(عَجِبتُ مِن قَومٍ يُقادونَ إلى الجنَّةِ في السَّلاسلِ)*
الدكتور عثمان قدري مكانسي
الدكتور عثمان قدري مكانسي
نظر مرة إلينا شيخنا الحبيب وهبة سليمان الغاوجي (رحمه الله تعالى) يذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عَجِبَ اللَّهُ مِن قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ في السَّلاسِلِ (صحيح البخاري)
وفي رواية أخرى :
عَجِبتُ مِن قَومٍ يُقادونَ إلى الجنَّةِ في السَّلاسلِ (تخريج مشكل الآثار)
وأغلب شراح الحديث يقصدون من هذا الحديث من حاربنا من الكفار فأسرهم المسلمون ، وعاملوهم بالحسنى ، فأسلموا ودخلوا الجنة ، وكان شيخنا أوسعَ مداركَ إذ قال : بالإضافة إلى ذلك أنّ كل مسلم كان بعيداً عن الحق سيء التصرف ، أراد له الله الكرامة والهدى فرزقه عملاُ صالحاً ونمّاه له ورزقه التوبة الخالصة وحُسنَ الإنابةِ وقبضه عليهما، ، فمات رضيّاً فكان من أهل الجنة.
وأذكر أنّ عامة المسلمين يتداولون قولاً مأثوراً يظنونه حديثاً شريفاً ، وما هو بحديث (يؤجر المرء رغم أنفه) وهو ذو معنى صحيح يؤكده الحديث الشريف الذي ذكرناه آنفاً. يتداولونه مطمئنين إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته ورضوانه.
أما الآيات في هذا الباب فكثيرة تشرح الصدر وتدفع إلى كمال الإيمان وإلى حسن الظنِّ بالله تعالى الذي يريد لنا أن نكون من أهل الجنة ، ويعبِّد لنا الطريق إليها، منها قوله تعالى في سورة الزمر:
{ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)}
فإذا غفر الله لنا اسوأ ما نعمل حين نتوب ونستغفره فسوف يغفرلنا من باب أولى صغائر الذنوب ، وهذا معلوم لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(الصَّلواتُ الخَمْسُ، والجُمُعةُ إِلى الجُمُعَةِ، كفَّارةٌ لِمَا بَيْنهُنَّ، مَا لَمْ تُغش الكبَائِرُ) ، رواه مسلم.
ومن الحديث الذي رواه سيدنا عثمانَ بنِ عفان رضي الله تعالى عنه قالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ:
ما مِن امرئ مُسْلِمٍ تحضُرُهُ صلاةٌ مَكتُوبةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشوعَهَا، وَرُكُوعَها، إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرةٌ، وَذلكَ الدَّهْرَ كلَّهُ.. رواه مسلم.
فإذا كانت الصغائر تُمسح ابتداء كل يوم وكل صلاة ،ومسحت الكبائر حمدنا الله تعالى ونحن بين يديه على فضله ومنِّه في مسح ما تنوء به القلوب والصدور والأظهر.
ويأتي من بعد ذلك فضل عظيم عظيمٌ ، فالمرء يعمل حسنات بنسبة عشرين بالمئة ، وأحياناً بنسبة خمسين بالمئة ، وقد يقوم بعمل رائع يحوز به النجاح مئة بالمئة، ويقف المرء أمام الكريم جلَّ وعلا محبّاً راغباً بلطف الله وروعة كرمه وعطائه فيقبل الله الكريم الحنّان المنّان أعماله كلها بأحسن الذي كان يعمل - مئة بالمئة -أفلا يطير فرحاً ، ويسعد بنجاته من النار وفوزه بغفران المولى ورحمته وجنته. هكذا يكون لقاؤنا بربنا الرؤوف ،الرحيم بعباده الودود لهم قال سبحانه في سورة مريم :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا (96)} ،
فإذا كان الكامل كمالاً مطلقاً يتودد إلى عباده أفلا ينبغي أن نتودد إليه يا إخواني ؟
بلى والله، بلى.
بل هناك الكرم العظيم حيث يبدل الله سيئاتنا حسنات، أجل يبدل السيئات حسنات في قوله تعالى في سورة الفرقان :
{ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)} .
قال القرطبي في تفسير هذه الآية :أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ:
( أَتبِعِ السَّيِّئةَ الحَسنةَ تَمحُها، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ ).
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ، وآخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْها، رَجُلٌ يُؤْتَى به يَومَ القِيامَةِ، فيُقالُ: اعْرِضُوا عليه صِغارَ ذُنُوبِهِ، وارْفَعُوا عنْه كِبارَها، فَتُعْرَضُ عليه صِغارُ ذُنُوبِهِ، فيُقالُ: عَمِلْتَ يَومَ كَذا وكَذا كَذا وكَذا، وعَمِلْتَ يَومَ كَذا وكَذا كَذا وكَذا، فيَقولُ: نَعَمْ، لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُنْكِرَ وهو مُشْفِقٌ مِن كِبارِ ذُنُوبِهِ أنْ تُعْرَضَ عليه، فيُقالُ له: فإنَّ لكَ مَكانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فيَقولُ: رَبِّ، قدْ عَمِلْتُ أشْياءَ لا أراها هاهُنا ).
فَلقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ.
وقال أبو الطويل: أنَّهُ أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا رسول الله أرأيتَ رجلًا عمل الذنوبَ كلَّها فلم يترك منها شيئًا ، وهو في ذلك لم يترك حاجةً ولا داجةً إلا اقتطعها بيمينِهِ ، فهل لذلك من توبةٍ ؟
قال : هل أسلمتَ ؟
قال : أما أنا فأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريك لهُ وأنك رسولُهُ ،
قال : نعم ، تفعلُ الخيراتِ ، وتتركُ الشرَّاتِ ، يجعلهُنَّ اللهُ لك كلُّهن خيراتٍ ،
قال : وغدراتي وفجراتي !
قال : نعم ،
قال : اللهُ أكبرُ ، فما زال يُكبِّرُ حتى تَوَارى
ذكره الثعلبي .
اللهم ياذا الفضل العريض والكرم الواسع والخير المتدفّق خذ بأيدينا إلى رضاك ورحمتك وغفرانك وجنتك ، وأبعدنا عن سخطك ونارك وغضبك ..
اللهم آمين ، وصلى الله على سيدنا محمد الهادي وعلى آله وصحبه وسلم .
* بتصرف بسيط جداً
عَجِبَ اللَّهُ مِن قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ في السَّلاسِلِ (صحيح البخاري)
وفي رواية أخرى :
عَجِبتُ مِن قَومٍ يُقادونَ إلى الجنَّةِ في السَّلاسلِ (تخريج مشكل الآثار)
وأغلب شراح الحديث يقصدون من هذا الحديث من حاربنا من الكفار فأسرهم المسلمون ، وعاملوهم بالحسنى ، فأسلموا ودخلوا الجنة ، وكان شيخنا أوسعَ مداركَ إذ قال : بالإضافة إلى ذلك أنّ كل مسلم كان بعيداً عن الحق سيء التصرف ، أراد له الله الكرامة والهدى فرزقه عملاُ صالحاً ونمّاه له ورزقه التوبة الخالصة وحُسنَ الإنابةِ وقبضه عليهما، ، فمات رضيّاً فكان من أهل الجنة.
وأذكر أنّ عامة المسلمين يتداولون قولاً مأثوراً يظنونه حديثاً شريفاً ، وما هو بحديث (يؤجر المرء رغم أنفه) وهو ذو معنى صحيح يؤكده الحديث الشريف الذي ذكرناه آنفاً. يتداولونه مطمئنين إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته ورضوانه.
أما الآيات في هذا الباب فكثيرة تشرح الصدر وتدفع إلى كمال الإيمان وإلى حسن الظنِّ بالله تعالى الذي يريد لنا أن نكون من أهل الجنة ، ويعبِّد لنا الطريق إليها، منها قوله تعالى في سورة الزمر:
{ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)}
فإذا غفر الله لنا اسوأ ما نعمل حين نتوب ونستغفره فسوف يغفرلنا من باب أولى صغائر الذنوب ، وهذا معلوم لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(الصَّلواتُ الخَمْسُ، والجُمُعةُ إِلى الجُمُعَةِ، كفَّارةٌ لِمَا بَيْنهُنَّ، مَا لَمْ تُغش الكبَائِرُ) ، رواه مسلم.
ومن الحديث الذي رواه سيدنا عثمانَ بنِ عفان رضي الله تعالى عنه قالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ:
ما مِن امرئ مُسْلِمٍ تحضُرُهُ صلاةٌ مَكتُوبةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشوعَهَا، وَرُكُوعَها، إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرةٌ، وَذلكَ الدَّهْرَ كلَّهُ.. رواه مسلم.
فإذا كانت الصغائر تُمسح ابتداء كل يوم وكل صلاة ،ومسحت الكبائر حمدنا الله تعالى ونحن بين يديه على فضله ومنِّه في مسح ما تنوء به القلوب والصدور والأظهر.
ويأتي من بعد ذلك فضل عظيم عظيمٌ ، فالمرء يعمل حسنات بنسبة عشرين بالمئة ، وأحياناً بنسبة خمسين بالمئة ، وقد يقوم بعمل رائع يحوز به النجاح مئة بالمئة، ويقف المرء أمام الكريم جلَّ وعلا محبّاً راغباً بلطف الله وروعة كرمه وعطائه فيقبل الله الكريم الحنّان المنّان أعماله كلها بأحسن الذي كان يعمل - مئة بالمئة -أفلا يطير فرحاً ، ويسعد بنجاته من النار وفوزه بغفران المولى ورحمته وجنته. هكذا يكون لقاؤنا بربنا الرؤوف ،الرحيم بعباده الودود لهم قال سبحانه في سورة مريم :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا (96)} ،
فإذا كان الكامل كمالاً مطلقاً يتودد إلى عباده أفلا ينبغي أن نتودد إليه يا إخواني ؟
بلى والله، بلى.
بل هناك الكرم العظيم حيث يبدل الله سيئاتنا حسنات، أجل يبدل السيئات حسنات في قوله تعالى في سورة الفرقان :
{ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)} .
قال القرطبي في تفسير هذه الآية :أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ:
( أَتبِعِ السَّيِّئةَ الحَسنةَ تَمحُها، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ ).
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ، وآخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْها، رَجُلٌ يُؤْتَى به يَومَ القِيامَةِ، فيُقالُ: اعْرِضُوا عليه صِغارَ ذُنُوبِهِ، وارْفَعُوا عنْه كِبارَها، فَتُعْرَضُ عليه صِغارُ ذُنُوبِهِ، فيُقالُ: عَمِلْتَ يَومَ كَذا وكَذا كَذا وكَذا، وعَمِلْتَ يَومَ كَذا وكَذا كَذا وكَذا، فيَقولُ: نَعَمْ، لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُنْكِرَ وهو مُشْفِقٌ مِن كِبارِ ذُنُوبِهِ أنْ تُعْرَضَ عليه، فيُقالُ له: فإنَّ لكَ مَكانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فيَقولُ: رَبِّ، قدْ عَمِلْتُ أشْياءَ لا أراها هاهُنا ).
فَلقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ.
وقال أبو الطويل: أنَّهُ أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا رسول الله أرأيتَ رجلًا عمل الذنوبَ كلَّها فلم يترك منها شيئًا ، وهو في ذلك لم يترك حاجةً ولا داجةً إلا اقتطعها بيمينِهِ ، فهل لذلك من توبةٍ ؟
قال : هل أسلمتَ ؟
قال : أما أنا فأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريك لهُ وأنك رسولُهُ ،
قال : نعم ، تفعلُ الخيراتِ ، وتتركُ الشرَّاتِ ، يجعلهُنَّ اللهُ لك كلُّهن خيراتٍ ،
قال : وغدراتي وفجراتي !
قال : نعم ،
قال : اللهُ أكبرُ ، فما زال يُكبِّرُ حتى تَوَارى
ذكره الثعلبي .
اللهم ياذا الفضل العريض والكرم الواسع والخير المتدفّق خذ بأيدينا إلى رضاك ورحمتك وغفرانك وجنتك ، وأبعدنا عن سخطك ونارك وغضبك ..
اللهم آمين ، وصلى الله على سيدنا محمد الهادي وعلى آله وصحبه وسلم .
* بتصرف بسيط جداً