الصليبيون ومكة والمدينة
أ.د علي محمد عودة الغامدي
أ.د علي محمد عودة الغامدي
حين وصل الصليبيون إلى الشام سنة 490 هجرية/1097م ، كان هدفهم الرئيس هو احتلال بيت المقدس وكل المناطق التي ( عاش فيها ربهم المسيح - بزعمهم - ودرج عليها تلاميذه ، والتي هي ميراث المسيح ) كما يعتقدون ، ولم يكن لهم مطمع في مكة والمدينة في فجر الحروب الصليبية.
ومع مرور الزمن ونمو الحقد الصليبي تجاه الإسلام والمسلمين رغب الصليبيون في ضرب المسلمين في أعز مقدساتهم بهدم الكعبة ونبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وتولى القيام بهذه المحاولة الدنيئة اللص الصليبي أرناط (الذي حث المستشرق لامانس قادة الاستعمار أن يكون أرناط قدوتهم ومثلهم الأعلى) .
حاصر ارناط ميناء أيلة وأحتله واحتل جزيرة قريبة منه تُسمى جزيرة القلعة كان يستخدمها بعض الصيادين المسلمين ثم ركَّب سفنه وشحنها بالجنود وأنطلقت في مياه البحر الأحمر جنوباً لتنفيذ هدف ارناط الخطير. وعاد أرناط إلى الكرك خوفاً عليه من صلاح الدين
وكان موسم الحج في ذلك العام قد اقترب. وأخذ الصليبيون ستة عشر مركباً من مراكب الحجاج، فقتلوا من فيها ونهبوها. ثم وصلوا إلى ميناء عِيذاب على الساحل المصري، ويقع على مسافة ١٢ ميلاً شمال منطقة حلايب الحالية، وكان من أشهر موانئ البحر الاحمر في ذلك العصر.
ونزل الصليبيون في ميناء عيذاب فوجدوا سفينة مليئة بالحجاج فقتلوهم ونهبوا أمتعتهم. ونهبوا مركبين آخرين كانا مُحملين بالبضائع القادمة من ميناء عدن. وكان في ميناء عيذاب مخازن للحبوب التي جرى تخزينها لإرسالها إلى سكان الحرمين الشريفين فأحرق الصليبيون تلك المخازن بما فيها.
وتقدموا في بريِّة عيذاب فصادفوا قافلة من الحجاج قادمة من قوص فقتلوهم ونهبوهم وبعد أن جعلوا ميناء عيذاب قاعاً صفصفاً ، وأحدثوا فيه جرائم لم يسمع بمثلها ، اتجهوا شرقاً الى الحجاز فوصلوا الى الحوراء قرب ينبع وقابلوا سفينة مليئة بالحجاج فأغرقوهم وسألوا بعض الأعراب ـ الذين لا يعرفون طبيعة هؤلاء القتلة ولا أهدافهم ـ عن طريق المدينة فدلوهم عليه ، فساروا فيه لنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم الاتجاه بعد ذلك نحو الكعبة.
ولو لم يكن لصلاح الدين جهاز استخبارات بالغ الروعة ونادر وجوده في التاريخ لما استطاع ان يكشف تلك المحاولة من وقت مبكر - في وقت ليس فيه اتصالات - ولربما نجح العدو في تحقيق هدفه قبل سماع صلاح الدين بالخبر. فقد رصد صلاح الدين مشروع أرناط الخبيث منذ وقت مبكر فأمر أخاه العادل بالتصدي للمحاولة فعهد العادل لحسام الدين لؤلؤ قائد الاسطول الأيوبي - الذي كانت كل سفنه في البحر المتوسط - بمواجهة الخطر.
فقام حسام الدين بتفكيك بعض السفن ونقلها أجزاءً على ظهور الجمال إلى خليج السويس وركَّبها ، ثم أبحر برجاله يقفو أثر الصليبيين فعثر على سفنهم عند الحوراء فأحرقها وسار في أثرهم حتى حصرهم في أحد الشعاب على مسافة يوم واحد فقط من المدينة فأخذهم قتلاً وأسراً، فلم ينج منهم أحد ، فأرسل أثنين من الأسرى الى منى ليُذْبحا يوم النحر كما تُذبح الأنعام ليكونا عبرة لكل من تسول له نفسه الأعتداء على الحرمين الشريفين
أما بقية أسرى الصليبيين وعددهم 170 أسيراً فقد عاد بهم إلى مصر وجرى استعراضهم مُنكسين على الجِمال في شوارع الأسكندية والقاهرة وضرب المسلمون أعناقهم جميعاً وقد شاهدهم الرحالة ابن جبير ووصفهم في رحلته أما أرناط زعيم المحاولة فقد ضرب صلاح الدين عنقه بعد أسْرِهِ في حطين سنة 583 هجرية.