الأرض في المنظور العسكري

إنضم
24 يناير 2009
المشاركات
6
التفاعل
0 0 0
بسم الله الرحمن الرحيم
الأرض في المنظور العسكري
مقدم باحث جغرافي (م) هاني عبد الرحيم العزيزي
الأرض هي بداية الحرب ونهايتها وإن كانت برية أو بحرية أو جوية ، ودراستها كساحة معركة أو حرب أمر أساسي ، فمنها تنطلق الآليات والطائرات والسفن ، وفيها يخزن السلاح والعتاد والمؤن وينقل إلى حيث تدعو الحاجة . ويطلق لفظ الأرض terrain على أي بقعة من اليابسة ، بما فيها من معالم طبيعية واصطناعية ، وتعني كمصطلح عسكري اليابسة التي تنوي أو يفترض أن تقاتل عليها القوات الصديقة . وتعطي مجموعة من عناصر الطقس weather والطوبوغرافيا topography كل مساحة من الأرض خصائصها المميزة والخاصة ، ويمكن تسميتها الجوانب أو العناصر العسكرية الخاصة بالأرض military aspects of terrain ، وعلى المخططين والقادة تقييم المظاهر والخصائص وتقديرها بكل عناية وحرص ، وهو ما يعرف بتحليل الأرض ، لما لها من دور رئيس ومؤثر في تحديد كيفية تحريك ونشر القوات والأسلحة ، ونقل ذلك من الخرائط العسكرية في غرف العمليات إلى واقع الحال في أرض المعركة .

تختلف صيغ عرض عناصر الأرض ، وتجملها الكتب والكراسات العسكرية الغربية بكلمات تتألف من الحروف الأولى للكلمات المقصودة ، أي ما تسمى acronym ، إذ يطلق على هذه العناصر COCOA ، وأحيانا OCOKA ، وأحيانا أخرى KOCOA ، وتشير جميعها إلى نفس العناصر والمكونات مع اختلاف الترتيب والجمع بين العناوين . إذ يشير الحرف الأول C إلى مصطلح critical terrain أو الحرف K إلى مصطلح key terrain ويعنيان الأرض الحيوية أو المهمة ، ويشير الحرف O إلى مصطلح observation أي الرصد ( المراقبة ) في حين يشير حرف O الثاني إلى مصطلح obstacles أي الموانع ( العوائق ) ، ويشير الحرف C إلى مصطلح cover أي الستر أو الغطاء ( الحماية ) وإلى مصطلح concealment أي التخفية ، كما يشير الحرف A إلى مصطلح avenues of approach أي المقتربات أو المحاور أو طرق الاقتراب .

معالم الأرض الحيوية / المهمة key terrain features :
الأرض الحيوية أو المهمة ، وقد تسمى الأرض المفتاحية ، هي أي منطقة أو موقع يؤدي احتلاله أو تدميره إلى إعطاء ميزة واضحة وهامة لطرف من المتحاربين على الآخر، ويؤدي استيلاء العدو على أرض كهذه إلى استحالة أو تعذر إنجاز الوحدة العسكرية لمهمتها وواجبها .

العوامل التي تجعل من مَعْلم أو منطقة ما أرضا حيوية هي ميزة الرصد وساحات الرمي ، وفي الوقت نفسه يمكن اعتبار الموانع أرضا حيوية عندما يستولي عليها أحد طرفي القتال ، حيث تمنع أو تحول دون حركة الطرف الآخر . وفي بعض المناطق كالجبال والأدغال jungles حيث تتحدد الحركة في طرق تم إنشاءها وممرات تم فتحها وطرق المواصلات الأخرى ، كل هذه الطرق والممرات تعتبر أرضا حيوية ، كما يعتبر جسر على نهر لا يمكن الخوض فيه unfoldable أرضا حيوية عندما يؤدي الاستيلاء عليه ، حيث لا حاجة لعبوره بعملية هجومية ، وينسحب الأمر على مرافق خاصة بإقلاع وهبوط الطائرات . وعلى ذلك قد تكون الأرض الحيوية نقطة وليست مساحة . ويختلف تقدير أهمية الأرض الحيوية وتحديدها تبعا للمستوى القيادة ونوع الوحدة العسكرية ، والمهمة المناط بها تنفيذها . وعندما يتم اختيار وتحديد الأرض الحيوية على قائد الوحدة أن يبدأ بربط مهمته بعنصر الأرض ، إذ أن من واجب المدافع أن يسعى ويكافح للاحتفاظ بمعالم الأرض الحيوية ، في حين سيسعى المهاجم للاستيلاء عليها .

على مستوى تشكيل عسكري كبير كجيش يمكن لمدينة كبيرة أن تكون مركزا للمواصلات والاتصال ، أو قاعدة للتموين والإمداد والصيانة ، أما على مستوى الفرقة أو الفوج regiment فيمكن لأرض مرتفعة مسيطرة على المدينة أن تكون حيوية لأغراض الرصد وساحات الرمي ، وعلى مستوى كتيبة ومستويات أقل منها يمكن أن تكون الأرض الحيوية تلالا أو أودية ضمن الأرض المرتفعة المحيطة بالمدينة سالفة الذكر .

الرصد ومجالات الرمي observation and fields of fire :
الرصد مقدرة فرد أو قوة عسكرية أو أداة استشعار على رؤية هدف في منطقة معينة . والرصد لرؤية العدو أو أي أهداف معادية في ساحة المعركة أمر أساسي لتوجيه النيران المباشرة وغير المباشرة نحوها ، وما يمكن رؤيته يمكن توجيه النيران نحوه ، هذا ويفيد الرصد في السيطرة على مناورة القوات ، ومنع العدو من تحقيق عنصر المفاجأة على القوات الصديقة . ولا بد للقائد من التعرف على الأرض التي توفر الرصد المناسب لموقع أو منطقة أو طريق سواء بالنظر أو باستعمال وسائط استشعار ، مع مراعاة أن افضل رصد يتم من أعلى المعالم الأرضية في المنطقة ، وأن للرؤية ومداها أثرها الهام على الرصد وفق أحوال الطقس القائمة من ضباب وتساقط ( هطول ) مطر وثلج والظلمة ، إضافة لأحوال الضوء وانكساره ، والغطاء النباتي vegetation .

أما مجالات ( ساحات ) الرمي فهي المناطق التي يمكن أن تصلها نيران مؤثرة للأسلحة . فمجال الرمي هو مساحة من الأرض يمكن لسلاح أو مجموعة أسلحة تغطيتها بالنيران المؤثرة من موقع محدد . أما مجالات الرمي المثالية للدفاع هي الأرض ذات الانحدار الهين ، والمناسبة لمسار نيران الأسلحة المستخدمة ، وحيث يمكن مشاهدة العدو دون أي حماية من النيران الصديقة . ويمكن تحسين مجالات الرمي الطبيعية بقص الحشائش والمحاصيل الزراعية أو حرقها ، وبإزالة الأشجار والشجيرات ، وبهدم وإزالة المباني ، وبفتح ممرات خلال الغابات . وعلى القائد مراعاة الحذر عند شق مجالات للرمي إذ قد تنكشف مواقعه ، ويراعى أن النيران غير المباشرة للأسلحة تتأثر بشكل رئيس بأحوال الأرض ضمن منطقة الهدف ، وأن مجالات الرمي للنيران المباشرة تتأثر بشكل رئيس بأحوال الأرض بين الأسلحة والهدف .، كما تدخل دراسة مجالات الرمي عند دراسة العناصر الأخرى كالأرض الحيوية والتخفية وغيرها .

ويلاحظ ارتباط الرصد ومجالات الرمي معا بدرجة دراستهما معا ، لكن أيا منهما ليس مردفا للآخر ، لأن مجالات الرمي تعتمد على الرصد ، إذ يجب أن يرصد العدو لتوجيه النيران المؤثرة نحوه ، وهذه أمور هامة خاصة للمُدافع .

الستر (الغطاء ، الحماية ) والتخفية cover and concealment :
الستر هو الحماية والوقاية الطبيعية والاصطناعية من نيران العدو ، حيث توفر معالم التضاريس ومناطق التصريف المائي والمعالم الحضارية الغطاء أو الحماية . ويعتبر الستر من المسارات الأفقية لنيران الأسلحة افضل مثال ، وذلك من خلال السفح أو الانحدار الخلفي حيث يؤدي بروز معلم تضاريسي كتل على سبيل المثال بين القوات المعادية والصديقة مما يؤدي إلى عدم رصد الطرفين . وعلى القائد التعرف على معالم الأرض على طول الطرق أو في المواضع التي توفر الستر وفق نوع النيران التي تواجه قواته ، وعليهم أن يعملوا على توفير ستر لقواتهم عند الحركة ، وعند كل توقف مهما قصر فالخنادق توفر سترا ممتازا لنيران البنادق ، لكن دورها بسيط أمام نيران الهاون والمدفعية . ويتدخل عاملان في تحقيق الستر بشكل مطّرد ؛ أولهما الوقت ، وثانيهما الأرض .

والتخفية تقابل الستر ، إذ أنها الحماية والوقاية من الرصد فقط ، بما في ذلك الرصد والاستطلاع الجوي من قبل العدو ، حيث يمكن ستر الأفراد والأسلحة والمعدات من رصد القوات المعادية . ولما كان للمُدافع الفرصة لاختيار الأرض التي يرغب الدفاع عنها ، فهو ينتخب المواقع التي تتمتع بأقصى مزايا من الستر الطبيعي والتخفية ، وبالإضافة للتحصينات الميدانية والتخفية الطبيعية والتمويه camouflage مما يحسّن وضع هذه المواقع . ومما يجدر ذكره أن وسائل الرصد تطورت كغيرها من المعدات والاسلحة وباتت الأشجار لا توفر التخفية دائما .
ويعرف القادة أن معظم معالم الأرض التي توفر الستر توفر التخفية أيضا ، لكن التخفية بدورها لا توفر بالضرورة الستر . ويحسن بالقادة أن يقدروا وضع الستر والتخفية بالنسبة لقواتهم ومواقعها من وجهة نظر المهاجم المتوقع أو المحتمل .

الموانع ( العوائق ) obstacles :
هي أهداف طبيعية واصطناعية تمنع أو تؤخر أو تحول دون حركة القوات كأفراد أو آليات. وتشمل الموانع الطبيعية ذات القيمة العسكرية الجبال والأنهار والجداول والبحيرات والمستنقعات والمنحدرات الحادة والمناطق كثيفة الأشجار . وتشمل الموانع الاصطناعية حقول الألغام والقطوعات ومناطق الردم والخنادق trenches والخنادق المضادة للدبابات antitank ditches وسدود الطرق road blocks والأسلاك الشائكة وما نحو ذلك .

يقوم القادة بالتعرف على الموانع الطبيعية والاصطناعية في المناطق المعنية ، وعلى طول الطرق ، لمعرفة مدى منعها أو تحديدها للحركة العسكرية ، كما يتم التعرف على الموانع التي يمكن أن تكون إيجابية أمر سلبية الدور بالنسبة لطرفي الصراع ، وعلى سبيل المثال تكون الموانع المتعامدة مع اتجاه الهجوم أمر مفضل للمُدافع بإبطائها أو بتحديدها لوجهة المهاجم . في حين تكون الموانع الموازية لوجهة الهجوم أمر مساعد في الدفاع عن جناحي flanks القوة التي تقوم بالهجوم.

ومما يجدر ذكره أن أي مُدافع يعتمد كلية وبشكل مطلق على مانع أو أكثر ، ويعول عيه أو عليها إيقاف هجوم العدو إنما يجازف بحدوث مفاجأة له ، تتمثل في عدم نجاح هذا العائق في صد العدو . وسعيا من القادة لتحقيق أكبر قدر من فعالية الموانع ، إبقاء هذه الموانع قيد مهام الرصد وفي مدى نيرانهم .

المقتربات ( المحاور ، طرق الاقتراب ) avenues of approach :
هي معالم أرضية terrain features أو مجموعة من المعالم الأرضية التي تؤمن طريقا مناسبا لحركة وحدة عسكرية ، وتمكنها من المناورة للوصول إلى هدفها ، لتحقيق غايتها . وهي طرق تودي بالقوات الصديقة للوصول إلى القوات المعادية أو العكس . ويمكن أن تكون ضيقة كالأودية أو متسعة كالمناطق المفتوحة . ويقوم القادة بالتعرف على المقتربات في المناطق المعنية وعلى طول الطرق الموجودة . أما الخصائص والصفات المطلوبة للمقتربات فهي :
- سهولة الحركة نحو الهدف .
- الغطاء والتغطية من نيران ورصد المُدافع .
- رصد مُواتٍ ومُرض ٍ ومجالات رمي للمهاجم .
- متسع كاف للمناورة وتشتيت للوحدة التي تقوم بالهجوم .

وتورد بعض الكراسات ذلك بشكل آخر وتضيف ما يجب أن تكون عليه الطريق حتى تعتبر مقتربا ، كأن تكون من الاتساع بما يكفي لنشر القوة التي ستستعملها ، ويتم تحليل المقتربات اعتمادا على الاعتبارات التالية :
- الرصد والنار . حيث يوفر طريق الاقتراب رصدا مناسبا ونارا للقوة التي تتحرك عليه .
- التخفية والستر . حيث يوفر المقترب ظروفا مناسبة للتخفية والستر ، وهذا الاعتبار غالبا ما يكون على خلاف من الاعتبار السابق .
- الموانع . حيث يتجنب المقترب الموانع المتعامدة على اتجاه التقدم ، كما يأخذ مزايا الموانع الموازية لاتجاه التقدم .
- استخدام الأرض الحيوية . حيث توفر متسعا كاف للمناورة ، وحركة غير صعبة .

المراجع

1. هاني عبد الرحيم العزيزي : معجم مصطلحات الجغرافيا العسكرية والسياسية . دار مجدلاوي . عمان 2005.
2. Integrated Publishing, USA 2006 . www.TPUB.com.
3. Army Training Support Center ATSC . Fort Eustis VA USA 1999.
___________________________________________
نشر المقال في مجلة درع الوطن الإماراتية عام 2008
 
عودة
أعلى