رؤية موريتانية للأحداث :
خفايا وخبايا حول نازلة قطْعِ معبر الكركرات
15 نوفمبر، 2020
أعترفُ للمغرب ملِكًا وجيشًا وحكومةً بالحكمة أنْ سَارُوا على الشَّوْكِ فلـمْ يُشَاكُوا، وأن سَارُوا على البحْرِ مَشْيًا فَلَـمْ يَغْرَقُوا بل ظَلَّتْ أَرْجُلُهُمْ مِنْ غَيْرِ بَلَلٍ، وأنْ تمكَّنُوا بمعجزة خارِقَةٍ أو بحِكمةٍ بالغَةٍ أو بِمَهارَةٍ فائقَةٍ أو بمَكْرِ عسكريٍّ بَاغَتَ عشراتٍ مِن الْمُرْتَزِقَةِ ـ ففزِعُوا وغَنِمُوا بالفرار سالِـمِين ـ لا جَرِيحَ ولا قَتيلَ ولا أَسِيرَ ـ وَكَفَّهُم ـ بـِإِبْعادِهم ـ عن قَطْعِ الطَّريقِ على ملايين البشر في موريتانيا والسنغال ومالي وغيرهم يمنعونهم الماعونَ والطعام والشراب والدواء، وعن قَطْعِ رِحلتَـيِ الذّهاب والإيابِ عن المدنيّين من المغربِ ومِن أوروبا إلى موريتانيا وما وراءها مِن الأفارقة.
تلكَ نازِلَةٌ استحقَّ بها جميعُ العالِقِينَ على الحدود المغربية والموريتانية على السواء ـ على مدى ثلاثة أسابيع ـ سهمًا مِن أسهُمِ الزكاة التي فرضها الله لأبناء السبيل، وتضمّن الكتابُ المنزَّل وَصْفَ مَنْ يَقْطَعُ الطّريقَ على أبناء السبيل بالسَّعْيِ في الأرضِ فَسادًا اقترنَ صاحبُه بالذين يُـحَارِبونَ اللهَ ورسولَهُ.
وللمتأمِّلِ فِـي نازِلَة إغلاق معبرِ الكركرات مِن طَرَفِ جبهة البوليزاريو أن يتساءلَ عن دوافع المواقفِ التاليةِ:
- أحدُهما مُسارَعَةُ جبهة البوليزاريو إلى حِصارِ أبناءِ العمومة في موريتانيا رغم الامتيازات التي أقرَّتْهَا الحكومات الموريتانية المتعاقبة ولم يُنْكِرْها الشعب ومنها: حُريَّةُ التجارة من المخيمات إلى ولاية تيرس وإعفائها من الجمركة وحُرِّيَّةُ الإقامة والتملُّك العقاري وتسهيل التجنس.
- وثانيهما: ظاهرةُ تشجيعِ الموريتانيين مُثَقَّفِينَ ورسميين وعامة ـ إلا قليلا منهم ـ في مجالِسِهمُ الخاصَّةِ استفزازاتِ جبهة البوليزاريو في معبر الكركرات نِكايةً وشماتةً بالمغرب وهي ظاهرة جديرة بالدراسة والتأمُّلِ ولعلّها ردَّةُ فِعلٍ عاطفيّةٍ أو ثمرةُ تصوُّراتٍ ومواقف منها:
ـ حِرصُ بعض البيظان على إحياءِ مشروع (المستعمر كبولاني) الساعي لجمع شمل البيظان في موريتانيا والمغرب والجزائر ومالي والنيجر في وطَنٍ واحدٍ، والواقعُ أنَّ مشروع (المسعمر كبولاني) إنما يُـمَثِّلُ نصف الكأس الممتلئة أو الوجْهَ العربي مِن القطعة النقديةِ، أما النصفُ الفراغُ مِن الكأس فهُوَ الشَرُّ المسكوتُ عنه والقنبلة الموقوتة إلى يومِ يشاءُ المستعمر تغيير حدود سايس ـ بيكو الاستعمارية.
ـ لا يخفَـى أن السلطاتِ الرَّسميّةَ في المغرب تُعامِلُ الموريتانيّين على العموم مُعامَلة حسنةً، كما لا يَـخْفَـى تواتُرُ الحكوماتِ المغربية المتعاقبة على خَطإٍ استراتيجيٍّ كبيرٍ هو ازدواجيّةُ النظرةِ إلـى البيظان في موريتانيا في قِسمةً ضِيزَى تفرض على 90 % مِن البيظان في موريتانيا أن يتراجعوا أو يكبتوا مـحبَّتَهم وتعاطُفَهم مع المملكة المغربية التي آثَرَتْ قِسمًا منهم لا يمثِّل 10% وخَصَّتْهُم بامتيازاتٍ واسِعة معلومة وغيرُ خافيةٍ، وما هو ـ معاذ الله ـ بالطّعْنِ في قبيلةٍ أو مجموعةٍ فاضلةٍ ومعلومٌ ولاؤها للمغرب، وإنّـما هو العَجَبُ مِن إصرارِ الحكومات المغربية على تمتيعِ بعضِ الأفارقة كالسنغاليِّ بِامتيازاتٍ وتسهيلاتٍ لا يحلُمُ بها البيظاني الموريتاني مِن الغالبيّة أصحاب الدّرجة الثانية التي تفتدي المغرب بِأَنْفُسِها وأموالِـها عند الاقتضاء.
إنَّ الشَّعْبَ المغرِبِـيَّ مِن أفضلِ شعوبِ العالم وأقربِهِ إلـى الفطْرَة وأظهَرِهِ احتفاءً بالضيوفِ والوافِدِين مِن جميع الأجناس والأعراقِ والأديانِ بل لا يَـجْرُؤُ مغرِبِـيٌّ على ظُلْمِ وافِدٍ مِن خارِجِ حُدُودِهِ بَلِ الإنسانُ فِـي المغربِ محفوظُ الكرامة والحقوقِ في مخافرِ الشرطة وفي العدالة، ولقد شهِدتُّ يوما في شوارع مراكش وافِدًا إفريقيا يكادُ يبطشُ برجُلِ أمْنٍ في زيِّهِ الرسمي ورجُلُ الشرطة وزُملاؤُه حولهُ هادئون مُبتسِمُون غيرُ مُبَالِين بالتهديدِ والإيذاء اللفظي.
- وثالثُها: استمرارُ استغلال جبهة البوليزاريو مِن طرفِ أجندات خارجيّة ورغبَةُ بعضِ الصحراويين عن الاستقلال والتمتُّعِ بنسيمِ الْـحُرِّيَّةِ والعزَّةِ والكرامة بالعودة إلى دِيارِهم وأهليهم في الجنوب المغربي، وتصامُـمِهم وغضِّهِمُ الطَّرْفَ عن الْمُقارنة بين الحياةِ الكريمة والحقوق المضمونة للصحراوي في وطنِهِ وبلَدِهِ وبين الصحراوي في مخيّماتِ العار والغبار واليد الممدودة إلى المساعدات الغذائية…
الحسن ولد ماديك
باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة
رئيس مركز إحياء للبحوث والدراسات