القوات المسلحة المصرية والالتفاف على محاولات اضعافها اقليميا ودوليا
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
واجهت القوات المسلحة المصرية ، منذ تدشينها في الربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، مخططات لم تنقطع لإضعافها وتهميش دورها ومحاولات حصارها واضعافها، سواء داخليا أو خارجيا ، وذلك بداية من الامبرطورية العثمانية و مرحلة الامبرالية الغربية على نحو ما تمثل في مؤامرة لندن في عام 1840م، ومروراً بفترة المحتل البريطاني (1882-1954م)، ثم العدوان الثلاثي عام 1956م وحرب 5 يونيو 1967م، وصولاً إلى مخطط 25 يناير2011م وما تلاه من أحداث ما تزال مستمرة للنيل من استقرار القوات المسلحة المصرية .
وقد تعرض الجيش المصري لسلسلة من الانتصارات والانكسارات نتيجية لدخوله مواجهات متعددة تمكن من خلالها تحقيق حضورا دوايا كبيرا في منظومة الجيوش الدولية الراهنة باعتباره مصنفا في درجة متقدمة للغاية في تقرير جلوبال فاير وتقرير سيبري وتقرير راند ، وهي التقارير المختصة بتصنيف الجيوش في العالم و هو ما يشير الى وضع الجيش المصري الذي مازال مستهدفا من القوى الدولية والاقليمية خاصة وأن الجيش المصري ليس جيشا لمصر فقط بل هو جيش الدول العربية بالاساس ، ويتحرك في دائرة نشاطه ومهامه انطلاقا من حسابات وطنية وقومية علىا لا يمكن استتثنائها في أي تقييم حقيقي لوضع القوات المسلحة المصرية في الوقت الراهن ، ومشاركتها في مهام قتالية حقيقية سواء في حرب تحرير دولة الكويت ، وكذلك في قوات حفظ السلام في العالم ، وهو ما أكد على مكانة مصر القتالية في المنظومة العسكرية على مستوي العالم ويعتبر الجيش المصري جيش مهني ومحترف .
ثمة مجموعتان من المبررات التي يمكن أن تفسر المحاولات المتواصلة لإضعاف وتهميش دور الجيش المصري، حيث يتصل بعضها بالأبعاد الجوهرية ، فيما ينصرف البعض الآخر إلى مبررات متغيرة تبعاً لدوافع الأطراف المتأمرة ومصالحها المتغيرة .
الدوافع الجوهرية للاستهداف
يمكن التوقف أمام سلسلة من المحاولات المتعددة لاضعاف القوات المسلحة المصرية من خلال مخططات متعددة بعضها دولي وبعضها اقليمي ومن خلال مراحل زمنية متعددة وأطراف لعبت دورا حقيقيا في محاولة محاصرة تمدد مهام ونشاط القوات المسلحة المصرية في الداخل وفي اقليمها وينطلق ذلك من عدة ضوابط :
أن تاريخ انشاء الجيش المصري يرتبط ارتباطا وثيقا بقوة الدولة المصرية ومكانتها الكبيرة في اقليمها وأن هذا الامر تم ترسيخه من خلال قيم وطنية كبيرة وعديدة ومن خلال تراك خبرات مصرية كبيرة ؟
أن انشاء الجيش المصري مثل مرحلة فارقة من عمر الدولة المركزية المصرية ، وظل رمزا واضحا لقوتها وقدرتها على تحقيق انجازاتها الكبيرة طوال سنوات طويلة .
أن تكريس قيم الوطنية والانتماء الي مصر ارتبط فعلىا بمراحل حاسمة في تاريـــخ الدولــــة المصريــــة المركزيـــة والذي كـــان عــنوانـا حقيـقــيـــاً لتحقيــق مراحل ازدهار الدولة المصريـة عبر ســنوات طـويلـــة مــن عمــر المؤسســة العسكريـة المصريــة وليس فقط قـــواتهــــــــا المسلحـة التي أدت أدواراً كـبــــيرة وعديــدة للدفـاع عن مصر وتعزيز وجودها الحقيقي في ظل وجود ، وتعدد مراكز الاستهداف للجيش المصري منذ سنوات طويلة ونجحت القوات المسلحة في مواجهتها عبر مخطط وطني شامل، وعبر مراحل زمنية متعددة كرست مفهوم الدفاع عن بقاء الدولـــــة المصريـــة نفسها.
وبالتالي فإن المحاولات التي تستهدف مصر قديمها وحديثها تدرك جــيداً أن الخطــوات الرئيسة في هذا يجب أن تبــدأ بإضعــــاف الجيش المصري ، وهو ما بـرز في محــاولات ضربــه من الداخــل في مراحــل معينــــة عقــب هزيمـة 1967 ثم في مراحل ما بعد نصــر أكتــوبر 1973، والتـأكــــيد علـى أن مصر لن تحارب وأن الســـلام مع اسرائيل حسم الامر وأن مصر خرجــت من المعادلة العسكرية مما أحدث خــــللاً في التــــوازن العسكري بين العـرب واسرائيل بعد معاهدة كامب ديفيد .
ويعد الجيش المصري من أهم الجيوش العربية والاقليمية قاطبة ان لم يكن الاول وفق التصنيفات الاستراتيجية السابقة والتي تمت الاشارة اليها للعام 2020 ويجب الاشارة هنا الى ما بعض الحالات الاولي: للجيوش المهنية التي يمثلها الجيش الجزائري والمصري والثانية: المستقرة مثل جيوش دول الخليج العربي والاردن والثالثة : الجيوش المفككة مثل ليبيا وسوريا واليمن.
وفقا لهذا يجب الاشارة لاستعدادات القتال لدي الجندي المصري وتدريبه الكبير والمستمر وحرص الدول الكبرى على القيام بمناورات متعددة معه سواء الولايات المتحدة أو روسيا وفي مجالات متعددة ومنها القطاعات البحرية والبرية والجوية، كما خرج الجيش المصري خارج حدوده ليدخل في تدريبات مع جيوش دول الخليج مثل جيش دولة الامارات العربية والسعودية والكويتية والبحرينية وأبدي مسعاه لتدريب ، واستعادة قدرات الجيشين الليبي والسوري بعد اتمام الاستقرار السياسي ، وهو ما يؤكد على التزام مصر بأمن الاشقاء العرب وتواصل الامن القومي المصري مع الامن القومي الخليجي تحديدا ضد أية تهديدات اقليمية واردة من أي جبهة قتالية سواء من تركيا أو ايران، كما بقي الجانب الاسرائيلي أكبر مهدد للامن القومي العربي ولا يقل خطورة في تقديرنا عن الخطر الايراني .
لهذا فان الجيش المصري ليس جيشا فقط لمصر وانما للدول العربية وهو ما دفع دول كبيرة اقليميا مثل باكستان للتقدم بطلب اجراء تدريبات مشتركة معه انطلاقا من دور مصر العربي والاسلامي وهو اما يشير وبعمق لما وصلته اليه قدرات الجيش المصري من امكانيات قتالية نوعية .
الدوافـع المتغـيرة للاستهداف :
يمكن الاشارة الى مجموعة عناصر حاكمة لهذا الامر انطلاقا من عدة عوامل مهمة أهمها القدرات العالية للجيش المصري واقدام الجيش المصري على زيادة امكانياته القتالية بل وتحديث انماط تسليحه بصورة كبيرة وعقده لسلسلة من الصفقات التي اثارت الكثير من التفسيرات المتعلقة باهدافه وماذا يرمي من وراء ذلك خاصة وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي وضع ذلك الهدف على رأس أولوياته منذ وصوله لحكم مصر ووقف في مواجهة مؤامرات دولية دفعت في مراحل معينة بالدعوة لتحويل وحدات كاملة من الجيش المصري لوحدات شرطة مقاتلة لمواجهة اعمال الارهاب في ربوع مصر ، وفي سيناء وظل الجيش المصري صامدا في مواجهة مخططات خبيثة سواء في رفض منحه اجيال متقدمة من السلاح أو انتقاد تسليحه الكبير وتركيزه على تطوير قواعده العسكرية، وبناء قواعد عسكرية جديدة في اطار توجيه الردع لكل الاطراف الاقليمية المهددة لامنه وهو ما برز بوضوح في قاعدة محمد نجيب وقاعدة برنسيس وغيرها اضافة لبناء اسطول بحري جديد للدولة المصرية في الجنوب .
الجهات الخارجية والداخلية
تعددت الجهات الخارجية والداخلية التي استهدفت ضرب مصر من الداخل والتي تبدأ بجماعات ارهابية وجدت بيئة حاضنة في سيناء بعد الخروج الاسرائيلي من قطاع غزة وظلت تتحين الفرصة للعمل وهو ما اتضح بعد ثورة 25 يناير واستهداف الجيش المصري بالاساس نتيجة انحيازه لخيار الشعب المصري من جماعة الاخوان الارهابية والتي حكمت مصر عاما كاملا أرادت تحويل الوطن المصري لامارة في اطار دولة الخلافة الاسلامية وبفضل الجيش تم احباط المؤامرة بالكامل واسترد الشعب سلطته وحكمه ..
يمكن تحديد أهم القوي العالمية التي استهدفت الجيش المصري على النحو التالي :
دول غربية كبري تتخوف من صعود دور جيش عربي قوي يقف في مواجهة اسرائيل .
أجهزة معلومـات ومخابرات دوليــة تعمل لحسابات متعددة وتعمل علــى تحييـــد بل واخـــراج الجيش المصري من معادلة القـــوة الحقيقـة للدول العربية ليبقي الاعتمـاد بالاســاس على جيـــوش القوي الخارجيـة والابقاء على القواعـد العسكريــة الاجنبيـــة علــى الاراضــي العربيـــة .
أما القوي الاقليمية فيمكن تحديدها على النحو التالي :
* اسرائيل: برغم توقيع معاهدة السلام بين الجانبين وبرغم عدم خوض حرب مصرية اسرائيلية منذ 1973 الا أن اسرائيل ما تزال مصر اكبر مهدد لامنها القومي وأن الخطر سيأتي من لجنوب كما فشلت اسرائيل بمفردها ومن خلال الطرف الامريكي في تحييد قدرات الجيش المصري أو تطويعه ولعل حجم الانتقادات الاسرائيلية لتسليح الجيش المصري يشير الي كل هذا القلق .
* ايران: لا تزال ايران مهدد رئيسي للامن القومي العربي ولهذا تنظر ايران للجيش المصري على أنه أكبر تحد حقيقي لتمددها في الاقليم بأكمله ولهذا تتحرك في دوائر من الايديولوجية والسياسة والامن والاستراتيجية وكانت فترة حكم الاخوان وزيارة أحمدي نجاد للقاهرة وتصريحات المسئولين الايرانيين ما يؤكد على هذا الامر وما زال الجيش المصري مستهدفا من قبل ايران وهذا واضـــح من ردود فعل القاهــرة وتصريحــات الرئيــس السيســـي فــي التهـديـــد بالتدخــل في الخليــــج حــــال وقوع اية تهـديـدات لامـــــن دول الخليج العربي .
* تركيا: تتخوف تركيا من تزايد قدرات الجيش المصــــري ولهذا ذهبت الي ليبيا دفاعا عن وجودها في منطقة شرق المتوسـط حيث صراع الغــاز القادم ووقعت اتفاقا مع حكومة السراج وشرعـــت في تركـــــيز قدرتهــا القتاليــة في ليبيـا عــبر الانتشار في قاعدتي الوطيـة وترهونة، ولعــل التحـــركــــــات الــتركيــــــــــة تنامــت بعـــــد تـدشــين مصــــر لمنتــــدي غـــــاز المتوسط وابعاد تركيا عن فعالياتـــه واقعيـا ويمــثل التخــوف التركي من تنامي قدرات الجيش المصري أكبر اشـكالية حقيقيــة لاســــتمرار التمــدد التركـي الحـــالي في الاقليـــــم بأكمله .
الجماعات الارهابية
تعتبر التنظيمـات الارهابيـة على مختلف تصنيفاها الجيش المصري منافساً لها وعقبة كؤؤد في مواجهة وصولها للسلطة وهو ما دفعها لاستمرار الدخول على خط المواجهة والقيام بعمليات انهاك للجيش المصري من خلال عمليات ارهابية ومن خلال استهدافه اعلامياً وجماهــيرياً ومحاولـــة تشويش صورته لدي قطاعات الراي العام وهو ما برز طوال السنوات الاخيرة في اطار مواجهة ستستمر قائمة ولن تنتهي.
المشهد الراهن لاستهداف الجيش المصري
محاصرة الجيش (تقييد حركته)
سعت القوي الدولية الباغية عبر سنوات طويلة من عمـر الدولـة المصريــــــة تحجيـــم قـــــــــــــــدرات الجيـــــــــــش وتقـليــــص قـــواتـــه واخضاعه للسيطـــرة الاداريـــــــة والتنظيـمـيــــــة ولعل معاهــدة لندن 1840 دليلاً على هذا الامر وهو ما تكرر بصورة أو باخري في حظر السلاح وتصديره لمصر من بريطانيا وامريكا وبرز في معاهدة سيفر التي خططت للعدوان الثلاثي على مصر ثم في مرحلة يونيو 1967 وامتدت المحاولات الداخلية في المقابل بمحاولة اختراق الجيش المصري عبر تنظيمي الجماعة الاسلامية والجهاد ثم اغتيال الرئيس الاسبق انور السادات كما امتد في الوقت الراهن لضرب استقرار الاوضاع في الجيش والترويج اعلاميا لوجود انقسامات بشأن نهج التعامل مع الجماعة الارهابية وغيرها من القضايا اللاعلامية والسياسية التي تم الرد على بعضها من خلال القوات المسلحة عبر اعمال فنية مرست دور القوات المسلحة في حياة ابناء الشعب المصري ( مسلسل الاختيار).
الانطواء الاستراتيجي
وتمت في هذه المرحلة محاولات عديدة عبر توظيف حروب الاجيال الرابعة والخامسة وركزت المواجهة على محاولة نشر الاكاذيب واالفوضي واتباع خطاب اعلامي مزيف وغير صحيح في انشغال الجيش المصري في أعمال مدنية على حساب اعمال التدريب والقتال ومواجهة الخطر الحقيقي الذي يواجه مصر من كل حدودها ولاول مرة في تاريخها السياسي والاستراتيجي . وهو ما سبق حالة الحراك الشعبي في المنطقة باكملها واستهدف ايضا مصر بعد سقوط نظام حكم الرئيس الاسبق مبارك وكان ذلك في اطار ما عرف باسم تطبيق نظرية الفوضي الخلاقة وتوريط الجيش المصري في أل مواجهة شعبية ، كما جاءت فترة حكم جماعة الاخوان الارهابية في هذا الاطار حيث سعيت الجماعة لتفكيك الجيش المصري وتهميش دور المؤسسة العسكرية ومحاولة استبدالها بكيانات موازية وكانت محاولة السيطرة على الجيش من خلال مخطط تركي ايراني على غرار ما جري في انشاء حزب العدالة والتنمية ، كما تمت الاستعانة بخبرات ايرانية لانشاء جهاز استخباراتي ومعلوماتي على النهج الايراني.
الانفصام الاستراتيجي
مع تتالي مسارات ومحطات الفشل بعد احداث 25 يناير وحكم الاخوان والتدخلات التركية والايرانية الفاشلة واستمرار العمليات الارهابية كان التحرك في اتجاه محاولة استنزاف مصر وانهاكها ودفعها لخوض حرب في ليبيا ومع اثيوبيا وهو الامر الذي بات على رأس الخطاب الاعلامي والسياسي المعادي لمصر من الخارج وخاصة من تركيا وكذلك من اجهزة معلومات واستخبارات لا تريد خيرا لمصر وتوجه خطابها المباشر للشعب المصري لكي لا يثق في قواته المسلحة وقدرتها على حماية أمن مصر القومي .
يدفعنا كل ما سبق لضرورة التأكيد على ضرورة الاستمرار في تحسين قدرات الجيش المصري لضمان كفاءته في مواجهة التهديدات التي تواجهه وتنمية العلاقات الكبيرة والراسخة بين الجيش المصري والشعب المصري العظيم .
الخلاصة
أن الادراك الاستراتيجي المصري يري أن التعامل مع التحديات الانية والمحتملة والمستقبلية ترتبط بدور محدد لكل الدول العربية الرئيسية وأهمها السعودية ودولة الامارات العربية اضافة لمصر، وهو ما يتطلب توحيد الرؤي والاولويات الخاصة بحجم واطار ومضمون التهديدات وفق منظومة واحدة ترتبط الامن الاستراتيجي بالترتيبات الامنية المستقبلية في الاقليم والتي ستشمل الاطراف اليمنية والسورية والليبية اضافة للملف الفلسطيني وسنكون امام تسويات منقوصة ومؤقتة وستلعب فيها القوة العسكرية الكامنة دورا في اتمام هذه التسويات .
-----------------------------------------------------------
النقل بأشارة لصفحة القدرات العسكرية المصرية