حرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ توليه رئاسة حزب العدالة والتنمية على أن تضم حاشيته مجموعة من الأكاديميين والمنظرين، على ضوء استثماره لظاهرة “المثقف الإسلامي” و”الأكاديمي الإسلامي”، وقد ظل المثقف والمنظر والأكاديمي الأول في حاشية أردوغان بلا منازع هو أحمد داود أوغلو، فالأخير هو من صاغ مصطلح العثمانيين الجدد ومشروع هذا التنظيم الإقليمي، ووجد أردوغان في داود أوغلو الثقة اللازمة لكي يترأس حزب العدالة والتنمية ورئاسة الوزراء خلفاً له.
ولكن بعد الخلافات بين أردوغان وداود أوغلو وخروج الأخير من حزب العدالة والتنمية، تنافس الصف الثاني من المثقفين والأكاديميين على ملء هذه المساحة، وأسفرت اختيارات أردوغان عن تقريب مستشاره ياسين أقطاي إلى جواره ليصبح مستشاره الأول، بينما أصبح فؤاد اقطاي أول نائب لرئيس الجمهورية التركية في 10 يوليو 2018 عقب استحداث هذا المنصب خلال الاستفتاء الدستوري التركي عام 2017.
ياسين أقطاي أستاذ علم الاجتماع والحاصل على الدكتوراه، وأستاذ جامعي/بروفيسور في جامعة سلجوق، له العديد من الكتب المنشورة أبرزها “سيد قطب: اللاهوت السياسي والفقه والنزعة التاريخية”، إلى جانب أنه المستشار الأول لأردوغان فإنه يشغل منصب نائب رئيس حزب العدالة والتنمية.
وبحكم معرفته باللغة العربية، أصبح أقطاي جسر أردوغان لتوصيل الرسائل المباشرة أو غير المباشرة بالأنظمة العربية، سواء في لقاءات مباشرة أو عبر منصة تويتر، إضافة إلى مقالاته وعموده الصحفي الثابت.
ورغم دوره في مخاطبة الأنظمة العربية إلا أنه اضطلع أيضًا بمهام وظيفية تتعلق بالتواصل مع عناصر التنظيم المحلي والدولي للإخوان المقيمين في لندن، إضافة إلى تنسيقه بين مكتب الرئيس التركي والعناصر المصرية الهاربة إلى أنقرة والدوحة وإسطنبول، خصوصًا الغرف المشتركة لإدارة بعض عمليات توجيه الرأي العام المصري عبر الإعلام واللجان الإلكترونية.
ورغم أن أقطاي قد سجل أكثر من مرة تصريحات حادة بحق الإدارة المصرية، إلا أنه كان دائماً ما يوجه رسائل هادئة بين السطور تدعو إلى الحوار ما بين القاهرة وأنقرة، والترويج لفكرة أن المصالح المشتركة بين مصر وتركيا أكبر وأهم بكثير من مصالح القاهرة مع أثينا أو غيرها من دول حوض المتوسط. ولكن بعد التصريح التاريخي للرئيس عبد الفتاح السيسي حول الخط الأحمر في ليبيا، أصبحت تصريحات أقطاي حيال مصر خالية من الحدة، وتجنح إلى عرض التواصل وطلب الاتصال المباشر بين القاهرة وانقرة.
وأصبح واضحًا أمام المراقبين أن أنقرة تطلب من القاهرة تحسين العلاقات، ولا عجب في ذلك لأن الرئيس التركي صاحب باع طويل في التقلبات السياسية والتناقض الدبلوماسي، فلا عجب أن كنا نرى اليوم أقرب وأخلص مستشاريه “يجس نبض” القاهرة من أجل إجراء اتصالات هي الأقوى من نوعها منذ قيام ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بالنظام الاخواني الموالي لأنقرة.
ولكن هل تقدر تركيا على ثمن عودة العلاقات مع مصر؟ إن تركيا الأردوغانية عملت ما بين عامي 2003 و2011 على وجه التحديد على صناعة مشروع إقليمي لتركيا كان قد انتهى منذ سقوط النظام الإسلامي لعدنان مندريس عقب ثورة عام 1960، وأصبح هذا المشروع بمثابة صراع عربي تركي علني ومباشر منذ عام 2011 في معركة موازية للصراع العربي الإسرائيلي والعربي الإيراني، وإن تقاطعت واتصلت الأجندات الإيرانية والإسرائيلية مع الأجندة التركية في ضرب الدول العربية.
مصر لن تذهب إلى مصالحة منفردة مع تركيا، إذ إن العلاقات المصرية التركية ليست أكثر أهمية من الزعامة المصرية للعالم العربي أو العلاقات المصرية العربية واتصال الامن القومي المصري بالأمن الجماعي العربي.
إن النظام التركي قد عبر خطوطًا حمراء منذ سنوات بعيدًا عن الخط الأحمر في ليبيا أو شرق المتوسط، فالقاهرة لن تقبل إلا بغلق كافة القنوات التركية الناطقة باللهجة المصرية واللغة العربية والتي تحرض على الإرهاب والفوضى، وتسليم القائمة المعلنة من الأسماء المتورطة في الإرهاب والفوضى والتي تتخذ من تركيا ملاذًا لها منذ يونيو 2013.
كما أن القاهرة لديها مطلب صارم حول بنك معلومات المخابرات التركية حيال العمليات الإرهابية التي جرت على الحدود المصرية الليبية ومحافظة شمال سيناء، إضافة إلى توقف الغزو التركي لليبيا وانسحاب أنقرة من محور طرابلس – مصراته الليبي.
وحول ملف شرق المتوسط فإن القاهرة لن تستجيب لأي اتصال تركي قبل أن تعترف أنقرة بكافة المعاهدات التي أبرمتها مصر مع اليونان وقبرص وإيطاليا في إطار ترسيم الحدود البحرية، والتوقف عن الادعاء بأن لتركيا حقوقًا في تلك المنطقة بعد أن طبقت دول حوض المتوسط القانون الدولي ومارست حقها في رسم حدودها البحرية وفقًا للمعاهدات الدولية دون الإخلال بحق تركيا، ولكن أنقرة في إطار الخطاب الشعبوي لأردوغان تدعي أن لها حقًا في مناطق تابعة للمياه اليونانية.
كما أن الاحتلال التركي لبعض الأراضي السورية والعراقية أمر مرفوض مصريًا، كذا محاولات أنقرة للتأثير في الملف اليمني، والخلافات بين أنقرة وأبو ظبي خاصة التدخل التركي الأخير في الشأن الداخلي الإماراتي المتعلق ببدء العلاقات الدبلوماسية بين أبو ظبي وتل أبيب.
إن القاهرة سبق وأن أرسلت أكثر من إشارة إلى أنها تفضل تصفية الصراع العربي التركي مع إدارة تركية أخرى لا يرأسها الرئيس التركي الحالي، على ضوء خطاب أردوغان المتجاوز بحق الثورة المصرية وشعبها والجيش المصري وقائده الأعلى.
إن تركيا ليست في موضع قوة حتى تفرض أي شروط على القاهرة للتصالح أو حتى الوصول إلى صيغة مشتركة، إذ إن كافة مطالب تركيا من القاهرة قد حاولت أنقرة إنجازها بالقوة والتنسيق مع أعداء مصر ومحاولة انتهاك الأمن القومي المصري، وبالتالي عقب فشل كافة محاولات تركيا للحصول على مطالبها من مصر، لا يمكن أن يتصور عاقل أن تهدى القاهرة تلك الأهداف لأنقرة بينما رجب طيب أردوغان هو من يدير المشهد في ترك
ولكن بعد الخلافات بين أردوغان وداود أوغلو وخروج الأخير من حزب العدالة والتنمية، تنافس الصف الثاني من المثقفين والأكاديميين على ملء هذه المساحة، وأسفرت اختيارات أردوغان عن تقريب مستشاره ياسين أقطاي إلى جواره ليصبح مستشاره الأول، بينما أصبح فؤاد اقطاي أول نائب لرئيس الجمهورية التركية في 10 يوليو 2018 عقب استحداث هذا المنصب خلال الاستفتاء الدستوري التركي عام 2017.
ياسين أقطاي أستاذ علم الاجتماع والحاصل على الدكتوراه، وأستاذ جامعي/بروفيسور في جامعة سلجوق، له العديد من الكتب المنشورة أبرزها “سيد قطب: اللاهوت السياسي والفقه والنزعة التاريخية”، إلى جانب أنه المستشار الأول لأردوغان فإنه يشغل منصب نائب رئيس حزب العدالة والتنمية.
وبحكم معرفته باللغة العربية، أصبح أقطاي جسر أردوغان لتوصيل الرسائل المباشرة أو غير المباشرة بالأنظمة العربية، سواء في لقاءات مباشرة أو عبر منصة تويتر، إضافة إلى مقالاته وعموده الصحفي الثابت.
ورغم دوره في مخاطبة الأنظمة العربية إلا أنه اضطلع أيضًا بمهام وظيفية تتعلق بالتواصل مع عناصر التنظيم المحلي والدولي للإخوان المقيمين في لندن، إضافة إلى تنسيقه بين مكتب الرئيس التركي والعناصر المصرية الهاربة إلى أنقرة والدوحة وإسطنبول، خصوصًا الغرف المشتركة لإدارة بعض عمليات توجيه الرأي العام المصري عبر الإعلام واللجان الإلكترونية.
ورغم أن أقطاي قد سجل أكثر من مرة تصريحات حادة بحق الإدارة المصرية، إلا أنه كان دائماً ما يوجه رسائل هادئة بين السطور تدعو إلى الحوار ما بين القاهرة وأنقرة، والترويج لفكرة أن المصالح المشتركة بين مصر وتركيا أكبر وأهم بكثير من مصالح القاهرة مع أثينا أو غيرها من دول حوض المتوسط. ولكن بعد التصريح التاريخي للرئيس عبد الفتاح السيسي حول الخط الأحمر في ليبيا، أصبحت تصريحات أقطاي حيال مصر خالية من الحدة، وتجنح إلى عرض التواصل وطلب الاتصال المباشر بين القاهرة وانقرة.
وأصبح واضحًا أمام المراقبين أن أنقرة تطلب من القاهرة تحسين العلاقات، ولا عجب في ذلك لأن الرئيس التركي صاحب باع طويل في التقلبات السياسية والتناقض الدبلوماسي، فلا عجب أن كنا نرى اليوم أقرب وأخلص مستشاريه “يجس نبض” القاهرة من أجل إجراء اتصالات هي الأقوى من نوعها منذ قيام ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بالنظام الاخواني الموالي لأنقرة.
ولكن هل تقدر تركيا على ثمن عودة العلاقات مع مصر؟ إن تركيا الأردوغانية عملت ما بين عامي 2003 و2011 على وجه التحديد على صناعة مشروع إقليمي لتركيا كان قد انتهى منذ سقوط النظام الإسلامي لعدنان مندريس عقب ثورة عام 1960، وأصبح هذا المشروع بمثابة صراع عربي تركي علني ومباشر منذ عام 2011 في معركة موازية للصراع العربي الإسرائيلي والعربي الإيراني، وإن تقاطعت واتصلت الأجندات الإيرانية والإسرائيلية مع الأجندة التركية في ضرب الدول العربية.
مصر لن تذهب إلى مصالحة منفردة مع تركيا، إذ إن العلاقات المصرية التركية ليست أكثر أهمية من الزعامة المصرية للعالم العربي أو العلاقات المصرية العربية واتصال الامن القومي المصري بالأمن الجماعي العربي.
إن النظام التركي قد عبر خطوطًا حمراء منذ سنوات بعيدًا عن الخط الأحمر في ليبيا أو شرق المتوسط، فالقاهرة لن تقبل إلا بغلق كافة القنوات التركية الناطقة باللهجة المصرية واللغة العربية والتي تحرض على الإرهاب والفوضى، وتسليم القائمة المعلنة من الأسماء المتورطة في الإرهاب والفوضى والتي تتخذ من تركيا ملاذًا لها منذ يونيو 2013.
كما أن القاهرة لديها مطلب صارم حول بنك معلومات المخابرات التركية حيال العمليات الإرهابية التي جرت على الحدود المصرية الليبية ومحافظة شمال سيناء، إضافة إلى توقف الغزو التركي لليبيا وانسحاب أنقرة من محور طرابلس – مصراته الليبي.
وحول ملف شرق المتوسط فإن القاهرة لن تستجيب لأي اتصال تركي قبل أن تعترف أنقرة بكافة المعاهدات التي أبرمتها مصر مع اليونان وقبرص وإيطاليا في إطار ترسيم الحدود البحرية، والتوقف عن الادعاء بأن لتركيا حقوقًا في تلك المنطقة بعد أن طبقت دول حوض المتوسط القانون الدولي ومارست حقها في رسم حدودها البحرية وفقًا للمعاهدات الدولية دون الإخلال بحق تركيا، ولكن أنقرة في إطار الخطاب الشعبوي لأردوغان تدعي أن لها حقًا في مناطق تابعة للمياه اليونانية.
كما أن الاحتلال التركي لبعض الأراضي السورية والعراقية أمر مرفوض مصريًا، كذا محاولات أنقرة للتأثير في الملف اليمني، والخلافات بين أنقرة وأبو ظبي خاصة التدخل التركي الأخير في الشأن الداخلي الإماراتي المتعلق ببدء العلاقات الدبلوماسية بين أبو ظبي وتل أبيب.
إن القاهرة سبق وأن أرسلت أكثر من إشارة إلى أنها تفضل تصفية الصراع العربي التركي مع إدارة تركية أخرى لا يرأسها الرئيس التركي الحالي، على ضوء خطاب أردوغان المتجاوز بحق الثورة المصرية وشعبها والجيش المصري وقائده الأعلى.
إن تركيا ليست في موضع قوة حتى تفرض أي شروط على القاهرة للتصالح أو حتى الوصول إلى صيغة مشتركة، إذ إن كافة مطالب تركيا من القاهرة قد حاولت أنقرة إنجازها بالقوة والتنسيق مع أعداء مصر ومحاولة انتهاك الأمن القومي المصري، وبالتالي عقب فشل كافة محاولات تركيا للحصول على مطالبها من مصر، لا يمكن أن يتصور عاقل أن تهدى القاهرة تلك الأهداف لأنقرة بينما رجب طيب أردوغان هو من يدير المشهد في ترك