وُلد الإمبراطور ڤيليپ في مدينة شهبا في محافظة السويداء جنوب سوريا التي كانت سنة 204 مجرّد واحة تقيم حولها عشيرة الفيليبيّين. تتبع إدارةً لمدينة بصرى العاصمة الإدارية لمملكة العربيّة، دولة تحت الحماية الرومانية.
اسمه الحقيقي مرقس بن يوليو من بيت فيليپّو العرب. وفيليبوس كنية لاتينية أصلها من الكلمة الإغريقية فيلِبس Φίλιππος ومعناها الحرفي مُحبّ الخيل، وهو لقب نبيل كانت تناله العائلات الثرية ذات النفوذ في المجتع الإغريقي. لكنّ الكلمة صارت لاحقاً تُستعمل بمعنى تاجر خيل، كاسم مهنة. أي أنّ مصدر رزق بيت فيليپّوس الأوّل كان تربية وتجارة الخيل، وفقاً لتسميتهم.
مصدر كلمة فيلِپُّس Φίλιππος الإغريقية هو دمج كلمتين: فِليو φιλέω (حُبّ) + هيپُّس ἵππος (حصان).
في اللاتينية نقرأ اسم الإمبراطور فيليپ مسجّلاً بهذا الشكل:
مرقس اليولياني الفيليبي العربي Marcus Julius Philippus Arabs (1) حيث أنّ s في نهايات الأسماء هي دائماً أداة نسبة وبمقام الـ التعريف. وعليه فحتى اسمه الأوّل قد يكون المرقياني وليس مرقس.
ليس واضحاً نسب بيت فيليپّوس الحقيقي وعليه خلاف، فالبعض يرجّح نسبه العربي وآخرون يرجّحون كونه من بيت لاتيني روماني عسكري هاجر إلى العربيّة واستقرّ في موقع شهبا، وآخرون يقولون أنّها قبيلة إغريقية مستعربة باستقرارها في حوران. لكن بتعريب اسم الإمبراطور فيليپ كما هو مكتوب باللاتينية تصبح صياغته على قالب عربي: مرقس بن يوليو بن فيليب بن عرب. وعلى هذا فاسمه اللاتيني هو دليل على أنّه عربي من عشيرة فيليب التي اشتغلت غالباً في تجارة الخيل، فاسمها منسوب إلى حرفتها.
وعلى جانب آخر، يقال بأنّ المدينة التي وُلد فيها الإمبراطور فيليپ (شهبا المعاصرة) كانت آنذاك عاصمة لمحافظة حملت اسم فيليپيا أو الفيليپيّة، بسبب شهرتها بتصدير الخيول، فكان الإمبراطور منسوباً إليها باسم الفيليپّي وليس إلى عشيرة بهذا الاسم.
الإمبراطور فيليپ كان من حزب الأرجوانيّين في الإمبراطورية الرومانية، أي حزب الملكيّين في مصطلحات اليوم. واتّخذ هذا الحزب اللّون الأرجواني لراياته وللعباءة الملكيّة، واعتبرت هذه الجماعة أنّها من المحافظين على ميراث ملوك صور الفنيقيّين والتزمت ممارسة ذات التقاليد الفنيقيّة الملكيّة في روما. وهذا سبب الالتزام باللّون الأرجواني المسمّى پورپُرا في اللاتينيّة، وهو لون أطلقت عليه بعض الثقافات تسمية “القاني” أو “الأحمر العميق”.
الأرجوان المرّيق، اللّون الملكي الفنيقي
الكلمة بوربرا purpura بحد ذاتها كانت ذات قداسة في المجتمع الروماني لأنّها تتّصل كذلك بديانة الملكيّين وبملابس وألوان المعابد وأهل المعابد. وپورپُرا في الأصل عن الإغريقية پورفورا πορφύρω وتعني حرفيّاً لون “أرجواني المرَّيق” وتعني كذلك “جبلة طين”، بسبب ارتباطها بميراث الديانة الحثّية وعبادة الرب پُرُت 𒁍𒊒𒌓 (فرات) مصدر تسمية نهر الفرات. لأنّه يقدّم للإنسان السمك للغذاء والطين للبناء والقصب للكساء (2).
وفي وقت ميلاد كلمة پورفورا الإغريقية كان الإغريق على ديانة داگون الفنيقية نفسها، التي اتّخذت من مدينة الرقّة محجّها ومدينتها المقدّسة. وكان الفنيقيّون يستخرجون اللّون الأرجواني (الپورپُرا) من صنف من بطنيّات الأرجل البحرية تسمّى “مرَّيق” (3) وهو سبب اسم اللّون وسببٌ كذلك لتقديس الفنيقيّين لهذه الأصداف والتبرّك بها، كما يتبرّك المسيحيّون اليوم بالصلبان. أمّا الأرجوان الملكي فهو نفسه اليوم لون الموتسِتّه Mozzetta العباءة التي ارتداها البابا بندكت السادس عشر، وهو اللّون الحكومي لدولة پاپل Pontificio (دولة الكنيسة) ما بين القرن 8 والقرن 19.
وفي وقت ميلاد كلمة پورفورا الإغريقية كان الإغريق على ديانة داگون الفنيقية نفسها، التي اتّخذت من مدينة الرقّة محجّها ومدينتها المقدّسة. وكان الفنيقيّون يستخرجون اللّون الأرجواني (الپورپُرا) من صنف من بطنيّات الأرجل البحرية تسمّى “مرَّيق” (3) وهو سبب اسم اللّون وسببٌ كذلك لتقديس الفنيقيّين لهذه الأصداف والتبرّك بها، كما يتبرّك المسيحيّون اليوم بالصلبان. أمّا الأرجوان الملكي فهو نفسه اليوم لون الموتسِتّه Mozzetta العباءة التي ارتداها البابا بندكت السادس عشر، وهو اللّون الحكومي لدولة پاپل Pontificio (دولة الكنيسة) ما بين القرن 8 والقرن 19.
پروفيل فيليپ العربي في متحف الڤاتيكان، في روما إيطاليا.
سنة 238 وبعد اغتيال الإمبراطور الروماني ماكسمينُس التراقي Gaius Julius Verus Maximinus في ألمانيا (4) اشتعلت في الإمبراطورية حرب أهلية تخلّلتها فترة انقلابات عسكرية دفعت جماعة “حرّاس الإمبراطورية” Cohortes praetoriae إلى السلطة، وكانت فيهم نسبة عالية آنذاك من عرب شرق المتوسّط.
وكما اشتعلت الحرب الأهلية بين جيوش الإمبراطورية اخترقت كذلك صفوف “حرّاس الإمبراطورية” وقتلوا بعضهم حتّى مالت القوّة إلى صفّ الجناح العربي في الجماعة، وانتصروا سنة 238 فقاموا بتنصيب الإمبراطور گورديان الثالث على العرش وكان ابن 13 سنة.
وبسبب حداثة عمر الإمبراطور تحتّم تعيين وصيّ على العرش يعين الإمبراطور على شؤون الحكم. فعيّن مجلس قيادة “حرّاس الإمبراطورية” واحداً منهم هو پرِسگُس Gaius Julius Priscus. في الواقع Priscus هي كلمة لاتينية تعني الجليل، فقد لا يكون هذا هو اسم الرجل الحقيقي، إنّما لقب ناله بعد تنصيبه وصيّاً على عرش الإمبراطور گورديان الثالث.
ثمّ سنة 243 وأثناء حملة عسكرية على الدولة الساسانية قُتل قائد حرّاس الإمبراطورية تيميزيثيوس Timesitheus (5) فرشّح پرِسكُس شقيقه مرقس ليخلفه على منصب قائد حرّاس الإمبراطوية (حارس الإمبراطورية) praefectus praetorio (6) وبهذا صار مرقس وپرِسگُس معاً حكّاماً فعليّين خلف الإمبراطور اليافع.
في العام التالي 244 وعقب هزيمة أمام الساسان في معركة مشيك 𐭬𐭱𐭩𐭪 في العراق قُتل الإمبراطور گورديان الثالث في أرض المعركة (7)، فحاز مرقس على “العباءة الملكيّة الأرجوانية” وارتداها وأعلن نفسه إمبراطوراً وأوصل آل فيليپ إلى رتبة الأباطرة (8).
استلم مرقس الفيليپّي قيادة الإمبراطورية الرومانية خمس سنوات اعتباراً من سنة 244، فتحالف مع المسيحيّين وكانوا جميعاً عرباً في ذلك الوقت، حيث أبطل القوانين التي تضطهد المسيحيّة، ومنح بصرى أسقفاً مسيحياً، وكانت متن حوران آنذاك وعاصمة مملكة العرب. وتحوّل بواحته فيليبيا إلى مدينة صارت مركز أسقفيّة اتخذت اسم أهله فيليپوپوليس، أي عرش عشيرة فيليپ (الفيليبيّين).
مدينة شهبا أو فيليبوبولس
وضع فيليپ خطة لبناء مدينته الجديدة بشكل عصري وفخم قائلاً أنه سيستنسخ روما في الشرق، ولولا اغتياله سنة 249 لكانت فيليپوپولس هي قسطنطينية عهده فصارت قاعدة لمسيحية رومانية.
ما يجعل من فيليپ جديراً بلقب الإمبراطور الروماني المسيحي الأوّل، وليس قسطنطين. لكنّ معارضي المسيحية كانوا أسرع بتجمّعهم تحت قيادة ديگيُس Gaius Messius Quintus Traianus Decius الذي أباد المسيحية المبكّرة في بنّونيا ومويسيا في البلقان، والتفت إلى إيطاليا حيث نجح بقتل الإمبراطور فيليب.
باستيلاء ديگيُس على السلطة أعاد العمل بقوانين حظر المسيحيّة وأطلق حملة شعبيّة لقمع المسيحيّين والاستيلاء على ممتلكاتهم، وأشعل عداء شعبياً للمسيحيّين فصار الاضطهاد على المستويّين السياسي والشعبي، وتحوّل إلى ممارسة شعبية تحتفل بها المهرجانات (9). ولمّا قتل ديگيُس الإمبراطور فيليپ قتل معه أهل بيته وكل أبنائه وخدمه، واعتقل أخيه پرِسكُس كذلك ومات في سجنه، وهرب من بقي من آل فيليپوس من روما.
مع مقتل الإمبراطور فيليپ توقفت أعمال البناء ولم تكتمل فيليپوپوليس أبداً من بعده، وكان على المسيحيّة أن تنتظر سبعين سنة أخرى حتى عهد قسطنطين بيزنطة لتصبح الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية. ومن المصادفات أنّ قسطنطين هو ابن محافظة مويسيا التي أباد ديگيُس مسيحيّيها ونكّل بهم، قبل أن ينطلق منها لقتل الإمبراطور فيليپ وإيقاف تنصير الإمبراطورية.
ورغم دعم الإمبراطور فيليپ الكبير للمسيحيّين لكنه مع ذلك أطلق في بصرى رسمياً احتفالات دُشاره Dusares (ذو الشرى)، الإله العربي المعترف به في روما، والذي كان فيليپ على ديانته حتى مماته. فقد قام بترسيم والده يوليوس (جوليوس) مارينوس قديساً دوسرياً في روما بعد أن استنصب نفسه إمبراطوراً. وكتاب الأصنام يذكر في القرن التاسع ذو الشرى أنّه كان من أصنام الأزد، وفقاً لأبو المنذر هشام بن عبد الحارث الكلبي. وذو الشرى هو نفسه استمرار للربّ السومري شرى 𒀭𒁈، وهو ابن إننّه (عشتار).
مركز ومحجّ ديانة ذو الشرى كان في مدينة پترا وسط العربية الرومانية، وهي ديانة لا تختلف نظرياً عن المسيحية لا فكراً ولا هيكلية (10)، فذو الشرى كما المسيح مولود لأم عذراء، نال لقب ربّ الجبال وعلى اسمه (ذو الشرى – دو السراة) أسمت العرب جبال السراة (السروات) على طول جزيرة العرب. هذه المقاربات هي التي تدفع بعض المؤرّخين إلى اعتبار المسيحية الأرثوذكسية هي النسخة الإغريقية من ديانة ذو الشرى العربية؛ وكلتيهنّ ديانة واحدة، ما يعني أنّ فيليپ كان إمبراطوراً مسيحياً وليس متحوّلاً إلى المسيحية وفق المفهوم الشائع.
المراجع
1 Historia Augusta “The Three Gordians” ch. 29; “Marcus Iulius Philippus Arabs” in Sextus Aurelius Victor, Liber de Caesaribus ch. 282 Beekes, Robert S. P. (2010), “πορφύρω”, in Etymological Dictionary of Greek (Leiden Indo-European Etymological Dictionary Series; 10), with the assistance of Lucien van Beek, Leiden, Boston: Brill, page 1224
3 معجم الحيوان للفريق أمين معلوف دار الرائد العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة 1985 ص 165
4 Pat Southern (2003). The Roman Empire from Severus to Constantine. Routledge. p. 64.
5 Bowman, Alan; Cameron, Averil; Garnsey, Peter, eds. (2005). The Cambridge Ancient History. 12, The crisis of Empire, AD 193–337. Cambridge University Press.
6 Meckler, Michael L. (1999). “Philip the Arab (244-249 A.D.)”. De Imperatoribus Romanis: An Online Encyclopedia of Roman Emperors.
7 Bowman, Alan; Cameron, Averil; Garnsey, Peter, eds. (2005-09-08). The Cambridge Ancient History. 12, The crisis of Empire, AD 193–337. Cambridge University Press.
8 Potter, David Stone (2004). The Roman Empire at Bay : AD 180–395. London; New York: Routledge
9 هشام الطوخي. عن الدولة الدينية .. الجزء الأول : الاسكندرية .. مدينة الفتن. الحوار المتمدّن.
10 Discussion: The Religion and Rituals of the Nomads of Pre-Islamic Arabia: A Reconstruction based on the Safaitic Inscriptions –