سلسلة من لطائف القرآن الكريم / الشيخ صالح التركي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,781
التفاعل
17,898 114 0
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :
سورة القَمَر

عندما نتدبر سورة القمر ونتأملها ونتجول بين فصولها ومشاهدها نجد أنها تتميز بجزالة ألفاظها ، وفخامة معانيها ، وقوة مقاطع صوتها ، وشدة نبرتها ، وهذا لا جرم ولا ريب أنه ضرب من ضروب الإعجاز ولون من ألوان التحدي وجهه الله لمن تربع على عرش اللغة العربية ولفرسان البيان وجهابذة الفصاحة ، واستعراض فريد غير مسبوق له في ميدان التحدي لأهل العربية.

وفي الوقت ذاته هي سورة تحمل صبغة التهديد وطابع الوعيد بين طياتها ، وتصور نهاية التجبر وعاقبة الاستهتار، ومصارع المكذبين ، لمن استخف برسل الله تعالى ، مع استعراض صور الدمار والهلاك ، وتعيد المرة تلو المرة وتذكر وتعظ المشركين الذين كذبوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وتحذرهم عذاب الله : { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر }

واللافت في سياق السورة عند قراءتها أنه ربما يجد القارئ عناء ومشقة في قراءتها لأول مرة ، وفي نطق بعض كلماتها كقوله :
{ وَدُسُر } ، { كُفِر } ، { مُّدَّكِر } ، { وَسُعُر } ، { أَشِر } ،
حيث تتسم بطابع الشدة في لفظها – كما أسلفت – وهي تمثل أنموذجا ومثالا للقرآن المكي الذي يمتاز عن القرآن المدني بقوة أساليبه ووقوع خطابه في نفسية قارئه ، ويرجع هذا إلى نوعية المخاطبين من أئمة الكفر والجبروت والاستكبار ، ولا يتناسب معهم إلا هذا النوع من الخطاب

وتعتبر السورة بهذا الأسلوب المحكم الرفيع من أقوى السور المكية في كتاب الله تعالى ، بل من أقوى السور على الإطلاق من حيث قوة الخطاب

ومع هذا كله فإن ربنا جل في علاه لم يذكر أنه يسر القرآن وسهله من جميع نواحيه وجعل أمره في متناول الناس على اختلافهم ألسنتهم وألوانهم إلا في سورة القمر ، حتى لا يتسلل لذهن قارئ القرآن وينطبع في خلده أن أمر هذا القرآن شاق عسير، وأنه من الصعوبة بمكان أن يقرأ أو أن يفهم ، أو يحفظ شيء منه ، فقد جاء في ثنايا السورة قوله تعالى : { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر } خمس مرات لتكون تذكرة للقارئ في هذه السورة ، على أن هذا القرآن ميسر من قبل ربنا جل جلاله ، وهذا التيسير الذي عناه الله تعالى لا يتوقف عند حد أو يقيده أمر بل أن التيسير يشمل جميع مسائل هذا التنزيل فهو تيسير في القراءة وتيسير في الفهم وتيسير في الحفظ وتيسير في النطق حتى لغير العرب ...

ولا شك أن القراءة هي على رأس هذا التيسير كله وإلى هذا ألمح القرآن بقوله عز وجلّ :
{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ } لم يقل (الكتاب) إشارة إلى سهولة قراءته وجريانه على كل لسان مهما اختلفت لغته ، فنجد أحيانا مسلمين من أصقاع المعمورة يقرؤون كتاب الله تعالى بأحسن صوت وأعذبه وأجمله ، وفي الوقت نفسه قد لا يستطيع الواحد منهم النطق ولو بكلمة أو لفظ من اللغة العربية بشكل سليم ، فسبحان من يسر كتابه وسهل نطقه !!!​
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :-
سورة الأعراف​

قال المولى جل شأنه على لسان نوح عليه السلام :
{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (62)} [الأعراف]
فقال في سياق قصة نوح عليه السلام { وَأَنصَحُ } بصيغة الفعل الدال على الحدوث والتجدد والانقطاع قال ذلك نوح عليه السلام مخاطبا قومه لأنهم وصفوه قائلين
{ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (60)} [الأعراف].
جاء عند البغوي أي في خطأ وزوال عن الحق وكذا قال غير واحد من المفسرين فقوم نوح يرون أن نوحا في خطأ واضح وبين لما صنع السفينة دون وجود الماء فهم سخروا منه
{ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)} [هود]
فنفى نوح عليه السلام أدنى ضلالة وقال { وَأَنصَحُ لَكُمْ } والإنسان إذا وقع في الخطأ فمن الممكن تصحيح هذا الخطأ وتغييره حتى لا يستمر عليه ، فلما رموا نوحا بالخطأ القابل لتغيير المنقطع غير الثابت قابلهم نوح عليه السلام { وَأنصَحُ } بالصيغة الفعلية التي تدل على التجدد والانقطاع وعدم الاستمرار ذكر هذا بدر الدين بن جماعة في كتابه كشف المثاني.
وجاء عند النيسابوري أن نوحا اعتاد على نصحهم مرة بعد مرة كما قال :
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)} [نوح]
فلما كان على هذه الحال أتى بالفعل الدال على التجدد والحدوث فقابل الحالة غير الثابتة بالفعل غير الثابت
فيا سبحان الله على هذا التعبير.

قال سبحانه على لسان هود عليه السلام :
{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)} [الأعراف]
قال هود عليه السلام لقومه { نَاصِحٌ } بصيغة الاسم الذي يدل على الثبوت والاستمرار وعدم الانقطاع قال ذلك هود عليه السلام لأنهم قالوا له
{ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)} [الأعراف] ،
جاء في البحر المحيط عند أبي حيان أي في خفة حلم وسفاهة عقل
قال ابن قتيبة السفه هو الجهل، وقال الزجاج السفه خفة الحلم، لما وصفوا هودا بهذا الوصف رد عليهم :
{ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (67)} [الأعراف]
فنفى السفه عنه وقال { وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ }
معلوم أن صفة السفه والجهل وخفة الحلم من الصفات الثابتة الدائمة التي لا تتغير إذا كانت عند إنسان لأنها صفة فطرية فلما وصف قوم هود هودا بالصفة الثابتة وهو الجهل والحمق والسفة قابلها هود بالوصف الثابت له الذي لا يتغير وقال: { وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ }
فهو ناصح نصحا مستديما لا ينقطع.
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :-

سورة الرحمن/ الدلالة الببيانية لكلمتي القاصرات ، والمقصورات في التعبير القرآني​


يقول الله تعالى في سورة الرحمن :
{ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)}
وقال جل شأنه أيضا :
{ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)}
فما الفرق بين القاصرات والمقصورات في نعيم تلك الجنان ، وفي التعبير القرآني

بداية الآية الأولى جاءت في معرض الحديث عن الجنتين الأوليين وهي قوله :
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ، والثانية جاءت مع وصف الجنتين الأخريين وهي قوله :
{ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (72)} وهذه الجنان من جملة النعيم الذي أعده الله تعالى لعباده المؤمنين في الآخرة ، وبينهن تفاوت

{ قَاصِرَات } اسم فاعل من الفعل الثلاثي قَصَرَ ، وأما { مَّقْصُورَات } فهو اسم مفعول من الفعل الثلاثي المبني للمجهول قُصِرَ
والمستقر عند أهل العربية أن اسم الفاعل أشرف وأجل من اسم المفعول ، حيث إن اسم الفاعل من فعل مبني للمعلوم ، واسم المفعول من فعل مبني للمجهول ، وعلاوة على هذا اسم الفاعل هو من قام بالفعل فقولنا كاتب هو من فعل الكتابة ، واسم المفعول من فُعِل به الفعل ولم يسند له مباشرة وقولنا مكتوب من فعلت به الكتابة
وهذا التحليل اللغوي ظاهر على معنى الآيتين وجلي واضح ،

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره عند { قَاصِرَات } : قصرن أبصارهن على أزواجهن حور لا ينظرن إلى غير أزواجهن ،
وقال ابن كثير رحمه الله : غضيضات عن غير أزواج

وصفوة الكلام أن من وصفها الله تعالى بقوله: { قَاصِرَات } قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن لغيرهم ولا تمتد أبصارهن لما سواهم وهذا الفعل صادر منهن لكمالهن وفضلهن ولا ريب أنهن أفضل من غيرهن ، وهذا من نعيم الجنتين الأوليين
أما من وصفهن الله تعالى بقوله: { مَّقْصُورَات } فقد قُصرت أبصارهن بفعل فاعل وحُبست لأزواجهن دون غيرهم ،
قال مجاهد رحمه الله : مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ ، وهذا من نعيم الجنتين اللتين من دون السابقتين وشتان بين الوصفين كما هو واضح وظاهر

نسأل الله تعالى من فضله الكريم
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :-

سورة النمل / ما هذه البلاغة والجمال !

كلمة واحدة ..في خمس آيات..تقريبا متتاليات ..وفي كل مرة بمعنى مختلف !!!!
كلمة { نَنظُرْ } ومشتقاتها .

قال تعالى :
{ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)}
{ سَنَنظُرُ } هنا أي "سنتيقن" من صدقك أو كذبك .

{ اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)}
{ فَانظُرْ } هنا أي" فاسمع "ماذا يرددون بعد أن تُلقي إليهم الكتاب .

{ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)}
{ فَانظُرِي } هنا أي "دبري أمرك ".

{ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)}
{ فَنَاظِرَةٌٌ } هنا أي "منتظرة ".

{ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)}
{ نَنظُرْ } هنا أي " نعلم ".
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :-

سورة الشعراء / أصحاب موسى وقوم موسى

لما اشتد الأذى على بني إسرائيل من فرعون أمر الله سبحانه وتعالى كليمه موسى عليه السلام أن يخرج بقومه من مصر قال ابن عباس رضي الله عنه : خرج مع موسى ستمائة ألف ، تبعه فرعون بجنوده حتى اعترض موسى عليه السلام وقومه البحر فرأى كل منهما الآخر فخاف قوم موسى من بطش فرعون ، وصور الله لنا المشهد بقوله تعالى :
{ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)}
لكن موسى عليه السلام كان الواثق بنصر ربه وبوعده :
{ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)}
في هذا الموطن بالذات من القرآن قال الله تعالى : { أَصْحَابُ مُوسَىٰ } ولم يقل : { قَوْم مُوسَى } مع أنها جاءت في القرآن ثلاث مرات فحسب في قوله عز وجلّ :
{ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ... (148)} [الأعراف] ، وقوله :
{ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)} [الأعراف] ، وقوله :
{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ... (76)} [القصص] .
فلماذا جاء التعبير بهذا اللفظ : { أَصْحَابُ مُوسَىٰ } في آية الشعراء ؟

الصاحب عند أهل اللغة هو من لازم صاحبه ورافقه والتصق به التصاقا شديدا زمنا طويلا بحيث يظهر بينهما من الود والمحبة والوئام والتقارب ما لا يظهر في غيرهم
ولو وقفنا برهة على آية الشعراء لوجدنا أن موقف بني إسرائيل يختلف عن بقية المواقف في الآيات المذكورة ، إذا هم في موقف لا يحسدون عليه ولا ينافسهم عليه أحد ، فقد رأوا أنفسهم في مأزق وموقف لا تحمد عقباه في حالة ظفر عدوهم فرعون بهم ، فقد قاب قوسين أو أدنى منهم ، ولذلك أكدوا لموسى : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } فهم بأمس الحاجة للنجاة ، عندها أظهروا من الصحبة والوفاء والمحبة والطاعة ما لم يكن في موقف آخر لشدة حاجتهم لموسى في هذا الظرف الحالك وهذا الموقف العصيب ، وهكذا حال الصاحب مع صاحبه في مثل هذه المواقف
أما بقية الآيات فإنها لا تتساوى ولا تتكافأ قطعا مع موقف آية الشعراء فعندها جاء اللفظ مغايرا عما عليه في الشعراء ، فقال الله فيها : { قَوْم مُوسَى }.

وبالجملة أقول أن كل لفظة جاءت منسجمة متلائمة مناسبة لسياقها التي هي فيه فلا يمكن وضع كلمة بدل الأخرى ،
وهذا من عظيم تعبير القرآن الكريم .
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :-

سورة المؤمنون / { هَيْهَاتَ }
قال الحق تبارك وتعالى : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36)}
قال أهل اللغة : { هَيْهَات } هي اسم فعل بمعنى بعد ، جاء عند ابن جرير رحمه الله تعالى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، فِي قَوْلِهِ : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } ، يَقُولُ : بَعِيدٌ بَعِيدٌ ، فالأولى مستأنفة على تقدير القول ، والثانية توكيد لفظي
والمعنى للآية يقول الكفار : أي بعيد ما توعدون أيه القوم، من أنكم بعد موتكم ومصيركم ترابا وعظاما مخرجون أحياءً من قبوركم، فالكفار يستبعدون كل البعد البعث والنشور من القبور ، فجاءوا بكلمة تحمل البعد في معناها وأكدوا هذا البعد إمعانا وإيغالا في عدم حصوله ووقوعه ، وأن هذا ضرب من الأساطير ليس إلا .
وفي الوقت ذاته هنالك ملمح بياني بديع خلاب ألا وهو التناسب الصوتي مع هذا المعنى للكلمة ، وإن شئت فقل الارتباط الصوتي مع المعنى ، فليس ثمة انفكاك بين الكلمة وصوتها في اللغة العربية إطلاقا وهذا ما يميز اللغة العربية عن كثير من اللغات الأخرى .
إن هناك تلازما لصيقا بين الكلمة ومعناها يكاد السامع للكلمة العربية يستشف معناها من صوتها ونبرة حرفها وصفته ، وهناك من الأمثلة الشيء الكثير الذي لا يحصى الذي يثبت قاعدة التناسب الصوتي مع المعنى ، وليس هذا مكان طرحها ولكني أحببت أن أقف على هذه الكلمة واكشف شيئا من هذا .
فالكلمة تدل على البعد كما أسلفت ، وإذا نظرنا إلى صوت الكلمة وجدناها تبدأ بحرف الهاء ثم الياء الساكنة ثم الهاء مرة أخرى ، ومعلوم أن مخرج الهاء من أبعد مخارج الحروف بل هو الأبعد منها فهي تخرج من أقصا الجوف ، فهذا البعد في المخرج يناسب البعد في معنى الكلمة ، بل ويضفي عليه معنى إضافيا يرسم لك صورة تتركب من البعد المعنوي والبعد الصوتي الذي أكد بالتوكيد اللفظي ، ومثل هذا نقوله في مخرج الياء الساكنة ، فأي بيان وجمال هذا
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :-

سورة لقمان / { كَلِمَاتُ اللَّهِ }

يقول المولى جل وعز في سورة لقمان:
{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)}

جاء عند ابن كثير قال الحسن البصري : لو جعل شجر الأرض أقلاماً، وجعل البحر مداداً وقال الله : "إن من أمري كذا، ومن أمري كذا" لنفد ما في البحور، وتكسرت الأقلام.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى : أي: ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلاماً، وجعل البحر مدادًا ومَده سبعة أبحر معه، فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتكسرت الأقلام، ونَفدَ ماء البحر، ولو جاء أمثالها مَدَداً.
وبلمحة سريعة إذا تأملنا الآية وتدبرناها وألقينا عليها نظرة وجدنا أن الله تبارك وتعالى يقول فيها { كَلِمَاتُ اللَّهِ } ولم يقل { كَلَامَ اللَّهِ } مع أنه جل شأنه قال في سورة براءة (التوبة) :
{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ (6)}

فلماذا هذا التباين في الصياغة !
وما هي الدلالة اللفظية البيانية لكل كلمة من هاتين الكلمتين ؟
وهل تتساوى هذه الكلمات في كتاب الله تبارك وتعالى ؟

بدايةً : { كَلِمَات } جمع قلة حيث إن جمع التأنيث السالم إذا حذفت منه ( أل ) دل على القلة كخطوات وسيئات و سنبلات ... أما { كَلَام } فهو جمع كثرة وهو جمع تكسير، كما عند أهل اللغة.
فسياق آية لقمان تبين عظمة وكثرة وبركة كلمات الله تعالى وعدم نفادها مهما كان حتى لو كانت أشجار الأرض أقلاماً وحولت بحار الأرض مداداً لكتابة هذه الكلمات لم ينفد القليل من كلمات الله فكيف بالكثير ، وليس هذا فحسب بل ومن ورائه سبعة أبحر ،كل هذا تعظيماً لكلام الله تعالى ، فهل المناسب أن يأتي بجمع قلة في هذه السياق أو بجمع كثرة ، لا جرم أن هذا السياق يناسبه جمع القلة لإظهار عظمة كلام الله تعالى فالأقل لن ينتهي فكيف بالكثير

أما سياق سورة التوبة فهو سياق دعوة للإسلام وعرض كلام الله تعالى للسماع واستمالة قلوب الكافرين به وبذل كل ما من شأنه تقريبهم وتحبيبهم للدخول في دين الله جل وعز :
{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ (6)}
فعرض الكثير لا ريب أنه أدعى للقبول في مجال الدعوة لله ، فهل من الأنسب في الدعوة للمشركين عرض الأكثر أو عرض الأقل ، لا شك أن هذا واضح جلي

فانظر يا رعاك الله تعالى إلى توظيف الكلمة في كتاب الله تعالى ووضع كل كلمة في مكان لصيق لها مناسب فليس من كلمة تقوم مقام كلمة أخرى ، فلابد أن نقف ونتأمل ونتدبر مثل هذه اللطائف فهي من أجل القربات إلى ربنا جل شأنه.
 
التعديل الأخير:
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :-

{ الْإِبِل ـ الْجَمَل ـ جِمَالَة ـ النَّاقَة ـ بَعير ـ الْعِير }

قال تعالى :
{ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)} [الغاشية]
{ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)} [الأعراف]
{ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)} [المُرسلات]
{ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)} [الأعراف]
{ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)} [يوسف]
{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ... (95)} [يوسف]

فجاءت هذه الآيات بألفاظ : { الْإِبِل ـ الْجَمَل ـ جِمَالَة ـ النَّاقَة ـ بَعير ـ الْعِير } ،
فما الفرق بين هذه الألفاظ في سياق القرآن الكريم ؟
وهل تتساوى في التعبير القرآني و تتكافأ ؟

بالتأمل لكتاب الله تعالى نجد أن التعبير القرآني يزاوج بين هذه الألفاظ ، ويضع كل لفظة في مكانها المناسب ،
فدعونا نتحاكم لبلاغة كتاب الله عز وجل :

بداية التعبير القرآني جاء موافقا لقواعد اللغة العربية وسننها ونظامها ، فالقرآن الكريم يحدث العرب ويكلمهم بما يعرفون ويشاهدون في بيئتهم ، وهذه سنة القرآن الكريم في خطابه للعرب ، وثمة أمر آخر وهو لا بد من معرفة سياق الآية المعنية بالتدبر والتأمل والرجوع لأقوال أهل التفسير فيها ، ومن هنا يتجلى شيء من لطائف الآية المعنية بالتدبر .

{ الْإبِل } : اسم جامع لكل أصناف هذا المخلوق فالجمل والناقة والبعير والعير وغيرها كل هذه من الإبل ، والإبل من حيث اللغة اسم جنس يشمل الجميع لا واحدة له من لفظة ، حيث دعا الله عز وجل للتفكر والنظر في خلق الإبل وعظم هيئتها وطريقة عيشها وتكاثرها وما أعطاها الله من مميزات في تأقلمها مع الصحاري والقفار وغير ذلك فقال :
{ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ }

{ الْجَمَل } : بفتح الجيم والميم هو الفحل والذكر من الإبل ولا يطلق عليه جملا إلا إذا كان عظيم الهيئة والخلقة مهيبًا في خلقة وحجمه معدًا للتلقيح ، والله عز وجل علق دخول الكفار الجنة بولوج هذا الجمل المهيب الخلقة في سم الخياط وهذا تيئيس للكفار بدخول الجنة فقال :
{ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ }
وجاء تفسير الجمل في الآية بالحيوان المعروف وهو قول أكثر اهل التفسير واختاره ابن جرير رحمه الله ، وهذا التفسير موافقا لحال العرب وفهمهم ومنسجم مع لغتهم ، ذلك أن القرآن يخاطبهم بما يرون في بيئتهم ويشاهدون ، وجاءت قراءة عن ابن عباس (الجُمَّل) وهو الحبل الغليظ الذي تشد به السفن

{ جِمَالَة } : هي جمع جمل كحجر حجارة كما عند أهل اللغة ، وقرئت (جمالات) جمع جمال ، فقول الله تعالى :
{ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)} [المُرسلات] ، جمع جمل قاله مجاهد والحسن وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير ، وهذا الوصف والتشبيه يبين الله فيه عظمة وهول نار جهنم

{ النَّاقَة } : هي أنثى الإبل ، والله عز وجل جعلها آية لثمود وقال :
{ ... وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ... (59)} [الإسراء] ،
{ قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (155)} [الشعراء] ،
وكانت عظمية الخلق والهيئة وهلكت ثمود بالصيحة لما عقروها وذبحوها

{ بَعِير } : مفرد جمعه أباعر وبعران ، والبعير هو ما يحمل عليه المتاع والحاجة ويكون مذللا للركوب فيسمى عندها بعيرا وذلك إذا استكمل أربع سنين ويكون من الجمل والناقة ، يقول عز وجلّ :
{ ... وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ... } ، { ... وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ... } [يوسف]
فالمعدّ للحمل والركوب تطلق عليه العرب لفظ بعير

{ الْعِير } : هي القافلة من الأباعر المحملة بالبضائع والأثقال والميرة ،
قال تقدست أسماؤه : { وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ } أي خرجت من مصر باتجاه فلسطين وهي عير أخوة يوسف
وقال سبحانه : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) [يوسف] ،
وعند القرطبي رحمه الله : { الْعِير } ما أُمتير عليه من الحمير والإبل والبغال

وصفوة الكلام أحبتي هو أن كتاب الله تعالى لا يخلط بين هذه الألفاظ ولا غيرها ولا يمكن أن تقوم كلمة مكان أخرى ، فظاهر هذه الألفاظ الترادف وباطنها الاختلاف كما نرى ، وقد شاع عند بعض الناس الخلط بين معاني هذه الألفاظ وصرفت على غير مرادها وغير معناها .

أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعلنا هداة مهتدين وصلى الله على نبينا محمد .
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :-

التواري


التواري : هو الاختفاء والاستتار ولكن حياء وخجلا من الآخرين ، هذا هو توظيف القرآن الكريم لهذه الكلمة ، وبالنظر والتأمل للسياق القرآني نجد هذا جليا واضحا ، ففي قوله تعالى في سورة النحل :
{ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ... (59)} ،
فاختفاؤه حياء و خجلا من قومه و عشيرته مما بشر به وخوفا من العار الذي يرى أنه لاحق به ، فلم يعبر القرآن الكريم بلفظ يستخفون أو غيرها لأن هذا لا يتلاءم مع السياق ولا ينسجم ، وفي قوله سبحانه في سورة الأعراف :
{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ... (26)}
فقال سبحانه { يُوَارِي } في سياق السوءة التي يتفق أصحاب العقول و الفطر السليمة على الاستحياء في شأن هذا الأمر
كما قال عز وجلّ في سورة المائدة :
( فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}
وفي سورة ص ، لما ألهت الخيل النبي سليمان عليه السلام عن صلاة العصر فاتته الصلاة ضرب سوقها وأعناقها، قال تقدستْ أسماؤه عن حال الشمس :
{ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) ،
فالشمس توارت حياء وخجلا من نبي فاتته صلاة العصر، ولم يعبر القرآن الكريم بلفظ غابت أو غربت أو اختفت مثلاً أو نحوا من ذلك فهذا اللفظ أو ذاك لا يمكن أن يؤدي التعبير المناسب والغرض المطلوب في السياق فكل كلمة في القرآن الكريم لها دلالتها البيانية التي لا يمكن أن تؤديها أي كلمة أخرى ولا يمكن أن تقوم مقامها
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ ثُعْبَان } ، { حَيَّة } ، { جَانّ }


يقول الله تعالى :
{ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32)} [الشعراء]
{فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)} [طـه]
{وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ (10)} [النمل]

وفي مواجهة موسى للسحرة لم يذكر الله أيًا من هذه الألفاظ إنما قال الله سبحانه :
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)} [الأعراف]
{ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45)} [الشعراء]

- اختلفت الألفاظ في وصف الله لعصا موسى فقال في سورتي الأعراف والشعراء { ثُعْبَانٌ } وقال في سورة طه { حَيَّةٌ } وقال في سورتي النمل والقصص { جَانٌّ }

- الثعبان/ قال عنه أهل التفسير هو الذكر من الحيات كما جاء عند ابن جرير عن ابن عباس والسدي ، وهو أيضا الضخم من الحيات كما عند الألوسي والشوكاني في الفتح ،قال الفراء الثعبان أعظم الحيات
- والحية / وهو اسم جنس يشمل الصغير والكبير من الحيات
والجآن / هو الصغير من الحيات أو هو المائل للصغر وسميت بهذا لخفتها وسرعة حركتها واختفائها واستتارها ، هذه هي معاني هذه الألفاظ كما جاءت عند أصحاب التفسير ،
والسؤال لماذا جاءت هذه الألفاظ في هذه المواطن؟

من الملاحظ أن لفظ { ثُعْبَانٌ } وهي أعظم الحيات جاء في سياق مقابلة موسى مع فرعون كما قال الله عز وجلّ :
{ قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107)} [الأعراف]
،وقال في سورة الشعراء :
{قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32)} .

وهذا الموقف وهذه المقابلة والمحاجة بين موسى عليه السلام وفرعون تحتاج إلى دليل واضح وحجة قوية دامغة وبرهان ساطع حتى يثبت موسى عليه السلام لفرعون صدق نبوته ، قال سبحانه :
{ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (30)} [الشعراء] ،
خصوصا أن فرعون كذب موسى عليه السلام :
{ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)} ، { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)} [الشعراء]
فلما كان الموقف يحتاج إلى برهان ساطع وحجة قوية أتى الله بأعظم الحالات وأشد المواقف هولا ورعبا وقال : { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32)} [الشعراء]
جاء عند ابن كثير أنها توجهت نحو فرعون لتأخذه فلما رآها ذعر منها ووثب وأحدث، فجاء اللفظ الأشد { ثُعْبَانٌ } في الموقف الأشد (المحاجة) فيا له من تعبير

- أما الحية فهي اسم جنس يشمل أنواعا مختلفة من ثعبان وجآن وغيره وقد جاء هذا اللفظ في القرآن مرة واحدة لما انقلبت العصا إلى حية وذلك لما كان موسى في الوادي لوحده ، قال تقدست أسماؤه :
{ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)} [طـه] ،
وقد جاء على الأصل لأن هذا الموقف لا يحتاج لمحاجة ولا برهان أو سلطان
أما لما كان الموقف لا يوصف لعظمته وهوله وشدته فلم يصف العصا – وهو أسلوب عربي فصيح - وهذا في موقف مناظرة موسى مع السحرة حيث قال الله تعالى في ذاك الموقف:
{ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45)} [الشعراء]
وهذا يبين لنا جلال التعبير في كتاب الله تعالى
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ خُلَفَاءَ } ، { خَلَائِفَ }

يقول المولى جل شأنه على لسان هود عليه السلام :
{ ... وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ... (69) [الأعراف] ،
وقال تعالى في شأن قوم نوح عليه السلام :
{ ... وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ... (73)} [يونس]

فما الفرق بين الخلفاء والخلائف في التعبير القرآني ؟
وهل يمكن أن تقوم الواحدة مكان الأخرى ويستقيم المعنى والسياق ؟!

بدايةً الخلفاء والخلائف كلتا الكلمتين ترجعان لأصل واحد في اللغة وهو خليفة

الخلفاء : هم القوم الذين خلفوا قومًا صالحين وجاءوا من بعدهم بغض النظر عن حالهم ، وسموا خلفاء لأنهم وافقوا نهج وسنة من قبلهم ، فالنبي هود عليه السلام يخاطب قومه ويدعوهم لاتباع سنة وطريقة من قبلهم ، قال عز وجلّ :
{ ... وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ... (69)} [الأعراف]
فهؤلاء جاءوا بعد القوم الصالحين الناجين بعد الطوفان من قوم نوح فوصفهم بقوله { خُلَفَاء }
وهذا النبي صالح عليه السلام يدعو قومه بأن يمتثلوا طريق من خلفوهم ، قال سبحانه :
{ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ ... (74)} [الأعراف]
فالنبي صالح عليه السلام يدعو أناسا خلفوا الصالحين الذين نجوا مع هود عليه السلام بعد الصيحة بقوله { خُلَفَاء } لهذا فالخلفاء الراشدون سموا خلفاء لا خلائف ، لأنهم خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في الخلافة وساروا على نهجه وسنة ، وقد جاءت الكلمة { خُلَفَاء } ثلاث مرات في كتاب الله تعالى.

أما الخلائف : فهم القوم الذين خلفوا قومًا كافرين فاسدين بغض النظر عن حالهم ، وسموا خلائف لأنهم خالفوا سنة وطريقة من قبلهم ، كما قال الله تعالى في خطاب المؤمنين :
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ... (165)} [الأنعام] ، فهم خالفوا من قبلهم في ما كانوا عليه .
وقوله تقدست أسماؤه في شأن الناجين من قوم نوح عليه السلام :
{ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ ... (73)} [يونس] ،
أي خالفوا سنة الظالمين الذين هلكوا بالطوفان فسماهم { خَلَائِفَ } وقد جاءت الكلمة أربع مرات في كتاب الله تعالى.

بهذا يتبين لنا أن لكل كلمة تعبير ودلالة بيانية وخصوصية في السياق ، وأنه لا يمكن أن تقوم الواحدة مكان الأخرى
والله أعلم​
 
التعديل الأخير:
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ سُبْحَانَهُ } ، { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ } ، { سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ }*​


بدايةً { سُبْحَانَهُ } مصدر معناه التنزيه ، لا يستعمل إلا مضافا { سُبْحَانَ الله } ويعرب مفعولا مطلقا لفعل محذوف تقديره : أسَبـِّح
قال الزجاج في معاني القرآن : وسبحان في اللغة تنزيه الله، عز وجل، عن السوء ، وقيل: تنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي له أَن يوصف
ومعنى { تَعَالَىٰ } : التعالي في اللغة هو الارتفاع ، أي ارتفعت عظمتك ،قال عز من قائل : { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) [الجن] ، أي مكانته ومنزلته وعظمته

وإذا تأملنا في كتاب الله تعالى نجد الآيات التي جاءت بلفظة { سُبْحَانَهُ } تضمنت الحديث عن نسبة الولد أو الصاحبة لله وإلصاق هذه التهمة والصفة به سبحانه وقد جاءت أكثر من تسع آيات بهذا الشأن وهذا الوصف من المشركين فرد الله سبحانه عليهم بقوله { سُبْحَانَهُ } وإليكم بعض هذه الآيات :
قال تعالى في سورة البقرة :
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ ... (116)} ، وفي سورة يونس :
{ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ ... (68)} ،
فرد الله تعالى بقوله : { سُبْحَانَهُ } أي يتنزه عن الوصف والنسبة هذا جل جلاله
وقال في سورة النساء : { ... إِنَّمَا اللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ... (171)}
فنزّه الله نفسه عن الولد ، وأنه واحد لا ثان له
وفي سورة براءة (التوبة) قال تعالى :
{ ... وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَـٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)}
بعد أن ذكر قول اليهود والنصارى في الآية السابقة لها :
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ (30)}
وقال في سورة النحل :
{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ (57)} ، فجاء بلفظ { سُبْحَانَهُ } فقط عند نسبة الولد له
وقال في سورة مريم ردًا على زعم النصارى في عيسى عليه السلام :
{ مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35)}
وقال الله عز وجلّ في سورة الأنبياء :
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26)}
وفي سورة المؤمنون مثل ذلك حيث قال جل ثناؤه :
{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)}
وفي سورة الصافات لما نسب الكفار { الجِنَّة } لله سبحانه :
{ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ... (158) رد عليهم بقوله : { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)}
وقال تقدست أسماؤه في سورة الزمر :
{ لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } ثم عقّب بقوله تعالى { سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)}

وإذا صرفنا أنظارنا وولينا وجوهنا نحو الآيات التي جاءت بقوله تعالى { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ } وتأملنا فيها وجدناها في سياق اتخاذ الشريك مع الله تعالى
وقد جاء قوله : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ } ستة مرات كلها في نفي الشريك عن الله سبحانه وتعالى وهي :
قال تعالى في سورة يونس :
{ ... قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)}
وذلك في اتخاذ الكفار شفعاء لهم عند الله ، وقد جاء في معرض الآية الآنفة : { وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ }
جاء عند ابن جرير : وذلك هو الآلهة والأصنام التي كانوا يعبدونها ، فرد الله عليهم : { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ ... سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } تقدس اسمه وتنزه وتعالى كل العلو عن نسبة الشريك له ،
وفي سورة الأنعام كذلك هو سياق شرك حيث جاء في الآية قوله تعالى :
{ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } ، فقال بعدها : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ (100)} ،
وفي سورة سبحان (الإسراء) قوله تعالى :
{ قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)} ثم قال بعدها :
{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)} ،
وفي سورة الروم يتضح ذلك من قراءة الآية :
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ... } ثم قال عز وجلّ بعدها : { ... سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)} ،
وفي سورة الزمر قال جل ثناؤه :
{ ... سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} ،
حيث جاءت في سياق الشرك ، ألا ترى إلى قوله عز وجلّ قبلها :
{ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)}
وقال تعالى في بداية سورة النحل :
{ أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)} ، { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)} ،
ولو قرأنا الآية (96) من السورة السابقة لها وهي سورة الحجر لوجدنا قوله تعالى :
{ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } .

وجاء قوله { سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ } مرة واحدة في سورة القصص :
{ ... سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)} بعد قوله عز وجلّ قبلها :
{ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ... (64)} ،
كذلك في نفي الشريك عن الله سبحانه وتعالى.

وصفوة الكلام أنه في سياق نسبة الولد والصاحبة يأتي لفظ { سُبْحَانَهُ } وفي سياق الشريك ونسبة الشريك لله يأتي : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ } كما رأيتم من الأمثلة ، بقي تساؤل ألا وهو : ما هو الأعظم من هذين القولين أعني بهما (نسبة الولد ، ونسبة الشريك) في ذات الله ! لا جرم أن اتخاذ الشريك مع الله أعظم جرما من نسبة الولد لله لقوله تعالى لأنه الشرك بعينه : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ... } [النساء] ، لذا في سياق الشرك يأتي قوله : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ } وفي سياق الوصف بالولد والصاحبة يأتي قوله { سُبْحَانَهُ } والزيادة في المبني تدل على الزيادة في المعنى

أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يرفعنا بكتابه الكريم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

* بتصرف بسيط
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

هلاك قوم عاد


حدثنا القرآن الكريم عن هلاك كثير من الأمم من جراء عصيانهم لله تعالى وتكذيبهم لرسله بدءا من قوم نوح وقوم عاد وثمود وقوم لوط ومرورا بفرعون وأصحاب الأيكة وقوم تبع وغيرهم ..وكل هذا جاء مسطورا في كتاب ربنا جل ذكره ، غير أن كل من أهلكه الله لم يصف حاله بعد هلاكه ولم يذكر لنا عقب وقوع العذاب ما جرى له سوى قوم عاد حيث وصفهم الحق تبارك وتعالى وقال في شأنهم بعد العذاب :
{ ... فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)} [الحاقة] ،
وقال أيضا في سورة القمر :
{ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20)}
فلماذا لم يجر الوصف إلا على قوم عاد ؟

نحن نعلم من طريق القرآن الكريم أن قوم عاد تباهوا بقوتهم وتطاولوا على الأمم بل وعلى خالق السموات والأرض الذي قال :
{ ... فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ... (15)} [فصلت] ،
فقولهم { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } أي لا أحد وهذا التطاول مطلقا دون استثناء ، حيث رفعوا لواء القوة والتحدي والجبروت في الأرض بهذا الكلام ، فأراد الله عز جاره وجلت قوته أن يجعلهم عبرة للمعتبرين ، وأن يجعل قوتهم هباء منثورا ، وأنها لا شيء أمام قوة رب الأرباب ، فجعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق ، فلم يكونوا شيئا مذكورا بعد هذا العذاب ، وجعلهم درسا للبشرية على مدار التأريخ.

وجاء وصفهم بقوله تعالى :
{ فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ،
جاء عند ابن جرير رحمه الله : كأنهم أصول نخل قد خوت ، وعند ابن كثير : بقوا أبدانا بلا رؤوس ، أي أصبحت أبدانا في منتهى الخواء ، وهذا نظير استعراضهم لقوتهم وتباهيهم على غيرهم ، جزاء وفاقا ،
فأين القوة ! وأين الجبروت ! وأين الغطرسة ! وأين الاستكبار في الأرض ! بل أين التباهي بكل ما أوتوا من عظم الخلق طولا وعرضا ،
لا جرم ولا ريب أن ذلكم وغيره يحسمه قول الله عز وجلّ :
{ ... فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)} [غافر] ، وقوله سبحانه :
{ ... وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)} [يوسف].

والعجيب أن كل من رفع لواء التحدي في الأرض أهلكه الله عز وجل ولم يبرح هذا المتحدي مكانه ، فهاهي بريطانيا صنعت سفينة (التايتنيك) أي التحدي أو السفينة التي لا تغرق وقد اعتلتها الطبقة الاستقراطية وهم الملأ وأشراف المجتمع آنذاك - وهذا قبل أكثر من قرن من الزمن – حتى قال صانعها في لقاء صحفي : أنه لا يستطيع أحد أن يغرقها !!! ولكن كما قال الله جل ثناؤه :
{ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)} [التكوير]،
فما لبثت هذه السفينة أن جعلها الله جل جلاله أحاديث للناس ومسخرة ومضحكة لمن أراد وقصة يتسلى بها الكبير والصغير وما كان منها ألا أن رست في قاع المحيط ! يا سبحان الله القائل :
{ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ (34)} [الشورى]

{ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } !! بعد هذا ، فهل ترى لهذه الأمثلة وغيرها من باقية ، فالجميع أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ...
والحمد لله رب العالمين​
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

سورة الكهف / الفرق البياني اللغوي الدقيق بين { تَسْتَطِع } و { تَسْطِع } وبين { اسْطَاعُوا } و { اسْتَطَاعُوا }


الفرق : أولا ينبغي لنا أن نعرف قاعدة في اللغة تقول : أن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى ، وعليه نقول:
أن الفعل { تَسْتَطِع } أكثر في الحروف من { تَسْطِع } وبالتالي فالمعنى يكون في الفعل الأول أكثر زيادة من الثاني في المعنى

ذلك أن الحوار وقع بين موسى والخضر عليهما السلام كما جاء في سورة الكهف، فالفعل { تَسْتَطِع } قاله الخضر لموسى لما كانت الأحداث والوقائع _ خرق السفينة ، قتل الغلام ، بناء الجدار _ التي وقعت من قبل الخضر غير واضحة وهي مبهمة ثقيلة بالنسبة لموسى ، فالحالة ثقيلة وغير معروفة المقصد ، فجاء بالفعل الثقيل وقال { تَسْتَطِع } في قوله :
{ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78)}
ولما فسر الخضر الوقائع والمشاهد لموسى أصبح الأمر واضحاً وسهلاً لا لبس فيه ، جاء بالفعل الخفيف وقال { تَسْطِع } في قوله:
{ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)} ، كما جاء عند ابن كثير رحمه الله في تفسيره

ومثله في قصة ذي القرنين في قوله تعالى { فَمَا اسْطَاعُوا } ، { وَمَا اسْتَطَاعُوا } فمعلوم أن يأجوج مأجوج حال بينهم وبين الخروج الجدارُ الذي بناه ذو القرنين ، فهم إما أن ينقبوا الجدار أو أن يعتلوه ويظهروا عليه ، قال سبحانه :
{ فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}
ولا ريب أن علو الجدار والظهور عليه أسهل من نقبه وخرقه ، فجاء بالفعل الخفيف { اسْطَاعُوا } مع الحالة الخفيفة السهلة وهي الظهور على الجدار ، وجاء بالفعل الثقيل { اسْتَطَاعُوا } مع الحالة الثقيلة الصعبة وهي خرق الجدار ونقبه ، والله أعلم بمراده
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

{ يَسْعَى نُورُهُم } ، { نُورُهُمْ يَسْعَى }

يقول الله جل شأنه :
{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)} [الحديد]
{ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)} [التحريم]
فقال الله تعالى في سورة الحديد : { يَسْعَى نُورُهُم } فقدم { يَسْعَى } على { نُورُهُم }
وقال سبحانه في سورة التحريم : { نُورُهُم يَسْعَى } فقدم { نُورُهُم } على { يَسْعَى }

تقول القاعدة اللغوية : أن الجملة الفعلية تدل على التجدد والانقطاع وعدم الاستمرار وذلك شأن الجملة في سورة الحديد { يَسْعَى نُورُهُم }
أما الجملة الاسمية فتدل على الثبوت والدوام وعدم الانقطاع وذلك شأن الجملة في سورة التحريم { نُورُهُم يَسْعَى }
وعليه نقول أن الجملة الاسمية أقوى وأثبت وأدل من الجملة الفعلية.

وإذا نظرنا إلى سياق الآيتين نجد أن الجملة الاسمية في سورة التحريم جاءت في سياق النبي صلى الله عليه وسلم وعبادة المؤمنين كما قال الله تعالى :
{ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ...} وهذا فضل من الله ومنة
أما الجملة الفعلية في سورة الحديد فجاءت في سياق المؤمنين والمؤمنات فحسب كما قال الله تعالى :
{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم ... }
و ما أعده الله لنبيه من النعيم المقيم والأجر العميم أعظم مما أعده الله لعباده المؤمنين في الآخرة ، وهذا النور الثابت الدائم المستمر جزء من الفضل المعد لهم

- أما آية الحديد فقد قدمت { يَسْعَى } ، إذ أن الجو العام في سورة الحديد الحث على السعي في العمل الصالح لاسيما النفقة والإكثار منها وحث عليها ، كما قال الله تعالى
{ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} .
{ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)} .

بالجملة أقول أن كل أسلوب جاء مناسباً ومنسجماً مع سياقه ولا يمكن أن تحل جملة مكان أخرى
والله أعلم
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

سورة التحريم / { لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ } ، { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

قال الله تعالى في شأن الملائكة الكرام :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)}
فما المعنى لهذه الآية ؟
هل نستطيع أن نقول أن قوله تعالى { لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ } هو نفسه { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } وهل يمكننا أن نكتفي بجملة عن الأخرى ، وتقوم مقامها دون الحاجة للثانية ، كل هذه التساؤلات وغيرها لا مكان لها في الخطاب الرباني الذي أعجز الله به أرباب البيان وصفوة من تكلم العربية قاطبة.
إذن فما هو التوجيه ؟
أقول إن أي أمر يُطلب فعله له ركنان:

الأول - أن ينفذ هذا الأمر دون أي تردد أو مساءلة من المنفذ ولا يتأخر في تنفيذه ، فالملائكة الكرام إذا طلب الله جل شأنه منهم أمرًا لا يترددون في تنفيذه أو يسألون الله تعالى لماذا أو متى أو كيف أو يصدر منهم أدنى اعتراض على الأمر الرباني ، فهم يمتثلون الأمر دون معصية كما أمرهم الله ، قال ابن كثير رحمه الله : أي أمر مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه لا يتأخرون عنه طرفة عين ، وهذا معنى قوله في الآية الكريمة : { لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ }

الثاني - أن يتم هذا التنفيذ على أكمل وجه وأحسن وضع وأوفى صورة وبالوقت المناسب دون أدنى تأخر عنه ، فالملائكة الكرام ينفذون أمر الله تعالى ولا يخالفونه ويأتون به ويبادرونه على أكمل وجه دون نقص أو خلل أو تقصير أو عدم إتقان منهم وهذا معنى قوله تعالى : { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }
فمثلاً : عندما يؤمر ملك الموت بقبض روح فلان ، فإن الملك لا يعترض على الأمر ولا يناقش ولا يتردد فيه ، وعلاوة على هذا ينفذ هذا الأمر الرباني ويفعله بأكمل وجه وأوفاه دون تأخر أو تأجيل في التنفيذ

من هنا يتبين أن لكل جملة من هاتين الجملتين في الآية لها معنى خاص بها مستقل عن غيرها لا يقوم المعنى إلا بها، وهذا لون من ألون التعبير القرآني الخلاب ،
والله أعلم بمراده وصلى الله على نبينا محمد
 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

بعض السمات التعبيرية في سور القرآن الكريم

ترددت ألفاظ { التَّقْوَىٰ } كثيرًا في سورة البقرة : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } ، { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، { مَعَ الْمُتَّقِينَ } ....
ترددت لفظة { النِّسَاء } في سورة { النِّسَاء } كثيرًا : { رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً } ، { وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ } ، { فِي يَتَامَى النِّسَاءِ }.
ترددت لفظة { قُلْ } في سورة { الْأَنْعَام } كثيرًا : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ } ، { قُلْ إنِي أُمِرْتُ } ، { قُلْ أَغَيْرَ اللهِ } .
تردد لفظ (الإرسال) في سورة { الْأَعْرَافِ } كثيرًا : { رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } ، { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ } ، { الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ }.
ترددت ألفاظ { التَّوْبَة } ومشتقاتها في سورة { التَّوْبَة }/{ بَرَاءَة } كثيرًا : { فَإِن تَابُوا } ، { لَّقَد تَّابَ اللَّهُ } ، { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا }.
ترددت ألفاظ { الضُّرُّ } ومشتقاته في سورة { يُونُس } كثيرًا : { ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } ، { ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ } ، { بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ }.
ترددت ألفاظ { الْعِلْم } ومشتقاتها كثيرًا في سورة { يُوسُف } : { لَا يَعْلَمُونَ } ، { مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي } ، { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }.
ترددت ألفاظ { النَّعْمَة } في سورة { النَّحْل } كثيرًا : { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ } ، { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّه } ، { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه } .
تردد التسبيح في سورة الإسراء { سُبْحَانَ } كثيرًا : { سُبْحَانَ الَّذِي } ، { تُسَبِّحُ لَهُ } ، { يُسَبِّحُ بِحَمْدِه } ، { تَسْبِيحَهُمْ } .
تردد لفظ { الرَّحْمَة } في سورة { مريم } كثيرًا : { رَحْمَتِ رَبِّك } ، { بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ } ، { أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ }.
ترددت ألفاظ العبادة في سورة { الْأَنبِيَاء } كثيرًا : { عَابِدِين } ، { لِلْعَابِدِين } ، { لِّقَوْمٍ عَابِدِين }.
ترددت لفظة { النَّاس } كثيرًا في سورة { الْحَجّ } : { يَا أَيُّهَا النَّاس } ، { وَأَذِّن فِي النَّاس } ، { وَمِنَ النَّاس }.
ترددت ألفاظ { الْخَوْف } في سورة { الْقَصَص } كثيرًا : { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْه } ، { خَائِفًا يَتَرَقَّب } ، { فَأَخَافُ أَن }.
ترددت لفظة { النَّبِيُّ } كثيرًا في سورة { الْأَحْزَاب } : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ } ، { يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ }.
ترددت ألفاظ الاختصام في سورة { ص } ومشتقاته كثيرًا : { نَبَأُ الْخَصْمِ } ، { قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ } ، { تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ }.
تردد ضرب المثل في سورة الزخرف كثيرًا ، كما تردد الفعل { جَعَل } ومشتقاته كثيرًا ، فتأمل !
تردد لفظ الجلالة { الله } في كل آية من سورة المجادلة : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ } ، { وَإِنَّ اللَّـهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } .
 
التعديل الأخير:
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد


اختلاف رسم لفظة { إِبْرَاهِيم } في كتاب الله تعالى​

جاءت كلمة { إِبْرَاهِيم } في القرآن الكريم على رسمين :

الأولى : { إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ } خالية من الياء فالرسم ناقص وهذا في سورة البقرة فحسب
والثانية : { إِبْرَاهِيم } بإثبات الياء فالرسم كامل وذلك في بقية القرآن الكريم

وأرجع العلماء ذلك لحياة إبراهيم عليه السلام الاجتماعية.
فمعلوم أن إِبْرَاهِيم عليه السلام تأخرت عنه مجئ الذرية فلم يرزق بالولد إلا وهو في سن 110 كما قال مجاهد رحمه الله وغيره وكان عمر زوجه 100 سنة
فصدر حياة إِبْرَاهِيم عليه السلام وأولها لم تتم وكانت ناقصة من الناحية الاجتماعية بسبب تأخر اﻹنجاب وهذا يمثل ويقابل صدر القرآن وهو سورة البقرة ، فالجامع بينهما النقص في الحالين
ولما رزق إِبْرَاهِيم عليه السلام بالولد في سن متأخرة في بقية حياته واكتمل وتم من حيث الناحية الاجتماعية جاء اللفظ كاملا في بقية القرآن الكريم
وعند بعض أهل التأويل أن اليهود تسمي إِبْرَاهِيم قبل أن يرزق بالولد { إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ } وبعد أن رزق بالولد { إِبْرَاهِيم }
والزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى
والله أعلم

 
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

ميزان الترادف في كتاب الله / (الفرد الوحيد الواحد)


الفرد : هو الذي كان مع جماعة فانقطع عنهم كنت مسافراً مع مجموعة ثم انفردت يقال فرّد الرجل. في لغة العرب فرّد الرجل من ترك رهطه وقومه وجماعته وسافر وحده يقال فرّد، يقال راكب فارد، الراكب الفارد هو الذي ليس معه بعير آخر وحده هو وبعيره. . إذن الفرد هو الذي كان مع مجموعة ثم انقطع عنهم.
قال الأزهري ولم أجده (الفرد) في صفات الله تعالى التي وردت في السنة كما جاء هذا عند ابن منظور في اللسان ولا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله عليه السلام وكذلك لم يرد هذا الاسم في كتاب الله تعالى
{ وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم]
{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿94﴾} [الأنعام]
{ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)} [مريم]
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)} [الأنبياء]
تقول أعرابية بعد أن انطبقت الصخرة على أبنائها في غار فماتوا جميعا:

ربيتهم تسعة حتى إذا اتسقوا * أفردت منهم كقرن الأعضب الوحدي
وكل أم وإن سرت بما ولدت * يوما ســتفقد من ربت من الـولد​
فقالت (أفردت منهم) أي أخذت منهم وعزلت عنهم

قال طرفة:
إلى أن تحامتني العشيرة كلها * وأفردت أفراد البعــير المــعبد​
(المعبد) أي البعير المطلي بالقطران لمرضه يعزل عن بقية القطيع ويكون منفردا

الوحيد : الذي لم يكن مع أحد أصلاً ولا يشاكله ويناظره ولا يماثله أحد وهو المتميز بشئ عن مجتمعه متميز بصنعته أو تجرته أو عمله أو غير ذلك...
{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴿11﴾ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ﴿12﴾ وَبَنِينَ شُهُودًا ﴿13﴾} [المدثر]
وهذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة أحد أئمة الكفر بمكة كان مميزا بتجارته فقد كانت تزيد كل يوم كما قال الله : { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا } وأما أولاده فعنده عشرة من الولد فقد كان في المحافل يجعل منهم خمسة عن يمينه وخمسة عن شماله يفتخر بهم عند قريش منهم خالد بن الوليد الصحابي المعروف إذا هو وحيد بهذه الأمور
هذا الوحيد هو أصلاً ليس لديه شيء كل منا يولد وحيداً كما قال عز وجلّ:
{ ... كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... (48)} [الكهف]
أنت في بطن أمك ليس لديك لا زوجة ولا أولاد ولا جيش ولا أعوان ولا أنصار فأنت وحيد. فالوحيد الذي وُجِد وحيداً منذ البداية ليس معه أحد :
{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)} [المدثر]
فكلمة الوحيد تعني أنه لم يكن معه أحد في الأصل
والغريب أن لفظة (وَحِيد) جاءت وحيدة في القرآن

الواحد : الذي لا ثاني له كما قال الأزهري ونقله ابن منظور في اللسان ولا يتجزأ :
{ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ (19)} [الأنعام]،
{ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)} [الأنبياء] ،
هي أمة إسلامية واحدة لا يوجد غيرها هنالك شمس واحدة ولا يوجد اثنتان وقمر واحد لا يتجزأ .
الأحد الذي ليس كمثله شيء. هذا الفرق بين الواحد والوحيد والأحد: الواحد هو الذي لا ثاني له، والوحيد كان أصلاً ليس له رفقة وليس معه أحد، والأحد هو الذي لا يشبه أحد.
الواحد هو الوصف الذي يطلق على الله عز وجل :
{ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} [البقرة]
{ ... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)} [النساء]
أي لا ثاني لها
{ وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)} [الأنعام]
{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)} [هود]
{ ... يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)} [يوسف]
{ وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)} [النحل]
{ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)} [يــس]

يتبين من هذا أنه لا ترادف في كتاب الله إطلاقا فكل كلمة لها وظيفتها واستخدامها اللائق اللصيق بمعناها فتراها تنسجم وتتلائم مع السياق
والله أعلم
 
التعديل الأخير:
سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد

الدلالة البيانية للحرفين { نَعَمْ } ، { بَلَىٰ } في القرآن الكريم


{ نَعَمْ } حرف جواب يفيد الإثبات والتوكيد والإقرار للسؤال المثبت نحو : هل وصل محمد فلما تقول نعم إذن أقررت وصوله ، ويفيد النفي والتوكيد للسؤال المنفي نحو : أما قرأت الرسالة ، فإن قلت نعم فالجواب نعم ما قرأتها ، وهو حرف لا محل له من الإعراب من حيث الإعراب النحوي
وقد وردت { نَعَمْ } في القرآن الكريم أربع مرات نحو قوله تعالى
{ ... فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ ... (44)} [الأعراف] فأكدوا وأقروا جوابهم والتقدير: نعم وجدنا
وقوله سبحانه في سورة الأعراف : { وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)} ، فأكّد فرعون كلامهم بقوله (نَعَمْ) موافقة لطلبهم
وقوله عز وجلّ في سورة الشعراء : { فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)} فأجاب فرعون بقوله (نعم) توكيدًا لكلامهم وطلبهم
وقوله تقدست أسماؤه في سورة الصافات : { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ (18)} وهو جواب يؤكد للكفار البعث في الآخرة الذي أنكروه بقولهم : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17)} [الصافات]

أما { بَلَىٰ } فهي حرف مؤنث لا محل له من الإعراب ، وردت في القرآن الكريم في اثنين وعشرين موضعًا ، وأصلها (بل) وقيل الألف زائدة للتأنيث
و{ بَلَىٰ } لها موضعان :
أحدهما : تكون ردًا على نفي سبقها نحو قوله تعالى في سورة البقرة : { وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ... (80)} فكان جواب هذا النفي { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ... (81)}
ومثله قوله سبحانه : { وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ... (111)} [البقرة] فكان جواب هذا النفي بقوله : { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ... (112)} [البقرة]
ونظير ذلك قوله عز وجلّ : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ... (3)} [سبأ]
كذلك قوله تقدست أسماؤه : { ... فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَىٰ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28)} [النحل]
وقوله جل ثناؤه : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} [الزُخرف] فجاء جواب النفي بقوله : { بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } .

الثاني : أن تكون جوابًا لسؤال دخل على نفي فتبطل هذا النفي وتقلبه للإيجاب ، لأن نفي النفي إثبات ، ومن أمثلة هذا الضرب
قوله تعالى : { ... وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا ... (172)} [الأعراف] فجاءت { بَلَىٰ } جوابا لسؤال منفي فقلبت هذا النفي لإثبات والتقدير : بلى أنت ربنا ، فهنا { بَلَىٰ } أبطلت النفي
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لو قالوا نعم لكفروا ، لأنهم بذلك يقرون النفي بقولهم : نعم لست بربنا
ونظير ذلك قوله سبحانه : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ... (30)} [الأنعام] فكان الجواب للسؤال المنفي بقولهم { بَلَىٰ } والتقدير: بلى هذا هو الحق
كذلك قوله عز وجلّ : { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ... (14)} [الحديد] فجاء الجواب بقولهم { بَلَىٰ } التي قبلت النفي (ألم نكن) للإثبات ، والتقدير : بلى كنتم معنا
ولو جاء الجواب في آية الحديد بقولهم (نَعَمْ) لكان المعنى : نعم لم تكونوا معنا
وقوله تقدست أسماؤه : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)} [التغابن] فكان الجواب بقوله { بَلَىٰ } التي قبلت النفي { أَن لَّن يُبْعَثُوا } إلى إثبات
وقوله عزّ من قائل في سورة يس : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)} فكان الجواب للنفي المسبوق باستفهام بقوله { بَلَىٰ }
وقوله جل وعلا : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)} [الزمر] إذ لو كان جوابهم بنعم لكان التقدير : نعم لم تأتنا ، وهذا خلاف ما وقع !
ومن هذا النوع قول جحدر بن مالك وهو أحد الصعاليك يخاطب زوجته بعد أن وقع في قبضة الحجاج
أليس الليل يجمع أم عمرو * وإيانا فذاك بنا تداني
بلى وترى الهلال كما أراه * ويعلوها النهار إذا علاني​
فقال في جواب النفي المستفهم بلى

ختاما : رأيتم إخوتي الفرق بين الحرفين { نَعَمْ } ، { بَلَىٰ } حيث لا يمكن إحلال أحدهما مكان الآخر في نظم القرآن الكريم ،
وبالتالي فإن لكل حرف سياقه ودلالته البيانية
 
عودة
أعلى