هكذا أصبحت الاستثمارات الصينية في إفريقيا مصائد للهيمنة
سعت الصين، خلال الأعوام الأخيرة، عبر التغلغل في اقتصاديات الدول الإفريقية، سواء عبر تمويل مشروعات في هذه الدول، أو نقل بعض التكنولوجيات الحيوية، إلى المحافظة على مكانتها، من خلال التوقيع على عقود اقتصادية واستثمارية تشمل شتى المجالات، وهو ما عزّز مركزية الصين في تنمية القارة التي تحتاج، بحسب التقديرات الأخيرة لــ "بنك التنمية الإفريقي" (AFDB)، إلى نحو 170 مليار دولار سنوياً، لتطوير بنيتها التحتية والحفاظ على ا
لكن ما يثير القلق، بحسب خبراء؛ هو أنّ الاستثمارات الصينية تنطوي على جوانب خطيرة؛ حيث تسعى الصين إلى إغراق الدول الفقيرة بالديون، ومن ثم تشرع في الاستحواذ على الأصول الوطنية الإستراتيجية لتلك البلدان عندما تتخلّف عن سداد الديون.
و20% من إجمالي الديون الخارجية للحكومات الإفريقية مصدرها الصين؛ أي أكثر من نصف إجمالي الديون السيادية الإفريقية المستحقة للحكومات الأجنبية، وفق "ـThe Jubilee Debt Campaign"، وهي هيئة رقابة مقرها المملكة المتحدة.
وقد وضع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في منتدى عام 2018 حول التعاون الصيني الإفريقي، الذي عقد في بكين، في أيلول (سبتمبر) الماضي، هدفاً للاستثمار، وقرضاً بقيمة 60 مليار دولار إضافي لإفريقيا، ما يشير إلى أنّ تدفق التمويل من غير المرجح أن يتناقص في وقت قريب، وهو أمر يثير مخاوف كبيرة بتزايد الآثار السلبية للديون الصينية على البلدان الإفريقية.
فكيف أصبحت الاستثمارات الصينية في إفريقيا مصائد ديون؟
20% من إجمالي الديون الخارجية للحكومات الإفريقية مصدرها الصين
استحواذ الصين لميناء مومباسا الكيني
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أفادت صحيفة "أفريكان ستاند" عن خطورة تعرض كينيا لخطر فقدان أحد وأهم أصولها الإستراتيجية الوطنية؛ بسبب تراكم الديون الصينية عليها، وبعد مرور بضعة أشهر فقط، بدأ الصينيون في التحرك للاستيلاء على ميناء "مومباسا"، في مطلع أيار (مايو) الجاري، إثر فشل كينيا في سداد القروض الضخمة المقدمة من المقرضين الصينيين.
لتحقيق المزيد من الأهداف السياسية تركّز الصين على المناطق التي يعيش فيها القادة الأفارقة الذين تتهم حكوماتهم بالفساد
وتم منح قرض صيني لكينيا يبلغ خمسة مليارات ونصف المليار لتطوير سكة حديد تربط مدينة مومباسا بالعاصمة نيروبي، واضطرت كينيا لرهن أكبر وأهم مرفأ بها "ميناء مومباسا" للحكومة الصينية، وذلك بسبب قروضها المتراكمة.
ويترك الاستحواذ الصيني لميناء مومباسا آثاراً سلبية على الاقتصاد الكيني؛ حيث سيضطر الآلاف من عمّال الموانئ الكينيين إلى العمل تحت إمرة المُقرضين الصينيين، كما سيتم إرسال إيرادات الميناء مباشرة إلى الصين حتى سداد مبلغ الديون.
وانضمت كينيا بذلك إلى سريلانكا، التي هي الأخرى خسرت أحد أصولها الإستراتيجية الوطنية لصالح الصين؛ ففي أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، تنازلت سريلانكا رسمياً عن سيادة الميناء الإستراتيجي على ساحل هامبانتوتا، جنوب الصين، لمدة 99 عاماً بعد فشلها في الالتزام بدفع قروض صينية تصل 1.1 مليار دولار.
ووصف المحلل السياسي الكيني، أتانغو مهامات، في تغريدة له على موقع توتير، الاستحواذ بأنّه نتيجة متوقعة من "دبلوماسية فخّ الديون الصينية"، قائلاً: إنّ "القروض الصينية تُمنح في كثير من الأحيان مقابل أصول مادية مهمّة من الناحية الإستراتيجية لبلدانها".
اضطرت كينيا لرهن أكبر وأهم مرفأ بها للحكومة الصينية بسبب قروضها المتراكمة
مطار زامبيا الدولي بيد الصينيين
وفي أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، فقدت زامبيا مطار "كينيث كاوندا" الدولي لصالح الصين؛ بسبب عجزها عن سداد الديون الصينية. ومن المتوقع أن تكون شركة "ZESCO"، التابعة لشركة الطاقة في زامبيا، من بين ضحايا الاستحواذ الصيني بعد التخلف عن سداد القرض، حسبما يشير تقرير صادر عن "Africa Confidential"، بعنوان "Bills، Bonds and Big Big Debt"، ويقول التقرير: إنّ "زامبيا تجري محادثات مع الصين من أجل إقناع الصينيين لعدم استحواذ شركة الكهرباء".
ومن دواعي القلق الرئيسة لصندوق النقد الدولي؛ أنّ إستراتيجية الصين تتمثل بتشجيع المديونية أولاً، ومن ثم الاستحواذ على الأصول الوطنية الإستراتيجية عندما يتخلف المدينون عن السداد. ورأت صحيفة "لوساكا تايمز" الزامبية، في عددها الصادر بتاريخ 24 شباط (فبراير) 2019؛ أنّ "هذا الحدث يمثل أكبر خسارة للسيادة الوطنية منذ الاستقلال".
ومنذ تولّي الرئيس إدغار لونغو السلطة في زامبيا، وقّعت بلاده ما لا يقلّ عن 8 مليارات دولار أمريكي لتمويل المشاريع الصينية، ويرى مراقبون مطّلعون على الوضع، أنّ وزارة المالية الزامبية ليست لديها القدرة على سداد هذه الديون، مما يجعل خطر الاستيلاء على أصول وطنية أخرى أمراً قائماً.
ارتفع الدَّين العام لجيبوتي الذي تعود حصة الأسد منه للصين إلى 85% على مدار العامين السابقين
جيبوتي ضحية محتملة للديون الصينية
وتعدّ جيبوتي؛ البلد الواقع في القرن الإفريقي، في قلب مشروع "الحزام والطريق"، والذي يعزز أهداف بكين التجارية والعسكرية، ويمثل طريق القطار السريع الذي يربط إثيوبيا بجيبوتي بتمويل صيني إحدى خطط مبادرة "الحزام والطريق" العالمية، وهي مزيج من الإستراتيجية الاقتصادية والسياسة الخارجية، والهجوم الساحر الذي يغذيه سيل من الأموال الصينية، ويهدف إلى إعادة رسم توازن
وإلى جانب مشروع السكة؛ تنفّذ الصين مشروعات أخرى كبيرة في البنية التحتية في جيبوتي، بعضها من خلال الشركات المملوكة للدولة، منها مشروع جيبوتي الدولي للمناطق الصناعية، ومراكز تصنيع عدّة، وفي عهد الرئيس إسماعيل عمر غيلة؛ فإنّ الدولة ذات الحزب الواحد تعمل جزئياً على ما يبدو برنامجاً لتطوير البنية التحتية بقيمة 12.4 مليار دولار، ويتم تمويل معظمه من خلال قروض من بنك التصدير والاستيراد الصيني.
وتعطي الصين أهمية خاصة لجيبوتي، بسبب موقعها الإستراتيجي، وأيضاً بسبب تواجد قوة عسكرية أمريكية هناك، تضمّ 4000 عسكري؛ فالصين لا تريد أن تكون واشنطن هي الوحيدة التي تسيطر على طرق الملاحة؛ لأنّ هذا يمكن أن يعارض مصالحها، ويعيق توصيل الموارد الأولية، وهو ما دفع الصين إلى إنشاء أول قاعدة عسكرية أجنبية لها في جيبوتي، وبذلك تكون بكين قد ضربت بعرض الحائط أحد الثوابت التي كانت تدافع عنها وأبرزها، وهو عدم التدخل عسكرياً في شؤون الدول الأخرى.
وفي سياق متصل؛ يعيش 79% من الجيبوتيين في فقر، بينما يعيش 42% في فقر مدقع، وفق برنامج الغذاء العالمي، ويبلغ عدد سكان البلاد حوالي مليون شخص، وتمثل الثروة الحيوانية مصدر الرزق الرئيس لثلث السكان، وتستورد جيبوتي 90% من الأغذية من الخارج.
وفي تقرير أصدره، عام 2017، قال صندوق النقد الدولي: إنّ "الدَّين العام لجيبوتي، الذي تعود حصة الأسد منه إلى الصين، ارتفع من 50% إلى 85% من الناتج المحلي الإجمالي، على مدار العامين السابقين، وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، انتقد صندوق النقد الدولي الحكومة الجيبوتية لسقوطها العميق في شرك الدّيون الصينية.
وقال صندوق النقد الدولي في تقريره: إنّ "إستراتيجية سلطات جيبوتي للاستثمار في البنية التحتية لتحويل الاقتصاد ووضع البلاد كمركز لوجستي وتجاري يوفّر فرصاً كبيرة للنموّ الاقتصادي والتنمية، ومع ذلك؛ فقد أدّى تمويل هذه الإستراتيجية من خلال تراكم الديون إلى ضائقة ديون، الأمر الذي يشكل مخاطر كبيرة على اقتصاد البلد، ومن المتوقع أن تصل نسبة الدين العام إلى حوالي 104% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية عام 2018".
أصبح الساحل الصومالي الغني بالثروة البحرية عرضة لأنشطة الصيد الصينية غير المحدودة
الصومال أيضاً
وفي الصومال أيضاً؛ أعلن بنك "Exim" الصيني، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي موافقته على إعطاء قرض بقيمة 200 مليون دولار لإعادة بناء ميناء مقديشو، وفي مقابل ذلك؛ ستكون للبنك حقوق حصرية في الصيد على ساحل الصومال، وسيحتفظ بملكية جزئية للميناء حتى يتم سداد القرض بالكامل.
واشتهر الساحل الصومالي بالقراصنة الذين عملوا على اختطاف السفن بشكل منتظم، وقد تغيّر هذا الآن، وأصبح الساحل الصومالي، الغنيّ بالثروة البحرية، عرضة لأنشطة الصيد الصينية غير المحدودة.
حرب تجارية عالمية
وضمن سياق الحرب التجارية العالمية؛ ينظر الغرب إلى العلاقة الصينية الإفريقية الناشئة بنوع من الخوف والحذر؛ فأوروبا مثلاً ترى تأثيرها الاقتصادي وهو يتراجع بشكل كبير في معظم البلدان الإفريقية، بعد أن كانت الشريك التجاري الأول في القارة لأعوام طويلة، قبل أن تبدأ دول القارة برفع تبادلاتها التجارية مع الصين.
وتشير دراسة أجرتها "وكالة ماكنزي الأمريكية"؛ إلى أنّ أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حالياً في إفريقيا، وتتحدث بعض المصادر عن وجود 2500 شركة صينية في القارة، 90% منها شركات خاصة، فيما توقعت الدراسة نفسها أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من إفريقيا، بحلول عام 2025، إلى 440 مليار دولار؛ أي بزيادة قدرها 144%.
ولتحقيق المزيد من الأهداف السياسية؛ تركّز الصين في مشاريعها التنموية على المناطق التي يعيش فيها القادة الأفارقة، الذين تتهم حكوماتهم بالفساد، من أجل استغلال أوضاع هذه البلدان، وتجنّب الرقابة القضائية على نشاطاتها، والتدخل في الشؤون السياسية، وهي بسبب ذلك قد اتخذت من إرهاق الدول الإفريقية بالديون وسيلة لخلق آلية للحصول على النفط أو إدارة الموانئ والمطارات مقابل ضخّ الاستثمارات.
وما يثير القلق من حالة التوافق بين العملاق الصيني والقادة الأفارقة الغارقين في الفساد؛ أنّ هذا التعاون الاقتصادي بين الطرفين قد لا يخلو من غرض سياسي للصين في إفريقيا، مما يُهدّد آفاق التنمية المستقبلية فيها، فيما ترى الصين أنّ استغلالها للموارد الإفريقية، خاصة المعادن والطاقة، ما هو إلا استثمار اقتصادي لا تحصل عليه بالمجان، وإنما تدفع فاتورته من ضخّ أموالها في الدول الإفريقية على شكل قروض ومشاريع تنموية، إلا أنّ الصين تستفيد من حالة الفساد في القارة في توريط البلدان الإفريقية في عقود استثمارية ضخمة، وهو ما ينعكس سلباً على سيادة القارة، واقتصادها، واستقلالية مواردها، على المدى البعيد.
سعت الصين، خلال الأعوام الأخيرة، عبر التغلغل في اقتصاديات الدول الإفريقية، سواء عبر تمويل مشروعات في هذه الدول، أو نقل بعض التكنولوجيات الحيوية، إلى المحافظة على مكانتها، من خلال التوقيع على عقود اقتصادية واستثمارية تشمل شتى المجالات، وهو ما عزّز مركزية الصين في تنمية القارة التي تحتاج، بحسب التقديرات الأخيرة لــ "بنك التنمية الإفريقي" (AFDB)، إلى نحو 170 مليار دولار سنوياً، لتطوير بنيتها التحتية والحفاظ على ا
لكن ما يثير القلق، بحسب خبراء؛ هو أنّ الاستثمارات الصينية تنطوي على جوانب خطيرة؛ حيث تسعى الصين إلى إغراق الدول الفقيرة بالديون، ومن ثم تشرع في الاستحواذ على الأصول الوطنية الإستراتيجية لتلك البلدان عندما تتخلّف عن سداد الديون.
و20% من إجمالي الديون الخارجية للحكومات الإفريقية مصدرها الصين؛ أي أكثر من نصف إجمالي الديون السيادية الإفريقية المستحقة للحكومات الأجنبية، وفق "ـThe Jubilee Debt Campaign"، وهي هيئة رقابة مقرها المملكة المتحدة.
وقد وضع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في منتدى عام 2018 حول التعاون الصيني الإفريقي، الذي عقد في بكين، في أيلول (سبتمبر) الماضي، هدفاً للاستثمار، وقرضاً بقيمة 60 مليار دولار إضافي لإفريقيا، ما يشير إلى أنّ تدفق التمويل من غير المرجح أن يتناقص في وقت قريب، وهو أمر يثير مخاوف كبيرة بتزايد الآثار السلبية للديون الصينية على البلدان الإفريقية.
فكيف أصبحت الاستثمارات الصينية في إفريقيا مصائد ديون؟
20% من إجمالي الديون الخارجية للحكومات الإفريقية مصدرها الصين
استحواذ الصين لميناء مومباسا الكيني
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أفادت صحيفة "أفريكان ستاند" عن خطورة تعرض كينيا لخطر فقدان أحد وأهم أصولها الإستراتيجية الوطنية؛ بسبب تراكم الديون الصينية عليها، وبعد مرور بضعة أشهر فقط، بدأ الصينيون في التحرك للاستيلاء على ميناء "مومباسا"، في مطلع أيار (مايو) الجاري، إثر فشل كينيا في سداد القروض الضخمة المقدمة من المقرضين الصينيين.
لتحقيق المزيد من الأهداف السياسية تركّز الصين على المناطق التي يعيش فيها القادة الأفارقة الذين تتهم حكوماتهم بالفساد
وتم منح قرض صيني لكينيا يبلغ خمسة مليارات ونصف المليار لتطوير سكة حديد تربط مدينة مومباسا بالعاصمة نيروبي، واضطرت كينيا لرهن أكبر وأهم مرفأ بها "ميناء مومباسا" للحكومة الصينية، وذلك بسبب قروضها المتراكمة.
ويترك الاستحواذ الصيني لميناء مومباسا آثاراً سلبية على الاقتصاد الكيني؛ حيث سيضطر الآلاف من عمّال الموانئ الكينيين إلى العمل تحت إمرة المُقرضين الصينيين، كما سيتم إرسال إيرادات الميناء مباشرة إلى الصين حتى سداد مبلغ الديون.
وانضمت كينيا بذلك إلى سريلانكا، التي هي الأخرى خسرت أحد أصولها الإستراتيجية الوطنية لصالح الصين؛ ففي أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، تنازلت سريلانكا رسمياً عن سيادة الميناء الإستراتيجي على ساحل هامبانتوتا، جنوب الصين، لمدة 99 عاماً بعد فشلها في الالتزام بدفع قروض صينية تصل 1.1 مليار دولار.
ووصف المحلل السياسي الكيني، أتانغو مهامات، في تغريدة له على موقع توتير، الاستحواذ بأنّه نتيجة متوقعة من "دبلوماسية فخّ الديون الصينية"، قائلاً: إنّ "القروض الصينية تُمنح في كثير من الأحيان مقابل أصول مادية مهمّة من الناحية الإستراتيجية لبلدانها".
اضطرت كينيا لرهن أكبر وأهم مرفأ بها للحكومة الصينية بسبب قروضها المتراكمة
مطار زامبيا الدولي بيد الصينيين
وفي أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، فقدت زامبيا مطار "كينيث كاوندا" الدولي لصالح الصين؛ بسبب عجزها عن سداد الديون الصينية. ومن المتوقع أن تكون شركة "ZESCO"، التابعة لشركة الطاقة في زامبيا، من بين ضحايا الاستحواذ الصيني بعد التخلف عن سداد القرض، حسبما يشير تقرير صادر عن "Africa Confidential"، بعنوان "Bills، Bonds and Big Big Debt"، ويقول التقرير: إنّ "زامبيا تجري محادثات مع الصين من أجل إقناع الصينيين لعدم استحواذ شركة الكهرباء".
ومن دواعي القلق الرئيسة لصندوق النقد الدولي؛ أنّ إستراتيجية الصين تتمثل بتشجيع المديونية أولاً، ومن ثم الاستحواذ على الأصول الوطنية الإستراتيجية عندما يتخلف المدينون عن السداد. ورأت صحيفة "لوساكا تايمز" الزامبية، في عددها الصادر بتاريخ 24 شباط (فبراير) 2019؛ أنّ "هذا الحدث يمثل أكبر خسارة للسيادة الوطنية منذ الاستقلال".
ومنذ تولّي الرئيس إدغار لونغو السلطة في زامبيا، وقّعت بلاده ما لا يقلّ عن 8 مليارات دولار أمريكي لتمويل المشاريع الصينية، ويرى مراقبون مطّلعون على الوضع، أنّ وزارة المالية الزامبية ليست لديها القدرة على سداد هذه الديون، مما يجعل خطر الاستيلاء على أصول وطنية أخرى أمراً قائماً.
ارتفع الدَّين العام لجيبوتي الذي تعود حصة الأسد منه للصين إلى 85% على مدار العامين السابقين
جيبوتي ضحية محتملة للديون الصينية
وتعدّ جيبوتي؛ البلد الواقع في القرن الإفريقي، في قلب مشروع "الحزام والطريق"، والذي يعزز أهداف بكين التجارية والعسكرية، ويمثل طريق القطار السريع الذي يربط إثيوبيا بجيبوتي بتمويل صيني إحدى خطط مبادرة "الحزام والطريق" العالمية، وهي مزيج من الإستراتيجية الاقتصادية والسياسة الخارجية، والهجوم الساحر الذي يغذيه سيل من الأموال الصينية، ويهدف إلى إعادة رسم توازن
وإلى جانب مشروع السكة؛ تنفّذ الصين مشروعات أخرى كبيرة في البنية التحتية في جيبوتي، بعضها من خلال الشركات المملوكة للدولة، منها مشروع جيبوتي الدولي للمناطق الصناعية، ومراكز تصنيع عدّة، وفي عهد الرئيس إسماعيل عمر غيلة؛ فإنّ الدولة ذات الحزب الواحد تعمل جزئياً على ما يبدو برنامجاً لتطوير البنية التحتية بقيمة 12.4 مليار دولار، ويتم تمويل معظمه من خلال قروض من بنك التصدير والاستيراد الصيني.
وتعطي الصين أهمية خاصة لجيبوتي، بسبب موقعها الإستراتيجي، وأيضاً بسبب تواجد قوة عسكرية أمريكية هناك، تضمّ 4000 عسكري؛ فالصين لا تريد أن تكون واشنطن هي الوحيدة التي تسيطر على طرق الملاحة؛ لأنّ هذا يمكن أن يعارض مصالحها، ويعيق توصيل الموارد الأولية، وهو ما دفع الصين إلى إنشاء أول قاعدة عسكرية أجنبية لها في جيبوتي، وبذلك تكون بكين قد ضربت بعرض الحائط أحد الثوابت التي كانت تدافع عنها وأبرزها، وهو عدم التدخل عسكرياً في شؤون الدول الأخرى.
وفي سياق متصل؛ يعيش 79% من الجيبوتيين في فقر، بينما يعيش 42% في فقر مدقع، وفق برنامج الغذاء العالمي، ويبلغ عدد سكان البلاد حوالي مليون شخص، وتمثل الثروة الحيوانية مصدر الرزق الرئيس لثلث السكان، وتستورد جيبوتي 90% من الأغذية من الخارج.
وفي تقرير أصدره، عام 2017، قال صندوق النقد الدولي: إنّ "الدَّين العام لجيبوتي، الذي تعود حصة الأسد منه إلى الصين، ارتفع من 50% إلى 85% من الناتج المحلي الإجمالي، على مدار العامين السابقين، وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، انتقد صندوق النقد الدولي الحكومة الجيبوتية لسقوطها العميق في شرك الدّيون الصينية.
وقال صندوق النقد الدولي في تقريره: إنّ "إستراتيجية سلطات جيبوتي للاستثمار في البنية التحتية لتحويل الاقتصاد ووضع البلاد كمركز لوجستي وتجاري يوفّر فرصاً كبيرة للنموّ الاقتصادي والتنمية، ومع ذلك؛ فقد أدّى تمويل هذه الإستراتيجية من خلال تراكم الديون إلى ضائقة ديون، الأمر الذي يشكل مخاطر كبيرة على اقتصاد البلد، ومن المتوقع أن تصل نسبة الدين العام إلى حوالي 104% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية عام 2018".
أصبح الساحل الصومالي الغني بالثروة البحرية عرضة لأنشطة الصيد الصينية غير المحدودة
الصومال أيضاً
وفي الصومال أيضاً؛ أعلن بنك "Exim" الصيني، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي موافقته على إعطاء قرض بقيمة 200 مليون دولار لإعادة بناء ميناء مقديشو، وفي مقابل ذلك؛ ستكون للبنك حقوق حصرية في الصيد على ساحل الصومال، وسيحتفظ بملكية جزئية للميناء حتى يتم سداد القرض بالكامل.
واشتهر الساحل الصومالي بالقراصنة الذين عملوا على اختطاف السفن بشكل منتظم، وقد تغيّر هذا الآن، وأصبح الساحل الصومالي، الغنيّ بالثروة البحرية، عرضة لأنشطة الصيد الصينية غير المحدودة.
حرب تجارية عالمية
وضمن سياق الحرب التجارية العالمية؛ ينظر الغرب إلى العلاقة الصينية الإفريقية الناشئة بنوع من الخوف والحذر؛ فأوروبا مثلاً ترى تأثيرها الاقتصادي وهو يتراجع بشكل كبير في معظم البلدان الإفريقية، بعد أن كانت الشريك التجاري الأول في القارة لأعوام طويلة، قبل أن تبدأ دول القارة برفع تبادلاتها التجارية مع الصين.
وتشير دراسة أجرتها "وكالة ماكنزي الأمريكية"؛ إلى أنّ أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حالياً في إفريقيا، وتتحدث بعض المصادر عن وجود 2500 شركة صينية في القارة، 90% منها شركات خاصة، فيما توقعت الدراسة نفسها أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من إفريقيا، بحلول عام 2025، إلى 440 مليار دولار؛ أي بزيادة قدرها 144%.
ولتحقيق المزيد من الأهداف السياسية؛ تركّز الصين في مشاريعها التنموية على المناطق التي يعيش فيها القادة الأفارقة، الذين تتهم حكوماتهم بالفساد، من أجل استغلال أوضاع هذه البلدان، وتجنّب الرقابة القضائية على نشاطاتها، والتدخل في الشؤون السياسية، وهي بسبب ذلك قد اتخذت من إرهاق الدول الإفريقية بالديون وسيلة لخلق آلية للحصول على النفط أو إدارة الموانئ والمطارات مقابل ضخّ الاستثمارات.
وما يثير القلق من حالة التوافق بين العملاق الصيني والقادة الأفارقة الغارقين في الفساد؛ أنّ هذا التعاون الاقتصادي بين الطرفين قد لا يخلو من غرض سياسي للصين في إفريقيا، مما يُهدّد آفاق التنمية المستقبلية فيها، فيما ترى الصين أنّ استغلالها للموارد الإفريقية، خاصة المعادن والطاقة، ما هو إلا استثمار اقتصادي لا تحصل عليه بالمجان، وإنما تدفع فاتورته من ضخّ أموالها في الدول الإفريقية على شكل قروض ومشاريع تنموية، إلا أنّ الصين تستفيد من حالة الفساد في القارة في توريط البلدان الإفريقية في عقود استثمارية ضخمة، وهو ما ينعكس سلباً على سيادة القارة، واقتصادها، واستقلالية مواردها، على المدى البعيد.