حكم المسح على الحذاء العسكري وكيفيته

معمر القذافى

عضو مميز
إنضم
8 أكتوبر 2008
المشاركات
2,471
التفاعل
81 0 0
حكم المسح على الحذاء العسكري وكيفيته
الشيخ/ عبد العزيز بن سعود عرب
يتساءل كثير من العسكريين عن حكم المسح على الحذاء العسكري أو(البسطار) – كما يطلق عليه العسكريون – لصعوبة خلعه، لأنه يختلف عن الأحذية العادية، فأحببت تفصيل الحكم الشرعي في ذلك ، وبالله التوفيق.
فقد ذهب جماهير أهل العلم إلى جواز المسح على الخفين في السفر والحضر ، قال ابن عبدالبر رحمه الله : " لا ينكره إلا مخذول أو مبتدع خارج عن جماعة المسلمين أهل الفقه والأثر "(1) ، ونقل غير واحد من العلماء الإجماع على جواز المسح على الخفين لحاجة أو لغير حاجة . وأصبحت هذه المسألة شعاراً وفرقانا ً بين أهل السنة وأهل البدع من الروافض والخوارج ، والأدلة على مشروعية المسح على الخفين مستفيضة متواترة منها :
1- قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ) [المائدة:6 ] على قراءة الخفض في قوله: ( وأرجلكم ) أنها محمولة على مسح القدمين إذا كان عليهما الخفان(2) .
2- عن جرير رضي الله عنه : أنه بال ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له : تفعل هكذا ؟ قال : نعم رأيت رسول الله ( بال ، ثم توضأ ومسح على خفيه ، قال إبراهيم النخعي : فكان يعجبهم هذا الحديث ، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة (3).
3- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : كنت مع النبي ( ذات ليلة في مسير فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه ، وغسل ذراعيه ، ومسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه ، فقال : ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما ) (4).
وبعد هذه التوطئة المقتضبة فثمة مسائل :
المسألة الأولى : حكم المسح على الحذاء العسكري :
الحذاء العسكري أو ( البسطار ) هو :حذاء مصنوع من الجلد الطبيعي أو الصناعي ، يغطي كامل القدم بإحكام ، حتى منتصف الساق ، يزيد أو ينقص قليلاً ، ولا يلبس أو ينزع إلا بشيء من الكلفة أو المشقة ؛ و بناءً على هذا فهل يلحق بالخف في المسح عليه عند الوضوء ؟
اتفق الفقهاء على جواز المسح على الخف الذي هو من الجلود ، واختلفوا فيما إذا كان الخف من غير الجلود ، وكان ساتراً لمحل الفرض ، مع إمكانية متابعة المشي عليه على قولين والصحيح منهما هو ما ذهب الجمهور من جواز المسح على كل ساتر يمكن متابعة المشي عليه، سواءً كانت مادته من الجلود أو من غيرها(5).
وبهذا يظهر – والله أعلم – أن الحذاء العسكري ( البسطار ) هو في معنى الخف وذلك لما يلي :
1-أن مادة الحذاء العسكري، هي مادة الخف أو شبيهة بها.
2-أن الحذاء العسكري ساتر لمحل الفرض وزيادة ، مع إمكانية متابعة المشي عليه .
3-الكلفة والمشقة المترتبة على نزع الحذاء العسكري هي أولى بالمراعاة من المشقة المترتبة على نزع الخف.
المسألة الثانية: كيفية المسح على الحذاء العسكري :
يكثر ويتكرر السؤال من قبل العاملين في القطاع العسكري عن كيفية المسح على الحذاء العسكري ( البسطار ) إذا كان تحته جورب ( الشراب ) ، لأنه لا يلبس هذا النوع من الأحذية إلا وتحته جورب(6)، كي يحمي القدم من إمكانية إصابتها بالأمراض والأضرار التي تنتج من جراء مباشرة القدم للجلد الذي صنع منه الحذاء.
وللبُس الجندي للحذاء العسكري ( البسطار ) مع الجورب حالات هي :
الحالة الأولى : أن يلبس الجوربين على طهارة ، ثم يلبس عليهما ( البسطار ) قبل الحدث .
ففي هذه الحالة اتفق جمهور الفقهاء على جواز المسح على الخف الفوقاني إذا لبسه على الطهر الذي لبس بعده الأسفلين ؛ لأنه يجوز المسح على كل واحد منهما إذا انفرد ، ومنهم من قال : يصبحان كأنهما خف واحد فالأعلى ظهارة والأسفل بطانة(7).
و بناءً على هذا : يجوز للجندي المسح على ( البسطار ) إذا لبسه على طهارة لبس فوقها الجوربين.
الحالة الثانية : أن يلبس الجوربين على طهارة ، ثم يحدث ، ثم يلبس ( البسطار ) على الحدث .
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، إلى عدم جواز المسح على الخف الفوقاني إذا لبسه على حدث، لأن حكم الحدث استقر على الخف التحتاني فلا يصدق عليه حينئذ أنه أدخلهما وهما طاهرتان.(8)
الحالة الثالثة : أن يلبس الجوربين على طهارة ، ثم يحدث ويمسح عليهما ، ثم يلبس ( البسطار ) على طهارة المسح .
الحالة هذه مبنية على مسألة أخرى وهي : لبس الخف الفوقاني على طهارة المسح على الخف التحتاني ، هل يجوز له المسح عليه أم لا؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول : جواز المسح.
وهو قول المالكية ، والأظهر عند الشافعية (9) .
القول الثاني: عدم جواز المسح.
وهو قول الحنفية ، ووجه عند الشافعية ، وقول الحنابلة (10).
وسبب الخلاف مبني على أن المسح على الخفين رافع للحدث أم مبيح؟(11).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول : بأنّ لابس الخف الفوقاني قد لبسه على طهارة -لقيام مسح الخف مقام غسل الرجل في رفع الحدث -، فجاز له أن يمسح عليه ، لأنه يصدق عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين كما في الحديث (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)(12) فدل هذا على جواز المسح .
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: أن المسح على الخف التحتاني لم يُزل الحدث عن الرجل، فكأنه لبسه على حدث، فيستقر الحكم حينئذ عليه.
المناقشة:
نوقش هذا الدليل : بأن الصلاة لا تقبل بغير طهارة كاملة، فإذا كان ماسح الخفين صلاته صحيحة، فهو إذاً صلى متطهراً، وإذا كان متطهرا فقد ارتفع حدثه.
الدليل الثاني:" أن الخف الممسوح عليه بدل، والبدل لا يكون له بدل "(13)
المناقشة:
نوقش بأن الخف الفوقاني ليس هو بدلاً عن الخف التحتاني بل هو تابع له، لأن الخفين يصبحان كأنهما خف.
الترجيح:
بعد عرض الأقوال في هذه المسألة ، وأدلة كل قول، يظهر –والله أعلم-أن القول الأول القائل بجواز المسح على الخف الفوقاني إذا لبس على طهارة المسح ، له قوته ووجاهته ، وذلك لسلامة دليله من المناقشة القائمة، ولأن الحاجة غالباً ما تدعو إلى ذلك .
وبناءً على ذلك فإنه يجوز للجندي أن يمسح على ( البسطار) إذا لبسه على طهارة المسح على الجوربين ، وأن مدة المسح متعلقة بالجوربين.
الحالة الرابعة : أن يلبس الجوربين و (البسطار) على غير طهارة :
اتفق العلماء على أن من شروط جواز المسح على الخفين أن يلبسهما على طهارة، وذلك لما رواه المغيرة بن شعبة ( قال : كنت مع النبي ( ذات ليلة في مسير فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح برأسه ، ثم أهويت لأنزع خفيه ، فقال: ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) ، فمسح عليهما(14) ، قال النووي رحمه الله : "فيه دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة "(15).
فبناءً على هذا فلا يجوز للجندي أن يمسح على الجوربين و (البسطار )إذا لبسهما على غير طهارة0
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


 
عودة
أعلى