حان الوقت لتغيير زاوية الرؤية، للنظر للأمور من زاوية أخرى. للوقوف على مكمن الخلل. و لنفهم لماذا و كيف صارت الأمور إلى ما صارت عليه. و لماذا العرب و المسلمون اليوم من أضعف الحلقات في سلسلة العالم.
خلال القرن السادس عشر كانت الجالية اليهودية من أضعف الجاليات في العالم. كانوا منبوذين و مضطهدين خاصة في أوروبا. و كانوا مجبرين على إرتداء قبعة حمراء بأمر من البابا ليتم تمييزهم في الشوارع. و لم يكن يسمح لهم بالسكن في أي مكان يريدونه. بل كانت لهم أحياء مخصصة لهم, كنوع من أنواع الفصل العنصري. ( أنصحكم بمشاهدة فيلم تاجر البندقية The Marchant of venice)
لكن اليهود إستطاعوا توحيد صفوفهم و ركزوا على التجارة التي كانوا يتقنون فنونها أكثر من غيرهم. و أصبحوا جزءا مهما من كل دولة ناجحة. حتى أن الدولة البابوية منحتهم إمتيازات للاستقرار في بعض المدن. بعدما كانت تضيق عليهم و تنبذهم. اليهود أصبحوا هم المقرضين الرئيسيين لكل التجار. و أصبح دخولهم لأي مدينة رمزا من رموز الرواج و الانتعاش الإقتصادي.
بعد عشرات السنين أصبحت اليهود في كل العالم مترابطين إرتباطا قويا. كانوا متحدين أكثر من أي قومية أخرى في العالم. و أصبحوا يسيطرون على أسواق التجارة العالمية و ساهموا بقوة في نشأة النظام المالي العالمي، الذي يرتكز على النظام المصرفي.
لقد فهموا الدرس جيدا. و أدركوا أن العالم لا تحكمه العواطف، لكن يحكمه الإقتصاد. فأتقنوا فنونه، و أمسكوا بلجامه. فكان لهم حصان النجاة و الصعود من القاع إلى القمة.
بعد نهاية الحرب العالمية, جدد اليهود تنظيم صفوفهم. و ظهرت الحركة الصهيونية كممثل ليهود العالم. فوضعت مشروعها الخاص "إيجاد وطن". هذه الحركة عملت بجهد و ضمت بين أعضائها نخبة رجال المال و الأعمال. نعم إنه المال أيها السادة و السيدات. المال الذي يشتري كل شيء في العالم المادي. لكنهم لم يشتروا به يخوتا و طائرات مراحيضها مطلية بالذهب، لكنهم إشترو السلطة و الإعلام. أجل السلطة و الإعلام هذا هو السلاح السري الذي أنجح المشروع الصهيوني.
على مدار السنين، كانت الآلة الإعلامية تروج لليهود كأكثر القوميات تضررا من الحرب العالمية الاولى و الثانية، مستعملين في ذلك فظاعة الجرائم التي إرتكبتها بحقهم الآلة النازية . حتى أصبح القاصي و الداني يعلم بقصتهم، يتضامن معهم، يستمع إليهم، و يتبنى قضيتهم المتمثلة في الرغبة في الحصول على وطن.
في نفس الوقت كان المال يوظف إما لشراء السياسيين او لتكوينهم في مراكز خاصة متواجدة في قلب أقوى العواصم.
هذه هي الخلطة السحرية في عالم السياسة. المال و الاعلام يمكنهنا أن يجعلان من أتفه شخص سياسيا محنكا و ناجحا. و يستطعون أيضا فعل العكس، أي تدمير الحياة السياسية لكل شخص لا تتماشى رؤيته مع رؤيتهم.
بعد سنوات من العمل الدؤوب، و بعد الترويج دوليا لقضية اليهود, و تجهيز قاعدة متينة من السياسيين النافذين داخل الدول العظمى، تمكنت الحركة الصهيونية من الحصول على وعد بلفور. وعد لم يكن مجانيا. وعد كان بداية لقصة صعود جديدة لليهود عموما و للتنظيم الصهيوني خصوصا. حتى صارو من أكثر المؤثرين على الموازين العالمية.
المسلمين حتى قبل الحرب العالمية الثانية، تعرضو للابادة الممنهجة، و كانوا ضحية الآلة الاستعمارية المتوحشة، التي راح ضحيتها أضعاف ضحايا دول المحور مجتمعة في الحرب العالمية الثانية. و إستمرت معاناتهم مع المستعمرين حتى بعد نهاية الحرب ، و هناك دول و شعوب تعاني إلى اليوم.
إذن المسلمون لديهم قضية و لديهم ثروة بشربة و جغرافية و مادية هائلة. فلماذا لم ينجحوا فيما نجح فيه اليهود؟
لماذا هم اليوم من أضعف القوميات على وجه الأرض؟
لماذا إضطهادهم و التنكيل بهم و محاربتهم هو أول هدف يضعه أي سياسي طامح في برنامجه الإنتخابي، على النقيض تماما مع ما يفعله مع اليهود اللذين يتودد إليهم، و يتمنى رضاهم و يخطب ودهم إذا أراد النجاح ؟
اليوم اللبوبي اليهودي يتمتع بمكانة جد مهمة في معظم الدول الكبرى، ما يضمن لإسرائيل التفوق و التميز.
لكن يبقى السؤال الجوهري، لماذا فشل العرب و المسلمون في تحقيق النصر لقضاياهم بالرغم من أنهم يمتلكون ثروات هائلة؟
لكي تكون المقارنة متقاربة، سوف نأخذ مثالا حيا : " قضية المسلمين الروهينجا في ميانمار"
هذه القضية حديثة و الجرائم البشعة التي ترقى لمستوى الإبادة الجماعية و التهجير المرتكبة في حق هذه الفئة من المسلمين موثقة بالصوت و الصورة و الإحصائيات و التقارير الصحفية الدولية.
لكن الضحايا لازالو يعانون إلى اليوم، و قضيتهم في طي النسيان. لماذا ؟
تخيل أن هذه الطائفة يهودية مثلا. في هذه الحالة ستشتغل الآلة الإعلامية بكل طاقتها، سيتم تخصيص ميزانية ضخمة، سواء عبر مساهمات مباشرة من الحكومات، أو عن طريق منظمات المجتمع المدني و اللوبي اليهودي.
هذه المساهمات سوف يتم إستثمارها لتسليط الضوء على القضية و منحها زخما عالميا عن طريق التدويل، كالتالي :
- إنتاج أفلام، وثائقيات و برامج تلفزية للحديث عن القضية و جعلها قضية إنسانية.
- تمويل حملات دعاية واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، بجميع اللغات لحشد التعاطف الشعبي العالمي.
- توظيف كبريات وسائل الإعلام الدولية للحديث عن القضية، سواء بنشر مقالات في الصحف العالمية، أو إنتاج تقارير و بروبطاجات.
- الدفع للسياسيين البارزين في كل الدول القوية للضغط على الطرف المعتدي. و إصدار بيانات رسمية من الدول العظمى لدعم القضية.
- القيام بمسيرة يشارك فيها قادة الدول الكبرى لتضخيم الحدث و إظهار الدعم العالمي.
- ربط دعم الأقلية المضطهدة بالتحضر و التقدم. لأن هناك فئة واسعة من الناس مستعدة لدعم أي قضية مرتبطة بالتقدم و التحضر، فقط لتشعر أنها متقدمة و متحضرة ( و ما أكثرها في الدول العربية )
- القيام بزيارات للميدان و إصطحاب السياسيين و الإعلاميين، ليقفو على بشاعة الجرائم، و ينقلو الصورة بدورهم لشعوبهم او للعالم.
بهذه الإستراتيجية سيتم تدويل القضية، و كسب التعاطف و الدعم العالمي. و للإشارة فقط، كسب التعاطف ليس دليلا على الضعف كما يراه بعض العرب و المسلمين المندفعين. لأن حتى أكبر دولة في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، قامت بكل هذه الخطوات لكسب الدعم العالمي، قبل غزو العراق.
نفس الامر قامت به فرنسا بعد الهجوم الإجرامي على الجريدة التي نشرت رسومات مسيئة للرسول الكريم. حينما جمعت رؤساء دول العالم في مسيرة على الأقدام، غطتها كل الشبكات الإعلامية في العالم. و أعطت تضامنا عالميا مع فرنسا حتى في وسط الدول العربية و المسلمة.
هذه هي الخلطة السحرية التي تطبقها جميع الدول و يجهلها ، أو يتجاهلها العالم العربي و الإسلامي.
مثلا في نيوزيلندا حينما تمت مهاجمة المصلين في المسجد، و قتل العشرات في جريمة بشعة. لم يتحرك المسلمون في العالم بالشكل المناسب لتدويل القضية. لاخبار العالم أن المسلمين أيضا هم ضحية للتشدد و التعصب و التطرف.
لم ينظم على الأقل رؤساء الدول العربية و الإسلامية زيارة لمكان الحادث. لم يدفع اللوبي السعودي و القطري و الإماراتي و البحريني و غيرهم في أمريكا و اوروبا دولارا واحدا للضغط على هذه الدول لإصدار بيان رسمي من الرؤساء لادانة الجريمة، أو زيارة موقع الجريمة.
العرب و المسلمون لم يفهموا بعد قوانين اللعبة، لهذا هم يخسرون بإستمرار.
هناك أسباب أخرى، راجعة الانقسام الكبير الذي تشهده الدول العربية و الإسلامية. إنقسام لم يعد جغرافيا فقط، لكنه نفسي. أصبحوا عنصريين حتى فيما بينهم.
حتى الشعوب التي كانت في الزمن القريب متحدة رغم إنقسام الحكومات. صارت اليوم تكن العداء لبعضها البعض لأسباب تافهة. أصبحت الشعوب العربية و الإسلامية تتبادل السب و الشتم و القذف في مواقع التواصل الإجتماعي بسبب من صاحب أكلة الكسكس و الطاجين و البقلاوة. من الدولة صاحبة القفطان و من صاحبة الجلباب...
إستفحل الجهل و العصبية القبلية و التطرف من جديد، كما كان عليه الحال قبل الجاهلية. أصبحت ردود الفعل عنيفة. و أصبحت غشاوة الغضب تحجب البصر و تعمي البصيرة.
هذه الأيام كنت أقف على مسافة بعيدة من العرب و المسلمين، و أشاهد من بعيد ردود الأفعال، تجاه تصريحات الرئيس الفرنسي، و أدركت إلى حد بعيد أسبابا أخرى لخسارتنا للعبة في كل مرة.
هناك مجموعات قامت بإختراق بعض المواقع الحكومية الفرنسية، و نشر كتابات و نصوص معادية لفرنسا بكاملها و ليس فقط للرئيس.
أولا هذه المواقع هي مواقع خدمات يستفيد منها الشعب الفرنسي و ليس الحكومة. و إختراقها و تعطيلها، يمس مصالح المواطن العادي. ذلك المواطن الذي ربما إلى الامس كان يحمل صورة إيجابية عن المسلمين، و يفرق بينهم و بين المتطرفين الذين لا يمثلون الإسلام. لكن بمثل هذه الأفعال سيغير رأيه. و بدل أن يتعاطف مع المسلمين الآخرين، سيحمل شعورا سلبيا عنهم.
نفس الأمر سوف يحصل حينما يتم نشر منشورات تكيل السب و القذف لزوجة الرئيس التي لا تحمل منصبا رسميا في الحكومة. كل ما تفعله هذه الفئة من المسلمين هي إظهار سوء الأخلاق و الجهل و العنف للعالم. هي تفعل تماما ما يريده اليمين المتطرف في العالم.
مذا ستستفيد من نشر صورة للرئيس في هيئة خنزير ؟ لا شيء. أنت فقط تزج بنبيك و رسولك الكريم في مقارنة مع شخص عادي، و تساوي بينهما، و ستدفع بأشخاص آخرين لإهانة رسولك مرارا و تكرارا، و تدخل في دوامة الفعل و ردة الفعل.
قلتها بالأمس و هذه قناعتي، لو لم يتم الهجوم على الصحيفة الفرنسية التي نشرت أول رسم قبل سنوات. و تم تجاهلها، لما كان أحد اليوم يعرف إسمها. لكانت طي النسيان. للاسف كل ما فعلته مجموعة متشددة لا تحمل من الإسلام غير الإسم. هو الاستجابة للاستفزاز بدون تفكير، و تقديم هدية على طبق من ذهب لهذه الجريدة لتصبح مشهورة. و بما أن جميع الجرائد تبحث عن صنع الحدث و عن الدعاية المجانية و الشهرة، فهي الآن تعرف ما عليها فعله. إستفزاز المسلمين و العرب، و هم يستكفلون بالباقي، و يسجعلون منها الجريدة الاكثر مبيعا و شهرة في العالم. فلا تستغربوا إذا قامت جرائد أخرى عالمية بإهانة المسلمين مستقبلا، ليس لأنها تكرههم، لكن لأنها تعلم أن إندفاع فئة منهم، سيصنع لها الشهرة و المجد و الثروة.
بخلاصة الأمر أشبه بمن يضرب قردا واقفا على شجرة موز. ليضربه القرد بالموز. ( هذا ليس تشبيه للعرب او المسلمين بالقردة، لكنه مثل و حكمة )
الخلاصة :
- بدون مبالغة، حال الشعوب و الدول العربية و الإسلامية اليوم، أسوء من حال ملوك الطوائف في الأندلس، و مصيرهم سيكون أسوء. و سينتهي العالم العربي و الإسلامي للأبد. ستختفي جميع هذه الدول، و ستظهر دول أخرى و شعوب أخرى، و ستنسى للأبد أنها في يوم من الأيام كانت شعبا و دولة و أمة واحدة.
- الاعلام الإسرائيلي لم يكن يتحدث بسوء عن الشعب الإماراتي قبل التطبيع. لقد كانوا دائما يظهرون لهم أنهم يحبونهم و أنهم أصدقاء لهم ربما أكثر من جيرانهم المسلمين. و هذه البروباغاندا هي التي مهدت لقبول إسرائيل في الشرق الاوسط من قبل بعض الشعوب.
أنا لا أدعم التطبيع، لكن أشرح كيف يمكن للإعلام و طريقة التعامل أن تمهد الطريق لما كان بالأمس مستحيلا.
- جميع الدول المتضررة من الحرب العالمية الثانية او الإستعمار النازي وثقت جرائم النازيين في أفلام و ثائقية و سينمائية دولية. و كسبت دعم العالم و إستفادت من التعويضات.
- المال يشتري الدعم السياسي، و يشتري التضخيم الإعلامي. و البروباغاندا تصنع المعجزات.
هذه هي الوصفة السحرية لتغيير صورة المسلمين و العرب عالميا، و تخليصهم من تهمة الإرهاب و العنف التي أصبحت تلاصقهم كلهم.
- كسب الدعم العالمي لا يعني الخنوع، فالعالم الإسلامي و العربي اليوم خانع لكنه لا يملك الدعم و التعاطف.
لذلك يجب على المسلمين و العرب توحيد صوتهم، و تغليب الحكمة على العنف. و إتقان قواعد اللعبة.
لن أتحدث عن الشق المتعلق بكسب السياسيين في الخارج كما فعلت الحركة الصهيونية. لان السياسيين و رجال المال العرب هم أنفسهم مخترقين و تم شراء أغلبيتهم ليخدمو أجندات خارجية. و بما أنهم هم من يتحكمون في الإعلام العربي. فلا يجب الإعتماد كثيرا عليهم.
- على الشعوب العربية و الإسلامية أن ترفع مستوى الوعي. أن تتحدث عن قضاياها للعالم. أن تواجه البروباغاندا بالبروباغاندا.
على الشباب العربي و المسلم أن ينبذ العنف و العصبية و التهور. و أن يقتنص كل فرصة لتسجيل نقاط لصالح قضيته. هذه أيضا أهمية و دور صناع المحتوى. يجب عليهم التخلي عن نشر التفاهات. و التركيز على الترويج الفكري للقضايا و المشاكل العربية. عن طريق نشر محتوى هادف بلغات مختلفة، خاصة الإنجليزية.... أسمعو صوت قضيتكم للعالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي...أظهرو للعالم نبل و عظم أخلاق نبيكم و سيحترمونه.
- أفضل دعم للرسول الكريم هو التحلي بأخلاقه و حكمته. هكذا سيعرفه الناس، بأخلاقكم، تصرفاتكم على أرض الواقع.
"أنتم سفراء، فكونوا سفراء خير"
MBS
خلال القرن السادس عشر كانت الجالية اليهودية من أضعف الجاليات في العالم. كانوا منبوذين و مضطهدين خاصة في أوروبا. و كانوا مجبرين على إرتداء قبعة حمراء بأمر من البابا ليتم تمييزهم في الشوارع. و لم يكن يسمح لهم بالسكن في أي مكان يريدونه. بل كانت لهم أحياء مخصصة لهم, كنوع من أنواع الفصل العنصري. ( أنصحكم بمشاهدة فيلم تاجر البندقية The Marchant of venice)
لكن اليهود إستطاعوا توحيد صفوفهم و ركزوا على التجارة التي كانوا يتقنون فنونها أكثر من غيرهم. و أصبحوا جزءا مهما من كل دولة ناجحة. حتى أن الدولة البابوية منحتهم إمتيازات للاستقرار في بعض المدن. بعدما كانت تضيق عليهم و تنبذهم. اليهود أصبحوا هم المقرضين الرئيسيين لكل التجار. و أصبح دخولهم لأي مدينة رمزا من رموز الرواج و الانتعاش الإقتصادي.
بعد عشرات السنين أصبحت اليهود في كل العالم مترابطين إرتباطا قويا. كانوا متحدين أكثر من أي قومية أخرى في العالم. و أصبحوا يسيطرون على أسواق التجارة العالمية و ساهموا بقوة في نشأة النظام المالي العالمي، الذي يرتكز على النظام المصرفي.
لقد فهموا الدرس جيدا. و أدركوا أن العالم لا تحكمه العواطف، لكن يحكمه الإقتصاد. فأتقنوا فنونه، و أمسكوا بلجامه. فكان لهم حصان النجاة و الصعود من القاع إلى القمة.
بعد نهاية الحرب العالمية, جدد اليهود تنظيم صفوفهم. و ظهرت الحركة الصهيونية كممثل ليهود العالم. فوضعت مشروعها الخاص "إيجاد وطن". هذه الحركة عملت بجهد و ضمت بين أعضائها نخبة رجال المال و الأعمال. نعم إنه المال أيها السادة و السيدات. المال الذي يشتري كل شيء في العالم المادي. لكنهم لم يشتروا به يخوتا و طائرات مراحيضها مطلية بالذهب، لكنهم إشترو السلطة و الإعلام. أجل السلطة و الإعلام هذا هو السلاح السري الذي أنجح المشروع الصهيوني.
على مدار السنين، كانت الآلة الإعلامية تروج لليهود كأكثر القوميات تضررا من الحرب العالمية الاولى و الثانية، مستعملين في ذلك فظاعة الجرائم التي إرتكبتها بحقهم الآلة النازية . حتى أصبح القاصي و الداني يعلم بقصتهم، يتضامن معهم، يستمع إليهم، و يتبنى قضيتهم المتمثلة في الرغبة في الحصول على وطن.
في نفس الوقت كان المال يوظف إما لشراء السياسيين او لتكوينهم في مراكز خاصة متواجدة في قلب أقوى العواصم.
هذه هي الخلطة السحرية في عالم السياسة. المال و الاعلام يمكنهنا أن يجعلان من أتفه شخص سياسيا محنكا و ناجحا. و يستطعون أيضا فعل العكس، أي تدمير الحياة السياسية لكل شخص لا تتماشى رؤيته مع رؤيتهم.
بعد سنوات من العمل الدؤوب، و بعد الترويج دوليا لقضية اليهود, و تجهيز قاعدة متينة من السياسيين النافذين داخل الدول العظمى، تمكنت الحركة الصهيونية من الحصول على وعد بلفور. وعد لم يكن مجانيا. وعد كان بداية لقصة صعود جديدة لليهود عموما و للتنظيم الصهيوني خصوصا. حتى صارو من أكثر المؤثرين على الموازين العالمية.
المسلمين حتى قبل الحرب العالمية الثانية، تعرضو للابادة الممنهجة، و كانوا ضحية الآلة الاستعمارية المتوحشة، التي راح ضحيتها أضعاف ضحايا دول المحور مجتمعة في الحرب العالمية الثانية. و إستمرت معاناتهم مع المستعمرين حتى بعد نهاية الحرب ، و هناك دول و شعوب تعاني إلى اليوم.
إذن المسلمون لديهم قضية و لديهم ثروة بشربة و جغرافية و مادية هائلة. فلماذا لم ينجحوا فيما نجح فيه اليهود؟
لماذا هم اليوم من أضعف القوميات على وجه الأرض؟
لماذا إضطهادهم و التنكيل بهم و محاربتهم هو أول هدف يضعه أي سياسي طامح في برنامجه الإنتخابي، على النقيض تماما مع ما يفعله مع اليهود اللذين يتودد إليهم، و يتمنى رضاهم و يخطب ودهم إذا أراد النجاح ؟
اليوم اللبوبي اليهودي يتمتع بمكانة جد مهمة في معظم الدول الكبرى، ما يضمن لإسرائيل التفوق و التميز.
لكن يبقى السؤال الجوهري، لماذا فشل العرب و المسلمون في تحقيق النصر لقضاياهم بالرغم من أنهم يمتلكون ثروات هائلة؟
لكي تكون المقارنة متقاربة، سوف نأخذ مثالا حيا : " قضية المسلمين الروهينجا في ميانمار"
هذه القضية حديثة و الجرائم البشعة التي ترقى لمستوى الإبادة الجماعية و التهجير المرتكبة في حق هذه الفئة من المسلمين موثقة بالصوت و الصورة و الإحصائيات و التقارير الصحفية الدولية.
لكن الضحايا لازالو يعانون إلى اليوم، و قضيتهم في طي النسيان. لماذا ؟
تخيل أن هذه الطائفة يهودية مثلا. في هذه الحالة ستشتغل الآلة الإعلامية بكل طاقتها، سيتم تخصيص ميزانية ضخمة، سواء عبر مساهمات مباشرة من الحكومات، أو عن طريق منظمات المجتمع المدني و اللوبي اليهودي.
هذه المساهمات سوف يتم إستثمارها لتسليط الضوء على القضية و منحها زخما عالميا عن طريق التدويل، كالتالي :
- إنتاج أفلام، وثائقيات و برامج تلفزية للحديث عن القضية و جعلها قضية إنسانية.
- تمويل حملات دعاية واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، بجميع اللغات لحشد التعاطف الشعبي العالمي.
- توظيف كبريات وسائل الإعلام الدولية للحديث عن القضية، سواء بنشر مقالات في الصحف العالمية، أو إنتاج تقارير و بروبطاجات.
- الدفع للسياسيين البارزين في كل الدول القوية للضغط على الطرف المعتدي. و إصدار بيانات رسمية من الدول العظمى لدعم القضية.
- القيام بمسيرة يشارك فيها قادة الدول الكبرى لتضخيم الحدث و إظهار الدعم العالمي.
- ربط دعم الأقلية المضطهدة بالتحضر و التقدم. لأن هناك فئة واسعة من الناس مستعدة لدعم أي قضية مرتبطة بالتقدم و التحضر، فقط لتشعر أنها متقدمة و متحضرة ( و ما أكثرها في الدول العربية )
- القيام بزيارات للميدان و إصطحاب السياسيين و الإعلاميين، ليقفو على بشاعة الجرائم، و ينقلو الصورة بدورهم لشعوبهم او للعالم.
بهذه الإستراتيجية سيتم تدويل القضية، و كسب التعاطف و الدعم العالمي. و للإشارة فقط، كسب التعاطف ليس دليلا على الضعف كما يراه بعض العرب و المسلمين المندفعين. لأن حتى أكبر دولة في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، قامت بكل هذه الخطوات لكسب الدعم العالمي، قبل غزو العراق.
نفس الامر قامت به فرنسا بعد الهجوم الإجرامي على الجريدة التي نشرت رسومات مسيئة للرسول الكريم. حينما جمعت رؤساء دول العالم في مسيرة على الأقدام، غطتها كل الشبكات الإعلامية في العالم. و أعطت تضامنا عالميا مع فرنسا حتى في وسط الدول العربية و المسلمة.
هذه هي الخلطة السحرية التي تطبقها جميع الدول و يجهلها ، أو يتجاهلها العالم العربي و الإسلامي.
مثلا في نيوزيلندا حينما تمت مهاجمة المصلين في المسجد، و قتل العشرات في جريمة بشعة. لم يتحرك المسلمون في العالم بالشكل المناسب لتدويل القضية. لاخبار العالم أن المسلمين أيضا هم ضحية للتشدد و التعصب و التطرف.
لم ينظم على الأقل رؤساء الدول العربية و الإسلامية زيارة لمكان الحادث. لم يدفع اللوبي السعودي و القطري و الإماراتي و البحريني و غيرهم في أمريكا و اوروبا دولارا واحدا للضغط على هذه الدول لإصدار بيان رسمي من الرؤساء لادانة الجريمة، أو زيارة موقع الجريمة.
العرب و المسلمون لم يفهموا بعد قوانين اللعبة، لهذا هم يخسرون بإستمرار.
هناك أسباب أخرى، راجعة الانقسام الكبير الذي تشهده الدول العربية و الإسلامية. إنقسام لم يعد جغرافيا فقط، لكنه نفسي. أصبحوا عنصريين حتى فيما بينهم.
حتى الشعوب التي كانت في الزمن القريب متحدة رغم إنقسام الحكومات. صارت اليوم تكن العداء لبعضها البعض لأسباب تافهة. أصبحت الشعوب العربية و الإسلامية تتبادل السب و الشتم و القذف في مواقع التواصل الإجتماعي بسبب من صاحب أكلة الكسكس و الطاجين و البقلاوة. من الدولة صاحبة القفطان و من صاحبة الجلباب...
إستفحل الجهل و العصبية القبلية و التطرف من جديد، كما كان عليه الحال قبل الجاهلية. أصبحت ردود الفعل عنيفة. و أصبحت غشاوة الغضب تحجب البصر و تعمي البصيرة.
هذه الأيام كنت أقف على مسافة بعيدة من العرب و المسلمين، و أشاهد من بعيد ردود الأفعال، تجاه تصريحات الرئيس الفرنسي، و أدركت إلى حد بعيد أسبابا أخرى لخسارتنا للعبة في كل مرة.
هناك مجموعات قامت بإختراق بعض المواقع الحكومية الفرنسية، و نشر كتابات و نصوص معادية لفرنسا بكاملها و ليس فقط للرئيس.
أولا هذه المواقع هي مواقع خدمات يستفيد منها الشعب الفرنسي و ليس الحكومة. و إختراقها و تعطيلها، يمس مصالح المواطن العادي. ذلك المواطن الذي ربما إلى الامس كان يحمل صورة إيجابية عن المسلمين، و يفرق بينهم و بين المتطرفين الذين لا يمثلون الإسلام. لكن بمثل هذه الأفعال سيغير رأيه. و بدل أن يتعاطف مع المسلمين الآخرين، سيحمل شعورا سلبيا عنهم.
نفس الأمر سوف يحصل حينما يتم نشر منشورات تكيل السب و القذف لزوجة الرئيس التي لا تحمل منصبا رسميا في الحكومة. كل ما تفعله هذه الفئة من المسلمين هي إظهار سوء الأخلاق و الجهل و العنف للعالم. هي تفعل تماما ما يريده اليمين المتطرف في العالم.
مذا ستستفيد من نشر صورة للرئيس في هيئة خنزير ؟ لا شيء. أنت فقط تزج بنبيك و رسولك الكريم في مقارنة مع شخص عادي، و تساوي بينهما، و ستدفع بأشخاص آخرين لإهانة رسولك مرارا و تكرارا، و تدخل في دوامة الفعل و ردة الفعل.
قلتها بالأمس و هذه قناعتي، لو لم يتم الهجوم على الصحيفة الفرنسية التي نشرت أول رسم قبل سنوات. و تم تجاهلها، لما كان أحد اليوم يعرف إسمها. لكانت طي النسيان. للاسف كل ما فعلته مجموعة متشددة لا تحمل من الإسلام غير الإسم. هو الاستجابة للاستفزاز بدون تفكير، و تقديم هدية على طبق من ذهب لهذه الجريدة لتصبح مشهورة. و بما أن جميع الجرائد تبحث عن صنع الحدث و عن الدعاية المجانية و الشهرة، فهي الآن تعرف ما عليها فعله. إستفزاز المسلمين و العرب، و هم يستكفلون بالباقي، و يسجعلون منها الجريدة الاكثر مبيعا و شهرة في العالم. فلا تستغربوا إذا قامت جرائد أخرى عالمية بإهانة المسلمين مستقبلا، ليس لأنها تكرههم، لكن لأنها تعلم أن إندفاع فئة منهم، سيصنع لها الشهرة و المجد و الثروة.
بخلاصة الأمر أشبه بمن يضرب قردا واقفا على شجرة موز. ليضربه القرد بالموز. ( هذا ليس تشبيه للعرب او المسلمين بالقردة، لكنه مثل و حكمة )
الخلاصة :
- بدون مبالغة، حال الشعوب و الدول العربية و الإسلامية اليوم، أسوء من حال ملوك الطوائف في الأندلس، و مصيرهم سيكون أسوء. و سينتهي العالم العربي و الإسلامي للأبد. ستختفي جميع هذه الدول، و ستظهر دول أخرى و شعوب أخرى، و ستنسى للأبد أنها في يوم من الأيام كانت شعبا و دولة و أمة واحدة.
- الاعلام الإسرائيلي لم يكن يتحدث بسوء عن الشعب الإماراتي قبل التطبيع. لقد كانوا دائما يظهرون لهم أنهم يحبونهم و أنهم أصدقاء لهم ربما أكثر من جيرانهم المسلمين. و هذه البروباغاندا هي التي مهدت لقبول إسرائيل في الشرق الاوسط من قبل بعض الشعوب.
أنا لا أدعم التطبيع، لكن أشرح كيف يمكن للإعلام و طريقة التعامل أن تمهد الطريق لما كان بالأمس مستحيلا.
- جميع الدول المتضررة من الحرب العالمية الثانية او الإستعمار النازي وثقت جرائم النازيين في أفلام و ثائقية و سينمائية دولية. و كسبت دعم العالم و إستفادت من التعويضات.
- المال يشتري الدعم السياسي، و يشتري التضخيم الإعلامي. و البروباغاندا تصنع المعجزات.
هذه هي الوصفة السحرية لتغيير صورة المسلمين و العرب عالميا، و تخليصهم من تهمة الإرهاب و العنف التي أصبحت تلاصقهم كلهم.
- كسب الدعم العالمي لا يعني الخنوع، فالعالم الإسلامي و العربي اليوم خانع لكنه لا يملك الدعم و التعاطف.
لذلك يجب على المسلمين و العرب توحيد صوتهم، و تغليب الحكمة على العنف. و إتقان قواعد اللعبة.
لن أتحدث عن الشق المتعلق بكسب السياسيين في الخارج كما فعلت الحركة الصهيونية. لان السياسيين و رجال المال العرب هم أنفسهم مخترقين و تم شراء أغلبيتهم ليخدمو أجندات خارجية. و بما أنهم هم من يتحكمون في الإعلام العربي. فلا يجب الإعتماد كثيرا عليهم.
- على الشعوب العربية و الإسلامية أن ترفع مستوى الوعي. أن تتحدث عن قضاياها للعالم. أن تواجه البروباغاندا بالبروباغاندا.
على الشباب العربي و المسلم أن ينبذ العنف و العصبية و التهور. و أن يقتنص كل فرصة لتسجيل نقاط لصالح قضيته. هذه أيضا أهمية و دور صناع المحتوى. يجب عليهم التخلي عن نشر التفاهات. و التركيز على الترويج الفكري للقضايا و المشاكل العربية. عن طريق نشر محتوى هادف بلغات مختلفة، خاصة الإنجليزية.... أسمعو صوت قضيتكم للعالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي...أظهرو للعالم نبل و عظم أخلاق نبيكم و سيحترمونه.
- أفضل دعم للرسول الكريم هو التحلي بأخلاقه و حكمته. هكذا سيعرفه الناس، بأخلاقكم، تصرفاتكم على أرض الواقع.
"أنتم سفراء، فكونوا سفراء خير"
MBS