الفقع
ينمو الفقع على شكل درنة البطاطا بالقرب من بعض أنواع النباتات الصحراوية وجذور الأشجار الضخمة، كالسنديان، وله شكلٌ كروي لحمي رخو، وسطحه أملس أو متدرّن، ويختلف لونه من البيج إلى البني الغامق المائل إلى السواد، وأحجامه تتفاوت، إذ قد يصغر إلى حجم حبّة البندق، أو يكبُر ليبلغ حجم برتقالة.
أنواعه
للكمأة (الفقع) أنواع عدّة، أشهرها:
الزبيدي: لونه يميل إلى البياض، وحجمه قد يصل إلى حجم برتقالة كبيرة.
الخلاسي: يميل لونه إلى الأحمر، وهو أصغر من الزبيدي حجماً، لكنّه أشهى منه وأغلى قيمة.
الجبي: أسود مائل إلى الحمرة، حجمه صغير جداً.
الهوبر: سطحه أسود وداخله أبيض، يظهر قبل طلوع الكمأة الأصلية، ليدل على قرب وقت ظهورها، وهو أردأ أنواع الكمأة.
ينمو الفقع بكثرة في الخليج وفي غرب العراق وبلاد الشام، كما ينمو في بعض مناطق شمال أفريقيا، وأجزاء من أوروبا، خصوصاً فرنسا وإيطاليا، ويعرف مكان وجود الكمأة إما من خلال تشقق سطح الأرض من فوقها أو من كثرة الحشرات الطائرة فوق مكان وجودها.
وأفضل وقت للبحث عن الفقع هو عند الفجر أو لحظة تكشف أشعة الشمس الخفيفة أي تغير بسيط يعتري سطح الرمال. وعند العثور على الكمأة يجب حفظه في مكان مظلم وبارد، والأفضل وضعه في سلة لا في كيس بلاستيكي كي لا يفسد ويتغير مذاقه.
كلاب الفقع
وفي يومنا هذا يعد الكمأة (الفقعُ) طعاماً معروفاً مألوفاً، بل شهيٌّ ومرغوب في كثير من بلدان العالم الشرقية والغربية معا، ففي فرنسا، مثلاً، يجمعونه ويفخرون بأن فطرَهم من أجود أنواع الفطريات، لهذا يعتنون به ويستهلكون منه كميات كبيرة، ويصدرون ما يزيد عنهم، وتظهر إحصائيات رسمية أن فرنسا تنتج من الفقع ما بين 200 و300 طن سنوياً، كما يشتهر الفرنسيون بإتقانهم عملية جمع الكمأة وابتكارهم أساليب ووسائل مميزة لهذه الغاية، فقد دربوا كلاباً خاصَّةً تتعرف عليه من رائحته وتقف فوق مكان وجوده حتى يأتي من ينبشه من الأرض.
وتقول بعض المراجع أن الأسبان أول من نشروا الكمأة في قارة أوروبا منذ القرن الرابع عشر للميلاد، فيما تروي مراجع أخرى أن الإيطاليين أول مكتشفيه في أوروبا، خصوصاً أن لديهم نوعاً من الفقع مشهوراً منذ القدم لونه أبيض، لكنَّه ذو قيمة غذائية أدنى من سواه.
القيمة الغذائية
عرف الإنسان قيمةَ الفقع الغذائية العالية من قديم الزمان، الأمر الذي لا ينسجم مع النظرة العلمية الحديثة إزاءه والتي تعتمد على التحاليل المخبرية العالية الدقة، وحديثاً أظهر تحليل الكمأة احتواءه على بروتين بنسبة 9 في المئة، ومواد نشوية بنسبة 13 في المئة، ودهون بنسبة 1 في المئة، لهذا فهو ذو مردود متواضع من الحريرات، وثلاثة أرباع بنيته التركيبية من الماء، كما أنه يحتوي على معادن مشابهة لتلك التي يحتويها جسم الإنسان مثل الفوسفور والصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم، ويحتوي أيضاً على نسبة وفيرة من “فيتامين ب”، كما يحتوي على كمية من النيتروجين بجانب الكربون والأكسجين والهيدروجين، وهذا ما يجعل تركيبه شبيها بتركيب اللحم، وطعم المطبوخ من الكمأة يشبه كثيراً طعم كُلى الضأن، وكذلك له رائحةَ زكية وطعم شهي، ما يغري الكثيرين بالإقبال عليه وشرائه مهما غلا ثمنه.
الكمأة في الطب
ورد ذكر الكمأة (الفقع) في الطب القديم، فوصفت بأنها باردة رطبة في الدرجة الثالثة، رديئة على المعدة، بطيئة الهضم، وإذا أُدمنت أورثت السكتة والفالج ووجع المعدة وعسر البول... والرطبة أقل ضرراً من اليابسة، ومن أكلها فليسلقها بالماء والملح والزعتر ويأكلها بالزيت والتوابل الحارة، لأن جوهرها أرضي غليظ وغذاءها رديء، لكن فيها جوهراً مائياً لطيفاً يدل على خفتها. والاكتحال بها نافع من ظلمة البصر والرمد الحار، وقد ظل فضلاء الأطباء ينصحون بالتداوي بالفقع، لاقتناعهم بأنَّه يجلو العينَ ويُقوِّي البصر، بل ذهب أطباء آخرون إلى أن الفقع يقوي الجنس، وذلك بعد غسله جيداً وتجفيفه ثم سحقه وغليه بالماء لمدة لا تقل عن نصف ساعة، غير أنَّ التحاليلَ الطبيَّةَ التي أُجرِيت حديثاً لم تجد في الفقع ميزة طبية مؤثرة في الأداء الجنسي.
لكن الفقع أثبت فائدته في مسألة طبية أخرى، إذ أجريت دراسة إكلينيكية على مرضى مصابين بالتراخوما (الرمد الحبيبي) في مراحله المختلفة، استخدم مع نصفهم ماء الكمأة وأُعطي النصف الآخر مضادات حيوية معروفة، وقد تبين أن ماء الكمأة أدى إلى نقص شديد في الخلايا اللمفاوية وندرة في تكوين الألياف، على عكس الحالات الأخرى التي استخدمت فيها المضادات الحيوية. وخلصت الدراسة إلى أن ماء الكمأة يمنع حدوث التليف في مرض االتراخوماب وذلك عن طريق التدخل إلى حد كبير في تكوين الخلايا المكوِّنة للألياف، وفي الوقت نفسه أدى إلى منع النمو غير الطبيعي للخلايا الطلائية للملتحمة، كما زاد نسبة التغذية لهذه الخلايا من خلال توسيع الشعيرات الدموية في الملتحمة، ولما كانت معظم مضاعفات االرمد الحبيبيب تنتج من عملية التليف، فإن ماء الكمأة يمنع من حدوث هذه المضاعفات.
وتستعمل الكمأة كذلك لعلاج هشاشة الأظافر وسرعة تكسرها أوتقصفها، ويستفاد منها أيضاً في علاج تشقق الشفتين.
طرق طبخه
يطبخ الفقع عموماً بالطرق نفسها التي تطبخ بها البطاطس، لكن لابد من الحرص على تنظيفه من التراب بغسله جيدًا مرات عدة، ثم يقشر ويقطّع حسب الطلب، ويمكن سلقه بالماء المضاف إليه قليل من الملح، كما يمكن تقطيعه شرائح وتمليحه بعد طليه بالزبدة ورش شيء من البهارات عليه ثم تغليفه بورق السلوفان (القصدير) ووضعه بالفرن.
كذلك يمكن طبخه مع الرز، وفي هذه الحال يجب وضعه على النار الهادئة، وبعد حوالى نصف ساعة يضاف إليه الرز،أما مع المرق، فيوضع الفقع مع اللحم على النار في وقت واحد، لأن كليهما يحتاج إلى الزمن نفسه تقريباً حتى ينضج.
وأسهل طرق طبخ الفقع هي حمسه مع البصل والطماطم، حيث يضاف الفقع إلى البصل المقلّى بالسمنة أو الزبدة ويتواصل حمسهما حوالى ربع ساعة على نار متوسطة، تضاف بعدها الطماطم المقشرة والمقطعة قطعاً صغيرة، مع قليل من البهارات، لأن كثيرها يضّيع نكهة الفقع، ويترك القدر على نار هادئة نحو 30 دقيقة، وإذا جف مرق الطماطم لابأس من إضافة قليل من الماء المغلي حتى لا يحترق...
وثمة طرق أخرى كثيرة لطبخ الفقع، تختلف باختلاف المنطقة وتنوع الأكلات الشعبية.