هل مصر متّجهة نحو الحرب؟
قد يتدخل الجيش المصري في ليبيا المجاورة، لكنه يريد تجنّب مواجهة كبرى على الأرجح.
سؤال: ما هي احتمالات أن تتدخل مصر عسكرياً في ليبيا أو أن تخوض مواجهة مباشرة مع القوات التركية هناك؟
يزيد صايغ: يزداد احتمال تدخّل مصر بصورة مباشرة، على الرغم من أنني أعتقد أن إدارة السيسي تفضّل بشدّة عدم التدخل، ولن تُقدم على ذلك إلا كملاذ أخير. إذا تدخلت، فليس بالضرورة أن تقوم بتدخّل كامل كي تنجح في ثني القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس وداعميها الأتراك عن التقدم إلى محور سرت-الجفرة أو أبعد منه. كما أن الجيش المصري ليس مضطراً إلى التقدم نحو ذلك المحور ولا إلى خوض مواجهة مباشرة مع القوات المدعومة تركياً كي يحقّق أهدافه.
أتوقّع أن تكون الخطوة الأولى التي ستقدم عليها مصر إرسال قوة عسكرية كبيرة عبر الحدود ثم التريّث. وهكذا، ستوجّه مصر رسالة بأنها جادّة في مسعاها وتقنع الطرف الآخر بوقف تقدّمه. ولكن إذا وقع المحظور، فمصر قادرة على إرسال أعداد كبيرة من القوات إلى ليبيا باعتبارها ملاصقة لها. وإمكاناتها أكبر من الإمكانات التركية على هذا المستوى. لكن حتى لو حدت ذلك، يُرجَّح أن تبقى القوات المصرية ضمن المنطقة الحدودية الشرقية في ليبيا.
سؤال: هل تعتقد أن مصر قد تسعى من خلال تدخلها في ليبيا إلى تحقيق أهداف تتخطى الهواجس الأمنية عند حدودهما المشتركة؟
صايغ: كلا. فالاهتمام الأساسي لمصر في ليبيا هو حماية أمنها على الحدود. مصر لا تثق بحكومة الوفاق الوطني، وترى في التدخل التركي تهديداً جدّياً. ولكن دعمها للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر نابعٌ فقط من أملها بأن يتمكن حفترمن بسط الأمن والاستقرار على الحدود المشتركة. تملك مصر مصالح اقتصادية في ليبيا، التي تؤمّن سوقاً للعمّال والمقاولين المصريين. ولكنها ليست مصالح كبرى، ولن تجازف إدارة السيسي بانتشار عسكري قد يكون مكلفاً لحماية هذه المصالح.
سؤال: في حال التدخل، هل ستخرج مصر منتصرة أم خاسرة على المستوى السياسي؟
صايغ: غالب الظن أن الدولة ستحقق مكاسب على المستوى الوطني، نظراً إلى أنها تسيطر على وسائل الإعلام الرسمية ويمكنها التحكّم بكيفية النظر إلى خطواتها الميدانية والنتائج المترتبة عنها. إضافةً إلى ذلك، يعتبر المصريون أن ليبيا تشكّل تهديداً شديداً، لذا سيرَوْن أن تصرّف الحكومة مشروع. ويُرجَّح أن تحظى مصر أيضاً بقدرٍ من التعاطف الدولي وحتى الدعم العلني من روسيا وبعض البلدان الأوروبية. ومن شأن الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية الأساسية أن تُبدي على الأرجح تفهّمها لهذه الخطوة، لكنها لن تمنحها دعماً غير مشروط. والسبب هو تخوّفها من احتمال حدوث مزيد من التصعيد العسكري في ليبيا، ومن النزاعات في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ومن توسّع النفوذ الروسي. لذلك فالأرجح أن نشهد إطلاق جهود دبلوماسية لضمان أن يكون التدخل المصري دفاعياً ومحدوداً وتدريجياً.
سؤال: هل يمكن أن يؤدّي التدخل العسكري المصري إلى قلب الموازين لصالح قوات حفتر بعد الانتكاسات الكبرى التي مُنيت بها مؤخراً؟
صايغ: مصر تدعم قوات حفتر في الأساس. لذا، من شأن التدخل المباشر أن يساعد هذه القوات إلى حد كبير من خلال حماية مؤخرتها، وإتاحة تحويل القوات من هناك إلى وسط ليبيا، ورفع المعنويات. وسوف يساهم أيضاً في الحد من الاستياء المتنامي من حفتر في شرق البلاد وكذلك داخل الجيش الوطني الليبي، إلا إذا قرّر المصريون أيضاً تحضير ودعم خلفٍ له. في مطلق الأحوال، من المرجّح جدًّا أن تسعى مصر إلى كبح جماح حفتر ومنعه من إطلاق محاولة ثانية للسيطرة على غرب ليبيا وطرابلس، وهي خطوة عارضتها العام الماضي. أعتقد أن القاهرة ستوضح لحفتر أن الهدف من أي دعم تقدّمه في المستقبل، بما في ذلك التدخّل في ليبيا، هو الحؤول دون سقوطه ليس إلا، وأن عليه القبول بمسار سياسي جديد لحل النزاع في البلاد. فالتدخّل المصري لن يكون شيكاً على بياض لحفتر.
سؤال: هل يمكن أن يساعد التأييد الإماراتي والسعودي المعلن للتدخل العسكري المصري في إلحاق الهزيمة بالقوات المدعومة تركياً في ليبيا؟
صايغ: لن تندلع حرب شاملة بمشاركة القوات المصرية في ليبيا. الإمارات قد تواصل وتعزّز توريد الأسلحة والعمليات القتالية لقواتها الجوية لدعم الجيش الوطني الليبي، بالتنسيق مع الجيش المصري. لكنني لا أتوقع أن تقلب الإمارات الموازين بشكل أكبر مما فعلت في السابق. وأعتقد أن الدعم السعودي سيبقى على مستوى القول لا الفعل.
لكن الأهم هو أن مصر لن تنخرط في حرب كبرى في ليبيا فقط لتحقيق الأجندة الاستراتيجية للإمارات أو السعودية. فاعتبارات الأمن القومي المصري فحسب ستحكم قرار التدخل أو عدمه. وتجلّى ذلك في رفض إدارة السيسي الانضمام إلى المجهود الإماراتي-السعودي المشترك في اليمن، على الرغم من قوة العلاقة السياسية التي تجمعه بالمملكتين الخليجيتين، والمشاريع المالية والاقتصادية الضخمة التي استثمرتها الإمارات والسعودية في مصر. سيفضي التدخل المصري إذاً إلى جمود استراتيجي، على أمل أن يؤدي ذلك إلى بذل المجتمع الدولي مجهوداً دبلوماسياً أكثر جديّة للتوصل إلى حل سياسي دائم لللنزاع
قد يتدخل الجيش المصري في ليبيا المجاورة، لكنه يريد تجنّب مواجهة كبرى على الأرجح.
- 23 حزيران/يونيو 2020
- English
- تعليقات القراء (5)
سؤال: ما هي احتمالات أن تتدخل مصر عسكرياً في ليبيا أو أن تخوض مواجهة مباشرة مع القوات التركية هناك؟
يزيد صايغ: يزداد احتمال تدخّل مصر بصورة مباشرة، على الرغم من أنني أعتقد أن إدارة السيسي تفضّل بشدّة عدم التدخل، ولن تُقدم على ذلك إلا كملاذ أخير. إذا تدخلت، فليس بالضرورة أن تقوم بتدخّل كامل كي تنجح في ثني القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس وداعميها الأتراك عن التقدم إلى محور سرت-الجفرة أو أبعد منه. كما أن الجيش المصري ليس مضطراً إلى التقدم نحو ذلك المحور ولا إلى خوض مواجهة مباشرة مع القوات المدعومة تركياً كي يحقّق أهدافه.
أتوقّع أن تكون الخطوة الأولى التي ستقدم عليها مصر إرسال قوة عسكرية كبيرة عبر الحدود ثم التريّث. وهكذا، ستوجّه مصر رسالة بأنها جادّة في مسعاها وتقنع الطرف الآخر بوقف تقدّمه. ولكن إذا وقع المحظور، فمصر قادرة على إرسال أعداد كبيرة من القوات إلى ليبيا باعتبارها ملاصقة لها. وإمكاناتها أكبر من الإمكانات التركية على هذا المستوى. لكن حتى لو حدت ذلك، يُرجَّح أن تبقى القوات المصرية ضمن المنطقة الحدودية الشرقية في ليبيا.
سؤال: هل تعتقد أن مصر قد تسعى من خلال تدخلها في ليبيا إلى تحقيق أهداف تتخطى الهواجس الأمنية عند حدودهما المشتركة؟
صايغ: كلا. فالاهتمام الأساسي لمصر في ليبيا هو حماية أمنها على الحدود. مصر لا تثق بحكومة الوفاق الوطني، وترى في التدخل التركي تهديداً جدّياً. ولكن دعمها للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر نابعٌ فقط من أملها بأن يتمكن حفترمن بسط الأمن والاستقرار على الحدود المشتركة. تملك مصر مصالح اقتصادية في ليبيا، التي تؤمّن سوقاً للعمّال والمقاولين المصريين. ولكنها ليست مصالح كبرى، ولن تجازف إدارة السيسي بانتشار عسكري قد يكون مكلفاً لحماية هذه المصالح.
سؤال: في حال التدخل، هل ستخرج مصر منتصرة أم خاسرة على المستوى السياسي؟
صايغ: غالب الظن أن الدولة ستحقق مكاسب على المستوى الوطني، نظراً إلى أنها تسيطر على وسائل الإعلام الرسمية ويمكنها التحكّم بكيفية النظر إلى خطواتها الميدانية والنتائج المترتبة عنها. إضافةً إلى ذلك، يعتبر المصريون أن ليبيا تشكّل تهديداً شديداً، لذا سيرَوْن أن تصرّف الحكومة مشروع. ويُرجَّح أن تحظى مصر أيضاً بقدرٍ من التعاطف الدولي وحتى الدعم العلني من روسيا وبعض البلدان الأوروبية. ومن شأن الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية الأساسية أن تُبدي على الأرجح تفهّمها لهذه الخطوة، لكنها لن تمنحها دعماً غير مشروط. والسبب هو تخوّفها من احتمال حدوث مزيد من التصعيد العسكري في ليبيا، ومن النزاعات في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ومن توسّع النفوذ الروسي. لذلك فالأرجح أن نشهد إطلاق جهود دبلوماسية لضمان أن يكون التدخل المصري دفاعياً ومحدوداً وتدريجياً.
سؤال: هل يمكن أن يؤدّي التدخل العسكري المصري إلى قلب الموازين لصالح قوات حفتر بعد الانتكاسات الكبرى التي مُنيت بها مؤخراً؟
صايغ: مصر تدعم قوات حفتر في الأساس. لذا، من شأن التدخل المباشر أن يساعد هذه القوات إلى حد كبير من خلال حماية مؤخرتها، وإتاحة تحويل القوات من هناك إلى وسط ليبيا، ورفع المعنويات. وسوف يساهم أيضاً في الحد من الاستياء المتنامي من حفتر في شرق البلاد وكذلك داخل الجيش الوطني الليبي، إلا إذا قرّر المصريون أيضاً تحضير ودعم خلفٍ له. في مطلق الأحوال، من المرجّح جدًّا أن تسعى مصر إلى كبح جماح حفتر ومنعه من إطلاق محاولة ثانية للسيطرة على غرب ليبيا وطرابلس، وهي خطوة عارضتها العام الماضي. أعتقد أن القاهرة ستوضح لحفتر أن الهدف من أي دعم تقدّمه في المستقبل، بما في ذلك التدخّل في ليبيا، هو الحؤول دون سقوطه ليس إلا، وأن عليه القبول بمسار سياسي جديد لحل النزاع في البلاد. فالتدخّل المصري لن يكون شيكاً على بياض لحفتر.
سؤال: هل يمكن أن يساعد التأييد الإماراتي والسعودي المعلن للتدخل العسكري المصري في إلحاق الهزيمة بالقوات المدعومة تركياً في ليبيا؟
صايغ: لن تندلع حرب شاملة بمشاركة القوات المصرية في ليبيا. الإمارات قد تواصل وتعزّز توريد الأسلحة والعمليات القتالية لقواتها الجوية لدعم الجيش الوطني الليبي، بالتنسيق مع الجيش المصري. لكنني لا أتوقع أن تقلب الإمارات الموازين بشكل أكبر مما فعلت في السابق. وأعتقد أن الدعم السعودي سيبقى على مستوى القول لا الفعل.
لكن الأهم هو أن مصر لن تنخرط في حرب كبرى في ليبيا فقط لتحقيق الأجندة الاستراتيجية للإمارات أو السعودية. فاعتبارات الأمن القومي المصري فحسب ستحكم قرار التدخل أو عدمه. وتجلّى ذلك في رفض إدارة السيسي الانضمام إلى المجهود الإماراتي-السعودي المشترك في اليمن، على الرغم من قوة العلاقة السياسية التي تجمعه بالمملكتين الخليجيتين، والمشاريع المالية والاقتصادية الضخمة التي استثمرتها الإمارات والسعودية في مصر. سيفضي التدخل المصري إذاً إلى جمود استراتيجي، على أمل أن يؤدي ذلك إلى بذل المجتمع الدولي مجهوداً دبلوماسياً أكثر جديّة للتوصل إلى حل سياسي دائم لللنزاع
هل مصر متّجهة نحو الحرب؟
قد يتدخل الجيش المصري في ليبيا المجاورة، لكنه يريد تجنّب مواجهة كبرى على الأرجح.
carnegie-mec.org