«الإنجاز الاستخباري الأهـمّ في تاريخ»... تل أبيـب
مهدي السيد
سيارة مغية في دمشق بعد النفجار
خرجت إسرائيل عن مألوفها في إعلان تنصلها من المسؤولية عن اغتيال القيادي في «حزب الله»، عماد مغنية، إلا أن الصحافيين الإسرائيليين تكفلوا، كعادتهم، بالإيحاء بما تجد المؤسسة الرسمية من مصلحة في التلميح إليه من دون قوله
استحوذ نبأ اغتيال القيادي في حزب الله، الحاج عماد مغنية، على اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية ومعلقيها، التي انهمكت في تحليل دلالات هذه العملية وتداعياتها، حيث برز إجماع على أنها تمثل «ضربة معنوية قاسية لحزب الله»، وأن رد فعل الحزب حتمي، ملمحة إلى مسؤولية الدولة العبرية عنها.
وتعليقاً على بيان «رفض محاولات منظمات إرهابية توريط إسرائيل في هذه القضية»، الذي صدر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، أشار مراسل الشؤون السياسية في القناة الثانية، أودي سيغل، بعد تلاوة البيان على الهواء، إلى عبارةٍ متداولة عن رئيس وزراء إسرائيلي سابق (لم يذكر اسمه) قال فيها: «من المسموح الكذب من أجل مصلحة الدولة». أما محلل الشؤون العسكرية في القناة العاشرة، ألون بن دافيد، فقد ربط بين تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، قبل أيام قال فيه إن ثمة اعتبارات تحول دون العمل في قطاع غزة في الوقت الراهن واغتيال مغنية. وقال: «لا أعلم، لكن قد يكون ما حصل اليوم يفسر هذا التصريح».
بدوره، روى مراسل الشؤون الأمنية في القناة نفسها، شاي حزكاني، الذي يرافق باراك في زيارته إلى تركيا، أن الأخير جمع الصحافيين الإسرائيليين المرافقين له لإيجاز صحافي في الساعة التي حصل فيها الانفجار في سوريا من دون أن يتطرق إلى الحدث بكلمة واحدة. وبعد وقت ما، تقدم السكرتير العسكري لباراك منه وناوله قصاصة ورق قرأها وزير الدفاع ثم أجاب الصحافيين الذين سألوه عن محتواها قائلاً: «يعلمني أن الوقت تأخر». وأضاف المراسل أن باراك بدا خلال رحلة العودة إلى إسرائيل مبتهجاً جداً، إلى حد أنه أخذ الميكروفون الخاص بطاقم الطائرة وحيا الصحافيين بشكل غير مألوف.
وفي إطار التعليق على اغتيال القيادي في حزب الله ومدى تأثيره على ساحة المواجهة، قال المدير العام لمعهد «أبحاث الإرهاب في المركز المتعدد المجالات في هرتسليا»، بوعز غنور، إنه «يصعب رسم صورة لشخصية عالمية أكثر خطورة وحنكة وخبرة من عماد مغنية». وأضاف لـ«معاريف» أن مغنية كان «عقل» حزب الله، وأنه راكم تجربة عملانية منذ تكوين الحزب في مطلع الثمانينيات.
وبحسب غنور «لا يمكن الإشارة إلى أي عملية نوعية نفذها حزب الله من دون أن يقف وراءها مغنية». وأضاف أن «أهمية مغنية لا تكمن في قدرته على تنفيذ العمليات المثيرة في أنحاء العالم كله فحسب، ولا في أنه يسيطر عملانياً على حلبة لبنان، بل في العلاقات الوثيقة التي طورها مع إيران وسوريا وكونه الجهة التي تمثّل همزة الوصل العملانية بين الحزب والدولتين». ورأى أنه خلافاً لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فإن «قوة مغنية لا تكمن في الصورة التي كونها عن نفسه، بل في أفعاله وقدراته بوصفه مبادراً، مخططاً، مشرفاً ومنفذاً للعمليات على الساحة الدولية».
وقال معلق الشؤون الأمنية في «هآرتس»، يوسي ملمان، إنه «إذا كان ثمة تعريف لمصطلح رأس الأفعى، فهو ينطبق على مغنية». وأضاف أنه «إذا كانت إسرائيل تقف فعلاً وراء عملية الاغتيال، فيمكن اعتبار ذلك الإنجاز الاستخباري الأهم لها في تاريخ محاربتها للإرهاب، وهذا الإنجاز يفوق أهمية اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي»، الأمين العالم لحركة الجهاد الإسلامي، الذي اغتيل في مالطا عام 1995.
أما المعلّق العسكري في صحيفة «هآرتس»، أمير أورن، فقال إنه «إذا كان ثمة رجل يمثِّل رمزاً لمحور الشر بمفهومه الأساسي جداً، فإن اسمه عماد فايز مغنية». وأضاف: «إن الصلة بين حزب الله وإيران، وبين الإيديولوجيا المتطرفة لنظام آيات الله وإرهاب حزب الله الشيعي في لبنان، تتجسد في صورة مغنية».
وإذ أشار أورن إلى أن اسم مغنية يتصدر لائحة المطلوبين الخاصة بجهاز الـ «أف بي آي» الأميركي، قال إنه «حتى من دون الذريعة الأميركية، كان لإسرائيل أسباب جيدة للرغبة بموته». وأضاف أنه منذ اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله، عباس الموسوي عام 1992، شاع الاعتقاد بأنه «لا جدوى لعمليات اغتيال قادة المنظمات لئلا ينشأ مكانه من هو أسوأ وأنجع منه، لكن حالة مغنية هي من الحالات الشاذة عن هذه القاعدة». وأضاف أن «حزب الله والإيرانيين سيحتاجون إلى وقت طويل لإيجاد بديل منه».
وقال أورن إن «من عثر على مغنية في دمشق أثبت قدرة استخبارية وتنفيذية فائقة، من النوع الذي افتقرت إليه إسرائيل في لبنان خلال عدوان تموز 2006». وأشار إلى أن الرسالة واضحة من الاغتيال، وهي موجهة إلى قادة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في غزة، وإلى خالد مشعل في دمشق، وإلى السيد حسن نصر الله، إذا قرر استئناف إطلاق النار من أجل فتح جبهة ثانية مع إسرائيل خلال انشغالها في غزة.
وبحسب أورن، فإن السؤال الفوري الذي يُطرح في أعقاب اغتيال مغنية، هو «هل سيرد حزب الله على الاغتيال، سواء على الجبهة الشمالية على الحدود مع لبنان أو ضد أهداف ما وراء البحار، كما حصل في بيونس أيرس بعد اغتيال الموسوي».
في السياق، رأى معلق الشؤون الأمنية في «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن «تصفية مغنية لا تمثّل ضربة معنوية لحزب الله فحسب، بل ضربة لقدرة الردع لدى إيران على الحلبة الدولية، نظراً لدوره في العمليات ضد أهداف إسرائيلية وأميركية في العالم، الذي كان من المفترض أن يترجم إلى لغة الواقع والأعمال التهديدات الإيرانية بواسطة شبكات المهاجرين الشيعة اللبنانيين، التي أقامها وأدارها في أفريقيا وجنوب أميركا».
ورأى بن يشاي أن «من المعقول الافتراض أنه سيقف على رأس سلم أولويات حزب الله والإيرانيين الآن، التطلع لترميم قدرة الردع بواسطة تنفيذ عمليات في العالم، واستهداف مؤسسات ومصالح إسرائيلية يهودية وأميركية، وأن هذا الرد بحاجة إلى بعض الوقت». وأضاف أنه «يمكن الافتراض بشكل شبه مؤكد أن حزب الله سيُصفي حسابه مع إسرائيل ولو من أجل تعزيز الثقة بالنفس لدى أعضائه في لبنان وسوريا وأماكن أُخرى من العالم».
وبالنسبة إلى تأثير عملية الاغتيال على قدرة العمل لدى حزب الله وبنيته التنظيمية، شكك بن يشاي في أن «تُمس هذه القدرة بشكل قاتل على المدى البعيد»، مشيراً إلى أن «ثمة بديلاً لكل شخص، وأنه يوجد العديد من مساعدي مغنية ونوابه ممن تعلموا أساليبه ويعرفون كيف يشغلون مكانه». ويرى أن «الإسهام الرئيسي لعملية التصفية بالنسبة إلى أمن إسرائيل يتمثل في ترميم قدرة الردع التي تآكلت خلال حرب لبنان الثانية».