في خطوة مهمة لها دلالاتها الخطيرة على وضع لبنان الاقتصادي والمالي وآفاقه المستقبلية، أقدمت وكالة التصنيف الائتمانية "موديز" على خفض تصنيف البلاد من درجة "CA" إلى درجة "C"، معتبرةً أن "التصنيف الجديد يعكس تقديراتها بأن تتجاوز الخسائر التي يتكبّدها حاملو السندات نتيجة إعلان لبنان التخلّف عن سداد ديونه 65 في المئة"، ما يعني عملياً أن حامل السند لن يستعيد من أمواله أكثر من 35 في المئة على أفضل تقدير.
وتأتي تقديرات "موديز" أكثر تفاؤلاً من تقديرات الحكومة التي أوردت في خطتها للتعافي الاقتصادي والمالي، والتي تخوض على أساسها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على برنامج للحصول على دعم مالي دولي، اقتطاعاً يصل إلى 75 في المئة على سندات اليوروبوندز، في إطار عملية إعادة هيكلة الدين العام، علماً أن هذه الخطة التي أقرتها الحكومة اللبنانية غداة إعلانها التخلف عن دفع ديونها السيادية في مطلع مارس (آذار) الماضي، لا تزال تخضع للتجاذبات السياسية الداخلية، بحيث تعجز الحكومة عن تطبيقها والسير بالإصلاحات المقترحة فيها.
وانعكس هذا التخبّط على مسار المفاوضات مع صندوق النقد، إذ تعثّرت هي أيضاً وتعطّلت على الرغم من تأكيد السلطات اللبنانية أنها لا تزال قائمة وتسير في شكل طبيعي. وعلمت "اندبندت عربية" أن وزير المال غازي وزني أبلغ مجلس الوزراء ورداً على استيضاحات الوزراء، أن المفاوضات لم تتوقّف وأن لا خلافات أو تباين مع الصندوق.
وتكمن أهمية قرار وكالة التصنيف الدولية في أنه الأول لمؤسسة دولية منذ إعلان التعثّر الذي يخفّض التصنيف إلى مستوى الإفلاس.
"قرار عدم وضع نظرة مستقبلية للتصنيف الائتماني للبنان يستند إلى احتمالات مرتفعة جداً لخسائر كبيرة للدائنين من القطاع الخاص"، موضحةً "أن المؤسسات ضعيفة جداً وعاجزة عن معالجة الأزمة".
ووضعت "موديز" بتصنيفها، لبنان بالتوازي مع فنزويلا، ذلك أن الدين العام البالغ 93.14 مليار دولار في نهاية مايو (أيار) الماضي، يصنّف البلد في المرتبة الثالثة بعد اليابان واليونان من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، علماً أن اليابان حصلت على تصنيف A1 من الوكالة، مع نظرة مستقبلية مستقرّة، بينما تحتفظ اليونان بدرجة B1 مع نظرة مستقبلية مستقرّة.
وتوقّعت "موديز" أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان إلى حوالى 200 في المئة هذه السنة، خلافاً للتقديرات الحكومية المشيرة إلى العمل من أجل خفض هذه النسبة البالغة اليوم 175 في المئة إلى 90 في المئة السنة المقبلة.
في هذا السياق، يؤكد وزير المال غازي وزني، أن المالية العامة لم تسجّل عجزاً في الأشهر الخمسة الأولى من السنة الحالية، على الرغم من التراجع المثير للإيرادات، لكنه عزا ذلك إلى تراجع الإنفاق في المقابل.
ولا تخفي الوكالة قلقها من أن "انهيار العملة في السوق الموازية والارتفاع المصاحب للتضخّم يغذّيان بيئة غير مستقرة للغاية. كما أنه في ظلّ عدم وجود خطوات رئيسة نحو إصلاح معقول للسياسة الاقتصادية والمالية، فإن الدعم التمويلي الخارجي الرسمي لمواكبة إعادة هيكلة الديون الحكومية لن يكون مقبولاً"، ما سيؤدي عملياً وفق تقديرات الوكالة إلى دخول لبنان في مرحلة طويلة من الركود بسبب عدم وجود إصلاحات، كان من المتوقع أن تطلق تعهّدات المانحين الدوليين.
الغريق لا يخشى البلل
لا يشكّل قرار "موديز" مفاجأة للوسطَيْن المالي والمصرفي، ولا حتى للحكومة، إذ استوضحت "اندبندنت عربية" عدداً من الوزراء في حكومة الرئيس حسان دياب حول تعليقهم على خفض التصنيف، بخاصة أن التعامل الرسمي مع القرار جاء بارداً، فأجابوا (رفضوا الكشف عن أسمائهم) أن القرار ليس مفاجأة، وهو يدخل في إطار حملات الاستهداف التي تعرّضت لها الحكومة منذ تشكيلها، إذ إنّ خفض التصنيف يدخل في إطار حملات الضغط السياسي والاقتصادي على لبنان.
وقال أحدهم "ما الفرق بين CA و C أو حتى D، طالما أننا نغرق. فما خوف الغريق من البلل؟". وهذا التعليق يعكس حالة الإنكار التي تعيشها الحكومة لمحاذير هكذا تصنيفات وانعكاساتها على البلاد، في ظلّ تردّد معلومات عن أن تصنيف "موديز" لن يكون الأخير، بل ستتبعه الوكالات الأخرى، لا سيما "فيتش" و"ستاندرد أند بورز" بتصنيفات مماثلة في إطار تقييمها الفصلي لتصنيف البلد.
أما الوسط المالي، فلم يجد في القرار أي مفاجأة، نظراً إلى أن قرار الحكومة بالتخلّف عن سداد ديونها الخارجية اتُخذ أساساً من دون أي مفاوضات أو اتفاق مع صندوق النقد الدولي، أو حتى مع الدائنين عبر مفاوضات لتخلّف منظَّم".
وفي حين ترى "موديز" أن افتقار لبنان إلى مساحة مناورة كافية للسياسة المالية والنقدية وضعف أداء الحوكمة، بخاصة في ما يتعلّق بالسيطرة على الفساد، يعيق احتمال الانتقال السريع إلى نموذج نمو جديد وأكثر استدامة بمجرد تنفيذ إعادة هيكلة الديون، ثمة تخوّف من ألّا ينجح شطب الديون بما يتماشى مع التصنيف C، ما يجعل الاحتمالات أكبر لتخلّف جديد في المستقبل في حالة عدم كفاية أو نجاح عملية إعادة الهيكلة لاستعادة القدرة على تحمّل الديون على المدى الطويل".
ورأت الوكالة أن لبنان في حاجة إلى إجراء الإصلاحات الضرورية بوتيرة أسرع لتحسين تصنيفاته. لكن المشكلة أن الحكومة لا تزال تتعامل ببرودة مع مسألة تطبيق الإصلاحات المطلوبة، وهي لم تتّخذ بعد أي خطوات فعلية أو عملية عقب إعلانها التخلّف عن السداد، كما أنها لم تنفّذ أي إصلاحات هيكلية أو أساسية لا تحتاج إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فيما ينتظر الأخير بعض الإشارات الجدية التي تترجم صدقية الحكومة وجدّيتها في تنفيذ الإصلاحات الأساسية قبل التوقيع على اتفاق مع السلطات اللبنانية.
"لازارد" تتخلّف عن مهمتها
وفي حين أن تركيز "موديز" في تصنيفها جاء على مسألة التوقعات في شأن ما سيحصل عليه الدائنون بعد قرار التخلّف، كشفت المعلومات عن أن الاستشاري الفرنسي "لازارد" المكلّف أساساً من الحكومة اللبنانية التفاوض مع الدائنين، لم يتقدّم بعد أي خطوة على هذا الصعيد، بل يتريّث في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات القائمة بين الحكومة وصندوق النقد حول الصندوق السيادي المزمع تشكيله لتمويل عملية إعادة هيكلة الدين العام.
ونظراً إلى أن المفاوضات مع الصندوق معلّقة في انتظار معالجة مشكلة التباين في الأرقام حول تحديد حجم خسائر القطاع المالي وتوحيدها، فإنّ هذا يعني عملياً أن المفاوضات مع الدائنين ستستغرق وقتاً طويلاً.
وعُلم في هذا الإطار أن عدداً من هؤلاء بدأ يتجه جدياً نحو مقاضاة الحكومة اللبنانية لدى المحاكم الخارجية.
وتأتي تقديرات "موديز" أكثر تفاؤلاً من تقديرات الحكومة التي أوردت في خطتها للتعافي الاقتصادي والمالي، والتي تخوض على أساسها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على برنامج للحصول على دعم مالي دولي، اقتطاعاً يصل إلى 75 في المئة على سندات اليوروبوندز، في إطار عملية إعادة هيكلة الدين العام، علماً أن هذه الخطة التي أقرتها الحكومة اللبنانية غداة إعلانها التخلف عن دفع ديونها السيادية في مطلع مارس (آذار) الماضي، لا تزال تخضع للتجاذبات السياسية الداخلية، بحيث تعجز الحكومة عن تطبيقها والسير بالإصلاحات المقترحة فيها.
وانعكس هذا التخبّط على مسار المفاوضات مع صندوق النقد، إذ تعثّرت هي أيضاً وتعطّلت على الرغم من تأكيد السلطات اللبنانية أنها لا تزال قائمة وتسير في شكل طبيعي. وعلمت "اندبندت عربية" أن وزير المال غازي وزني أبلغ مجلس الوزراء ورداً على استيضاحات الوزراء، أن المفاوضات لم تتوقّف وأن لا خلافات أو تباين مع الصندوق.
وتكمن أهمية قرار وكالة التصنيف الدولية في أنه الأول لمؤسسة دولية منذ إعلان التعثّر الذي يخفّض التصنيف إلى مستوى الإفلاس.
"قرار عدم وضع نظرة مستقبلية للتصنيف الائتماني للبنان يستند إلى احتمالات مرتفعة جداً لخسائر كبيرة للدائنين من القطاع الخاص"، موضحةً "أن المؤسسات ضعيفة جداً وعاجزة عن معالجة الأزمة".
ووضعت "موديز" بتصنيفها، لبنان بالتوازي مع فنزويلا، ذلك أن الدين العام البالغ 93.14 مليار دولار في نهاية مايو (أيار) الماضي، يصنّف البلد في المرتبة الثالثة بعد اليابان واليونان من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، علماً أن اليابان حصلت على تصنيف A1 من الوكالة، مع نظرة مستقبلية مستقرّة، بينما تحتفظ اليونان بدرجة B1 مع نظرة مستقبلية مستقرّة.
وتوقّعت "موديز" أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان إلى حوالى 200 في المئة هذه السنة، خلافاً للتقديرات الحكومية المشيرة إلى العمل من أجل خفض هذه النسبة البالغة اليوم 175 في المئة إلى 90 في المئة السنة المقبلة.
في هذا السياق، يؤكد وزير المال غازي وزني، أن المالية العامة لم تسجّل عجزاً في الأشهر الخمسة الأولى من السنة الحالية، على الرغم من التراجع المثير للإيرادات، لكنه عزا ذلك إلى تراجع الإنفاق في المقابل.
ولا تخفي الوكالة قلقها من أن "انهيار العملة في السوق الموازية والارتفاع المصاحب للتضخّم يغذّيان بيئة غير مستقرة للغاية. كما أنه في ظلّ عدم وجود خطوات رئيسة نحو إصلاح معقول للسياسة الاقتصادية والمالية، فإن الدعم التمويلي الخارجي الرسمي لمواكبة إعادة هيكلة الديون الحكومية لن يكون مقبولاً"، ما سيؤدي عملياً وفق تقديرات الوكالة إلى دخول لبنان في مرحلة طويلة من الركود بسبب عدم وجود إصلاحات، كان من المتوقع أن تطلق تعهّدات المانحين الدوليين.
الغريق لا يخشى البلل
لا يشكّل قرار "موديز" مفاجأة للوسطَيْن المالي والمصرفي، ولا حتى للحكومة، إذ استوضحت "اندبندنت عربية" عدداً من الوزراء في حكومة الرئيس حسان دياب حول تعليقهم على خفض التصنيف، بخاصة أن التعامل الرسمي مع القرار جاء بارداً، فأجابوا (رفضوا الكشف عن أسمائهم) أن القرار ليس مفاجأة، وهو يدخل في إطار حملات الاستهداف التي تعرّضت لها الحكومة منذ تشكيلها، إذ إنّ خفض التصنيف يدخل في إطار حملات الضغط السياسي والاقتصادي على لبنان.
وقال أحدهم "ما الفرق بين CA و C أو حتى D، طالما أننا نغرق. فما خوف الغريق من البلل؟". وهذا التعليق يعكس حالة الإنكار التي تعيشها الحكومة لمحاذير هكذا تصنيفات وانعكاساتها على البلاد، في ظلّ تردّد معلومات عن أن تصنيف "موديز" لن يكون الأخير، بل ستتبعه الوكالات الأخرى، لا سيما "فيتش" و"ستاندرد أند بورز" بتصنيفات مماثلة في إطار تقييمها الفصلي لتصنيف البلد.
أما الوسط المالي، فلم يجد في القرار أي مفاجأة، نظراً إلى أن قرار الحكومة بالتخلّف عن سداد ديونها الخارجية اتُخذ أساساً من دون أي مفاوضات أو اتفاق مع صندوق النقد الدولي، أو حتى مع الدائنين عبر مفاوضات لتخلّف منظَّم".
وفي حين ترى "موديز" أن افتقار لبنان إلى مساحة مناورة كافية للسياسة المالية والنقدية وضعف أداء الحوكمة، بخاصة في ما يتعلّق بالسيطرة على الفساد، يعيق احتمال الانتقال السريع إلى نموذج نمو جديد وأكثر استدامة بمجرد تنفيذ إعادة هيكلة الديون، ثمة تخوّف من ألّا ينجح شطب الديون بما يتماشى مع التصنيف C، ما يجعل الاحتمالات أكبر لتخلّف جديد في المستقبل في حالة عدم كفاية أو نجاح عملية إعادة الهيكلة لاستعادة القدرة على تحمّل الديون على المدى الطويل".
ورأت الوكالة أن لبنان في حاجة إلى إجراء الإصلاحات الضرورية بوتيرة أسرع لتحسين تصنيفاته. لكن المشكلة أن الحكومة لا تزال تتعامل ببرودة مع مسألة تطبيق الإصلاحات المطلوبة، وهي لم تتّخذ بعد أي خطوات فعلية أو عملية عقب إعلانها التخلّف عن السداد، كما أنها لم تنفّذ أي إصلاحات هيكلية أو أساسية لا تحتاج إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فيما ينتظر الأخير بعض الإشارات الجدية التي تترجم صدقية الحكومة وجدّيتها في تنفيذ الإصلاحات الأساسية قبل التوقيع على اتفاق مع السلطات اللبنانية.
"لازارد" تتخلّف عن مهمتها
وفي حين أن تركيز "موديز" في تصنيفها جاء على مسألة التوقعات في شأن ما سيحصل عليه الدائنون بعد قرار التخلّف، كشفت المعلومات عن أن الاستشاري الفرنسي "لازارد" المكلّف أساساً من الحكومة اللبنانية التفاوض مع الدائنين، لم يتقدّم بعد أي خطوة على هذا الصعيد، بل يتريّث في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات القائمة بين الحكومة وصندوق النقد حول الصندوق السيادي المزمع تشكيله لتمويل عملية إعادة هيكلة الدين العام.
ونظراً إلى أن المفاوضات مع الصندوق معلّقة في انتظار معالجة مشكلة التباين في الأرقام حول تحديد حجم خسائر القطاع المالي وتوحيدها، فإنّ هذا يعني عملياً أن المفاوضات مع الدائنين ستستغرق وقتاً طويلاً.
وعُلم في هذا الإطار أن عدداً من هؤلاء بدأ يتجه جدياً نحو مقاضاة الحكومة اللبنانية لدى المحاكم الخارجية.
"موديز" تضع لبنان على مسار فنزويلا
في خطوة مهمة لها دلالاتها الخطيرة على وضع لبنان الاقتصادي والمالي وآفاقه المستقبلية، أقدمت وكالة التصنيف الائتمانية "موديز" على خفض تصنيف البلاد من درجة "CA" إلى درجة "C"، معتبرةً أن "التصنيف الجديد يعكس تقديراتها بأن تتجاوز الخسائر التي يتكبّدها حاملو السندات نتيجة إعلان لبنان التخلّف عن سداد...
www.independentarabia.com