كان هدف الهجوم كما أعلنت "إسرائيل" رسمياً القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة الواقع على بعد 5 كم من جسر الملك حسين (اللنبي)، وفي مناطق أخرى إلى الجنوب من البحر الميت.
ولم يكن هذا الهجوم مفاجئًا لقوات فتح والقوات الفلسطينية الأخرى والأردنية التي كانت متواجدة في المخيم، والتي شاهدت تحركات قوات الاحتلال قبل العملية بيومين.
وأذاع ناطق باسم فتح يوم 19 آذار أن "إسرائيل" حشدت خلال اليومين السابقين قوات كبيرة على طول نهر الأردن، وفي اليوم نفسه أعلن مندوب الأردن في الأمم المتحدة أن "إسرائيل" تعد العدة لشن هجوم كبير على الأردن.
وتشكلت القوة "الإسرائيلية" المهاجمة من قوات رأس الجسر ومن لواءين من المشاة والمظليين ولواءين مـن الدروع وعدد من طائرات الهليكوبتر لإنزال المظليين على الكرامة وخمس كتائب مدفعية وأربعة أسراب طائرات جوية.
أما قوة الهجوم الرئيسية حسب البيان الرسمي الأردني فقد تشكلت من فرقة مدرعة وفرقـة مشاة آلية ، وواضح من هذا الحشد الهائل أن العملية كانت تستهدف الاحتلال.
وفي الخامسة والنصف صباح يوم الحادي والعشرين من آذار عام ١٩٦٨ م تحركت القـوات الإسرائيلية لاجتياح الأغوار على أربعة محاور : محور العارضة ومحور وادي شـعيب ومحـور سـويمة ومحـور للتضليل والخداع( وهو محور غور الصافي من جنوب البحر الميت حتى الصـافي.
واصـطدمت هذه القوات بمقاومة عنيفة بعد محاولة التقدم الأولى ودفعت بقواتها الجوية وركزت القصف المدفعي علـى مـرابض المدفعية الأردنية ومواقع الفدائيين الفلسطينيين.
وفي الساعة العاشرة صباحا وصلت بلدة الكرامة "معقل الفدائيين" بعدما كانت قد أنزلت قوات محمولـة خلف البلدة ودارت في أزقة المخيم معارك بالسلاح الأبيض والأحزمة الناسـفة.
وفـي السـاعة ٣٠:١١ طلبت "إسرائيل" وأمام خسائرها الهائلة ، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي "الإسرائيلي" مـن الجنـرال (أودبول) كبير المراقبين الدوليين وقف إطلاق النار، وتم انسحاب آخر الجنود في الساعة الثامنة والنصف مساءً، حيث تكبدت "إسرائيل" خسائر إضافية خلال انسحابها من جراء القصف المدفعي الأردنـي وكمـائن المقاومة الفلسطينية المنتشرة على كافة المحاور.
واستمرت معركة الكرامة قرابة الخمسين دقيقة، كما استمر بعدها معركة بين الجيش الأردني والقوات "الإسرائيلية" أكثر من 16 ساعة.
وانتهت المعركة بفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي من الأهداف التي قام بهذه العملية العسكرية من أجلها وعلى جميع المقتربات وأثبت العسكري الأردني قدرته على تجاوز الأزمات السياسية، وقدرته على الثبات وإبقاء روح قتالية عالية وتصميم وإرادة على تحقيق النصر.
وحول خسائر المعركة، فقد قتل خلال المعركة 250 جنديًا اسرائيليًا وجرح 450 في أقل من 18 ساعة، بالإضافة إلى تدمير 88 آلية وهي عبارة عن 27 دبابة و 18 ناقلة و 24 سيارة مسلحة و 19 سيارة شحن وسقوط 5 طائرات.
وعرض الجيش الاردني معظم الخسائر "الإسرائيلية" أمام الملأ في الساحة الهاشمية.
أما خسائر القوات المسلحة الأردنية، فقد بلغ عدد الشهداء 86 جندياً وعدد الجرحى 108 جريحاً، وتدمير 13 دبابة، وتدمير 39 آلية مختلفة.
أما الفدائيين الفلسطينيين، فقد سقط منهم 95 شهيدًا وحوالي 200 جريح.
معركة الكرامة كانت نقطة تحول كبيرة بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، وتجلى ذلك في ازدياد طلبات التطوع في المقاومة سيما من قبل المثقفين وحملة الشهادات الجامعية، والتظاهرات الكبرى التي قوبل بها الشهداء في المدن العربية التي دفنوا فيها، والاهتمام المتزايد من الصحافة الأجنبية بالمقاومة الفلسطينية، ما شجع بعض الشبان الأجانب على التطوع في صفوف المقاومة الفلسطينية.
كما أعطت معركة الكرامة معنى جديدا للمقاومة تجلى في المظاهرات المؤيدة للعرب والهتافات المعادية التي أطلقتها الجماهير في وجه وزير خارجية إسرائيل آبا ايبان أثناء جولته يوم 7/5/1968 في النرويج والسويد، فقد سمعت آلاف الأصوات تهتف "عاشت فلسطين".
على الصعيد العربي، كانت معركة الكرامة نوعا من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها في حزيران 1968 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها فرصة القتال، ففي معركة الكرامة أخفقت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية لرفع معنوياتها، بل ساهمت في زيادة خوفهم وانعزالهم.
بعد انتهاء المعركة صدرت العديد من ردود فعل كان أبرزها، قول الرئيس الراحل ياسر عرفات إن "معركة الكرامة شكلت نقطة انقلاب بين اليأس والأمل، ونقطة تحول في التاريخ النضالي العربي، وتأشيرة عبور القضية الفلسطينية لعمقيها العربي والدولي".
صحيفة "نيوزويك" الأميركية نشرت بعد معركة الكرامة: "لقد قاوم الجيش الأردني المعتدين بضراوة وتصميم، وإن نتائج المعركة جعلت الملك حسين بطل العالم العربي".
وقال رئيس أركان الاحتلال في حينه، حاييم بارليف، في حديث له: "إن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران"، وقال أيضا في حديث آخر: " إن عملية الكرامة كانت فريدة من نوعها ولم يتعود الشعب في (إسرائيل) مثل هذا النوع من العمليات، وبمعنى آخر كانت جميع العمليات التي قمنا بها تسفر عن نصر حاسم لقواتنا".
وعلق أحد كبار القادة العسكريين العالميين، رئيس أركان القوات المسلحة في الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة المارشال جريشكو: "لقد شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية".
أما رئيس أركان الجيش الأردني حينها، الفريق مشهور الجازي، قال: "أقول بكل فخر، إنني استطعت تجاوز الخلاف الذي كان ناشئا آنذاك بين الفدائيين والسلطة الأردنية، فقاتل الطرفان جنبا إلى جنب، وكقوة موحدة تحت شعار: كل البنادق ضد إسرائيل فكانت النتيجة مشرفة".