القائد البحري العظيم درغوت

إنضم
15 يونيو 2008
المشاركات
342
التفاعل
243 0 0
هو رجل غيّر تاريخ ومصير هذا الشعب العربي المسلم وأعاده إلى عروبته وإسلامه وطبيعته، بعد أن جثم عليه حقبة من الزم ، ( إثنين وأربعين سنة ، من عام 1509 إلى 1551) حكم مستبد من الأسبان الذين احتلوا طرابلس بعد معارك عنيفة وتقتيل شديد لأهلها. ثم سلموها لفرسان القديس يوحنا المالطيين . أراد هؤلاء المتعصبين من الأوربيين )أنذاك( تطويع هذا الشعب الليبي إلى إرادتهم ، إلا أن إرادة الله عز وجل أبت إلا أن تذلّهم وتجليهم عن هذه الأرض الطاهرة وعن هذه المدينة بالذات ، طرابلس المحروسة ، وعن أهلها الطيبين ، وتردها إلى الحكم الإسلامي على يد هذا الرجل العظيم ، الرئيس درغوت أو (طرغود رئيس) ، كما يسميه الأتراك.

وتبدأ قصتنا مع هذا الرجل العظيم ، حينما أيقن أهل طرابلس من عجزهم عن التخلص من هذا العدو الظالم ، بعثوا في عام 1519 وسيطا إلى اسطنبول عاصمة السلطان العثماني سليمان القانوني ، يطلبون منه العون فى تحرير طرابلس من يد هؤلاء المستبدين . فأرسل إليهم مراد آغا الذى كان يتكلم العربية، صحبة قوة بسيطة، فحاول بمساعدة بعض الليبين تحرير طرابلس، إلا أنه لم يفلح فمكث غير بعيد عن طرابلس مدة إثنين وعشرين عاما ببلدة (تاجوراء) التى تبعد عشرين كيلومترا شرقي طرابلس ، حيث بني بها مدرسة ومسجدا كبيرا لازال قائما ويعرف بإسمه حتى الآن .

وكانت الدولة الإسلامية العثمانية أنذاك قوية جدا وذات بأس شديد، لذا فإن الدول الأوروبية كانت تهابها وتحسب لها ألف حساب. وقد إمتد نفود وسلطان الدولة العثمانية ونشرت الدين الإسلامي فى بعص البلدان الأوروبية وتوغلت فيها وخصوصا فى دول البلقان ، ووصل أوج قوتها أثناء حكم السلطان سليمان القانوني ، الذي استمر حكمه نحو ثمان وأربعين سنة.


وما انفك مراد آغا يكاتب السلطان العثماني، ويزكيه فى ذلك الرئيس درغوت، ويخبراه بحال طرابلس وما يعانيه أهلها من ظلم وقهر على يد هؤلاء المحتلين الأوروبيين الظلمة إلى أن اقتنع السلطان سليمان القانوني، بعد نحو إثنين وثلاثين سنة من إرسال الوسيط ، بضرورة إستعادة طرابلس من يد الأوروبيين للمرة الثانية ، بعد أن فتحها فى المرة الأولى عمرو بن العاص منذ أقل من ألف سنة خلت ، وبضرورة إرجاعها إلى الحكم الإسلامي ، وكذلك لغرض تأمين الطرق البحرية بالبحر الأبيض ، وخصوصا بعد أن وافته الأخبار بانقضاض بعض القراصنة الأوروبيين على باخرة تحمل حجاجا عائدين من بيت الله الحرام، ولم يجد السلطان سليمان القانوني لهذه المهمة الصعبة إلا رجلا واحدا يتمتع بالشجاعة والدهاء الحربي والخبرة الواسعة بأحوال وبجغرافية البحر الأبيض ، ألا وهو الرئيس درغوت . فمن هو درغوت !؟

إن القليل منا - ونحن الليبيون بالذات – من يذكرفضله الذى لاينسى أو يعي تاريخه ، بل إن الكثير منا لا يعرف حتى هويته. وهذا ليس نكران للجميل ، فما عرف عن هذا الشعب العربي الطيب نكرانه للجميل وللرجال العظام ، بل هي أزمة ثقافة ليس إلا ،
ولد درغوت ، وهو إبن أحد الرعاة وإسمه )ولي( عام 1478 م ( 890 هـ) فى إحدى القرى التركية التى كانت تسمى (سراولوز) والواقعة شمال جزيرة (رودس) اليونانية. وكان درغوت مصارعا قوي البنية ويتمتع بذكاء مفرط وشجاعة كبيرة ، وقد اختار لنفسه منذ الصغر أن يركب البحر فعمل ربانا مع الأخوين (وروج) و(خضر) ، ثم بدأ يعمل بالقرصنة لحسابه الخاص ، وكانت القرصنة مهنة شائعة أنذاك ، ورويدا رويدا إمتلك الكثير من السفن وأخد يغير على المدن الساحلية والمراكب الأوربية التى كانت تجوب البحر الأبيض المتوسط ويغنم منها الكثير.
وفي إحدى جولاته البحرية استولى على ثمان عشرة سفينة أوروبية . وهكذا شاعت سطوته بين الدول الأوروبية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط ، وأشاع فيها الفزع ودخل فى الكثير من المعارك البحرية معهم . وجدّوا فى طلبه وأسره وبعثوا الأساطيل وراءه لهذا الغرض.

وفعلا فقد أسر درغوت أكثر من مرة من قبل الأوروبيين . ففي عمر الثالثة والخمسين أي نحو عام 1531 أسره الإيطاليون بعد معارك حامية الوطيس أثناء محاولته الإستيلاء على جزيرتهم (كورسيكا) ، حيث فقد جل قواته وأحرقت فيها سفينته ، وألقي القبض عليه وأسر وسجن فى مدينة (جنوة) الإيطالية نحو ثلاث سنين ، كما استخدموه في تجديف مراكبهم انتقاما منه .

ولكن صديقه خير الدين باشا ، المشهور ب " برباروسا " ، تدخل بفدائه بالمال الكثير إلا أنهم لم يقبلوا بالفدية ، فهددهم بحرق سفنهم وسواحلهم إن لم يطلقوا سراحه ، فانصاعوا لتهديده وأعيدت لدرغوت حريته واحتفل الصديقان بهذه المناسبة . فذهب به خيرالدين مع مجموعة من أمراء البحر إلى اسطنبول وقدمهم إلى السلطان وعرض عليه دخولهم فى خدمة البحرية العثمانية . وهكذا عاد درغوت إلى البحر قويا كما كان وأكثر وزادت شهرته وداع سيطه أكثر.

ويذكر أن درغوت كاد أن يقع فى الأسر حينما كان وسفنه بجزيرة جربة فى عام 1551 إذ أطبقت عليه سفن العدو وحاصروه فما كان منه إلا أن هرّب سفنه برا إلى الجانب الآخر من الجزيرة ، فنجا بقواته وتفاجأ العدو بهذه الخطة الذكية. كما يذكر بأن بلدة (المهدية) بتونس قد استولى عليها درغوت عام 939 هـ. وهكذا كانت حياته مليئة بالمغامرات البحرية الجريئة الخطرة التى كادت أن تودي بحياته فى العديد من المرات.

وكاد السلطان أن يوليه وزارة البحرية ، التى كان أحق بها وأجدر، إلا أنّ رئيس الوزراء رستم باشا، الذي يبدو أنه كان يناصبه العداء، منع عنه هذا التعيين . كما منع عنه أيضا تولّيه إمارة طرابلس الغرب حين فتحها، كما سنأتي على ذكره لاحقا .أن درغوت لم يعرف عنه الدهاء والمناورات السياسية بقدر ماعرف عنه القيادة والدهاء الحربي والبحري.

تلقى درغوت أمرا من السلطان سليمان القانوني بالتوجه إلى إسطنبول لمقابلته. وهناك استقبله السلطان بالترحاب وأهداه مصحفا وسيفا مرصعا وطلب منه الإشتراك فى الحملة البحرية القوية التى أعدها لفتح طرابلس الغرب تحت إمرة سنان باشا، الذي كان صديقا وزميلا له فى المغامرات البحرية. كما وعده السلطان بأن يولّيه إمارة طرابلس بعد فتحها، فسرّ درغوت واستبشر خيرا.

وكانت هذه القوة مكونة من مئة وعشرين سفينة حربية ، كما تبرع درغوت بخمسين سفينة أخرى من سفنه الخاصة ، وتوجهت هذه القوة الهائلة صوب جزيرة مالطا ، كخدعة للعدو ليبعد إهتمامه عن طرابلس ويمنع عنها المدد، وفعلا حطت القوة بمالطا وبدأت فى المناوشات والتدمير والأسر وحتى الإحتلال لبعض جزرها ، زيادة فى التأكيد .

ثم توجهت القوة إلى طرابلس الغرب وحطت الرحال فى (تاجوراء) وبدأت فى ضرب حصار حول مدينة طرابلس ، ولم تستطع قوات العدو مواصلة المقاومة ، فعرضوا على سنان باشا الإستسلام على أن يؤمّن لهم الإجلاء إلى مالطا بسلام. فقبل سنان باشا بذلك ، ودخل المدينة فاتحا يوم الجمعة الحادي عشر من شهر شعبان عام 958 هجري ، الموافق 15/8/1551 ومعه درغوت .

وبالرغم من فرحة درغوت بهذا النصر المبارك إلا أنه كان يشوبها بعض الكدر ، إذ أصدر السلطان أمرا بتولية إمارة طرابلس الغرب إلى مراد آغا بدلا من درغوت الذي سبق وأن وعده السلطان بذلك. فاغتم درغوت وعزم على الرحيل بقواته إلى المغرب، فأرادت بقية القوة السلطانية أن تتبعه، ويبدو أنه خشي الفتنة والإنقسام ، كما أن سنان باشا وبقية الربابنة سألوه العدول عن رأيه والذهاب إلى أسطنبول .فاقتنغ بذلك ، ربما منعا للفتنة . وهناك أسند له السلطان منصبا سياسيا.

وبعد نحو خمس سنوات، أي حوالي عام 1556، توفي مراد آغا رحمه الله ، فأصدر السلطان أمرا بتولية درغوت باشا أمير أمراء طرابلس الغرب ، فأولاها عنايته الفائقة وجلب إليها بعض الإنكشاريين لتنظيم المدينة، وحصنها تحصينا محكما وأشاع فيها الأمن والأمان والعدل والخير والرخاء ، وأحب درغوت المدينة وعمّرها وبنى بالمدينة وعلى شاطىء البحر المطل على الميناء مسجدا جميلا وأوصى أن يدفن به ، كما بنى خلفه حماما مازال يأمه الناس ويعرف بإسمه ، كما أحب أهلها كثيرا ، وبادلوه نفس الحب.

إستمر درغوت فى حكم طرابلس الغرب من نصرا الى نصر ومن مغامرة الى اخرى مدة تسع سنوات ، وخلالها قدم إليه أهل (القيروان) وطلبوا منه ردع حاكمها محمد بن أبي الطيب الشابي لظلمه عليهم فانطلق إليه بقوة وقتله ونصّب علي القيروان (حيدر باشا) ثم عاد إلى طرابلس . كما تم خلالها قهر الحملة الاوروبية التي ضمت اساطيل من كل من فرنسا وجنوة والبندقية وصقلية والمدعومة بجحافل الاسبان والكثير من المرتزقة الالمان وقد كانت هذه الحملة تتالف من 65 سفينة على ظهرها 30 الف مقاتل بغية احتلال طرابلس والتي اصبحت بفعل قيادة درغوت كشوكة في حلق القوى الاوروبية حيث علم درغوت بالاستعدادات التي تتم في اوروبا عن طريق احدى السفن الاوروبية التي اسرها فارسل في الحال الى اسطنبول طلبا للنجدة وقام بتجهيز الاسطول الليبيي بحوالي عشرين سفينة حربية وقام بمناوشة الاسطول الاوروبي عند جربة حيث حاصره الاوروبيين داخل خليج في الجزيرة وضيقو عليه الخناق دون ان ياتيه المدد ولكنه صمد صمودا انهش منه قادة الحملة منهم الادميرال المشهور اندريا دوريا وقد قام درغوت بحيلة شيطانية بان مرر سفنه الى الجهة الخرى من الجزيرة حيث ارغم الاسرى النصارى على العمل على زحلقة السفن على اعمدة خشبية كبيرة وقد ادهشت هذه الحيلة الاوروبين لدرجة ان عمت بينهم الفوضى والاضطراب بعد ان افلت درغوت منهم وكانو يتوقعون وصول الاسطول التركي والذي لاحت سفنه في الافق وما راها الاوروبين حتى دب فزع عظيم ورعب هائل في صفوفهم حيث تمت مهاجمتهم على الفور بالاسطولين التركي والطرابلسي حيث انسحب النصارى بالاسطول بهلع تاركين ورائهم اكثر من 5000 الف جندي كانو يقومون بانزال بري والذين وقعو لقمة سائغة بيد اسطول درغوت حيث اقتيدو كاسرى وامتلئت بهم سجون مدينة طرابلس .

ثم كان فى آخر حياته أن كلّفه السلطان بالتوجه إلى مالطا ليلحق بالأسطول العثماني ويساعده فى فتح مالطا ، وبعد أسبوع لحق بهم درغوت هناك بقوات من عنده، إلا أنه وجد القوة العثمانية تحاصر مالطا وتشتبك مع المالطيين فى أماكن صعبة من الجزيرة ، حسب خبرته الطويلة بجغرافية الجزر بالبحر الأبيض الذى أمضى فيه جل حياته ، فعرض على القادة تغيير الخطة وتغيير المكان، فأبوا عليه ذلك واستمرت المعارك ، وفعلا لم يتمكنوا منها ، وفشلت الحملة ، و أصيب درغوت بشظية فى رأسه حيث نزف وبقي مغميا عليه عدة أيام إلى أن أسلمت روحه الطاهرة إلى بارئها يوم 23 /6/1567، أي وهو فى عمر التاسعة والثمانين ، فيالها من عمر يجاهد ويستشهد فيها الرجال . وحمل جثمانه الطاهر صحبة خمس سفن إلى مدينة طرابلس التى أحبها وأحبته ، ودفن حيث أراد وأوصى ، بحديقة مسجده الذي شيده والواقع بطريق البحر بالقرب من ميناء طرابلس .

وقد ورد في أحد المراجع ( اليوميات الليبية للفقيه حسن ) أنه حين حضرت الوفاة درغوت باشا ، قال له الجماعة : ياسيدي ، أدع لنا لبلادنا طرابلس . فقال : " اللهم بجاه ملايكة السموات السبع وبجاه ملايكة الأرضين السبع أن تجعل كل من حفر فيها حفرة يكون رأسه مغلاقها – بجاه نبيك محمد وآله وصحبه " . إلى هذا الحد وإلى آخر نفس من أنفاسه الطاهرة لم ينسى درغوت حبه لطرابلس وأهلها وغيرته القوية عليها.
وهكذا رحل درغوت والذي احب مدينة طرابلس اكثر من اي بقعة في الدنيا واولاها اهتماهه حتى جعل منها درة على رمال الشاطئ تلامسها امواج المتوسط وكانت اخر العبارات التي قالها وهو يلفظ انفاسه الاخيرة ان اوصى بالخير لها ودعا على من يلحق الاذى بها بان يكون حتفه جزاء لذلك



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- سامح ، عزيز ، " الأتراك العثمانيون فى أفريقيا الشمالية " ، ترجمة عبد السلام أدهم، دار الفرجاني ، القاهرة- طرابلس - لندن ، 1991.

- الأنصاري ، أحمد بك ، " المنهل العذب فى تاريخ طرابلس الغرب " ، (دارف) المحدودة ، لندن ،1984.

- اللوحة العربية لتاريخ مختصرلحياة " درغوت رئيس " بحجرة ضريحه بمسجده ، فى مدينة طرابلس الغرب.

- مجلة " الأفكار" الليبية 1957 التى (كانت) تصدر عن جمعية الصداقة الليبية التركية .

- الفقيه حسن، حسن ، " اليوميات الليبية " ، الجزء الأول ، تحقيق محمد الأسطى و عمار جحيدر ، 1984 ، منشورات جامعة الفاتح، مركز جهاد الليبين ضد الغز
 
انا بانتظار تعليقات وردود الاخوة الاعضاء ومن كان منهم لديه انتقاد فيما سبق فليقله بشرط ان يكون الحوار قلاني بدون اي تجريح او كلم خارج لان الماضيع بدون الردود تكون مثل الجوهرة المكسوة بالطين الذ يفقدها بريقها وشكرا
 
انا بانتظار تعليقات وردود الاخوة الاعضاء ومن كان منهم لديه انتقاد فيما سبق فليقله بشرط ان يكون الحوار قلاني بدون اي تجريح او كلم خارج لان الماضيع بدون الردود تكون مثل الجوهرة المكسوة بالطين الذ يفقدها بريقها وشكرا
ومن سيعترض علي هكـذا موضوع ، إنه رائع ، جزاك الله خيرااا..

ورحم الله درغوت باشا القائل "اللهم من يحفر لطرابلس حفرة يجعل راسه مغلاقها"..
 
عودة
أعلى