إلى أين سيوجه العراق دباباته الجديدة؟
• دبابة ت 72 مع الجيش العراقي الحالي
بقلم عبدالجليل زيد المرهون:
ما الذي يستهدفه عراق اليوم من اقتناء آلاف الدبابات؟، وهل يُراد له مجدداً أن يصبح قوة موازنة لكل من إيران والسعودية؟، وإذا كان الأمر كذلك، فهل القوة البرية المتضخمة هي من سيوازن الرياض وطهران؟، وهل استنتج مصممو جيش العراق الجديد أن قوة هاتين الأخيرتين تكمن في قدراتهما البرية؟. وقبل ذلك، هل تم تحديد جيران العراق باعتبارهم مصدر الخطر المحتمل على أمنه القومي، وخاصة إيران؟، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا الاتجاه إلى تعظيم القوات البرية بدل السير نحو إعادة بناء القوة الجوية العراقية، على سبيل المثال؟ وهل يعني إغفال هذه القوة أن العراق الجديد لا يتوقع خطراً إسرائيلياً؟ ثم لماذا لا يدور الحديث في العراق عن تشييد نظام دفاع جوي فاعل وحديث؟.
عاد هاجس التوازن الاستراتيجي في المنطقة ليسيطر على القائمين على بناء الجيش العراقي، لكن المعضلة لا تكمن هذه المرة في الالتصاق بهذا الهاجس وحسب، بل كذلك في سوء تشخيصه، أو لنقل خطأ الحسابات المرتبطة به. إذ أن خليج عام 2009 ليس هو خليج الثمانينات، أو عام 1990.
إن التوازن المرتبط بمبدأ التعادل الحسابي في الدبابات والآليات قد ولى وانتفى، فإيران تحديداً لا يمكن اليوم موازنتها بكم هائل من الدبابات، لأنها ببساطة تستند إلى قوة ردع صاروخي لا يبدو العراق في وارد محاكاتها. كما أن القوة السعودية الراهنة تعد قوة جوية قبل كل شيء، وهذا أمر مفهوم. وفضلاً عن ذلك كله، فإن حسابات عراق الأمس لتوازنات القوة كانت تستند إلى قدرات برية كبيرة، مدعومة بذراع صاروخية وسلاح جو، أفاد من مخزونات الشرق والغرب على حد سواء، حيث مثلت فرنسا حينها هذا الغرب.
حسابات مغلوطة
السؤال: إذا ما الذي يستهدفه العراق من بناء ترسانة متعاظمة من الدبابات والمدرعات؟ هذا السؤال لن يجد في واقع الأمر جواباً شافياً أو دقيقاً اليوم، لأن خلفياته ربما أتت استناداً إلى حسابات مغلوطة، بل ومقلوبة في واقعها. وعلى الرغم من ذلك، فإن دول الخليج، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، لا بد أن تطرح سؤالاً على الجميع حول مدى صوابية هذا المنحى في حسابات العراق الجديد، وما الذي ينتظر أمنها الوطني والإقليمي بعد عشرين عاماً، إن عادت مقاربة بغداد الدفاعية إلى وهم التوازنات الإقليمية، الذي لم يفرز سوى حربين مدمرتين.
لقد أشارت تقارير دفاع دولية، نشرت اخيراً، إلى أن بغداد تعتزم اقتناء نحو ألفي دبابة قتال رئيسية من طراز «تي- 72»، السوفيتية الصنع، يصل إجمالي قيمتها إلى ستة مليارات دولار، وسوف تشكل هذه الدبابات القوة الضاربة للجيش العراقي الجديد. وسيتم شراؤها من كل من بولندا والتشيك وسلوفاكيا وأوكرانيا، وهي دول تسعى أساساً للتخلص من السلاح السوفيتي، وإعادة بناء جيوشها وفقاً لمعايير حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد وجدت اليوم ضالتها في الطلبات العراقية.
ووفقاً لمجلة Defense News، فإن العراق يعتزم، في السنوات القليلة القادمة، شراء نحو أربعة آلاف قطعة من المدرعات، بما فيها دبابات قتال أميركية وسوفيتية الصنع. ويُراد له أن يتفوق بذلك على كل من إيران والسعودية، ويغدو قوة برية ضاربة في المنطقة، على نحو يفوق ما كانت عليه الحال إبان حكم صدام حسين، وذلك يلاحظ من نوعية السلاح الذي يخطط العراقيون لاقتنائه، معطوفاً على حجمه المتوقع.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد وافقت، في يوليو الماضي، على صفقات تسلّح للعراق، بلغت قيمتها نحو عشرة مليارات وسبعمائة مليون دولار، وتضمنت ما قيمته مليارين ومائة وستين مليون دولار لشراء دبابات «أبرامز» M1A1 Abrams الأميركية، التي تصنعها شركة جنرال دايناميكس. وتحديداً، سوف يشتري العراق 140دبابة من هذه الدبابات، و400 مركبة مجنزرة من عربات المشاة القتالية الحديثة «سترايكر» .
مدرعات بمليارات الدولارات
وقد أفادت وكالة التعاون الأمني والدفاعي الأميركية، في الحادي والثلاثين من يوليو الماضي، أن صفقة الدبابات المقترحة تشمل كذلك معدات من إنتاج شركتي هانيويل انترناشونال وجنرال موتورز. وتكلف دبابة «ابرامس» نحو عشرة ملايين دولار، في حين تصل تكلفة دبابة «تي ـ 72» المحدثة نحو ثلاثة ملايين دولار. أما سعر الدبابة الروسية الجديدة فيبلغ ثلاثة ملايين وستمائة ألف دولار.
وتشمل الخطط المعلنة أيضاً تزويد العراق بعربات مدرعة خفيفة، ومعدات لازمة لها، بقيمة إجمالية تصل إلى ثلاثة مليارات دولار، وكذلك عربات أمن مصفحة بقيمة 206 ملايين دولار. وكان عدد دبابات القتال الرئيسية لدى الجيش العراقي في عام 1990 يصل إلى 5100 دبابة, إضافة إلى 2300 قطعة من مركبات المشاة المدرعة، و6800 من مركبات القتال. وفي المقابل، تمتلك إيران 1613 دبابة قتال رئيسية، و610 عربات مشاة، و640 مركبة مشاة مدرعة. وتمتلك السعودية 1500 دبابة قتال رئيسية، فضلاً عن العربات المدرعة ومركبات المشاة.
وبالعودة الى صفقة دبابات «تي – 72» ، فسوف يتم تحديث هذه الدبابات في مصانع تابعة لشركة Defense Solution الأميركية، قبل تسليمها للجيش العراقي، حيث سيتم تزويدها بأجهزة للرؤية الليلية وأنظمة اتصال جديدة. وقد اشترت بغداد من المجر دفعة تجريبية تتألف من 77 دبابة «تي ـ 72» ، وجرى تحديثها في الولايات المتحدة.
واعتباراً من منتصف مايو الماضي، تسلمت قيادة القوات البرية العراقية القيادة والسيطرة على الفرق العسكرية العراقية الاثنتي عشرة، بما في ذلك مقرات خمسين لواء و164 كتيبة. كما أصبحت الفرقتان السادسة والتاسعة ملحقتان بقيادة عمليات بغداد في وزارة الدفاع، على صعيد السيطرة التكتيكية، على أن تتبع قيادة القوات البرية العراقية الرقابة الإدارية. وتوسعت القيادة العسكرية لتشمل محافظات البصرة ونينوى وكربلاء وديالى وسامراء.
اهتمام خجول بسلاح الجو
وخارج إطار التسليح البري، هناك اهتمام خجول بسلاح الجو. وقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، في الخامس من سبتمبر الماضي، أن العراق يسعى الى شراء 36 طائرة من طراز «إف – 16»، التي تبلغ قيمة الواحدة منها نحو مائة مليون دولار، مع تسهيلات التدريب على القيادة والصيانة. كذلك، سوف يشتري العراق 6 طائرات نقل من شركة لوكهيد مارتن، ومعدات ذات صلة، منها 24 محركاً من «رولز رويس»، بقيمة إجمالية تصل إلى مليار وخمسمائة مليون دولار. وكانت القوة الجوية العراقية تتألف قبل عام 1990 من 513 طائرة مقاتلة، و584 مروحية عسكرية.
ويبدو جلياً هنا أن التسليح الجوي العراقي المعتمد اليوم هو تسليح هامشي، بل يكاد يكون رمزياً، ليس له ثمة قيمة بمعيار توازنات القوى القائمة في المنطقة.
وأياً يكن الأمر، فقد أصبح العراق عملياً من أكبر مشتري السلاح في العالم، في حين أنه يعيش مرحلة انتقالية، يجب أن تركز فيها الجهود على التنمية الاجتماعية بنواحيها المختلفة، عوضاً عن صرف المليارات على الدبابات والمدرعات. كذلك، لا ينبغي للعراق الجديد أن يمضي في مقاربة بناء عسكري تُعيد لدى جيرانه الهواجس والشكوك طويلة الأمد، وتدمر فرص بناء مستقبل آمن لهذه المنطقة.
• دبابة ت 72 مع الجيش العراقي الحالي
بقلم عبدالجليل زيد المرهون:
ما الذي يستهدفه عراق اليوم من اقتناء آلاف الدبابات؟، وهل يُراد له مجدداً أن يصبح قوة موازنة لكل من إيران والسعودية؟، وإذا كان الأمر كذلك، فهل القوة البرية المتضخمة هي من سيوازن الرياض وطهران؟، وهل استنتج مصممو جيش العراق الجديد أن قوة هاتين الأخيرتين تكمن في قدراتهما البرية؟. وقبل ذلك، هل تم تحديد جيران العراق باعتبارهم مصدر الخطر المحتمل على أمنه القومي، وخاصة إيران؟، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا الاتجاه إلى تعظيم القوات البرية بدل السير نحو إعادة بناء القوة الجوية العراقية، على سبيل المثال؟ وهل يعني إغفال هذه القوة أن العراق الجديد لا يتوقع خطراً إسرائيلياً؟ ثم لماذا لا يدور الحديث في العراق عن تشييد نظام دفاع جوي فاعل وحديث؟.
عاد هاجس التوازن الاستراتيجي في المنطقة ليسيطر على القائمين على بناء الجيش العراقي، لكن المعضلة لا تكمن هذه المرة في الالتصاق بهذا الهاجس وحسب، بل كذلك في سوء تشخيصه، أو لنقل خطأ الحسابات المرتبطة به. إذ أن خليج عام 2009 ليس هو خليج الثمانينات، أو عام 1990.
إن التوازن المرتبط بمبدأ التعادل الحسابي في الدبابات والآليات قد ولى وانتفى، فإيران تحديداً لا يمكن اليوم موازنتها بكم هائل من الدبابات، لأنها ببساطة تستند إلى قوة ردع صاروخي لا يبدو العراق في وارد محاكاتها. كما أن القوة السعودية الراهنة تعد قوة جوية قبل كل شيء، وهذا أمر مفهوم. وفضلاً عن ذلك كله، فإن حسابات عراق الأمس لتوازنات القوة كانت تستند إلى قدرات برية كبيرة، مدعومة بذراع صاروخية وسلاح جو، أفاد من مخزونات الشرق والغرب على حد سواء، حيث مثلت فرنسا حينها هذا الغرب.
حسابات مغلوطة
السؤال: إذا ما الذي يستهدفه العراق من بناء ترسانة متعاظمة من الدبابات والمدرعات؟ هذا السؤال لن يجد في واقع الأمر جواباً شافياً أو دقيقاً اليوم، لأن خلفياته ربما أتت استناداً إلى حسابات مغلوطة، بل ومقلوبة في واقعها. وعلى الرغم من ذلك، فإن دول الخليج، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، لا بد أن تطرح سؤالاً على الجميع حول مدى صوابية هذا المنحى في حسابات العراق الجديد، وما الذي ينتظر أمنها الوطني والإقليمي بعد عشرين عاماً، إن عادت مقاربة بغداد الدفاعية إلى وهم التوازنات الإقليمية، الذي لم يفرز سوى حربين مدمرتين.
لقد أشارت تقارير دفاع دولية، نشرت اخيراً، إلى أن بغداد تعتزم اقتناء نحو ألفي دبابة قتال رئيسية من طراز «تي- 72»، السوفيتية الصنع، يصل إجمالي قيمتها إلى ستة مليارات دولار، وسوف تشكل هذه الدبابات القوة الضاربة للجيش العراقي الجديد. وسيتم شراؤها من كل من بولندا والتشيك وسلوفاكيا وأوكرانيا، وهي دول تسعى أساساً للتخلص من السلاح السوفيتي، وإعادة بناء جيوشها وفقاً لمعايير حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد وجدت اليوم ضالتها في الطلبات العراقية.
ووفقاً لمجلة Defense News، فإن العراق يعتزم، في السنوات القليلة القادمة، شراء نحو أربعة آلاف قطعة من المدرعات، بما فيها دبابات قتال أميركية وسوفيتية الصنع. ويُراد له أن يتفوق بذلك على كل من إيران والسعودية، ويغدو قوة برية ضاربة في المنطقة، على نحو يفوق ما كانت عليه الحال إبان حكم صدام حسين، وذلك يلاحظ من نوعية السلاح الذي يخطط العراقيون لاقتنائه، معطوفاً على حجمه المتوقع.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد وافقت، في يوليو الماضي، على صفقات تسلّح للعراق، بلغت قيمتها نحو عشرة مليارات وسبعمائة مليون دولار، وتضمنت ما قيمته مليارين ومائة وستين مليون دولار لشراء دبابات «أبرامز» M1A1 Abrams الأميركية، التي تصنعها شركة جنرال دايناميكس. وتحديداً، سوف يشتري العراق 140دبابة من هذه الدبابات، و400 مركبة مجنزرة من عربات المشاة القتالية الحديثة «سترايكر» .
مدرعات بمليارات الدولارات
وقد أفادت وكالة التعاون الأمني والدفاعي الأميركية، في الحادي والثلاثين من يوليو الماضي، أن صفقة الدبابات المقترحة تشمل كذلك معدات من إنتاج شركتي هانيويل انترناشونال وجنرال موتورز. وتكلف دبابة «ابرامس» نحو عشرة ملايين دولار، في حين تصل تكلفة دبابة «تي ـ 72» المحدثة نحو ثلاثة ملايين دولار. أما سعر الدبابة الروسية الجديدة فيبلغ ثلاثة ملايين وستمائة ألف دولار.
وتشمل الخطط المعلنة أيضاً تزويد العراق بعربات مدرعة خفيفة، ومعدات لازمة لها، بقيمة إجمالية تصل إلى ثلاثة مليارات دولار، وكذلك عربات أمن مصفحة بقيمة 206 ملايين دولار. وكان عدد دبابات القتال الرئيسية لدى الجيش العراقي في عام 1990 يصل إلى 5100 دبابة, إضافة إلى 2300 قطعة من مركبات المشاة المدرعة، و6800 من مركبات القتال. وفي المقابل، تمتلك إيران 1613 دبابة قتال رئيسية، و610 عربات مشاة، و640 مركبة مشاة مدرعة. وتمتلك السعودية 1500 دبابة قتال رئيسية، فضلاً عن العربات المدرعة ومركبات المشاة.
وبالعودة الى صفقة دبابات «تي – 72» ، فسوف يتم تحديث هذه الدبابات في مصانع تابعة لشركة Defense Solution الأميركية، قبل تسليمها للجيش العراقي، حيث سيتم تزويدها بأجهزة للرؤية الليلية وأنظمة اتصال جديدة. وقد اشترت بغداد من المجر دفعة تجريبية تتألف من 77 دبابة «تي ـ 72» ، وجرى تحديثها في الولايات المتحدة.
واعتباراً من منتصف مايو الماضي، تسلمت قيادة القوات البرية العراقية القيادة والسيطرة على الفرق العسكرية العراقية الاثنتي عشرة، بما في ذلك مقرات خمسين لواء و164 كتيبة. كما أصبحت الفرقتان السادسة والتاسعة ملحقتان بقيادة عمليات بغداد في وزارة الدفاع، على صعيد السيطرة التكتيكية، على أن تتبع قيادة القوات البرية العراقية الرقابة الإدارية. وتوسعت القيادة العسكرية لتشمل محافظات البصرة ونينوى وكربلاء وديالى وسامراء.
اهتمام خجول بسلاح الجو
وخارج إطار التسليح البري، هناك اهتمام خجول بسلاح الجو. وقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، في الخامس من سبتمبر الماضي، أن العراق يسعى الى شراء 36 طائرة من طراز «إف – 16»، التي تبلغ قيمة الواحدة منها نحو مائة مليون دولار، مع تسهيلات التدريب على القيادة والصيانة. كذلك، سوف يشتري العراق 6 طائرات نقل من شركة لوكهيد مارتن، ومعدات ذات صلة، منها 24 محركاً من «رولز رويس»، بقيمة إجمالية تصل إلى مليار وخمسمائة مليون دولار. وكانت القوة الجوية العراقية تتألف قبل عام 1990 من 513 طائرة مقاتلة، و584 مروحية عسكرية.
ويبدو جلياً هنا أن التسليح الجوي العراقي المعتمد اليوم هو تسليح هامشي، بل يكاد يكون رمزياً، ليس له ثمة قيمة بمعيار توازنات القوى القائمة في المنطقة.
وأياً يكن الأمر، فقد أصبح العراق عملياً من أكبر مشتري السلاح في العالم، في حين أنه يعيش مرحلة انتقالية، يجب أن تركز فيها الجهود على التنمية الاجتماعية بنواحيها المختلفة، عوضاً عن صرف المليارات على الدبابات والمدرعات. كذلك، لا ينبغي للعراق الجديد أن يمضي في مقاربة بناء عسكري تُعيد لدى جيرانه الهواجس والشكوك طويلة الأمد، وتدمر فرص بناء مستقبل آمن لهذه المنطقة.