هكذا أجبرت فرنسا هايتي على دفع 150 مليون فرنك ذهبي

GSN 

سبحان الخالق العظيم
صقور الدفاع
إنضم
23 سبتمبر 2011
المشاركات
24,802
التفاعل
90,832 475 3
الدولة
Saudi Arabia
يوم 29 مارس 1818، تولى جان بيير بوير (Jean-Pierre Boyer)، أحد أبطال حرب الاستقلال، المنتمي للمولاتو (Mulato) رئاسة هايتي خلفا لألكسندر بيتيون (Alexandre Pétion) الذي فارق الحياة عقب صراع مرير مع مرض الحمى الصفراء.

وخلال السنوات الأولى من حكم جان بيير بوير، انسحبت إسبانيا من الجزء الشرقي للجزيرة عقب ثورة أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا. ويوم 30 نوفمبر 1821، اتجه المستعمرون البيض بهذه المستعمرة الإسبانية السابقة لإعلان استقلالهم وتأسيس دولة هايتي الإسبانية التي لم تتمكن من الصمود طويلا لتسقط خلال الفترة التالية في قبضة قوات جان بيير بوير الذي لم يتردد في توحيدها مع هايتي.

a05094da-2aee-4d79-af18-ff5e5cbcd254.jpg


150 مليون فرنك ذهبي​

وعلى الرغم من نجاحه في ضم أجزاء كبيرة من الجزيرة لهايتي، اضطر الرئيس جان بيير بوير لمواجهة أزمة جديدة تزامنا مع تولي شارل العاشر (Charles X) لمنصب ملك فرنسا يوم 16 سبتمبر 1824. فخلال تلك الفترة، عبّر الملك الفرنسي عن غضبه الشديد من الأحداث التي رافقت حرب استقلال هايتي.

وأمام هذا الوضع، اتجه شارل العاشر لمطالبة الهايتيين بتقديم تعويضات مالية على عمليات تخريب مزارع المستعمرين الفرنسيين إبان الاستقلال وعمليات إبادة السكان البيض على يد جاك ديسالين (Jacques Dessalines).

وأثناء المفاوضات حول قيمة التعويضات، عمدت فرنسا لإرسال ما يزيد عن 40 فرقاطة مدعومة بنحو 500 مدفع نحو سواحل هايتي للضغط على الهايتيين. ومع تخوّفه من عملية غزو جديدة لبلاده، قبل الرئيس جان بيير بوير يوم 11 يوليو 1825 بمطالب الفرنسيين ووافق على دفع مبلغ يعادل 150 مليون فرنك ذهبي تم تخفيضه فيما بعد لقرابة 90 مليون فرنك ذهبي.

إلى ذلك، اضطرت هايتي لدفع هذا المبلغ على أقساط سدد آخر قسط منها عام 1888. وفي الأثناء، وصفت الولايات المتحدة الأميركية ودول أميركا اللاتينية المستقلة حديثا قرار التعويضات بالاحتلال غير المباشر لهايتي. وكرد على ذلك، رفض الأميركيون وبقية شعوب أميركا اللاتينية الاعتراف باستقلالها وصنّفوها في المقابل بالمستعمرة الفرنسية.


ضرائب وثورة واستقلال​

وأملا في ملء خزائن الدولة لسداد هذا المبلغ للفرنسيين، لجأ الرئيس جان بيير بوير لوضع قوانين جديدة عمد من خلالها لرفع قيمة الضرائب المفروضة على الفلاحين الذين عانوا بدورهم منذ الاستقلال من ويلات الفقر. فبسبب تقاسم مزارع قصب السكر، التي كانت في وقت سابق مزدهرة، بين الفلاحين، تحوّلت هايتي خلال فترة وجيزة لزراعة الكفاف حيث أجبر الفلاحون لزراعة الأطعمة التي كانت بالكاد تكفي لإطعام أنفسهم وعائلاتهم.

وبسبب هذه الظروف الصعبة، عاشت هايتي خلال العام 1843 على وقع ثورة دموية أسفرت عن طرد الرئيس جان بيير بوير الذي غادر السلطة ليستقر بجامايكا قبل أن يتحول نحو باريس حيث توفي يوم 9 يوليو 1850.

يوم 27 فبراير 1844، استغل السكان الكريول (créole)، الناطقون بالإسبانية، بالقسم الشرقي للجزيرة حالة عدم الاستقرار لإعلان استقلالهم عن هايتي معلنين بذلك مولد جمهورية الدومينيكان (Dominican Republic).
رسم تخيلي لديسالين

رسم تخيلي لديسالين

  • رسم تخيلي لديسالين
  • لوحة للملك الفرنسي شارل العاشر
  • لوحة تجسد الرئيس جان بيير بوير
 
يوم 1 يناير 1804، حصلت سانت دومينغ (Saint-Domingue)، التي كانت مستعمرة فرنسية سابقة، على استقلالها عقب حرب دموية استمرت لسنوات وأسفرت عن سقوط أكثر من 100 ألف قتيل. وعقب حرب التحرير، أصبحت هذه المستعمرة الفرنسية السابقة ثاني دولة مستقلة بالقارة الأميركية بعد الولايات المتحدة وأول دولة مستقلة لذوي البشرة السمراء بالعصر الحديث.

وتزامناً مع إعلان الاستقلال، اتجه المسؤولون بهذه المنطقة لرفض كل ما من شأنه أن يرمز للحقبة الاستعمارية فعمدوا لتغيير اسم بلادهم واعتمدوا اسم هايتي (Haiti) الذي استخدمه شعب التاينو (Taïnos) قبل قدوم كريستوف كولومبوس.


استقلال هايتي​

عام 1802، وقع بطل هايتي توسان لوفرتور (Toussaint Louverture) أسيراً في قبضة الفرنسيين عقب خيانة تعرض لها من قبل أحد أتباعه. وعلى إثر ذلك، أرسل لوفرتور نحو إقليم جورا (Jura) الفرنسي، حيث فارق الحياة بالعام التالي خلف قضبان زنزانته. وبغياب لوفرتور، آلت قيادة حرب استقلال هايتي لعدد آخر من الثوار، كان أبرزهم جان جاك ديسالين (Jean-Jacques Dessalines).

لوحة تجسد شخصية توسان لوفرتور

لوحة تجسد شخصية توسان لوفرتور
في بادئ الأمر، تحالف ديسالين مع الفرنسيين قبل أن ينقلب عليهم ويكبدهم خسائر جمة بمعركة فرتيار (Vertières) يوم 18 نوفمبر 1803. وبمدينة غوناييف (Gonaïves) بشمال هايتي يوم 1 يناير 1804، تلى ديسالين بيان استقلال البلاد أمام الحشود الغفيرة التي ابتهجت بتحرر بلادها من التواجد الفرنسي الذي استمر لقرون.

وتزامناً مع ذلك، حصل هذا الرجل، الملقب ببطل استقلال هايتي، على لقب الحاكم العام لهايتي لبقية حياته لتبدأ على إثر ذلك حالة من الاضطرابات التي هزت البلاد وأسفرت عن سقوط آلاف الضحايا.

رسم يجسد شخصية ديسالين

رسم يجسد شخصية ديسالين

قتل البيض الفرنسيين​

فمع حصوله على مقاليد الحكم، أعلن ديسالين أن هايتي دولة مستقلة للمواطنين من ذوي البشرة السمراء فقط. واتجه الحاكم العام لتطبيق هذا الإعلان على أرض الواقع، فأصدر قراراً أمر من خلاله بقتل البيض الفرنسيين بهايتي واستثنى من قراره هذا البيض أصحاب الحرف والأطباء. وبناء على أغلب المؤرخين، لجأ ديسالين نحو التطهير العرقي ضد البيض الفرنسيين لتجنب تمردهم ضد حكمه ومساندتهم لتدخل فرنسي مستقبلي لاستعادة هايتي.

وبعد مضي أقل من عام عن إعلان الاستقلال، لم يتردد ديسالين يوم 22 سبتمبر 1804 في إعلان نفسه إمبراطوراً على هايتي وانتقى لنفسه لقب جاك الأول (Jacques I). وفي الأشهر التالية، أرسى هذا الإمبراطور الجديد نظاماً دكتاتورياً دموياً أثار غضب الهايتيين الذين عانوا طوال السنوات السابقة من ويلات العبودية والاستعمار الفرنسي.

لوحة تجسد ديسالين وهو يحمل بيده رأس فرنسي

لوحة تجسد ديسالين وهو يحمل بيده رأس فرنسي

اغتيال بطل الاستقلال​

أمام هذا الوضع، اتجه عدد من الجنرالات ورفاق ديسالين السابقين زمن حرب الاستقلال لتنظيم مخطط للإطاحة به وإنهاء حكمه. وقد تضمنت قائمة العسكريين المتآمرين شخصيات بارزة من أمثال ألكسندر بيتيون (Alexandre Pétion) وجان بيير بوييه (Jean-Pierre Boyer) وهنري كريستوف (Henri Christophe) الذي كان في السابق مؤيدا لسياسة ديسالين.

لوحة تجسد وحدة كل من ديسالين وبيتيون أثناء حرب الاستقلال

لوحة تجسد وحدة كل من ديسالين وبيتيون أثناء حرب الاستقلال
وأثناء تواجده بمنطقة مارشان (Marchand) يوم 16 أكتوبر 1806، تلقى ديسالين خبر وجود تمرد ضده. وكرد على ذلك، أمر الأخير الجنرالين بيتيون وكريستوف بالاستعداد للقضاء على المتمردين.

في اليوم التالي، صعق الجميع بهايتي عقب سماعهم خبر مقتل الإمبراطور. فيوم 17 أكتوبر 1806، أقدم عدد من جنود الجنرال بيتيون على قتل ديسالين رمياً بالرصاص عند منطقة الجسر الأحمر بشمال بورت أو برانس (Port-au-Prince). ومع سماعهم بحادثة الاغتيال، حاول وزراء ديسالين تنصيب ابنه بدلاً منه إلا أن تدخل الجنرالات حال دون ذلك، حيث عمد كل بيتيون وكريستوف لإلغاء النظام الإمبراطوري لتغوص البلاد طيلة السنوات التالية في حرب أهلية أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا.

وعقب وفاته، دفن ديسالين من قبل عدد من الفلاحين بموقع الاغتيال. وقد ظلت جثته بهذا المكان لأكثر من قرن قبل أن تنقل بقاياها فيما بعد نحو ضريح آخر، بالعاصمة، سرعان ما تحول لمعلم وطني.
 
شكرا على المقال
أقول دائما
ما من بلد دخلته فرنسا إلا وخرّبته
وما من بلد خرجت منه فرنسا إلا وتركت فيه عملائها لتخريبه أكثر
 
عودة
أعلى