سلسلة من لطائف القرآن الكريم / الشيخ صالح التركي

سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد


الفرق بين الثياب واللباس في التعبير القرآني

أولاً : الثياب:
جاء في مفردات الراغب الأصفهاني (ثوب) : أصل الثوب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها ، وقال أخرون : أن الثوب ما يثاب إليه أي يرجع ، وهذا ملموس من قول الله تعالى : { ... وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ ... (58)} [النور] كذلك الثياب هي ما يستر بها ظاهر البدن وعاليه وخارجه وظاهرة للعيان ، إذن الثوب ما يستر ظاهر البدن وخارجه ألا ترى لقول الله سبحانه : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ... (21)} [الإنسان] ، وقوله عز وجلّ : { ... وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ... (7)} [نوح] وقوله تقدست أسماؤه : { ... أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ... (5)} [هود] .
ووضع الثياب يكشف عن فتنة ، والمرأة كلها فتنة ولهذا جاء معها لفظ { ثِيَاب } كما دل على ذلك قوله جل ثناؤه : { ... فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ... (60)} [النور] ولم يقل لباسا ، ثم أن القرآن يستخدم مع لفظ { ثِيَاب } الفعل { يَضَع } ، وهذا يدل على السهولة والتكرار كما دلت عليه آية النور السابقة وقوله تعالى : { ... وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [الحج]،[فاطر] هذا من كمال نعيم أهل الجنة ، فاللباس الداخلي حرير فما بالك بالثياب !!

ثانياً : اللباس
جاء عند ابن فارس في مقاييس اللغة : (لبس) اللام والباء والسين أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على مخالَطَة ومداخَلة ، وجاء عند الراغب في المفردات : واللباس ما يلبس وهو ما يغطي القبيح ويستره قال تعالى :
{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ... (26)} [الأعراف] ،
وعند بعض أهل اللغة : اللباس من اللبس وهو شدة اختلاط الأمر ، قال سبحانه : { ... وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ (9)} [الأنعام] أي خلطنا ، وهذا يعني أن اللباس مخالط للجسم ،وهذه المعاني ظاهرة من قول الله عز وجلّ : { ... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ... (187)} [البقرة] فالآية توحي لمعنى الملابسة وشدة المخالطة، كذلك قول الله تقدست أسماؤه : { يُوَارِي سَوْآتِكُمْ (26)} [الأعراف] تؤكد ما قاله الراغب في تعريفه من تغطية معنى القبيح وستره وهذا نلمحه من قوله جل ثناؤه : { يُوَارِي } ، والتواري لا يكون إلا حياءً ، واستخدم القرآن مع اللباس لفظ { يَنْزِع } وهو لفظ يوحي بالشدة والمشقة وهذا ما يناسب اللباس لأنه داخلي يلاصق الجسم كما في قوله جلّ وعلا : { ... يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا ... (27)} [الأعراف] ، ومن بديع تعبير القرآن قوله تعالى : { ... فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)} [النحل] ، فجعل الجوع والخوف لباسا لهم ملاصقا بهم من جراء كفر النعمة جزاء وفاقاً ،

أما من ناحية صوتية فنجد أن اللام في (لبس) من صفاتها الإذلاق أي التصاق اللسان في الأضراس العلوية وهذا المعنى الصوتي يعضد ويشد ويعزز المعنى اللغوي ولا ريب

أسأل الله العظيم منزل الكتاب أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وأحزاننا وقائدنا إلى جنات النعيم
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد


{ الصُّبحُ } و { الْإِصْبَاح } و { صَبَاحُ }

كل هذه الكلمات ذات معنًى واحد، وتعني كلها أوّل النهار وشطره، لكن لكل كلمة دلالة

* الصبح بدايته { وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)} [المدثر] ، { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)} [التكوير] ، يعني أوّله
{ ... إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)} [هود] أي البداية؛ لذا نزل بهم العذاب في الإشراق

* الإصباح الدخول فيه : { فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ... (96)} [الأنعام]
في الحديث ( اللهم بك أصبحنا ) أي أنت يا رب سبب الإصباح
قال سيبويه: أَصْبَحْنا وأَمْسَينا أَي صرنا في حين ذاك
وفي التنزيل { ... فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)} [المائدة] ، دخلوا في وقت الإصباح خاسرين

* الصَّباحُ يقابله المساء : { ... فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ (177)} [الصافات]
جاء في لسان العرب : والصباح نقيض المساء
فإذا كان المساء أول الليل، فإن الصباح أول النهار وهو شطر اليوم
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

الدلالة اللفظية لكلمة { الْأُمِّيّ } في التنزيل وأقوال المفسرين فيها


يقول المولى عز وجل في وصف نبيه عليه السلام في سورة الأعراف :
{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ ... (157)} ،
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : وهكذا كان، صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا إلى يوم القيامة، لا يُحْسِن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : الأمي هو المنسوب للأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها لا تقرأ ولا تكتب
وحينما جاء جبريل عليه السلام للنبي عليه السلام في الغار وقال له ( اقرأ, فقال: ما أنا بقارئ ) والحديث في البخاري

وجاء في البخاري : قال عليه الصلاة والسلام : ( نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ...)
ويقول الحق جل شأنه مقررا حال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :
{ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)} [العنكبوت]
قال ابن كثير رحمه الله : قد لبثت في قومك -يا محمد -ومن قبل أن تأتي بهذا القرآن عُمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة، بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب
وصفة { الْأُمِّيَّ } للرسول صلى الله عليه وسلم هي صفة كمال فيه ، كما هي صفة نقص في غيره من الأمة
ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب ويقرأ لأصبح هنالك شك وريب عند المبطلين في قضية القران الكريم في صدق الرسول عليه الصلاة والسلام من عدمه ، ولكن لا حجة لهم بذلك ، لأن هذه الصفة { الْأُمِّيّ } قطعت الطريق والحجة على كل من لديه شك أو ريب في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الوحي
وقد وصف الله تعالى هذه الأمة بقوله :
{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ... (2)} [الجمعة] ،
إذا الرسول صلى الله عليه وسلم من الأميين ، قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية : الأميون الذين لا يكتبون . وكذلك كانت قريش
وكانت اليهود تتعالى على العرب بقولها : { ... ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ... (75)} [آل عِمران] ، جاء عند ابن جرير عن ابن عباس قال : وذلك أن أهل الكتاب كانوا يقولون : ليس علينا جناح فيما أصبنا من هؤلاء ، لأنهم أميون

وصفوة الكلام أن تفسير { الْأُمِّيّ } هو الذي لا يقرأ ولا يكتب كما قرره علماء التفسير وعلماء اللغة ، وليس لهذا التفسير صارف عن هذا المعنى وهذا التحقيق لا كما يدعيه المبطلون من العقلانيين وغيرهم من أن تفسير { الْأُمِّيّ } نسبة إلى أم القرى فلم يقل بهذا التفسير أحد من أهل التفسير المعتبرين من السلف والخلف

أسأل الله تعالى أن ينفع بما علمنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ }

قال الله تقدس اسمه في شأن النصارى : { ... فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... (14)} [المائدة] ، جاء عند ابن جرير : حَرَّشْنَا بَيْنهمْ وَأَلْقَيْنَا , كَمَا تُغْرِي الشَّيْء بِالشَّيْءِ قال ابن كثير : وَلِذَلِكَ طَوَائِف النَّصَارَى عَلَى اِخْتِلَاف أَجْنَاسهمْ لَا يَزَالُونَ مُتَبَاغِضِينَ مُتَعَادِينَ يُكَفِّر بَعْضهمْ بَعْضًا وَيَلْعَن بَعْضهمْ بَعْضً

وقال في فتح القدير : أي ألصقنا ذلك بهم ، مأخوذ من الغراء : وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه يقال غري بالشيء يغرى غرا بفتح الغين

ومن خلال أقوال المفسرين نجد أن العداوة والبغضاء بين طوائف النصارى على اختلافهم مغراة وملصقة تمامًا لا انفكاك لها ولا انفصام بينهم والضراوة والشراسة على أشدها واقعة بينهم ، والواقع والزمان والتأريخ حافل بهذا

والاختلاف بين النصارى ليس له حد ولا يتمثل بشيء واحد بل هو واقع في كل شيء وهو أشد مما يقع بين اليهود لذا قال الله تعالى فيهم { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ } وقال في اليهود : { ... وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ... (64)} [المائدة]

فاختلفت النصارى في ذات الله جل جلاله على أقوال معلومة : { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ... (73)} [المائدة] ، واختلفت النصارى في نبيهم عيسى عليه السلام على أقوال أيضا وكل يزعم أن الحق معه : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } ، واختلفوا كذلك في كتابهم المقدس الإنجيل (العهد الجديد) فلا تكاد تصدق في عدد الأناجيل الموجودة اليوم في أيدي النصارى ، وثمة اختلاف كبير وجدل واسع في ميلاد الميسح اليوم بين قداس الميلاد ورجالات الكنيسة ، فلا أحد يستطيع تحديد ميلاد متفق عليه للمسيح لهذا اختلفت أعيادهم اليوم كم نرى، ومن نافلة القول أقول اختلاف النصارى في الواقع السياسي وما أسفرت عنه من حروب ضارية كالحرب العالمية الأولى والثانية وما خلفته من ضحايا لا حصر لها !

كل هذا وغيره هو تفسير قوله تعالى : { ... فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... (14)} [المائدة]

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ }


معركة بدر الكبرى وردت في سورتي آل عمران والأنفال وسماها القرآن الكريم بأسماء:

{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)} [آل عِمران]


{ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ... (41)} [الأنفال] ،

{ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)} [النمل] ،

الردف هو يوم بدر : { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ (16)} [الدُخان]

جاء الحديث موجزًا عن معركة بدر في سورة آل عمران منّة وتفضلا من الله تعالى وتذكيرًا لهم بنعمته على عباده المؤمنين ، جاء عند البغوي رحمة الله في معالم التنزيل: يذكر الله تعالى في هذه الآية مِنَتَهُ عليهم بالنصرة يوم بدر : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ }

(بدر) موضع بين مكة والمدينة،هو أقرب للمدينة جاء عند ابن جرير رحمة الله تعالى عن الشعبي قال: إنما سمي بدرًا، لأنه كان ماء لرجل من جهينة يقال له بدر، وأنكر ذلك أخرون .

{ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ } الواو في الآية هي واو الحال، والجملة حالية فقد كان حال المسلمين في بدر ضعيفًا مقارنة بحال الكفار الذين يفوقونهم عددًا وعدةً : { إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ... (49)} [الأنفال] ، فالله تعالى يمتنّ على عباده أن أظفرهم على عدوهم.


معركة بدر الكبرى وقعت في 17 رمضان من السنة الثانية من الهجرة، وانتصر المسلمون فيها انتصارًا ساحقًا، مع ضعفهم وهوانهم على الناس لذا قال الله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } والشكر للمنعم والمتفضل على آلائه علامة محبته تعالى وموجب للمزيد من نعمه

شاركت الملائكة في معركة بدر الكبرى : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ (124)} [آل عِمران]
قال الشنقيطي رحمه الله تعالى: هذه الآية تدلّ علَى أَنّ المددَ من الملَائكة يوم بدرٍ من ثلاثة آلَاف إلى خمسة آلَاف .

شاركت الملائكة بالقتال مع النبي عليه السلام في:
*غزوة بدر : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ... (12)} [الأنفال]

*غزوة أحد، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص
*غزوة الأحزاب : { ... فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ... (9)} [الأحزاب]

* غزوة حنين { ... وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ... (26)} [التوبة]
 
التعديل الأخير:
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

ومن منازل { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } منزلة التبتل

قال الله تعالى : { وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)} [المزمل]

والتبتل الانقطاع . وهو تفعل من البتل وهو القطع .

وسميت مريم عليها السلام البتول لانقطاعها عن الأزواج ، وعن أن يكون لها نظراء من نساء زمانها .
ففاقت نساء الزمان شرفا وفضلا . وقطعت منهن .

ومصدر بتل تبتلا كالتعلم والتفهم ، ولكن جاء على التفعيل - مصدر تفعل - لسر لطيف .
فإن في هذا الفعل إيذانا بالتدريج والتكلف والتعمل والتكثر والمبالغة . فأتى بالفعل الدال على أحدهما ، وبالمصدر الدال على الآخر .

فكأنه قيل : بتل نفسك إلى الله تبتيلا ، وتبتل إليه تبتلا . ففهم المعنيان من الفعل ومصدره . وهذا كثير في القرآن . وهو من أحسن الاختصار والإيجاز .

مدارج السالكين - ابن القيم
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد


بعض صفات المنافقين في القرآن الكريم


هذه بعض صفات المنافقين الواردة في كتاب الله تبارك وتعالى ، جمعتها مع الاستشهاد من القرآن الكريم ، وقد جاءت في التنزيل كثير من صفات المنافقين ليبين الله تبارك وتعالى حجم خطورتهم في المجتمع الإسلامي

من صفات المنافقين الكذب فهو مهنتهم وديدنهم ، قال الله فيهم
{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)} [البقرة] ، وقرئت (يكذّبون) بتضعيف الذال ،
وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام : (إذا حدث كذب)

ومن صفات المنافقين أنهم قد خُتم على قلوبهم فلن ينتفعوا بهدى ولا إيمان فقد قال الله تعالى فيهم :
{ ... سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ... (7)} [البقرة]

ومن صفات المنافقين البخل وعدم الإنفاق فقد قال الله فيهم :
{ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76)} [التوبة]

ومن صفات المنافقين يبحثون عن رضا الناس ولا يهمهم رضى الله تعالى ، فقد قال الله تعالى فيهم:
{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)} [التوبة]

ومن صفات المنافقين إثارة الفتنة والبلبة وتثبيط المؤمنين حال الجهاد فقد قال الله تعالى فيهم :
{ لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)} [التوبة]

ومن صفات المنافقين حذرهم وتوجسهم من انكشاف أمرهم فقد قال الله تعالى فيهم :
{ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64)} [لتوبة]

ومن صفات المنافقين الخيانة والغدر والخسة ، فقد قال الله تعالى فيهم :
{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)} [البقرة]

ومن صفات المنافقين الاستكبار والتعالي على المؤمنين فقد قال الله تعالى فيهم :
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (5)} [المنافقون]

ومن صفات المنافقين لمز المؤمنين في الصدقات فقد قال الله فيهم:
{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ... (79)} [التوبة]

ومن صفات المنافقين كرههم للإنفاق في سبيل الله ، فقد قال الله فيهم :
{ ... وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)} [التوبة]

ومن صفات المنافقين مجيئهم للصلاة وهم كسالى فقد قال الله فيهم :
{ ... وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ ... (54)} [التوبة]

ومن صفات المنافقين كثرة الحلف في كلامهم فقد قال الله فيهم :
{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ... (62)} [التوبة] ، { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ... (96)} [التوبة]

من صفات المنافقين الإرجاف في المؤمنين حال الأزمات فقد قال الله فيهم :
{ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ... (168)} [آل عِمران]

ومن صفات المنافقين أنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ، فقد قال الله تعالى فيهم :
{ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ... (67)} [التوبة]

ومن صفات المنافقين كثرة تعللهم حال الحرب فهم جبناء ، فقد قال الله تعالى فيهم:
{ ... يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)} [الآحزاب]

ومن صفات المنافقين لا يستقرون على عقيدة ولا دين ، فقد قال الله تعالى فيهم :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)} [النساء]

ومن صفات المنافقين موالاتهم للكفار ابتغاء العزة ، فقد قال الله تعالى فيهم :
{ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)} [النساء]

ومن صفات المنافقين أنهم أهل خداع ومراوغة ، فقد قال الله تعالى فيهم :
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ... (142)} [النساء]

لهذه الصفات ولغيرها مما وصفهم القرآن الكريم بها كان مثواهم قعر جهنم جزاء وفاقا لهم نعوذ بالله :
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء]

أسأل الله تعالى بمنه وجوده وعظمته أن يعصمنا من النفاق

وصلى الله على نبينا محمد
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

معاني الفعل { هَلَكَ } في القرآن الكريم


1- يأتي على معنى زال وفنيَ:
{ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)} [الحاقة] أي زال،
{ ... كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)} [القصص]

2 - يأتي على معنى عذّب وعاقب:
{ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ (208)} [الشعراء] ، أي عذّبنا

3- يطلق على من مات وليس له ذرية وعقِب:
{ ... إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ... (176)} [النساء] ،
{ ... حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ... (34)} [غافر]​
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

‏متى تكتب { امْرَأَة - امْرَأَتُ } في القرآن الكريم؟


كل امرأة أضيفت إلى بعلها تكتب بالتاء المفتوحة، وجاءت في هذه المواضع:
{ امْرَأَتُ عِمْرَانَ }
{ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ }
{ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ }
{ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ }
{ امْرَأَتَ نُوحٍ }
امْرَأَتَ لُوطٍ }
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ... (11)} [التحريم]

أما إذا جاءت بدون إضافة فتكتب مربوطة:
{ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ... (128)} [النساء]
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد


اختلاف الزوجان في التماثل


‏إذا اختلف الزوجان في التماثل، فإن ‎القرآن الكريم يطلق على الزوج: بعلا
{ ... وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ... (72)} [هود] ، اختلاف في الإنجاب
{ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ... (128)} [النساء] ، مشاكل أسرية
{ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ ... (228)} [البقرة]

وكذلك يطلق القرآن الكريم على الزوجة: { امْرَأَة }
{ وامرأتي عاقر } ، مشكلة في الإنجاب
{ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ } ، اختلاف في الدين
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم


الشيخ صالح بن عبد الله التركي





بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد



{ لَعَلَّ }



{ لَعَلَّ } : هي من أخوات إن تنصب المبتدأ وترفع الخبر ولها معانٍ في القرآن الكريم، منها:

الترجي : وهو حصول شيء محبوب كقوله تعالى : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)} [الشعراء] ،

قال سيبويه: إنَّ معنى { لَعَلَّ } في القرآن هو الترجِّي أو الإشفاق .

التعليل : قال سبحانه : { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} [طه]

{ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } في سياق النعم الموجبة للشكر
{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } في سياق حدود الله وإقامة شرعه
{ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } في سياق هدى الله تعالى والأخذ به
{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } في سياق أخذ العظة والعبرة من آياته
{ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } في سياق الآيات الموقظة للعقل
{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } في مجاهدة النفس في أوامر الله
{ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } في سياق عواقب الأمور
{ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } في سياق التدفئة
{ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } في سياق البقاء والخلود في الدنيا
{ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } في سياق استنزال رحمة الله تعالى
{ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } في طلب النصر والغلبة
 
التعديل الأخير:
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد


{ إِنَّمَا المُشرِكونَ نَجَسٌ }


*قال السعدي :*
( أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم ، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع الله آلهة لا تنفع ولا تضر ، ولا تغني عنهم شيئًا ؟ !
وأعمالهم ما بين محاربة لله ، وصد عن سبيل الله ، ونصر للباطل ، ورد للحق ، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح .)

*قال ابن عاشور :*
( فالمشرك نَجَس لأجل عقيدة إشراكه....
والمَقْصُودُ مِن هَذا الوَصْفِ لَهم في الإسْلامِ تَحْقِيرُهم وتَبْعِيدُهم عَنْ مَجامِعِ الخَيْرِ ، ولا شَكَّ أنَّ خَباثَةَ الِاعْتِقادِ أدْنى بِصاحِبِها إلى التَّحْقِيرِ مِن قَذارَةِ الذّاتِ....)

*قال ابن القيم :*
( كلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث [أي الزنا واللواط] فيه أكثر ، وكلما كان أعظم إخلاصًا كان منها أبعد )

*قال ابن عثيمين :*
( ‏طهارة القلب من الشرك في عبادة الله والغل والبغضاء لعباد الله المؤمنين ، وهي أهم من طهارة البدن بل لا يمكن أن تقوم طهارة البدن مع وجود نجس الشرك ...
قال النبي صلى الله عليه وسلم :«إن المؤمن لا ينجس»)

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }

"بين سبحانه حقيقة الإخبات ووصف المخبتين...
فذكر للمخبتين أربع علامات :

1 ـ وجل قلوبهم عند ذكره، والوجل خوفٌ مقرونٌ بهيبة ومحبة.
2 ـ وصبرهم على أقداره.
3 ـ وإتيانهم بالصلاة قائمة الأركان ظاهرًا وباطنًا.
4 ـ وإحسانهم إلى عباده بالإنفاق مما آتاهم".

ابن القيم | شفاء العليل
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُم }​


قال الله تقدس اسمه في شأن النصارى { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُم } جاء عند ابن جرير : حَرَّشْنَا بَيْنهمْ وَأَلْقَيْنَا , كَمَا تُغْرِي الشَّيْء بِالشَّيْءِ قال ابن كثير : وَلِذَلِكَ طَوَائِف النَّصَارَى عَلَى اِخْتِلَاف أَجْنَاسهمْ لَا يَزَالُونَ مُتَبَاغِضِينَ مُتَعَادِينَ يُكَفِّر بَعْضهمْ بَعْضًا وَيَلْعَن بَعْضهمْ بَعْضً

وقال في فتح القدير : أي ألصقنا ذلك بهم ، مأخوذ من الغراء : وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه يقال غري بالشيء يغرى غرا بفتح الغين

ومن خلال أقوال المفسرين نجد أن العداوة والبغضاء بين طوائف النصارى على اختلافهم مغراة وملصقة تمامًا لا انفكاك لها ولا انفصام بينهم والضراوة والشراسة على أشدها واقعة بينهم ، والواقع والزمان والتأريخ حافل بهذا

والاختلاف بين النصارى ليس له حد ولا يتمثل بشيء واحد بل هو واقع في كل شيء وهو أشد مما يقع بين اليهود لذا قال الله تعالى فيهم : { فَأَغْرَيْنَا } وقال في اليهود : { وَأَلْقَيْنَا ... (64) [المائدة]}

فاختلفت النصارى في ذات الله جل جلاله على أقوال معلومة { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ... (73)} [المائدة]، واختلفت النصارى في نبيهم عيسى عليه السلام على أقوال أيضا وكل يزعم أن الحق معه { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ...} [مريم ، الزخرف] ، واختلفوا كذلك في كتابهم المقدس الإنجيل (العهد الجديد) فلا تكاد تصدق في عدد الأناجيل الموجودة اليوم في أيدي النصارى ، وثمة اختلاف كبير وجدل واسع في ميلاد الميسح اليوم بين قداس الميلاد ورجالات الكنيسة ، فلا أحد يستطيع تحديد ميلاد متفق عليه للمسيح لهذا اختلفت أعيادهم اليوم كم نرى، ومن نافلة القول أقول اختلاف النصارى في الواقع السياسي وما أسفرت عنه من حروب ضارية كالحرب العالمية الأولى والثانية وما خلفته من ضحايا لا حصر لها !

كل هذا وغيره هو تفسير قوله تعالى: { ... فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... (14)} [المائدة]

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ مِنْ حَيْثُ ، حَيْثُ }


الفرق بين { مِنْ حَيْثُ ، حَيْثُ } في البيان والتعبير القرآني مع المثال من القرآن:

* بداية { حَيْثُ } ظرف مبني على الضم في محل نصب مفعول فيه ، وهو ملازم للإضافة ، وقد يكون ظرف زمان تارة وقد يكون ظرف مكان تارة أخرى بحسب ما يضاف له ،

* أولا : من حيث هذا الظرف سبق بـ { مَنْ } الجارة ومع ذلك بقي على بنائه ، و { مِنْ } هنا هي للإبتداء فلما دخلت على { حَيْث } حددته وقيدته فجاء السياق فيه تقييد وتحديد للظرف المقصود الحديث عنه كقوله تعالى: { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم ... (68)} [يوسف] أي أنهم دخلوا من الجهة التي حددها أبوهم لهم ولم يخالفوه فيها ، وكقوله سبحانه: { أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (45)} [النحل] أي من مكان وجهة لم يتوقعوها وهذا مكر بهم ، وقوله جل شأنه في سورة الأعراف: { ... فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا ... (19)} ففيه تقييد للمكان لأن آدم عصى ربه في الأعراف ، بخلاف ما جاء في سورة البقرة : {... وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا ... (35)}.

* ثانيًا : { حَيْثُ } التي لم تُسبق بـ { مَنْ } فهي مطلقة لم تُحدد
وهذا هو المعنى البياني العام لها ، كما قال تعالى في البقرة عن آدم عليه السلام : { ... وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا ... (35) فالأكل مطلق من جميع النواحي
وقوله تعالى { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ... } [البقرة ، النساء] فالقتل لم يُحدد بمكان أو بقعة أو قطر بل أين وجدوا فهم يُقتلون فالأمر بالقتل مطلق ، وكقوله تعالى : { ... اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ... (124)} [الأنعام] فلم يُحدد لرسالات الله مكانٌ وذلك لحكمة اقتضاها الله.

إذن هنالك فرق دقيق لطيف في التعبير القرآني في توظيف هذين اللفظين ، فليسا بمنزلة واحدة وهذا يدل على عظمة كتاب الله تعالى

أسأل الله أن ينفعنا علمنا ، والله أعلم
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

اختلاف تنوع القسم بالليل


1 ـ { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)} [المدثر]
سياق انكشاف وانجلاء ، ألا ترى أن تعالى قال بعدها { وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)} وقرئت {إذا أدبر}

2 ـ { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)} [التكوير]
سياق انتشار بكل جزئيات الكون ، ألا ترى أن تعالى قال بعدها { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)}

3 ـ { وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)} [الإنشقاق]
سياق اجتماع واكتمال، ألا ترى أن تعالى قال بعدها { وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)} أي اكتمل نوره

4 ـ { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)} [الفجر]
سياق طغيان وتعدٍ؛ لأن تعالى قال بعدها { الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11)} والليل تعدى بسريانه على النهار، وقال سبحانه بعدها: { وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)} بسبب تعديه

5 ـ { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} [الليل]
سياق اختلاف وتنوع وتغطية ؛ لأن تعالى قال بعدها { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} أي مختلف

6 ـ { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)} [الضحى]
سياق سكون وتوقف، وذلك لمّا توقف وفتر الوحي عن رسول الله عليه السلام بمكة المكرمة.

كل لفظة وكلمة خدمت سياقها وجاءت في إطار المعنى العام، فلا ترادف في كتاب الله تعالى ولا تكرار .
وهذا يعرفه كل من أوتي حظًا من علم العربية. والتعبير القرآني يظهر جماله من خلال هذا العرض السريع.
والله أعلم بمراده
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ عَاقِر ،عَقِيم }

الفرق بين { عَاقِر ، عَقِيم } :
كلاهما جاء في القرآن الكريم، وورودهما في ‎القرآن يعني أن هنالك فرقًا بينهما؛ لأنه لا مكان للترادف في التعبير القرآني .
‏العاقر والعقيم حالتان يتعذر معهما الإنجاب، لكن بينهما فرقًا
العاقر: حالة مرجوة وينفع معها العلاج وقابلة للصلاح
العقيم: حالة ميؤوس منها تمامًا فلا يمكن أن ينفع معها شيء .
‏العاقر: حالة خلل ومشكلة في عملية الإنجاب وهي قابلة للصلاح
يقول تعالى عن امرأة زكريا : { وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ... (40)} [آل عِمران]، { وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ... (5) ، (8)} [مريم] ،
ثم قال تعالى في موطن آخر من القرآن في سورة الأنبياء : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ... (90)}
إذًا العاقر قابلة للصلاح والعلاج وهي مرحلة وقتيه فحسب.

العقيم: اليبس المانع من قبول الأثر (مفردات القرآن) للأصفهاني ، ومعنى هذا أن العقم ميؤوس من شفائه، فلا إنجاب مع العقم.
‏العقيم: كما ذكرت حالة ميؤوس منها
يقول تعالى عن امرأة إبراهيم عليه السلام :
{... وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)} [الذاريات] ، وقال عنها أيضا : { قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)} [هود] .
تأملوا معي في هذه الحالة المعقدة التي لا يمكن أن ينفع معها أي علاج سوى قدرة الله تعالى الذي يقول للشيء { كُن فَيَكُون }.
‏قال إمام اللغة الخليل رحمه الله: والرِيحُ العقيمُ: التي لا تلقح شجرا ولا تنشىء سَحابًا ولا مَطَرًا. (معجم العين)
‏إذا نظرنا للكلمتين من حيث الدلالة الصرفية وجدنا أن:
عقيم : على وزن فعيل تفيد ثبوت الصفة في نفس صاحبها
وهذا يعني أنها لن تتبدل !
أما عاقر: اسم فاعل فهي صيغة قابلة للتبدّل والتغيّر
مما يعني أن العاقر حالة ليست ثابتة !
‏لعلنا ننظر في الكلمة وورودها في القرآن تأكيدا لما ذكرت :
قال تعالى : { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)} [الحج] أي ليس بعده يوم
وقال أيضا : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)} [الذاريات]
لم تترك شيئا نافعا بعدها ألا ترى ما بعدها : { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)}
‏لا جرم أن العقيم حالة ميؤوس منها، والعاقر حالة مرجوة بالعلاج
وعليه أقول لمن قال: إن امرأة إبرهيم عليه السلام ولدت مع العقم
أقول: أن قدرة الله تعالى تجلت بالحالة الممتنعة التي لا يقدر عليها إلا الله !
‏ ومن نافلة القول أن الحالة الصوتية للكلمتين التي تعزز هذا التحليل:
عاقر: في حالة نطقها يبقى الفمّ مفتوحا، فالحالة فيها انفتاح
عقيم: في حالة نطقها يبقى الفمّ مغلقًا تمامًا، وهذا تناظر في اللغة بين الصوت والمعنى .
 

سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

*سورة طه وموضوعها*


سورة طه موضوعها الرئيس والعلم لله عزَّ وجل أنه :

لا شقاء مع القرآن ( الذكر ) أو
ذكر الله النجاة من الشقاء

السورة عالجت هذا الموضوع بالمزج بين قصة آدم والغرض من القرآن الكريم

فآدم ادخل الجنة وكاد يستمر في النعيم ويسلم من شقاء الدنيا
ولكنه زل بأكل الشجرة التي نهي عنها والتي وسوس له الشيطان انها شجرة الخلد
فخرج من النعيم وانزل الارض والدنيا وشقائها بعد ان قل عزمه عن العهد الذي اخذه الله عزوجل عليه من عدم قرب الشجرة والاكل منها
وانزل عليه الهدى في الارض حتى يكون سببا للعودة للجنة ونعيمها

وعرجت بالبداية ايضا على قصة بني اسرائيل حيث بعث لهم موسى بالذكر ( التوارة ) ليخرجهم من شقاء الجهل وشقاء الذل والهوان والاستعباد وحصل لهم هذا ولكنهم تنكبوا الطريق باتباعهم العجل واستمروا من تنكب عن الذكر المنجي من الشقاء الى تنكب اخر حتى تنكبوا عن طريق اتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبسبب هذا التنكب حل عليهم شقاء الدنيا قبل شقاء الاخرة.

وهكذا القرآن نزل على نبينا ولامته من بعد موسى عليه السلام حتى يدلهم على طريق الخروج من الشقاء والسير في طريق الوصول الى الجنة ورضا الرحمن حيث نعم الاخرة

وابرز هذا الهدى الذي جاء به الذكر ( القرآن ) :
_توحيد الله والعبودية له وفق لا اله الا الله
_ اقام الصلاة لذكر الله عزوجل
_ مداومة ذكر الله كثيرا في كل حال
_ التزام هذا القرآن والعهود والمواثيق التي فيه من احكام وشرائع وآداب وهدى فهي من ذكر الله عزوجل
هذا هو طريق النعيم والسلامة من شقاء الدنيا والاخرة

فمن داوم على عبادة الله والصلاة والذكر تنعم بالدنيا بمعية الله عزوجل وحفظه ولطفه وعنايته ورعايته كما حصل لنبينا وصحبه وحصل لموسى عليهم الصلاة والسلام ومن اتبعهم باحسان.

والناظر لامتنا يرى كيف خرجت امتنا من نعيم اتباع هذا القرآن حيث نالت باتباعه العزة في هذه الدنيا والنعيم بذكر الله وعبادته وآثارها العظيمة عليهم من العز والسؤدد الى واقعنا اليوم من الذل والهوان وصدق نبينا لا خروج من هذا الذل الا بالعودة لديننا ( حتى ترجعوا لدينكم ) وما الدين الا اتباع القرآن ( الذكر )

والغاية الاعظم سواء على مستوى الفرد او الجماعة او الامم ان من نال نعيم الدنيا بالتزام القرآن والذكر حيث لا شقاء معه ونعيم الدنيا هي البشرى الاولى وسينال نعيم الاخرة جزاء التزامه ورحمة من ربه عزوجل حيث البشرى الثانية بشرى الاخرة رضا الرحمن والجنة.

فالله الله دونكم كتاب ربكم حتى لا تشقوا في الدنيا ولا في الاخرة.
 
التعديل الأخير:
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ وَاللَّيْل }


قال تعالى :
{ وَالْفَجْرِ } { وَاللَّيْل } { وَالضُّحَىٰ } { وَالْعَصْرِ }
تنوع القسم بأوقات مختلفة ومخلوقات كثيرة في ‎القرآن الكريم ، فلله أن يقسم بما شاء من خلقه، أما الإنسان فلا يجوز له أن يقسم إلا بالخالق وهو ‎الله العظيم.‌‎

* { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)} [المدثر] أي ولّى، وهو سياق انكشاف بتوليه وإدباره،
ألا ترى قال تعالى بعدها { وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)} وقرئت { إذا أدبر }

* { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)} [التكوير] سياق انتشار وبحث ،
ألا ترى قال سبحانه بعدها { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)} فالصبح انتشر وعم الأرض بتنفسه.

* { وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)} [الإنشقاق] سياق اجتماع واكتمال ،
ألا ترى قال عزَّ وجلَّ بعدها { وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)} أي اكتمل نوره.

* { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)} [الفجر] سياق طغيان وتعدٍ؛
لأنه سبحانه قال بعدها { الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11)} والليل تعدى بسريانه على النهار، وقال تعالى { وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)} بسبب تعديه وانفلاته في الحياة.

* { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1)} [الليل] سياق اختلاف وتنوع؛
لأنه عزَّ وجلَّ قال بعدها { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)} أي مختلف.

* { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ (2)} [الضحى] سياق سكون وتوقف، وذلك لمّا توقف وفتر الوحي عن رسول الله عليه السلام بمكة المكرمة.

كل لفظة وكلمة خدمت سياقها، وجاءت في إطار المعنى العام، وصورت حالة من حالات الليل
وهذا يدفع عن القرآن الكريم تهمة الترادف والتكرار
وهذا من بديع التعبير القرآني.


 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }


الْوَعْد : هو يوم القيامة
جاءت هذه الآية ست مرات ، كل مرة يأتي معها أحد ملامح وأوصاف هذا الوعد العظيم !
* في سورة يونس { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (18)}
ثم جاء بعدها { قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ... (19)}
من سمات هذا الوعد وهو يوم القيامة أنه لا أحد ينفع أحدًا ولو بحسنة
{ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... (3)} [سورة الممتحنة]

* في سورة الأنبياء : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)}
ثم جاء بعدها { لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (39)}
من سمات هذا الوعد أن العذاب واقع بهم لا محالة ولو علم هؤلاء لما استعجلوا ولما استهزأوا به واستخفوا بوقوعه { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)} [سورة الطور]

* في سورة النمل { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (71)}
ثم جاء بعدها { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)}
من سمات هذا الوعد أنهم استعجلوا هذا اليوم، فجعل الله تعالى يوم بدر ردف لهم، فيوم بدر عجّل برحيلهم للآخرة وقربهم لهذا اليوم العظيم { فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (14)} [سورة النازعات]

* في سورة سبأ { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (29)}
ثم جاء بعدها { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)}
من سمات هذا الوعد أنه محدد الوقوع عند الله تعالى لا يستقدم ولا يستأخر، وهذا هو يوم الفصل
الذي أجلت له الخلائق { ... ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (107)} [سورة هود]

* في سورة يس { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)}
ثم جاء بعدها { مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)}
من سمات هذا الوعد هي مجيء الصيحة في الدنيا وهم يختصمون أشد الاختصام في الدنيا
{ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } فيوم الوعد يسبقه صيحة في الدنيا تنهيهم جميعا.

* في سورة الملك { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (25)}
ثم جاء بعدها : { قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (26)}
من سمات هذا اليوم أنه لا يعلم وقوعه إلا الله سبحانه، فقد أخفاه الله تعالى حتى عن النبي
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ... (187)} [سورة الأعراف]، { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15)} [سورة طه]

وبهذا التوجيه للآيات الآنفة يتبين لنا أنه لا تكرار في كتاب ربنا جل شأنه، وإنما ترددت هذه الآيات الست لغرض بياني اقتضاه السياق القرآني في وصف هذا الوعد العظيم وبيان سماته. فكل آية منهن تشخّص لنا هذا اليوم، هوله، وقته، علامته، تحديده، علمه، صفته
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى