بسم الله الرحمن الرحيم
نسبة ..
هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي. وكان أبو عامر - أبو جَدِّ مالك - حليف عثمان بن عبيدالله التيمي القرشي، وكنيته أبو عبد الله من سادات أتباع التابعين، وجلّة الفقهاء والصالحين. وأمه هي عالية بنت شريك الأزدية. وُلِد بالمدينة المنورة سنةَ 93هـ/ 703م، وعاش فيها.
مولده ونشأته العلمية ..
بدأ الإمام مالك طلبه للعلم وهو غض طري، فحصل من العلم الكثير، وتأهل للفتيا، وجلس للإفادة وهو ابن إحدى وعشرينسنة، كما قصده طلاب العلم من كل حدب وصوب و نشأ في بيت اشتغل بعلم الأثر ، وفي بيئة كلها للأثر والحديث ، فجدُّهُمالك بن أبي عامر من كبار التابعين ، روى عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وعائشة أم المؤمنين ،وقد روى عنه بنوه أنس أبو مالك الإمام ، وربيع ، ونافع المكنى بأبي سهيل ، ولكن يبدو أن أباه أنسًا لم يكن مشتغلا بالحديثكثيرا ، ومهما يكن حاله من العلم ففي أعمامه وجدِّه غناء ، ويكفي مقامهم في العلم لتكون الأسرة من الأسر المشهورة بالعلم ،ولقد اتجه من قبل مالك من إخوته أخوه النضر ، فقد كان ملازما للعلماء يتلقى عليهم .
حفظ الإمام مالك القرآن الكريم في صدر حياته - كما هو الشأن في أكثر الأسر الإسلامية -، ثم اتجه إلى حفظ الحديث ،فوجد من بيئته محرِّضًا ، ومن المدينة مُوعزا ومُشجعا ، لمَّا ذكر لأمه أنه يريد أن يذهب فيكتب العلم ، ألبسته أحسن الثياب ،وعمَّمَته ، ثم قالت : " اذهب فاكتب الآن "، وكانت تقول : " اذهب إلى ربيعة فتعلم أدبه قبل علمه "
رحلة الشيخ وطلبه للعلم ..
كان الإمام مالك حريصاً على تلقّي العلم من العلماء الكبار، وقد منحه الله -سبحانه وتعالى- مواهب تُعينه على طلب العلم؛أهمّها الحفظ والفهم، في وقتٍ ساء فيه حفظ الناس؛ فقد كان -رحمه الله- يذهب إلى سعيد بن المسيب، وعروة، والقاسم،وحميد، وغيرهم، يسمع من كلّ واحد منهم نحو خمسين حديثاً إلى مئة، ثمّ ينصرف وقد حفِظها من غير أن يخلط بينها، ولميعتمد على ضبط صدره فقط فيما يرويه، بل اعتمد على الكتابة أيضاً، فقد رُوِي عنه أنّه قال: كتبتُ بيدي نحو مئة ألف حديث. لم يقتصر الإمام مالك على علمَي الحديث والفقه، فقد برع في القرآن الكريم، وتفسيره، وتجويده وقراءته، وكان خبيراً في علمالكلام، وعلم الفلك؛ فله كتاب يبحث في علم النجوم، وحساب الزمان، ومنازل القمر، وكان كذلك أديباً وكاتباً ولغوياً جالس ابنهرمز سبع سنين في بداية نشأته ، أخذ عنه اختلاف الناس ، والرد على أهل الأهواء ، وتأثر بهديه وسمته ، حتى قال : " سمعت ابن هرمز يقول : ينبغي أن يورث العالم جلساءه قول : لا أدري ، حتى يكون ذلك أصلا في أيديهم يفزعون إليه ، فإذاسئل أحدهم عما لا يدري قال لا أدري ...قال ابن وهب : كان مالك يقول في أكثر ما يسأل عنه لا أدري ".
ولازم نافعا مولى ابن عمر ، وكان يقول : " كنت آتي نافعا نصف النهار وما تظلني الشجرة من الشمس ، أَتَحَيَّنُ خروجَه ، فإذاخرج أدَعُهُ ساعة كأني لم أره ، ثم أتعرض له فأسلم عليه وأدعه ، حتى إذا دخل أقول له : كيف قال ابن عمر في كذا وكذا ،فيجيبني ، ثم أحبس عنه ، وكان فيه حدة وأخذ عن الإمام ابن شهاب الزهري ، وروي عنه أنه قال : " شهدت العيد ، فقلت : هذا يوم يخلو فيه ابن شهاب ، فانصرفت من المصلى حتى جلست على بابه ، فسمعته يقول لجاريته : انظري مَن في الباب . فنظرت ، فسمعتها تقول : مولاك الأشقر مالك . قال : أدخليه . فدخلت ، فقال : ما أراك انصرفت بعد إلى منزلك ! قلت : لا . قال: هل أكلت شيئا . قلت : لا . قال : اطعم . قلت : لا حاجة لي فيه . قال : فما تريد ؟ قلت : تحدثني . قال لي : هات. فأخرجتألواحي فحدثني بأربعين حديثا . فقلت : زدني . قال : حسبك إن كنت رويت هذه الأحاديث فأنت من الحفاظ . قلت : قد رويتها. فجبذ الألواح من يدي ثم قال : حَدِّث . فحدثته بها . فردها إلي وقال : قم فأنت من أوعية العلم .
الدعوه ..
بعد أن اكتملت دراسة مالك للآثار والفتيا اتخذ له مجلسا في المسجد النبوي لتعليم الناس – وفي بعض الروايات أنَّ سِنَّه كانذلك في السابعة عشرة - ولقد قال رحمه الله في هذا المقام ، وفي بيان حاله عندما نزعت نفسه إلى الدرس والإفتاء - :
" ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل ، فإن رأوه لذلك أهلاجلس ، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أني موضع لذلك ". "المدارك" (ص/127)
كان الإمام رحمه الله يتزين لمجلس الحديث ، ويضفي عليه من الهيبة والجلالة ما لم يكن لغيره ، حتى قال الواقدي : " كانمجلسه مجلس وقار وعلم ، وكان رجلا مهيبا نبيلا ، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ، ولا رفع صوت ، وإذا سئل عنشيء فأجاب سائله لم يقل له من أين هذا "
ولإخلاصه في طلب العلم التزم أمورا وابتعد عن أمور ، فالتزم السنة والأمور الظاهرة الواضحة البينة ، ولذلك كان يقول : " خير الأمور ما كان منها واضحا بَيِّنًا ، وإن كنت في أمرين أنت منهما في شك ، فخذ بالذي هو أوثق "
والتزم الإفتاء فيما يقع من المسائل دون أن يفرض رأيه، خشية أن يضل وأن يبعد عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والتزم الأناة في الإفتاء ، وكان يفكر التفكير الطويل العميق ، ولا يسارع إلى الإفتاء ، فإن المسارعة قد تجر إلى الخطأ ، ويقولابن القاسم تلميذه : " سمعت مالكا يقول : إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة ، ما اتفق لي فيها رأي إلى الآن "
وكان يقول : " من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه على الجنة والنار ، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ". "الديباجالمذهب" (ص/23)
ولقد سأله سائل مرة وقال : مسألة خفيفة . فغضب وقال : مسألة خفيفة سهلة !! ليس في العلم شيء خفيف ، أما سمعت قولالله تعالى : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) فالعلم كله ثقيل ، وخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة . "المدارك" (162)
محنة الامام مالك ..
مع بُعدِ هذا الإمام عن الثورات والتحريض عليها ، واشتغاله بالعلم ، نزلت به محنة في العصر العباسي في عهد أبي جعفرالمنصور ، سنة (146هـ) ، وقد ضرب في هذه المحنة بالسياط ، ومدت يده حتى انخلعت كتفاه ، والسبب المشهور أنه كانيحدث بحديث : ( ليس على مستكره طلاق ) ، وأن مروجي الفتن اتخذوا من هذا الحديث حجة لبطلان بيعة أبي جعفر المنصور، وأن هذا ذاع وشاع في وقت خروج محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكية بالمدينة ، وأن المنصور نهاه عن أن يحدث بهذا الحديث ، ثم دس إليه من يسأله عنه ، فحدث به على رؤوس الناس ، فضربه والي المدينة جعفر بن سليمان ، وفي بعض الروايات أن أبا جعفر المنصور اعتذر للإمام مالك بعد ذلك بأن ما وقع لم يكن بعلمه .
نسبة ..
هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي. وكان أبو عامر - أبو جَدِّ مالك - حليف عثمان بن عبيدالله التيمي القرشي، وكنيته أبو عبد الله من سادات أتباع التابعين، وجلّة الفقهاء والصالحين. وأمه هي عالية بنت شريك الأزدية. وُلِد بالمدينة المنورة سنةَ 93هـ/ 703م، وعاش فيها.
مولده ونشأته العلمية ..
بدأ الإمام مالك طلبه للعلم وهو غض طري، فحصل من العلم الكثير، وتأهل للفتيا، وجلس للإفادة وهو ابن إحدى وعشرينسنة، كما قصده طلاب العلم من كل حدب وصوب و نشأ في بيت اشتغل بعلم الأثر ، وفي بيئة كلها للأثر والحديث ، فجدُّهُمالك بن أبي عامر من كبار التابعين ، روى عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وعائشة أم المؤمنين ،وقد روى عنه بنوه أنس أبو مالك الإمام ، وربيع ، ونافع المكنى بأبي سهيل ، ولكن يبدو أن أباه أنسًا لم يكن مشتغلا بالحديثكثيرا ، ومهما يكن حاله من العلم ففي أعمامه وجدِّه غناء ، ويكفي مقامهم في العلم لتكون الأسرة من الأسر المشهورة بالعلم ،ولقد اتجه من قبل مالك من إخوته أخوه النضر ، فقد كان ملازما للعلماء يتلقى عليهم .
حفظ الإمام مالك القرآن الكريم في صدر حياته - كما هو الشأن في أكثر الأسر الإسلامية -، ثم اتجه إلى حفظ الحديث ،فوجد من بيئته محرِّضًا ، ومن المدينة مُوعزا ومُشجعا ، لمَّا ذكر لأمه أنه يريد أن يذهب فيكتب العلم ، ألبسته أحسن الثياب ،وعمَّمَته ، ثم قالت : " اذهب فاكتب الآن "، وكانت تقول : " اذهب إلى ربيعة فتعلم أدبه قبل علمه "
رحلة الشيخ وطلبه للعلم ..
كان الإمام مالك حريصاً على تلقّي العلم من العلماء الكبار، وقد منحه الله -سبحانه وتعالى- مواهب تُعينه على طلب العلم؛أهمّها الحفظ والفهم، في وقتٍ ساء فيه حفظ الناس؛ فقد كان -رحمه الله- يذهب إلى سعيد بن المسيب، وعروة، والقاسم،وحميد، وغيرهم، يسمع من كلّ واحد منهم نحو خمسين حديثاً إلى مئة، ثمّ ينصرف وقد حفِظها من غير أن يخلط بينها، ولميعتمد على ضبط صدره فقط فيما يرويه، بل اعتمد على الكتابة أيضاً، فقد رُوِي عنه أنّه قال: كتبتُ بيدي نحو مئة ألف حديث. لم يقتصر الإمام مالك على علمَي الحديث والفقه، فقد برع في القرآن الكريم، وتفسيره، وتجويده وقراءته، وكان خبيراً في علمالكلام، وعلم الفلك؛ فله كتاب يبحث في علم النجوم، وحساب الزمان، ومنازل القمر، وكان كذلك أديباً وكاتباً ولغوياً جالس ابنهرمز سبع سنين في بداية نشأته ، أخذ عنه اختلاف الناس ، والرد على أهل الأهواء ، وتأثر بهديه وسمته ، حتى قال : " سمعت ابن هرمز يقول : ينبغي أن يورث العالم جلساءه قول : لا أدري ، حتى يكون ذلك أصلا في أيديهم يفزعون إليه ، فإذاسئل أحدهم عما لا يدري قال لا أدري ...قال ابن وهب : كان مالك يقول في أكثر ما يسأل عنه لا أدري ".
ولازم نافعا مولى ابن عمر ، وكان يقول : " كنت آتي نافعا نصف النهار وما تظلني الشجرة من الشمس ، أَتَحَيَّنُ خروجَه ، فإذاخرج أدَعُهُ ساعة كأني لم أره ، ثم أتعرض له فأسلم عليه وأدعه ، حتى إذا دخل أقول له : كيف قال ابن عمر في كذا وكذا ،فيجيبني ، ثم أحبس عنه ، وكان فيه حدة وأخذ عن الإمام ابن شهاب الزهري ، وروي عنه أنه قال : " شهدت العيد ، فقلت : هذا يوم يخلو فيه ابن شهاب ، فانصرفت من المصلى حتى جلست على بابه ، فسمعته يقول لجاريته : انظري مَن في الباب . فنظرت ، فسمعتها تقول : مولاك الأشقر مالك . قال : أدخليه . فدخلت ، فقال : ما أراك انصرفت بعد إلى منزلك ! قلت : لا . قال: هل أكلت شيئا . قلت : لا . قال : اطعم . قلت : لا حاجة لي فيه . قال : فما تريد ؟ قلت : تحدثني . قال لي : هات. فأخرجتألواحي فحدثني بأربعين حديثا . فقلت : زدني . قال : حسبك إن كنت رويت هذه الأحاديث فأنت من الحفاظ . قلت : قد رويتها. فجبذ الألواح من يدي ثم قال : حَدِّث . فحدثته بها . فردها إلي وقال : قم فأنت من أوعية العلم .
الدعوه ..
بعد أن اكتملت دراسة مالك للآثار والفتيا اتخذ له مجلسا في المسجد النبوي لتعليم الناس – وفي بعض الروايات أنَّ سِنَّه كانذلك في السابعة عشرة - ولقد قال رحمه الله في هذا المقام ، وفي بيان حاله عندما نزعت نفسه إلى الدرس والإفتاء - :
" ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل ، فإن رأوه لذلك أهلاجلس ، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أني موضع لذلك ". "المدارك" (ص/127)
كان الإمام رحمه الله يتزين لمجلس الحديث ، ويضفي عليه من الهيبة والجلالة ما لم يكن لغيره ، حتى قال الواقدي : " كانمجلسه مجلس وقار وعلم ، وكان رجلا مهيبا نبيلا ، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ، ولا رفع صوت ، وإذا سئل عنشيء فأجاب سائله لم يقل له من أين هذا "
ولإخلاصه في طلب العلم التزم أمورا وابتعد عن أمور ، فالتزم السنة والأمور الظاهرة الواضحة البينة ، ولذلك كان يقول : " خير الأمور ما كان منها واضحا بَيِّنًا ، وإن كنت في أمرين أنت منهما في شك ، فخذ بالذي هو أوثق "
والتزم الإفتاء فيما يقع من المسائل دون أن يفرض رأيه، خشية أن يضل وأن يبعد عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والتزم الأناة في الإفتاء ، وكان يفكر التفكير الطويل العميق ، ولا يسارع إلى الإفتاء ، فإن المسارعة قد تجر إلى الخطأ ، ويقولابن القاسم تلميذه : " سمعت مالكا يقول : إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة ، ما اتفق لي فيها رأي إلى الآن "
وكان يقول : " من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه على الجنة والنار ، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ". "الديباجالمذهب" (ص/23)
ولقد سأله سائل مرة وقال : مسألة خفيفة . فغضب وقال : مسألة خفيفة سهلة !! ليس في العلم شيء خفيف ، أما سمعت قولالله تعالى : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) فالعلم كله ثقيل ، وخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة . "المدارك" (162)
محنة الامام مالك ..
مع بُعدِ هذا الإمام عن الثورات والتحريض عليها ، واشتغاله بالعلم ، نزلت به محنة في العصر العباسي في عهد أبي جعفرالمنصور ، سنة (146هـ) ، وقد ضرب في هذه المحنة بالسياط ، ومدت يده حتى انخلعت كتفاه ، والسبب المشهور أنه كانيحدث بحديث : ( ليس على مستكره طلاق ) ، وأن مروجي الفتن اتخذوا من هذا الحديث حجة لبطلان بيعة أبي جعفر المنصور، وأن هذا ذاع وشاع في وقت خروج محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكية بالمدينة ، وأن المنصور نهاه عن أن يحدث بهذا الحديث ، ثم دس إليه من يسأله عنه ، فحدث به على رؤوس الناس ، فضربه والي المدينة جعفر بن سليمان ، وفي بعض الروايات أن أبا جعفر المنصور اعتذر للإمام مالك بعد ذلك بأن ما وقع لم يكن بعلمه .