قصة تواجد القوات الجوية الليبية بالسودان
_______
#الحلقة(1)
سنة 1988 كنت أحد طياري سرب 1060 بقاعدة خليج البمبة ــ قاعدة الشهيد علي الرايس ــ ، كنت طيار مقاتل عمليات نهاري / ليلي على الطائرة ميغ 23 المقاتلة الروسية .
بعد هبوطي أنا و زميلي الطيار " موسى القذافي " من رحلة استطلاع مسلح بالقرب من حاملة الطائرات الأميركية و التي كانت تحط على مشارف القاعدة خارج المياه الإقليمية ، .
عدت الي غرفتي و قمت بتغيير ملابس الطيران و ذهبت إلى النادي والذي كان ملحق به المطعم ، لتناول وجبة الغذاء ، بعد وصولي إلى النادي وجدت زميلي " موسى " الذي أخبرني بهبوط طائرة خاصة بها مبعوث من القيادة و يريدون عدد اثنين من الطيارين للذهاب للسودان لقتال حركة التمرد بجنوب السودان بقيادة جون قرنق ، و أن أمر الذهاب بالرغبة ، وفي حال عدم إستجابة أحد . سيكون هناك اختيار بالأوامر العسكرية .
وطلب مني ألاّ أوافق خوفًا على حياتي ، و لأن الأمر هناك خطير ، و الحرب مشتعلة هناك ، فطمأنته بأنني لن اذهب للقتال .
جلست الى الطاولة وأحضُر طعام الغذاء الخاص بي ، و قبل أن أتناول اللقمة الأولى رنّ جرس الهاتف ، و بعد أن ردّ على الهاتف أحد العاملين بالمطعم نادوني :
ـــ افندي " سليمان " المكالمة لك ..
قمت للرد على الهاتف ، و كان على الخط آمر السرب المكلف رحمة الله عليه " محمد راغب " ، و قال لي :
ـــ افندي " سليمان " القيادة أرسلت مبعوثًا برسالة فحواها الرغبة بعدد اثنين من الطيارين للذهاب للسودان ، و أنا رشحت نفسي ، و أريدك أن تذهب معي .. ما رأيك ؟
فلم أجد بدٌ من الموافقة رغم عدم رغبتي ، أحسست أنني في وضع لا خيار لي فيه الا الموافقة ، فقلت له :
ـــ موافق .
نعم وافقت دون تفكير ..
فقال لي :
ـــ هيا ..
ـــ شنو هيا ؟
فقال :
ـــ سنذهب الآن .
ـــ ولكن جواز سفري ليس معي ، و أريد رؤية والدتي ..
كانت والدتي بمثابة الأم و الأب معًا ، حيث أن والدي توفى وأنا صغير السن .
فابلغني بأن طلبي مُجاب ، وسيتم نقلنا جوا بطائرة خاصة إلى مدينة بنغازي مقر إقامتي الأصلي . وفعلا خرجت دون أن أتناول الغذاء و حزمت ملابس الطيران و الخوذة و بدلة الضغط و طوق النجاة و جميع التجهيزات و ودعت أصدقائي و صعدنا طائرة الفالكون الخاصة و التي تتكون من غرفة جلوس لشخصين و غرفة نوم ، كانت طائرة مريحة وتختلف كثيرًا عن جميع الطائرات ، لحظات و حطت بنا الطائرة في مطار بنينا ، فتح الباب وجدنا في استقبلنا أحدهم وكان مكلفا من القيادة ، أعطانا مفاتيح سيارة هوندا و قال اذهبوا لإحضار جوازات السفر و رؤية أهلكم .
استلم زميلي الرائد " محمد راغب " و ركبت بجانبه و انطلقنا بالسيارة ، فأوصلني الى منزلي أولا وذهب لبيته ، في بيتي أخذت جواز السفر الخاص بي ، و حتى لا اشغل الوالدة اضطررت للكذب عليها ، فقد قلت لها اننا ذاهبون الى السودان لتدريب طيارين هناك .
بعد توديع الاسرة و اخذ احتياجاتي أتى زميلي " محمد " و ذهبنا الى المطار و كانت الطائرة في انتظارنا ، ركبنا و انطلقت بنا إلى مطار الخرطوم ، و كانت الأجواء في الطائرة رائعة جدًا حيث أنها كانت تخص أحد المسؤولين الكبار ، كان بها جهاز تلفاز و جميع ما لذا وطاب من الأكل والذي لم يكن متوفرًا في ليبيا تلك الفترة مثل المكسرات و الفواكه ... الخ . و حطت بنا الطائرة دون أن نشعر بالمسافة ، و هناك كان في انتظارنا شخصيات كبيرة من الخارجية و الاستخبارات السودانية ، وتم تسليمنا سيارة نوع مرسيدس مع سائق خاص ، و نقلنا إلى فندق الهلتون ، وجدنا هناك أيضا من استقبلنا و جهز لنا الإقامة مع توصيات خاصة لمدير الفندق ، كان الفندق جميل جدًا ، و استمتعنا بالإقامة و كان السائق يقوم بإيصالنا إلى حيث ما نريد .
ذهبنا الى قاعدة السيدي الجوية والتي لا تبعد كثير عن المطار ، بل تشارك المطار المدني نفس المهبط ، جلسنا مع طياري الميغ 23 هناك ، وكانوا من الذين سبق وأن تحصلوا على دورات تدريبيه بقاعدة بنينا ، ولكن اتضح لنا أن منهم من اسقطت طائرته و توفى والباقي منهم لم يكن لديهم رغبة في القتال و كل تحجج بحجة . كان علينا الذهاب لفحص الطائرات التي كانت قد منحتها ليبيا هدية الى السودان ، وكانت في احسن حال ، حيث انها عادت مؤخرا من الصيانة " العمرة " بالاتحاد السوفيتي ، ــ والعمرة مصطلح يعني صيانة معينه لكل عدد ساعات طيران ــ .
ونفذنا عدد من الطلعات القتالية على عدة مناطق ، وبعد كل طلعة نعود للفندق . حينها كان الملحق العسكري في السودان العقيد " جبريل الوداوي " ، الذي كان هو أيضا في استقبالنا في مطار الخرطوم..
يتبع في الحلقة 2 ..
______
نقلا عن الطيار :
Suliman Elshtiti
_______
#الحلقة(1)
سنة 1988 كنت أحد طياري سرب 1060 بقاعدة خليج البمبة ــ قاعدة الشهيد علي الرايس ــ ، كنت طيار مقاتل عمليات نهاري / ليلي على الطائرة ميغ 23 المقاتلة الروسية .
بعد هبوطي أنا و زميلي الطيار " موسى القذافي " من رحلة استطلاع مسلح بالقرب من حاملة الطائرات الأميركية و التي كانت تحط على مشارف القاعدة خارج المياه الإقليمية ، .
عدت الي غرفتي و قمت بتغيير ملابس الطيران و ذهبت إلى النادي والذي كان ملحق به المطعم ، لتناول وجبة الغذاء ، بعد وصولي إلى النادي وجدت زميلي " موسى " الذي أخبرني بهبوط طائرة خاصة بها مبعوث من القيادة و يريدون عدد اثنين من الطيارين للذهاب للسودان لقتال حركة التمرد بجنوب السودان بقيادة جون قرنق ، و أن أمر الذهاب بالرغبة ، وفي حال عدم إستجابة أحد . سيكون هناك اختيار بالأوامر العسكرية .
وطلب مني ألاّ أوافق خوفًا على حياتي ، و لأن الأمر هناك خطير ، و الحرب مشتعلة هناك ، فطمأنته بأنني لن اذهب للقتال .
جلست الى الطاولة وأحضُر طعام الغذاء الخاص بي ، و قبل أن أتناول اللقمة الأولى رنّ جرس الهاتف ، و بعد أن ردّ على الهاتف أحد العاملين بالمطعم نادوني :
ـــ افندي " سليمان " المكالمة لك ..
قمت للرد على الهاتف ، و كان على الخط آمر السرب المكلف رحمة الله عليه " محمد راغب " ، و قال لي :
ـــ افندي " سليمان " القيادة أرسلت مبعوثًا برسالة فحواها الرغبة بعدد اثنين من الطيارين للذهاب للسودان ، و أنا رشحت نفسي ، و أريدك أن تذهب معي .. ما رأيك ؟
فلم أجد بدٌ من الموافقة رغم عدم رغبتي ، أحسست أنني في وضع لا خيار لي فيه الا الموافقة ، فقلت له :
ـــ موافق .
نعم وافقت دون تفكير ..
فقال لي :
ـــ هيا ..
ـــ شنو هيا ؟
فقال :
ـــ سنذهب الآن .
ـــ ولكن جواز سفري ليس معي ، و أريد رؤية والدتي ..
كانت والدتي بمثابة الأم و الأب معًا ، حيث أن والدي توفى وأنا صغير السن .
فابلغني بأن طلبي مُجاب ، وسيتم نقلنا جوا بطائرة خاصة إلى مدينة بنغازي مقر إقامتي الأصلي . وفعلا خرجت دون أن أتناول الغذاء و حزمت ملابس الطيران و الخوذة و بدلة الضغط و طوق النجاة و جميع التجهيزات و ودعت أصدقائي و صعدنا طائرة الفالكون الخاصة و التي تتكون من غرفة جلوس لشخصين و غرفة نوم ، كانت طائرة مريحة وتختلف كثيرًا عن جميع الطائرات ، لحظات و حطت بنا الطائرة في مطار بنينا ، فتح الباب وجدنا في استقبلنا أحدهم وكان مكلفا من القيادة ، أعطانا مفاتيح سيارة هوندا و قال اذهبوا لإحضار جوازات السفر و رؤية أهلكم .
استلم زميلي الرائد " محمد راغب " و ركبت بجانبه و انطلقنا بالسيارة ، فأوصلني الى منزلي أولا وذهب لبيته ، في بيتي أخذت جواز السفر الخاص بي ، و حتى لا اشغل الوالدة اضطررت للكذب عليها ، فقد قلت لها اننا ذاهبون الى السودان لتدريب طيارين هناك .
بعد توديع الاسرة و اخذ احتياجاتي أتى زميلي " محمد " و ذهبنا الى المطار و كانت الطائرة في انتظارنا ، ركبنا و انطلقت بنا إلى مطار الخرطوم ، و كانت الأجواء في الطائرة رائعة جدًا حيث أنها كانت تخص أحد المسؤولين الكبار ، كان بها جهاز تلفاز و جميع ما لذا وطاب من الأكل والذي لم يكن متوفرًا في ليبيا تلك الفترة مثل المكسرات و الفواكه ... الخ . و حطت بنا الطائرة دون أن نشعر بالمسافة ، و هناك كان في انتظارنا شخصيات كبيرة من الخارجية و الاستخبارات السودانية ، وتم تسليمنا سيارة نوع مرسيدس مع سائق خاص ، و نقلنا إلى فندق الهلتون ، وجدنا هناك أيضا من استقبلنا و جهز لنا الإقامة مع توصيات خاصة لمدير الفندق ، كان الفندق جميل جدًا ، و استمتعنا بالإقامة و كان السائق يقوم بإيصالنا إلى حيث ما نريد .
ذهبنا الى قاعدة السيدي الجوية والتي لا تبعد كثير عن المطار ، بل تشارك المطار المدني نفس المهبط ، جلسنا مع طياري الميغ 23 هناك ، وكانوا من الذين سبق وأن تحصلوا على دورات تدريبيه بقاعدة بنينا ، ولكن اتضح لنا أن منهم من اسقطت طائرته و توفى والباقي منهم لم يكن لديهم رغبة في القتال و كل تحجج بحجة . كان علينا الذهاب لفحص الطائرات التي كانت قد منحتها ليبيا هدية الى السودان ، وكانت في احسن حال ، حيث انها عادت مؤخرا من الصيانة " العمرة " بالاتحاد السوفيتي ، ــ والعمرة مصطلح يعني صيانة معينه لكل عدد ساعات طيران ــ .
ونفذنا عدد من الطلعات القتالية على عدة مناطق ، وبعد كل طلعة نعود للفندق . حينها كان الملحق العسكري في السودان العقيد " جبريل الوداوي " ، الذي كان هو أيضا في استقبالنا في مطار الخرطوم..
يتبع في الحلقة 2 ..
______
نقلا عن الطيار :
Suliman Elshtiti