عودة إلى الوراء
نضوج العلاقات الإسرائيلية - الروسية
بواسطة
آنا بورشفسكايا
آنا بورشفسكايا
آنا بورشفسكايا هي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن، حيث تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط.
مقالات وشهادة
يصادف تشرين الأول/أكتوبر 2016 الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لإعادة روسيا وإسرئيل رسمياً علاقاتهما الدبلوماسية بعد أن قطعها الاتحاد السوفياتي في أعقاب "حرب الأيام الستة" عام 1967.
ووفقاً لوكالة أنباء "انترفاكس"، قال السفير الإسرائيلي الجديد في روسيا تسفي حيفيتز في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 إن روسيا وإسرائيل تعتزمان الاحتفال بهذه الذكرى "على أعلى المستويات الممكنة". ومن جهته، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشهر نفسه بما يلي: "نحن راضون عن شراكتنا البناءة مع إسرائيل. فالعلاقات بين الدولتين قد وصلت إلى مستوى عال".
وفي الواقع، سعى بوتين إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل منذ تبوئه السلطة في آذار/مارس عام 2000، كما وطدت الدولتان علاقاتهما بشكل ملحوظ على عدة جبهات. ويعقد المسؤولون الروس والإسرائيليون اجتماعات ومحادثات هاتفية بصورة منتظمة ويحافظون على عدة قنوات اتصال مفتوحة. كما لدى البلدين اتفاق بشأن السفر السياحي دون الحاجة إلى تأشيرة لمواطنيهما. فإسرائيل تضم أكثر من مليون مهاجر مما كان يُعرف سابقاً بالاتحاد السوفياتي، الأمر الذي يعزز علاقات روسيا مع إسرائيل. كما أن اللغة الروسية هي اللغة الثالثة الأكثر تداولاً في إسرائيل بعد العبرية والإنكليزية. وقد تحسنت العلاقات الاقتصادية بين الدولتين بشكل لافت، لتتخطى قيمتها 3 مليارات دولار عام 2014، وهو رقم أعلى بقليل من قيمة التجارة بين روسيا ومصر في العام ذاته. وشهدت العلاقات العسكرية تحسناً أيضاً. ففي أواخر عام 2015، ووفقاً لتقارير صحفية، باعت إسرائيل عشر طائرات استطلاع بدون طيار لروسيا، بالرغم من مخاوف إسرائيل بشأن العلاقات العسكرية والسياسية التي تجمع روسيا بإيران.
بيد، ما زالت هناك تعقيدات قائمة بين البلدين. فبوتين يريد أن يظهر كلاعب أساسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بينما تضطلع إسرائيل بدور مهم في المنطقة. غير أن سياسة بوتين الإقليمية تنطلق بشكل أساسي من معاداة الغرب في لعبة محصلتها صفر لتجعل من روسيا ثقلاً مضاداً للغرب في المنطقة، ولتقسيم المؤسسات الغربية وإضعافها على نطاق أوسع. أما إسرائيل، وبخلاف روسيا، فهي ديمقراطية مؤيدة للغرب. وتجدر الإشارة إلى أن عدوانية موسكو المتنامية في ما كان يُعرف سابقاً بالاتحاد السوفياتي، خصوصاً في أوكرانيا، ونفوذها المتعاظم في الشرق الأوسط في سياق الانسحاب الغربي من المنطقة، يعقّدان العلاقات الروسية- الإسرائيلية.
تحسّن العلاقات
عند استلامه زمام السلطة في آذار/مارس 2000، سعى بوتين إلى إعادة روسيا كلاعب بارز إلى الشرق الأوسط وعمل مع جميع الأطراف في المنطقة، سواء أكانوا أصدقاء أو خصوماً تقليديين. وقد جعل سياسته ترتكز على تعريفه الخاص للمصالح الروسية، انطلاقاً من وجهة نظر واقعية بحتة. وتضمنت هذه السياسة تحسين العلاقات مع إسرائيل إثر تدهورها في أواخر التسعينات في عهد وزير الخارجية ورئيس الوزراء آنذاك يفكيني بريماكوف، الذي كان بالتأكيد أكثر تأييداً للعرب. وكما كتب البروفسور مارك كاتز في دورية "الشرق الأوسط الفصلية" في شتاء عام 2005: "لا يسعى بوتين إلى إرضاء واشنطن ولا إلى تلبية أي ضرورات سياسية محلية، بل أن سياسة موسكو الجديدة في الشرق الأوسط تنتج عن حسابات بوتين الشخصية للمصالح الروسية، وهي حسابات لا تلقى تأييداً كبيراً في حكومته".
وهناك عدة عوامل دفعت سياسة بوتين تجاه إسرائيل، خصوصاً في سنوات حكمه الأولى. ومن بين هذه العوامل الصراع مع جمهورية الشيشان المنشقة في شمال القوقاز، وهو صراع بدأ في أوائل التسعينات، وكان أساساً حركة انفصالية علمانية أصبحت ذات طبيعة إسلامية متطرفة بشكل متزايد، ويعزى ذلك بقدر كبير إلى سياسات موسكو الصارمة وانتهاكاتها الفاضحة لحقوق الإنسان.
وقد شبّه بوتين صراع روسيا ضد الإرهاب بصراع إسرائيل ضده وعلى مر السنين، أجرى هذه المقارنة ذاتها في اجتماعاته مع عدة مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى. ووفقاً لوكالة "تي أس جي إنتل بريف" (TSG IntelBrief)، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2003، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، الذي يجيد اللغة الروسية وشكّل علاقة شخصية وطيدة مع بوتين، الرئيس الروسي بـ "الصديق الفعلي لإسرائيل". وكانت إسرائيل من بين الدول القليلة التي لم تنتقد بوتين على خلفية الإجراءات التي اتخذها في الشيشان.
وهناك محرّك آخر لسياسة بوتين تجاه إسرائيل، وهو تشديده على تطوير علاقات اقتصادية مع دول الشرق الأوسط. من هنا، سعى إلى إقامة علاقات تجارية مع إسرائيل، مثل تجارة التكنولوجيا العالية في مجالات تتضمن تقنية النانو. وبصورة عامة، نمت التجارة بين روسيا وإسرائيل لتصل إلى مليار دولار سنوياً بحلول عام 2005 وازدادت بأكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2014، إلى ما يقرب من 3.5 مليار دولار. ويُعتبر هذا الرقم أعلى بقليل من ذلك الذي حققته التجارة بين روسيا ومصر في العام ذاته. ويعيش في إسرائيل أكثر من مليون متحدث باللغة الروسية من أصل روسي، وهو أمر مهم بالنسبة إلى الكرملين. وفي ما يتعلق باعتبارات روسيا المحلية، توجب على بوتين الحرص على توازن السياسة الروسية تجاه إسرائيل نظراً لأن روسيا تضم عدداً كبيراً من السكان المسلمين مقابل عدد صغير من السكان اليهود، وبسبب استمرار معاداة السامية، وتنامي الشعور المناهض للإسلام والمخاوف بشأن الإرهاب.
وأخيراً، سعى بوتين إلى إشراك روسيا في عملية السلام في الشرق الأوسط، على أمل أن تحل محل الغرب وتبدو ببساطة كلاعب مهم. وفي الواقع، في عهد بوتين، أصبحت روسيا أكثر حزماً، وسَعت إلى أن تطبع بصماتها في عملية السلام منذ انضمامها إلى "اللجنة الرباعية الدولية" منذ أكثر من عقد. وفي حزيران/يونيو 2012، زار بوتين إسرائيل، وذلك قبل تسعة أشهر من قيام باراك أوباما بزيارته الأولى لإسرائيل كرئيس للولايات المتحدة. وفي لقائه مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في القدس، قال بوتين: "تقوم مصلحة روسيا الوطنية على توفير السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والسلام والاستقرار للشعب الإسرائيلي. وليس من باب الصدفة أن يكون الاتحاد السوفياتي من بين المبادرين والداعمين لإنشاء دولة إسرائيل"، وفقاً لإحدى مخطوطات الكرملين. وعلى نحو ملائم ومتعمد، لم يأتِ بوتين على ذكر التحول السريع في السياسات في عهد ستالين بعد أن قامت إسرائيل بمواءمة سياساتها مع الغرب.
الخلافات والتعقيدات المتبقية
على الرغم من تحسن العلاقات الثنائية، لا تزال هناك خلافات كبيرة. ففي آذار/مارس 2006، زار موسكو قادة من حركة «حماس» بدعوة من بوتين. ونفى بوتين أن تكون «حماس» منظمة إرهابية. وبالنسبة لإسرائيل، تضمنت صعوبات رئيسية أخرى دعم موسكو لبرنامج إيران النووي وإتجارها بالأسلحة مع سوريا، علماً أن هذه الأسلحة قد تقع بين أيدي «حزب الله». وفي الواقع، واصلت موسكو دعم البرنامج النووي الإيراني بالرغم من المخاوف الغربية والإسرائيلية بأن هذه السياسة ستساعد إيران على تطوير سلاح نووي.
إن انخراط روسيا مؤخراً في سوريا في أعقاب الاتفاق الإيراني سيعقّد على الأرجح الوضع بالنسبة لإسرائيل. ففي عام 2010، وعلى إثر ضغوط من الغرب وإسرائيل، جمّدت موسكو (ولكنها لم تلغِ) عقداً بقيمة 800 مليون دولار مع إيران لبيع نظام الدفاع الجوي "أس-300" الذي قد يساعد على إسقاط الطائرات الحربية الأمريكية أو الإسرائيلية في حال تعرض المنشآت النووية الإيرانية لضربة جوية.
وفي المقابل، امتنعت إسرائيل عن انتقاد تصرفات موسكو في الدول القريبة من روسيا. على سبيل المثال، أبقت إسرائيل علناً على موقفها الحيادي حول الأزمة الأوكرانية ولم تبع أسلحة لكييف. إلا أن موسكو وإيران تعاودان اليوم إحياء المناقشات بشأن بيع تلك الأسلحة. ففي شباط/فبراير من هذا العام، وبعد رفع العقوبات عن إيران، أعلن المسؤولون الإيرانيون والروس عن خطط بشأن اتفاق أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار، يتضمن، وفقاً لصحيفة "واشنطن فري بيكون"، بيع صواريخ من طراز "أس-300"، بالإضافة إلى طائرات "سوخوي-30" الروسية، التي تشبه إلى حد كبير المقاتلات الأمريكية من طراز "F-15E". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر إن نقل طائرات "سوخوي-30" يتطلب تفويضاً من مجلس الأمن الدولي وإن الولايات المتحدة سوف "تناقش هذه المسألة مع روسيا"، كما ذكرت وكالة" أسوشيتد برس".
وفي وقت سابق، أعربت إسرائيل عن قلقها بشأن الاتفاق النووي الذي توصلت إليه «مجموعة الخمسة زائد واحد» مع إيران في تموز/يوليو 2015، في حين أشاد بوتين بهذا الاتفاق. وكان نتنياهو صريحاً جداً حول هذا الموضوع، مؤكداً أن إسرائيل ليست ملزمة بهذا الاتفاق وأنها ستدافع دائماً عن نفسها.
إن تدخل بوتين في سوريا يجعل الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة إلى إسرائيل. وقد اجتمع نتنياهو ببوتين في موسكو في 21 أيلول/سبتمبر 2015. وبدا أن ذلك الاجتماع قد هدّأ بعض المخاوف الإسرائيلية بشأن تدخل روسيا في سوريا. ففي أعقاب الاجتماع، قال نتنياهو: "في سوريا، حددتُ أهدافي، وهي حماية أمن شعبي وبلادي. لروسيا أهداف مختلفة. ولكنها لا ينبغي أن تتصادم [مع أهداف إسرائيل]".
بيد، قد تُنذر الضربات الأخيرة في جنوب سوريا بقيام مشاكل أخطر لإسرائيل إذا ما قام «حزب الله» وإيران بتصعيد حملتهما البرية هناك. وتُبرز هذه الأحداث مجدداً ضرورة قيام القوى الغربية بتلبية احتياجات حلفائها الإقليميين، خشية أن يندفع هؤلاء نحو روسيا. وفي الوقت نفسه، إن إبقاء روسيا على نظام الرئيس السوري بشار الأسد يعزز النفوذ الإيراني في المنطقة، الأمر الذي يطرح إشكالية بالنسبة إلى إسرائيل. ومن هذا المنطلق، ستساعد إزاحة الأسد على معالجة المخاوف الأمنية لإسرائيل.
المحصلة
ما زالت إسرائيل تعتبر روسيا لاعباً مهماً في الشرق الأوسط، ففي نهاية المطاف، لا يرغب أي من الطرفين بإحداث أزمة ثنائية خطيرة. وفي هذا السياق، يطرح الانسحاب الغربي من الشرق الأوسط مشكلة بارزة لإسرائيل، حيث أنه يقلّل من خياراتها. وفي الواقع، وفي سياق علاقات نتنياهو المتوترة مع الرئيس أوباما، يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي ضرورة كبرى بتهيئة تفاهم أفضل مع بوتين، لكي يتم تقليص احتمال وقوع اشتباكات عسكرية عرضية في سوريا، وتحسين التفاهم المشترك على نطاق أوسع من أجل الحفاظ على العلاقات المتوازنة.
ومن المرجح أن تستمر روسيا وإسرائيل بالتعاون بينهما، وخاصة على الجبهتين الاقتصادية والعسكرية. وفي الواقع، ووفقاً لتقارير صحفية روسية وإسرائيلية في شباط/فبراير من هذا العام، تعتزم الدولتان التوقيع على اتفاق منطقة تجارة حرة. ولكن في النهاية، يولي بوتين الأولوية للسياسات أكثر من أي شيء آخر، ويكون بذلك شوكة في خاصرة الغرب ويعمل على إضعافه على نطاق أوسع.
وفي الواقع، إن مساعدة الأسد على زيادة تدفقات اللاجئين إلى أوروبا تسمح لبوتين بتحقيق ذلك. كما أن بسط بوتين نفوذه في الشرق الأوسط بصورة عامة، وخصوصاً في سوريا، فيما يتراجع الغرب، يثير تساؤلات لدى إسرائيل ويشير بأن عليها توخي الحذر من أجل المحافظة على التوازن في منطقة معقدة وغير مستقرة على نحو متزايد.
يصادف تشرين الأ
www.washingtoninstitute.org