وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
بين الفرث والدم يخرج الحليب
بقلم الدكتور عاطف الهندي
طبيب بيطري /وزارة الزراعة-الأردن
يقول الله تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ )النحل66صدق الله العظيم.
منذ أن أنزل الله سبحانه هذه الآية المباركة وبعد مضي أكثر من 1400سنة لم يزدعلماء الأرض على الحقيقة التي جاء بها القرآن الكريم والتي انفرد بها عن بقية كتب الأرض والسماء وذلك فيما يتعلق بأن الحليب (اللبن milk) الذي هو خالص (يعني مصفى) وسائغ (مستطعم ومستساغ بفضل احتوائه على المشهيات وهي الدسم والسكر) لا يتشكل إلا من مواد موجودة ما بين الفرث ( والفرث هو محتويات الكرش من علف مخمر بفعل جراثيم نافعة تساعد على تخمير الأعلاف المعقدة الهضم) ومن مواد موجود قسم منها في الدم بالأصل وقسم يأتي إلى الدم من الكرش.
كل ما تقدم يقول عنه رب العزة جل جلاله وعظم شأنه أن فيه لعبرة ! ولمن ؟ لكم!!!!!
في ظل الآية:
قبل أن أتطرق إلى كيف تتحول مواد ما بين الفرث والدم إلى اللبن الخالص السائغ أريد أن أشير إلى الكلمة (بطونه) ولما لم يقل جل شأنه وعظم سلطانه (بطونها) والجواب للتدليل على مفرد الأنعام أي أن كل لبونة أنثى من الأنعام وهي أربعة أنواع نسقيكم من بطونها حيث كل حيوان من الأنعام الأربعة له (من 3 في الجمل إلى 4 بطون في البقر والماعز والضأن)فلو قال (بطونها) لاعتقد البعض أنه يقصد بطن واحد لكل نوع من الأنعام.
وتتمتع الأنعام بتعدد المعدات وبخاصية الاجترار وبقاء الطعام مدة طويلة لتخميره للحصول على قدر كبير من هضم وامتصاص الطعام وتحويله إلى إنتاج سواء لحم أو حليب موادأخرى، رغم أنالله جل جلالهقال بـ(بطونها) في آية أخرى وهي قال تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ )المؤمنون21 ولكن هنا يدلل على كل الأنعام بأن فيها منافع كثيرة ومن لحمها تأكلون فلا حاجة لذكر تعدد البطون لكل نوع من الأنعام ولا حاجة لذكر مساهمة هذه البطون في عملية إنتاج الحليب.
كيف يتحول ما بين الفرث والدم إلى لبن خالص؟
ما هو بالتحديد ما بين الفرث؟! …. (على اعتبار أن الفرث هو العلف الخشن ذو الألياف المعقدة والعلف الناعم الموجود داخل الكرش المحتوي على البروتين العادي والبروتين الغير قابل للامتصاص(يحوي نيتروجين ممكن الاستفادة منه في صنع البروتين العادي وهو ما يسمى بالبروتين البكتيري ) والمحتوي على السكريات السهلة الامتصاص والمعقدة كألياف السيليلوز وشبيه السيليلوز والنشا والمحتوي على الدهون بأنواعها المفسفرة والسكرية والثلاثية والممزوج باللعاب القادم من الفم والعصارة القلوية التي تفرز داخل الكرش وممزوج بملايين البكتيريا والطلائعياتprotozoa التي تعمل على تخميره والمساعدة في هضم وامتصاص قسم منه) و إليك علمياً بالتحديد ما بين الفرث كالتالي:
1. سكر الجلوكوز والذي غالبيته يساهم بدرجة كبيرة قي تكوين التالي(الأحماض الدهنية المتطايرة).
2. أحماض دهنية متطايرة (volatile fatty acids) وهذه تعتبر أساسية في تصنيع الحليب وهي حسب نسبة تكونها في الكرش:حامض الخليك acetic acid حوالي 65%وحامض البروبيونكب(propionic acid)حوالي20% وحامض البيوتيرك butyric acid حوالي 15%
3. غازات مثل: الميثان والأمونيا(تساهم في تكوين البروتين البكتيري) وثاني أكسيد الكربون.
4. مجموعة اللاكتات ( دورها محدود تتكسر في الكبد إلى جلوكوز)(lactates).
5. بروتينات( منها مصدره علفي والآخر بكتيري) وأحماض أمينية نتجت من هضم الكرش للبروتين.
6. دهون (منها البكتيرية المفسفرة والأحماض الدهنية المشبعة والأحماض الدهنية الحرة والأخيرتين نتجتا من هضم الكرش للدهن العلفي).
يتم امتصاص (الأحماض الدهنية المتطايرة) وخاصة حامض الخليك والبروبيونك عبر جدار الكرش حيث تدخل في مجرى الدم أما حامض البيوتيرك فيتحول خلال جدار الكرش إلى كيتون وهي مركبات سامة تدخل الدم ولها معدل معين مسؤولة عن تكوين الدسم في الدم(الجليسرول) وفي الحليب.
ويتم امتصاص متكسرات الدهون(جليسرايدات ثلاثية) والبروتين(الأحماض الأمينية) وبقية الجلوكوز المتكسر من النشا العلفي عبر جدار الأمعاء المسؤولة بتخصص عن الامتصاص.
تدخل المواد الممتصة في الدم البوابي الوارد للكبد للإجهاز عليها وتكسيرها إلى أبسط مركبات ليضخها القلب إلى جميع أنسجة والنسيج الذي يهمنا هنا الضرع مصنع الحليب.
ماذا يحدث داخل الضرع:
يتزود الضرع بالدم بشرايين أدق من أوردتها وذلك له حكمة إلهية للإبقاء على أكبر كمية من المواد الزلالية (البروتينية) والتي هي صعبة التحرك لحجمها كمان أنللضرع فقط وريدين ضخمين ظاهرين يجمعناالدم من عدة شعيرات وريدية.
الضرع عبارة عن نسيج دهني متصل بالجسم (وكل الضرع يتصل بالجسم بواسطة رابطتين قويتين( ligaments) يغلف هذا النسيج مجموعة خلايا غدية
تكون مسؤولة عن إفراز الحليب المعهود في سيفون الضرع حيث يتم تجميعه وفيما بعد حلبه عبر الحلمات.
إن دم الضرع مختلط بدم الجسم فالإعجاز الرباني هنا كيف يُسمح لمكونات تدخل الضرع ولأخرى لا بسمح لها (مثل معجزة اتصال البحرين المالح والعذب)حيث يدخل الجلوكوز(الذي تكون من البروبيونات) الضرع ليكون سكر الحليب (اللاكتوز) ويشكل دسم الحليب من الأحماض الدهنية الأحادية
ومركبات الكيتون والخلات(acetates) ومن الجليسرول (الذي ينشأ من الجلوكوز والجليسرايدات الثلاثية) أما بروتين الحليب الذي غالبه الكازيين (casein)فيتكون من الأحماض الأمينية المحلولة في الدم – كل ذلك يحدث ضمن تفاعلات كيميائية تشكل غاية في الروعة والإعجاز.
ليخرج إلينا طيباً سائغاً للشاربين بدون أن يختلط بدم أو فرث فمن أعلم محمد صلى الله عليه وسلم بكل هذا التفاصيل المعقدة.
وإليك رسوم تخطيطية diagrams لعملية إنتاج الحليب أضغط الصورة لتكبيرها :