بعد احتجاز دام بضعة اسابيع تمكنت القوات الخاصة البريطانية من تحرير ستة جنود بريطانيين وضابط واحد سيراليوني، تم اختطافهم واحتجازهم كرهائن من قبل المتمردين في سيراليون.
وتعد عملية التحرير واحدة من العمليات الفريدة والنادرة التي تمكنت فيها قوة خاصة من تحرير الرهائن من دون ان يصاب اي منهم بأذى، كما ان نسبة الخسائر في صفوف القوة الخاصة كانت طفيفة، مقابل النتيجة المتحققة، والخسائر الكبيرة التي لحقت بالمتمردين على الرغم من مساعدة العوامل الجغرافية، والقدرة على الانتشار والتستر والاختفاء من قبل المتمردين. فقد كانت الخسائر قتيلاً واحداً بريطانياً و12 جريحا. مقابل خمسة وعشرين قتيلا من المتمردين. وهي نسبة خسائر ممتازة لصالح القوات البريطانية التي لم يكن بمقدورها استخدام اسلحة ثقيلة كالصواريخ والقصف الجوي، حفاظا على سلامة المحتجزين.
القتال المباشر القريب ونظرا لغياب قدرة الاستخدام الناري الثقيل، فان قتال القوة الخاصة البريطانية اعتمد على العناصر الاساسية للقتالات الخاصة. ومنها القدرة البدنية العالية، والمهارة في التسديد والتصويب، وقابلية الحركة وخفتها، والسرعة في التنفيذ، والمباغتة التكتيكية، وفوق هذا كله تمت التغطية على العملية بكتمان شديد لعمليات التحضير، وغياب منطق التهديد الحاد والمناورة السرية الحذرة على المستوى السياسي.
وعلى الرغم من العناصر المذكورة، فان القتال المباشر القريب وجها لوجه يبقى هو الصفة المميزة لمثل هذه العمليات. فالمقاتلون وقدرتهم الذاتية، ومستواهم التدريبي، والجرأة، والالتزام بتنفيذ الاوامر في مرحلة الاقتحام، تبقى هي سيدة العناصر واكثرها اهمية، لكن ذلك كله يبقى ناقصا من دون استخبارات كفوءة قادرة على تأمين اكبر قدر من تفاصيل المعلومات عن مكان حجز الرهائن، وحالة الحراسة، وانتشار القوة، ثم فلسفة قرار المتمردين، وسياقات عملهم في حالة وقوع هجوم ما عليهم، وما اذا كان من بين ذلك تعريض حياة المحتجزين للخطر.
ومن هنا فان دور الاستخبارات لا بد ان يكون حاسما لواضعي الخطط ومنفذيها، ومن دونه يستحيل الحصول على النتيجة المميزة كالتي تحققت.
القوات الخاصة واستخداماتها لقد اشتهرت القوات البريطانية بعملياتها الخاصة في الحرب العالمية الثانية، سواء كان ذلك في مجال جمع المعلومات خلف الخطوط المقابلة في شمال افريقيا، او عمليات خاصة قتالية محدودة الحجم، يصعب على القوات غير الاختصاصية تنفيذها.. كما ان القوات الخاصة البريطانية شاركت في حرب الخليج الثانية بدفع العديد من عناصرها الى عمق الاراضي العراقية، لمراقبة حركة وحدات الصواريخ ارض ـ ارض، وغيرها من المهام، وتعايشت تلك العناصر مع ظروف حياتية لا تخلو من التعقيدات.
وتتميز القوات البريطانية بسياقات اعمال القوات الخاصة، وعدم زجها بمهام اعتباطية والامتناع عن استخدامها بواجبات تقليدية تقع ضمن مسؤوليات وحدات المشاة المعروفة. خلافا لما يجري في كثير من بلدان العالم، وعلى سبيل المثال استخدم الايرانيون قواتهم الخاصة ووحدات المظليين بواجبات قتالية لوحدات المشاة التقليدية، فتكبدت تلك القوات خسائر فادحة خلال حرب السنوات الثماني، افقدتها روحها المعنوية، ونزعت عنها الصفة الخاصة، فيما استخدمت القوات الخاصة للمرة الاولى بطريقة صحيحة في المرحلة الاولى من الحرب، عندما قامت مجموعات صغيرة بالاغارة جوا بطائرات الهليكوبتر لمحاولة اختطاف اسرى على خطوط المواصلات الخلفية للفرق، بيد انها توقفت عن ذلك بعد تشديد اجراءات المراقبة للقوات العراقية، كما ان القوات الخاصة العراقية التي تمتعت بقدر عال من اللياقة البدنية والقدرة القتالية حرمت هي الاخرى من فرصة التمتع بمهامها الخاصة، واستخدمت كوحدات مشاة عالية التدريب، فتكبدت في النتيجة خسائر بشرية كبيرة افقدتها مزاياها الاساسية، تأثرا بالحاجة الى المزيد من القوات لتغطية جبهات القتال، ومجابهة الكثافة السكانية العالية للطرف الاخر.
عملية طبس الأميركية ولعل اكبر العمليات الخاصة الاميركية التي نفذت قبل عشرين عاما لمحاولة اطلاق سراح موظفي السفارة الاميركية في طهران، الذين احتجزوا لمدة 444 يوما، كانت واحدة من العمليات الاكثر تعقيدا والاقسى فشلا في تاريخ العمليات الخاصة، حيث تمكنت القوات الجوية الاميركية من شل وسائل الكشف الالكتروني الايرانية، وهو ما ساعد على تسلل طائرات نقل كبيرة اخرى هليكوبتر من منطقة بحر العرب الى حافات صحراء طبس، على مقربة من منطقة يزد، والهبوط هناك تحت غفلة ايرانية شاملة، لكنها اضطربت، وتلاطمت عدة طائرات في ما بينها، نتيجة نقص في المعلومات المناخية، او حصول حالة جوية لم تكن متوقعة. وفي النتيجة عادت الطائرات غير المتضررة حاملة معها عددا من القتلى من افراد القوة الخاصة بدل تحرير الرهائن من مبنى السفارة الاميركية، وهو ما ادى الى فشل الرئيس الاميركي جيمي كارتر في الوصول الى فترة رئاسية ثانية.
عملية سيراليون البريطانية وفي فترة تصاعد العمليات الارهابية، وعمليات اختطاف المدنيين وغيرهم، للحصول على الاموال تحت اغطية ثورية ودينية، فان الخضوع لمطالب المختطفين عموما يشجع على حصول عمليات متفرقة هنا وهناك، لتصبح في النتيجة بابا مغرياً للمافيات والعصابات الدولية، يعرض حياة الناس للخطر، وكثير منهم من الابرياء. ومن هذه المنطلقات تبدو العملية البريطانية جديرة بالدراسة والتحليل، ليس لانها تشكل ممارسة عملية حية لطبيعة القوات الخاصة وعملياتها الحرفية فحسب، بل لانها يمكن ان تشكل قاعدة صلبة في التعامل الفعال مع عمليات الاختطاف والارهاب والابتزاز، والمساهمة في وضع حد لها، او جعل الارهابيين ومن يروق لهم التعرض الى الابرياء، يراجعون انفسهم الف مرة قبل الاقدام على عمل من هذا القبيل.
كما ان العملية اعطت درسا واضحا بان تبقى رسالة القوات الخاصة محددة بمهام بعينها، تنطبق عليها تسميتها، لا ان تستخدم كوحدات مشاة. كما ان الجرأة في اتخاذ القرار السياسي المناسب تبقى سمة اساسية مطلوبة لدى القيادات العليا.
ان الوضع في الدول الديمقراطية يختلف جذريا عما هي الحال في دول اخرى، فان عملية مثل عملية سيراليون الخاصة، يمكن ان تسبب مشاكل حقيقية للحكومات، لو لم تتكلل بالنجاح، اما الوضع في الدول الدكتاتورية فلا احد يحاسب على الخسائر البشرية.
لقد تألقت القوات البريطانية بعمليتين خلال شهر واحد، كانت الاولى عندما استنجدت القوات الروسية بها لمحاولة انقاذ البحارة الغارقين في الغواصة النووية، والثانية، عملية سيراليون الخاصة، وهذا كله يمكن ان يتأتى من خلال المحافظة على التقاليد العسكرية والتوازن في حسابات العسكرة والاقتصاد. لا الابقاء على التوسع الافقي الهائل في القوات، كما هي حال القوات الروسية.
* لواء ركن ومدير الاستخبارات العراقية السابق
وتعد عملية التحرير واحدة من العمليات الفريدة والنادرة التي تمكنت فيها قوة خاصة من تحرير الرهائن من دون ان يصاب اي منهم بأذى، كما ان نسبة الخسائر في صفوف القوة الخاصة كانت طفيفة، مقابل النتيجة المتحققة، والخسائر الكبيرة التي لحقت بالمتمردين على الرغم من مساعدة العوامل الجغرافية، والقدرة على الانتشار والتستر والاختفاء من قبل المتمردين. فقد كانت الخسائر قتيلاً واحداً بريطانياً و12 جريحا. مقابل خمسة وعشرين قتيلا من المتمردين. وهي نسبة خسائر ممتازة لصالح القوات البريطانية التي لم يكن بمقدورها استخدام اسلحة ثقيلة كالصواريخ والقصف الجوي، حفاظا على سلامة المحتجزين.
القتال المباشر القريب ونظرا لغياب قدرة الاستخدام الناري الثقيل، فان قتال القوة الخاصة البريطانية اعتمد على العناصر الاساسية للقتالات الخاصة. ومنها القدرة البدنية العالية، والمهارة في التسديد والتصويب، وقابلية الحركة وخفتها، والسرعة في التنفيذ، والمباغتة التكتيكية، وفوق هذا كله تمت التغطية على العملية بكتمان شديد لعمليات التحضير، وغياب منطق التهديد الحاد والمناورة السرية الحذرة على المستوى السياسي.
وعلى الرغم من العناصر المذكورة، فان القتال المباشر القريب وجها لوجه يبقى هو الصفة المميزة لمثل هذه العمليات. فالمقاتلون وقدرتهم الذاتية، ومستواهم التدريبي، والجرأة، والالتزام بتنفيذ الاوامر في مرحلة الاقتحام، تبقى هي سيدة العناصر واكثرها اهمية، لكن ذلك كله يبقى ناقصا من دون استخبارات كفوءة قادرة على تأمين اكبر قدر من تفاصيل المعلومات عن مكان حجز الرهائن، وحالة الحراسة، وانتشار القوة، ثم فلسفة قرار المتمردين، وسياقات عملهم في حالة وقوع هجوم ما عليهم، وما اذا كان من بين ذلك تعريض حياة المحتجزين للخطر.
ومن هنا فان دور الاستخبارات لا بد ان يكون حاسما لواضعي الخطط ومنفذيها، ومن دونه يستحيل الحصول على النتيجة المميزة كالتي تحققت.
القوات الخاصة واستخداماتها لقد اشتهرت القوات البريطانية بعملياتها الخاصة في الحرب العالمية الثانية، سواء كان ذلك في مجال جمع المعلومات خلف الخطوط المقابلة في شمال افريقيا، او عمليات خاصة قتالية محدودة الحجم، يصعب على القوات غير الاختصاصية تنفيذها.. كما ان القوات الخاصة البريطانية شاركت في حرب الخليج الثانية بدفع العديد من عناصرها الى عمق الاراضي العراقية، لمراقبة حركة وحدات الصواريخ ارض ـ ارض، وغيرها من المهام، وتعايشت تلك العناصر مع ظروف حياتية لا تخلو من التعقيدات.
وتتميز القوات البريطانية بسياقات اعمال القوات الخاصة، وعدم زجها بمهام اعتباطية والامتناع عن استخدامها بواجبات تقليدية تقع ضمن مسؤوليات وحدات المشاة المعروفة. خلافا لما يجري في كثير من بلدان العالم، وعلى سبيل المثال استخدم الايرانيون قواتهم الخاصة ووحدات المظليين بواجبات قتالية لوحدات المشاة التقليدية، فتكبدت تلك القوات خسائر فادحة خلال حرب السنوات الثماني، افقدتها روحها المعنوية، ونزعت عنها الصفة الخاصة، فيما استخدمت القوات الخاصة للمرة الاولى بطريقة صحيحة في المرحلة الاولى من الحرب، عندما قامت مجموعات صغيرة بالاغارة جوا بطائرات الهليكوبتر لمحاولة اختطاف اسرى على خطوط المواصلات الخلفية للفرق، بيد انها توقفت عن ذلك بعد تشديد اجراءات المراقبة للقوات العراقية، كما ان القوات الخاصة العراقية التي تمتعت بقدر عال من اللياقة البدنية والقدرة القتالية حرمت هي الاخرى من فرصة التمتع بمهامها الخاصة، واستخدمت كوحدات مشاة عالية التدريب، فتكبدت في النتيجة خسائر بشرية كبيرة افقدتها مزاياها الاساسية، تأثرا بالحاجة الى المزيد من القوات لتغطية جبهات القتال، ومجابهة الكثافة السكانية العالية للطرف الاخر.
عملية طبس الأميركية ولعل اكبر العمليات الخاصة الاميركية التي نفذت قبل عشرين عاما لمحاولة اطلاق سراح موظفي السفارة الاميركية في طهران، الذين احتجزوا لمدة 444 يوما، كانت واحدة من العمليات الاكثر تعقيدا والاقسى فشلا في تاريخ العمليات الخاصة، حيث تمكنت القوات الجوية الاميركية من شل وسائل الكشف الالكتروني الايرانية، وهو ما ساعد على تسلل طائرات نقل كبيرة اخرى هليكوبتر من منطقة بحر العرب الى حافات صحراء طبس، على مقربة من منطقة يزد، والهبوط هناك تحت غفلة ايرانية شاملة، لكنها اضطربت، وتلاطمت عدة طائرات في ما بينها، نتيجة نقص في المعلومات المناخية، او حصول حالة جوية لم تكن متوقعة. وفي النتيجة عادت الطائرات غير المتضررة حاملة معها عددا من القتلى من افراد القوة الخاصة بدل تحرير الرهائن من مبنى السفارة الاميركية، وهو ما ادى الى فشل الرئيس الاميركي جيمي كارتر في الوصول الى فترة رئاسية ثانية.
عملية سيراليون البريطانية وفي فترة تصاعد العمليات الارهابية، وعمليات اختطاف المدنيين وغيرهم، للحصول على الاموال تحت اغطية ثورية ودينية، فان الخضوع لمطالب المختطفين عموما يشجع على حصول عمليات متفرقة هنا وهناك، لتصبح في النتيجة بابا مغرياً للمافيات والعصابات الدولية، يعرض حياة الناس للخطر، وكثير منهم من الابرياء. ومن هذه المنطلقات تبدو العملية البريطانية جديرة بالدراسة والتحليل، ليس لانها تشكل ممارسة عملية حية لطبيعة القوات الخاصة وعملياتها الحرفية فحسب، بل لانها يمكن ان تشكل قاعدة صلبة في التعامل الفعال مع عمليات الاختطاف والارهاب والابتزاز، والمساهمة في وضع حد لها، او جعل الارهابيين ومن يروق لهم التعرض الى الابرياء، يراجعون انفسهم الف مرة قبل الاقدام على عمل من هذا القبيل.
كما ان العملية اعطت درسا واضحا بان تبقى رسالة القوات الخاصة محددة بمهام بعينها، تنطبق عليها تسميتها، لا ان تستخدم كوحدات مشاة. كما ان الجرأة في اتخاذ القرار السياسي المناسب تبقى سمة اساسية مطلوبة لدى القيادات العليا.
ان الوضع في الدول الديمقراطية يختلف جذريا عما هي الحال في دول اخرى، فان عملية مثل عملية سيراليون الخاصة، يمكن ان تسبب مشاكل حقيقية للحكومات، لو لم تتكلل بالنجاح، اما الوضع في الدول الدكتاتورية فلا احد يحاسب على الخسائر البشرية.
لقد تألقت القوات البريطانية بعمليتين خلال شهر واحد، كانت الاولى عندما استنجدت القوات الروسية بها لمحاولة انقاذ البحارة الغارقين في الغواصة النووية، والثانية، عملية سيراليون الخاصة، وهذا كله يمكن ان يتأتى من خلال المحافظة على التقاليد العسكرية والتوازن في حسابات العسكرة والاقتصاد. لا الابقاء على التوسع الافقي الهائل في القوات، كما هي حال القوات الروسية.
* لواء ركن ومدير الاستخبارات العراقية السابق