك أو ملكا ملكناك فلما سكت .. قال صلى الله عليه وسلم : يا أبا عمران كم الها تعبد ؟ قال أعبد سبعة , ستة في الأرض وواحدا في السماء !! فقال صلى الله عليه وسلم : فاذا هلك المال من تدعو؟ قال : أدعو الذي في السماء . قال فاذا أنقطع المطر من تدعو ؟ قال: الذي في السماء .. قال : فيستجيب لك وحده أم يستجيبون لك كلهم قال : يستجيب وحده , فقال صلى الله عليه وسلم : يستجيب لك وحده و تشركهم في الشكر ! أم تخاف أن يغلبوه عليك ؟ قال : لا ما يقدرون عليه .. قال صلى الله عليه وسلم : يا حصين أسلم ( أو كما قال عليه الصلاة والسلام)
إلا فرعون و المجوس
ففرعون عارض ذلك على سبيل المكابره مع كونه موقنا فى نفسه بأن الله هو الرب وحده المستحق للعباده لقوله تعالى { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } و قال الله حاكياً عن موسى أنه قال لفرعون { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا }
و المجوس على سبيل الشرك قالوا ان للعالم خالقين هما الظلمة و النور و النور خير من الظلمه
و قد حاج الله أهل الشرك الذين يقولون أنه هناك آلهة أخرى تتصرف مع الله فى الكون سبحانه و تعالى عن ذلك فقال { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } و قال أيضاً { أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } و لاشك ان معنى وجود إلهين هو عجز كل منهما عما فى يد الآخر و هذا فى حد ذاته نقص فكيف يُلحق هذا بالله .
و هذا الذى سبق كان على أهل الشرك أما من أنكر وجود الرب عز وجل من أهل الإلحاد و الشيوعيه
فالحجه عليهم قائمه أقامها الله فى كتابه و سنعرض بعض الآيات ثم نتبعها بكلام الأئمه
قال تعالى { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ }
فأنظر من يفعل هذا غير الله
و قال تعالى { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ } هل خلق هؤلاء أنفسهم أم خلقوا هكذا صدفه كما يزعمون أن الكون جاء صدفه بفعل تصادم المواد سبحان الله هذا الكون المنتظم الدقيق فى تحركاته المنظم فى سلوكياته جاء صدفه إن أحدنا لو رأى سيارت متقنة الصنعه و التقنيات هل يعقل أن يقول أنها جائت هكذا صدفه من تصادم المعدن مع البترول و الزجاج فصارت بهذا الشكل بل قائل هذا رأس المجانين عفنا الله و إياكم من هذا الجنان اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام اللهم أتمها علينا نعمة و إقبضنا عليها اللهم آمين
و قال تعالى { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
و الآيات فى إثبات تحكم الله و تصريفه لأمور الكون كثيرة نأخذ منها أخيراً قوله تعالى { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

و من جميل ما قيل فى ذلك ما جاء عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال :
أسلمت وجهي لمن أسلمتله الارض تحمل صخراً
ثقالا ًدحاها لما استوت شدهاسواء وأرسى عليها الجبال
اوأسلمت وجهي لمن أسلمتله المزن تحمل عذباً زلالا
اذا هي سيقت الى بلدة أطاعت
فصبت عليهاسجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمتله الريح تصرف حالا فحالا
و روى إبن كثير عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال لما ذكر أمامه زيد قال : هو أمة وحده يوم القيامة

يُذكر أن بعض الملاحدة جائوا إلى ابو حنيفه رحمه الله سألوه عن وجود البارى سبحانه و تعالى فقال لهم دعونى فإنى مُفكر فى أمر قد أُخبرت عنه : ذكروا لى أن سفينة فى البحر موقرة فيها أنواع المتاجر و ليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها و هى مع ذلك تذهب و تجىء و تخترق الأمواج العظام حتى تخلُص منها و تسير حيث شائت بنفسها من غير أن يسوقها أحد فقالوا : هذا شى لا يقوله عاقل فقال : ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوى و السلفى و ما أشتملت عليه من الأشياء المحكمه ليس لها صانع ؟! فبُهت القوم و رجعوا إلى الحق و اسلموا على يديه

و سُئل اعرابى عن وحود الله سبحانه و تعالى فقال : يا سبحان الله إن البعر يدل على البعير و إن أثر الأقدام ليدل على المسير فسماء ذات أبراج و أرض ذات فجاج و بحار ذات أمواج ألا يدل على وجود اللطيف الخبير !!

تعلمنا اليوم توحيد الربوبيه بأدلته التفصيلية و ما كان من توفيق فمن الله و ما كان من خطأ أو نسيان فمن نفسى و من الشيطان و قد تم جمع المادة العلميه من المصادرى الآتيه :
[ شرح الواسطيه لإبن عثمين _ شرح الطحاويه الشيخ صالح آلشيخ _ معارج القبول لحافظ الحكمى _ القول المفيد لإبن عثيمين _ مذكرة العقيده للشيخ أبو عبد الله المصرى _ فتاوى الشيخ بن عثيمين المجلد السابع ]
فالله أسئل ان يكتب بها النفع و أن تكون خالصة لوجهه سبحانه و تعالى و أن تكون سهلة فى الفهم اللهم آمين
و أرجوا من كل من إنتفع بها أن يعمل بها و إن ينشر ما تعلمه منها بين الناس
و الله المستعان ..

جمع و ترتيب / أبو محمد عبد الله المصرى
 
التعديل الأخير:
احسنت وبارك الله فيك اخوي عبدالله واصل رعاك الله
 
جزاكم الله خيراً أخوانى أرجوا ان تفيدكم و إن شاء الله تكون سلسلة دروس فى العقيده بإذن الله من يكملها يجمع عقيدة أهل السنه و أرجوا من أستفاد منها أن ينشرها بارك الله فيكم
 
الدرس الثانى من دروس العقيده فى المنتدى

ضمن تواصل حملتنا لمواجهة الحملات التنصيريه فى العالم الإسلامى و ترسيخ العقيده الإسلاميه بأدلتها فى قلوب المسلمين و عقولهم فتكون أرسخ من الجبال نتعرض لهذه السلسله من الدروس فى العقيده الإسلاميه ..
و قد تم عرض من قبل موضوع يحتوى على
1) مدخل إلى العقيده الإسلاميه
2) تعريف التوحيد
3) توحيد الربوبيه
و رابط الموضوع هنا :
http://defense-arab.com/showthread.php?p=11589#post11589
و أكون سعيداً جداً بملاحظتكم عليه بارك الله فيكم
و إستكمالاً لدروس هذه السلسله التى أسئل الله أن ينتفع بها أخوانى
جاء الدرس الثانى و يتكلم عن
1) توحيد الألوهية
2) معنى لا إله إلا الله و شروطها
3) معنى العباده و أشكلها و صورها و أهميتها
4) ماذا نستفيد من الإيمان بتوحيد الألوهية فى حياتنا اليوميه
و إليكم الموضوع ...
و أكون سعيداً جداً بملاحظتكم عليه بارك الله فيكم
 
التعديل الأخير:
توحيد الألوهية

تحدثنا فى الدرس السابق عن مدخل إلى الهقيدة الإسلاميه ثم بدأنا بالكلام عن التوحيد فكان اول نوع هو توحيد الربوبيه و تكلمنا عنه بالتفصيل ثم موعدنا اليوم مع النوع الثانى وهو توحيد الألوهية
معنى الإله كما قاله إبن القيم : هو الذى تألهه القلوب محبة و إنابة و إجلالاً و إكرماً و تعظيما و ذلاً و خضوعاً و خوفا و رجائا و توكل .
يقول الشيخ صالح آل شيخ : الإله هو الذى يعبد مع المحبة و الرضا و الذل .
و بناء على ذلك فتوحيد الألوهية يعنى توحيد العباده لله عز وجل
و العباده كما عرفها شيخ الإسلام : أسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال و الأعمال الظاهرة و الباطنه .

و قد جائت الأدلة من القرآن و السنه فى بيان أن العباده مستحقه لله وحده لا شريك له على لسان رسله فقال تعالى { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ} (الزخرف 45) و قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الأنبياء 25)
و قال تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } (النحل 36)
فكل الرسل كانت دعوتهم لعباده الله وحده لا شريك له و إن أختلفت بعض التشريعات من رساله إلى أخرى إلا أنها كانت كلها لعباده لله وحده لا شريك له و نبذ الطواغيت
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كما فى البخارى { نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد }
و قال صلى الله عليه و سلم لمعاذ بن جبل : يا معاذ . قلت : لبيك وسعديك ، ثم قال مثله ثلاثا : هل تدريما حق الله على العباد. قلت : لا ، قال : حقالله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . ثم سار ساعة ، فقال : يا معاذ . قلت : لبيك وسعديك ، قال : هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك : أنلا يعذبهم . و الحديث فى صحيح البخارى
و قد ألزم الله أهل الشرك فى العباده بما أقروه من توحيد الربوبيه فهم مع علمهم أن الله هو الذى يرزقهم و يعافيهم و يخلقهم فهم يصرفون العباده إلى غيره فقال تعالى مقيماً عليهم الحجه فى ذلك { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)} (الشعراء)
و قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقره)
و قال تعالى { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } (يونس) و قال تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) } (العنكبوت)
و قال تعالى { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } (الزمر 8) و قال تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } (الزمر)
يقول الشيخ حافظ الحكمى عن هؤلاء : فألزمهم الله تعالى بما أقروا به من توحيد الربوبيه أن يعملوا بمقتضى ذلك و يلتزموا لازامه من توحيد الألوهية و أن يكفروا بما أتخذوا من دونه كما أقروا بعجزهم _أى الهتهم_ و عدم إتصافهم بشىء يستحقون به العباده بل هم أقل و أذل و أحقر و أعجز عن أن يخلقوا ذباباً أو يأخذوا منه شيئاً سلبه الذباب منهم .
و إذا علمنا أن الإله هو المعبود
فكانت كلمة التوحيد لا إله إلا الله هى الكلمه التى تخرج الإنسان من عباده غيرالله و الكفر بالطواغيت إلى عباده الله وحده لا شريك له فهى متضمنه نفى لأى شريك مع الله عز وجل و إثبات لألوهية الله وحده لا شريك له فلا يستقيم توحيد الله عز وجل إلا بالكفر بالطواغيت و هذه الكلمه قالها إبراهيم لقومه حين قال { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } (الزخرف)
فتبراء من ألهتهم و أثبت الولاية لله عز وجل .
فإن قيل إن هناك آلهة غير الله تعبد فى الأرض و ذكرت فى القرآن فى الآيات الآتيه
{ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) } (هود)
و الرد على ذلك أن هذه ألوهية باطله و هذه نوع من أنواع الطواغيت التى يجب الكفر بها قال الله تعالى { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) } (النجم) و قال تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (لقمان)
و حول فضل الشهاده و عظيم شئنها إذ أنها هى بوابة الدخول فى الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه و سلم { من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمد عبده و رسوله و أن عيسى عبد الله و ابن أمته و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه و ان الجنة حق و أن النار حق أدخله الله الجنه من أى أبواب الجنه الثمانيه شاء } متفق عليه .
وهى أعلى شعب الإيمان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم { الإيمان بضع وستون أو بضع و سبعون شعبة ؛أفضلها لا إله إلا الله ، و أدناها إماطة الأذى عن الطريق ، و الحياء شعبة منالإيمان} مسلم .
يقول الشيخ حافظ الحكمى : و للشهادة شروط سبعة حتى تؤتى ثمارها ولا ينتفع العبد بها إلا إن إجتمعت كلها فيه بدون مناقضة أى منها
و هذه الشروط هى :
العلم و اليقين و القبول ... و الإنقياد فادر ما أقول
و الصدق و الإخلاص و المحبه ... و فقك الله لما أحبه .
هذه شروط سبعة نتعرض لها بإيجاز حتى يتضح معناها
1] العلم: أى العلم المنافى للجهل .. بمعنى أن يعلم أنه لا يستحق العباده و الألوهية إلا الله و حده لا شريك له
قال تعالى { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } (محمد 19) و قال تعالى { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) } (الزخرف) و قال تعالى { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (آل عمران)
و قال تعالى { رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } (الزمر 9)
و كذا فى السنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم { من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنه }
2] اليقين : أى اليقين المنافى للشك بمعنى ألا يقع في قلب قائلها شك فيها أو فيما تضمنته، لقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِاللَّهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (لحجرات:15) وقال صلى الله عليهوسلم { أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى اللهبهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة } رواه مسلم.
و أيضاً قول النبى صلى الله عليه و سلم لأبو هريرة { من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنه } فاشترط النبى اليقين فى أن تكون سبباً لدخول الجنه
3] القبول: لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه: والمراد بالقبول هنا هو المعنى المضاد للردو الرفضوالاستكبار، ذلك أن الله أخبرنا عن أقوام رفضوا قول لا إله إلا الله، فكان ذلك سببعذابهم كما قال تعالى { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) } (الزخرف) و قال تعالى {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ } (يونس 103) و قوله تعالى { أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ } (ص)
فهؤلاء لما رفضوا شهادة أن لا إله إلا الله إنتقم الله منهم و أنجى الذين أمنوا و أستوفوا شروطها من بينهم .
4] الإنقياد : أى الإنقياد لما دلت عليه من فعل الأوامر و ترك ما نهى عنه الشرع بأن يكون العبد عاملاً بذلك قال تعالى { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) } (الزمر) و قد مر معنا أن الإسلام هو الإستسلام لله عز وجل بفعل أوامره و ترك نواهيه
قال تعالى { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (النساء 125) قال تعالى { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (لقمان 22) و قال صلى الله عليه و سلم { لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به } صححه النووى
5] الصدق : وهو أن يقولها بلسانه و يكون قلبه مصدقاً بها غير حال المنافقين الذين يظهرون الإسلام و يكون فى صدورهم الكفر و التكذيب قال تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } (البقره)
و جاء فى السنه فى الصحيحين أن رسول الله قال { ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار }
6] الإخلاص : وهو جعل العمل خالصاً لله عز وجل بحيث لا يدخله الرياء أو الشرك بتصحيح النيه بالإخلاص لله عز وجل فيه قال تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة 5) و قال تعالى { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ } (الزمر2) و قال تعالى { قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ } (الزمر11) و فى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم { أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامه من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه } متفق عليه .
7] المحبه : أى المحبه على هذه الكلمه و بغض ما خالفها و محبه أهلها و بغض أهل الشرك لأنهم أنكرواها و التبراء منهم و هذه هى أصل عقيدة الولاء و البراء
قال الله تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) } (البقره) و قال تعالى { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } (الجاثية 23) فالهوى هو أكثر ما أورد الناس المهالك فبسبب هواهم قد يخرجون من الإسلام و ذهاب إيمانهم بالكليه إن أطاعوه فى فعل ناقض من نواقض الإسلام أو فى ترك جميع أمور الإسلام و قد يكون سبباً فى نقصان إيمانهم و بعدهم عن ربهم إذا فعلوا المعاصى و تركوا بعض الأوامر إتباعاً لهواهم فهذا الإنسان الذى إبتع هواه و ضل ياتى يوم القيامه يمقت نفسه التى حرضته على هذا كما قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } (غافر 10)
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم فى شرط المحبه { ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله و أن يكره أن يعود فى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف فى النار }
يقول إبن القيم : فأصل العباده محبة الله عز وجل بل إفراده بالمحبه و أن يكون الحب كله لله فلا يُحب معه سواه و إنما يُحب لأجله و فيه كما يُحب أنبيائه و رسوله و ملائكته و أوليائه فمحبتنا لهم من تمام محبته و ليست محبه معه كمحبه من يتخذ من دون لله أنداداً .
و قد جعل الله شرط صدق المحبه إتباع النبى صلى الله عليه و سلم
كما قال تعالى { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} (آل عمران) فالمحب الصادق هو الذى يتبع النبى إذ كيف يخالف المحب حبيبه فى أمره أو نهيه فهذا مستحيل فى حق المحبوبين من البشر فكيف بالله العلي الكبير فالذى يتخذ من دون الله نداً فى المحبه إنما يقدم أمر حبيبه هذا على أمر الله فيكون بذلك جعل حبيبه هذا نداً لله و العياذ بالله من هذا و كذلك كما قلنا تقديم أمر الهوى على أمر الله حينما يتعارضان و يكون الإنسان متذكراً حال فعله لهذه المعصيه أن هذا مما يغضب الله فيكون ذلك إنما هو دليل على أن محبة الهوى فى قلب الإنسان أكبر من محبة الله و هذا فيه خطر عظيم على المسلم لقول الله عز وجل { قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } (التوبه 24) .
فهذه هى شروط لا إله إلا الله فكُن على بينة منها متحققاً بها عاملاً بمعانيها داعياً إليها عسى الله أن ينقذ بدعوتك خلق كثير و هذه الشروط حُق لمن وفاها حقها أن يدخله الله الجنه طالما أنه على التوحيد حتى مماته و لم ينقض توحيده بأى ناقض من النواقض التى تخرج العبد من الإسلام إلى الكفر و نسأل الله الثبات على التوحيد حتى الممات .
و قيل للحسن البصرى : إن ناساً يقولون من قال لا إله إلا الله دخل الجنه فقال من قال لا إله إلا الله فأدى حقها و فرضها دخل الجنه .
و قال وهب بن منبه لمن سأله أليس مفتاح الجنه لا إله إلا الله ؟ قال بلى و لكن ما من مفتاح إلا و له أسنان فإن أتيت بفتاح له أسنان فُتح لك و إلا لم يُفتح لك .
يقول الشيخ حافظ الحكمى : و يدل على هذا كون النبى صلى الله عليه و سلم رتب دخول الجنه على الأعمال الصالحه فى كثير من النصوص كما فى الصحيحين أن رجلاً قال يا رسول الله أخبرنى بعمل يدخلنى الجنه قال { تعبد الله ولا تشرك به شيئا و تقيم الصلاه و تؤتى الزكاه و تصل الرحم } .
قال صلى الله عليه و سلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاه } و بهذا الحديث و بهذه الآيه { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبه 5)
أستشهد أبو بكر الصديق على الصحابه بقتال مانعى الزكاه .
و قد يستشكل على البعض الأحاديث و الآيات الوارده فى أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنه و التعارض الظاهرى بينها و بين الأحاديث الوارده فى عقوبات المعاصى كالسرقه و الزنا و العقوق و الربا و غيرها من المحرمات ؟!
و الجواب أن المسلم الذى مات على التوحيد وجبت له الجنه و لكنه يُعذب بمعاصيه فى النار ثم يكون مآله إلى الجنه فى النهايه كما جاء فى الحديث عن ابن مسعودقال: قال رسول الله {إني لأعلم آخر أهل النارخروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة. رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله عزوجل له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع، فيقول ياربوجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنهاملأى، فيرجع فيقول: رب وجدتها ملأى! فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة. فإنلك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي، أوأتضحك بي وأنت الملك} قال: فلقد رأيت رسول اللهضحك حتى بدت نواجذه فكانيقول{ذلك أدنى أهل الجنة منزلة} متفق عليه فهذا الحديث أثبت أن هذا الرجل كان فى النار ثم خرج منها إلى الجنه بعدما قضى ما أستحقه من عقوبات الذنوب و فيه إشاره إلى سعة كرم الله و عفوه عن أخر أهل النار خروجا منها من أهل التوحيد فكيف كان حاله و كيف كان يعصى الله و مع هذا يعطيه الله كل هذا سبحان الله و لكن من يرضى بأن يكون أخر أهل الجنه و اقلهم منزله هذه لا يرضاها أحد فى أمور الدنيا يعنى لا يرضى أحد أن يكون هو اقل واحد فى الدنيا و يسعى السعى الدؤوب لكى يكون ذا مال و سلطه فكذلك يجب أن يكون سعينا للأخره نسعى إلى أعلى درجاتها و أنظر فى وصف الله عز وجل لأعلى أهل الجنه منزله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم { سأل موسى ربه، ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة،فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟فيُقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلِك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب،فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة: رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرةأمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذّت عينك. فيقول: رضيت رب، قال: رب فأعلاهم منزلة؟قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن،ولم يخطر على قلب بشر } مسلم .
اللهم أجلعنا من عبادك الذين أدرت وغرست كرامتهم بيدك و ختمت عليها اللهم آمين .
 
التعديل الأخير:
فبعد أن علمنا أن العباده لابد أن تصرف لله وحده وجب ان نلقى الضوء على العباده و بعض أشكالها و تعريفها و أهميتها بالنسبه للمسلم ...
و تعريف العباده كما سبق و عرفها شيخ الإسلام : أسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال و الأعمال الظاهرة و الباطنه .
قال القرطبى : أصل العباده التذلل و الخضوع .
قال إبن كثير فى تعريف العباده : هى طاعة الله بفعل المأمور و ترك المحظور و ذلك هو حقيقة دين الإسلام لأن معنى الإسلام هو الإستسلام لله عز وجل المتضمن غايه الإنقياد و الذل و الخضوع لله عز وجل .
و للعباده شرطان فلا يكون العبد متحققا بالعبوديه لله عز وجل إلا بهما :
الأول: الأخلاص لله عز وجل فى العباده المنافى للشرك و الرياء
الثانى : متابعة النبى صلى الله عليه و سلم المنافى للبدعه
قال الفضيل إبن عياض : العمل الحسن هو أخلصه و أصوبه قالوا : يا أبا على ما أخلصه و أصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصاً و لم يكن صواباً لم يُقبل و إذا كان صوابا و لم يكن خالصاً لم يُقبل حتى يكون خالصاً صواباً و الخالص : ما كان لله و الصواب : ما كان على السنه و هذا هو المذكور فى قوله تعالى { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (الكهف 110) .
فأى عباده بل أى أمر فى الدين لابد فيه حتى يكون على الحق أن يكون خالصاً لله و على هدى الرسول صلى الله عليه و سلم فما خالف هدى النبى و أنحرف عنه لهوى فى نفسه و ترك سنة النبى و أحتج بكلام العلماء المخالف لقول النبى فقد أتى بدعة فى دين الله
كما قال الشاعر :
العلم قال الله قال رسوله ... قول الصحابه ليس بالتنويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين قول الرسول و قول فقيه
و قال إبن القيم :
العلم معرفة الهدى بدليله ... ما ذاك و التقليد يستويان
قال محمد إبن سيرين : إن هذا العلم دين فأنظروا عن من تأخذون دينكم .
فيجب عليك أخى المسلم أن تتحرى دينك ولا تتعصب لإمام أو لقول أحد الشيوخ أو العلماء فكل يؤخذ منه و يرد إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم فليكن تعصبك للدليل الصحيح من القرآن و السنه فمتى وجدته فانت معه بفهم الصحابه رضى الله عنهم فهم أعلم الخلق بمراد الله و رسوله .

و للعباده أهمية بالغه للمسلم فى حياته ولا يسعنى هنا إلا أن أذكر
كلام الإمام إبن القيم الذى ذكره فى إغاثة اللهفان يقول : إن فقر العبد إلى أن يعبد الله سبحانه ولا يشرك به شيئا ليس له نظير فيُقاس به لكنه يُشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الغذاء و الشراب و النفس و لكن بينهما فروق كثيرة فإن حقيقة العبد قلبه و روحه و لا صلاح له إلا بإلهه الحق الذى لا إله إلا هو فلا يطمئن إلا بذكره ولا يسكن إلا بمعرفته و حبه وهو كادحا إليه كدحا فملاقيه ولابد له من لقائه ولا صلاح له إلا بتوحيد محبته و عبادته و خوفه و رجائه ولو حصل له من اللذات و السرور بغيره فلا يدوم له ذلك ... بل عبادته و معرفته و توحيده و شكره قرة عين الإنسان و افضل لذة للروح و القلب و الجنان .
و دليل ما ذكره إبن القيم قول الله عز وجل { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } (يونس) و قوله تعالى { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } (الحج 35) و قول النبى صلى الله عليه و سلم لسيدنا بلال { أرحنا بها يا بلال } أى أن الصلاة فيها راحتهم و طمئنينتهم و كذلك قوله { و جُعلت قرة عينى فى الصلاة } .
و العباده إما أن تكون قولية باللسان أو فعليه بالقلب و الجوارح
فلها ثلاث حالات
1 ) عبادة اللسان : كنطقه بالشهاده و الأذكار و الإستغفار و قراءة القرآن و الدعوه و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و غيرها كما قال تعالى فى شأن
قول الشهاده { قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ } (البقره 136)
و { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ } (فصلت 30)
قوله تعالى فى شأن الأذكار و الإستغفار { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } (النصر 3) و قوله تعالى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} (طه 130) و قوله تعالى { وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا } (الإسراء 108)
و قوله تعالى فى قراءة القرآن { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } (العلق 1)
و قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ } (فاطر 29)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر } رواه البخاري ومسلم
قال رسول صلى الله عليه وسلم { اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه } رواه مسلم
و قال تعالى فى شأن الدعوه { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (النحل 125) و فى شأن الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } (آل عمران 110) و قول النبى صلى الله عليه و سلم { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان } مسلم .
2) عبادة القلب : مثل الدعاء و الخوف و الرجاء و التوكل و الرغبه و الرهبة و الخشوع و الخشية و الإنابه و الإستعانه و الإستعاذه و الإستغاثة و الذبح و النذر
و دليل الدعاء { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (الجن 18)
و دليل الخوف { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (آل عمران 175(
و دليل الرجاء { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَيُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } (الكهف 11)
و دليل التوكل { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (المائدة 23)
و دليل الرغبه و الرهبه و الخشوع { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباًوَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } (الأنبياء 90)
و دليل الخشيه { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } (البقرة 150)
و دليل الإنابه { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } (الزمر 54)
و دليل الإستعانه { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } (الفاتحة 5)
و دليل الإستعاذه { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } (الفلق 1)
و دليل الإستغاثه { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } (الأنفال 9)
و دليل الذبح { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماًمِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّصَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَشَرِيكَ لَه وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَُ } (الأنعام 163)
و دليل النذر { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } (الإنسان 7)
يقول إبن القيم : و غير ذلك من أعمال القلوب التى فرضها أفرض من أعمال الجوارح و مستحبها أحب إلى الله من مستحبها _أى أن المستحب من أعمل القلب أعظم قدراً عند الله من المستحب من أعمال الجوراح_ و عمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعه أو قليل المنفعه .
3 ) عبادة الجوارح : و هذه أمثلتها كثيرة جدا منها الصلاة و الزكاه و الصوم و الحج و الجهاد و إعانه الضعيف و الإحسان إلى الناس
و الأدله عليها كثيرة مستفيضه منها حديث إبن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال { بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله و إقام الصلاه و إيتاء الزكاه و حج البيت و صوم رمضان } و حديث الإنكار باليد السابق ذكره و غيرها كثير جدا فى كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم .
و الواجب على المسلم إن وفقه الله للعباده فليشكر الله على ذلك فما فعلها إلا بتوفيق من الله و فضله عليه
يقول إبن القيم : و لأن العباده شكر نعمته عليك و الله يحب أن يشكر و الإعانه فعله بك و توفيقه لك فإذا إلتزمت عبوديته و دخلت تحت رقها أعانك عليها فكان إلتزامها و الدخول تحت رقها سبيل لنيل الإعانه و كلما كان العبد أتم عبوديه كانت الإعانه من الله له أعظم و العبوديه محفوفة بإعانتين إعانه قبلها على إلتزام القيام بها و إعانة بعدها على عبوديه أخرى و هكذا أبدا حتى يقضى العبد نحبه .
و العبد الصادق هو هذا الذى وصفه إبن القيم حيث يقول: فهذا هو العبد المطلق الذى لم تملكه الرسوم و لم تقيده القيود و لم يكن عمله لمراد نفسه و ما فيها لذتها و راحتها من العبادات بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه و لذتها فى سواه فهذا هو المتحقق بـ [ إياك نعبد و إياك نستعين ] حقاً .
فيضع كل عباده فى أفضل اوقاتها و لا يفضل واحده على أخرى لهوى فيه و لكن لأنها ما يريدها الله منه فى هذا الوقت
فمثلاً وقت الصلاه لا يقول أنى مستريح فى قراءة القرآن و أشعر بحضور قلبى فلا أريد أن أقطع هذه اللذة
بل الواجب عليه هو إمتثال أوامر الله عز وجل وفق مراد الله .

إلى هنا إنتهى الحديث عن توحيد الألوهيه و لكن هذا كلام على ورق فماذا عن العمل نريد أن نطبق هذا فى حياتنا العمليه نطبق التوحيد بأن نجعل عبادتنا كلها لله خالص له فلا نصرف إلى غير الله منها شىء لا بالإشراك أو الرياء
و الحذر من الهوى فقد يطيع الإنسان هواه فيحمله ذلك على الخروج من دائرة الإسلام بالكليه أو يحمله على إرتكاب الكبائر فيلقى بذلك الوعيد بالعقوبات العظيمه الشديده فى النار و لا يقدم الإنسان شىء على مرضاة ربه عز وجل فمن الممكن للإنسان أن يصير عبداً لشىء إذا قدم مبحتها او طاعتها على طاعة الله و محبته كما
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم { تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة } و على قياس ذلك فمن يفضل مشاهدة مباريات كره القدم على أداء الصلوات فى أوقاتها فى المساجد و كذلك من يجمع المال ولا يخرج حق الله فيه من الزكاه و كذلك من يجمع المال من طرق حرام مثل الربا و السرقه و الرشوه و الإختلاس و التزوير و النصب كل هذا داخل فى نفس المعنى الذى ورد فى الحديث و على المسلم الذى يرى النور بعينه و قلبه أن يدرك أن الدنيا دار لتحصيل الدرجات كأنه إمتحان فى الدراسه تظل طوال العام تذاكر و تتعب و تجتهد و تحرم نفسك من التنزه و اللعب لجمع الدرجات فى الإمتحان أخر العام كذلك مثل الحياة الدنيا و الآخره هذا العمر الذى نحياه نظل نتعب فيه و نجتهد حتى نحصل الدرجات الكثيره حتى إذا أتى يوم القيامه و وزنت الحسنات و السيئات فزنا بعون الله فليكن المسلم حريص كل الحرص على كثرة حسناته فالعمر الذى يحياه هنا لا يجاوز الـ 70 سنه أما الحياة الآخره فهى حياة بلا موت و نعيم بلا إنقضاء و لذات متتاليه من رب العالمين جزائاً لأهل الجنه على ما ضحوا به من نعيم قليل فى الدنيا من أجل الجنه و من أجل مرضاة الله عز وجل و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين محمد و على آله و صحبه أجمعين .


جمع و ترتيب / أبو محمد عبد الله المصرى

مراجع :
معارج القبول / حافظ الحكمى
شرح الواسطيه / إبن عثيمين
القول المفيد / إبن عثيمين
فتح المجيد / حسن آل شيخ
إغاثة اللهفان / إبن القيم
مدارج السالكين / إبن القيم
الأصول الثلاثة / محمد بن عبد الوهاب
شرح الطحاويه / صالح آل شيخ
 
التعديل الأخير:
رد: بداية دراسة العقيده الإسلاميه فى المنتدى ..

بارك الله فيك أخي عبدالله
تم دمج جزئي الموضوع و تثبيته
و الشكر موصول للأخ الكريم مشرف القسم الإسلامي / معلم
حيث كان إدراج هذا الموضوع بمكتبة المواضييع المميزه
مُغنياً عن إنشاء موضوع جديد في نفس الماده
 
رد: بداية دراسة العقيده الإسلاميه فى المنتدى ..

جزاك الله خير وبارك فيك ، نريد دائماً مثل هذه المواضيع الجيده المفيدة في القسم

 
عودة
أعلى