موسوعة فقهية مختصرة (( كتاب الطهارة))

IF-15C

عضو مميز
إنضم
3 سبتمبر 2007
المشاركات
2,746
التفاعل
84 0 0
سأنقل لكم إخواني في هذه المقالة شرح فقهي مبسط لفضيلة الشيخ صالح الفوزان (( من موقعه الرسمي ))من اول كتاب الطهارة إلى ماشاء الله -وسأجعله على حلقات- أسأل الله أن ينفعنا بها :

بسم الله:

كتاب الطهارة

باب في أحكام الطهارة والمياه



إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي الفارقة بين المسلم والكافر ، وهي عمود الإسلام ، وأول ما يحاسب عنه العبد ، فإن صحت وقبلت قبل سائر عمله ، وإن ردت رد سائر عمله .

وقد ذكرت الصلاة في مواطن كثيرة من القرآن الكريم على صفات متنوعة ، فتارة يأمر الله بإقامتها ، وتارة يبين مزيتها ، وتارة يبين ثوابها ، وتارة يقرنها مع الصبر ، ويأمر بالاستعانة بهما على الشدائد .

ومن ثم كانت قرة عين الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا ، فهي حلية النبيين ، وشعار الصالحين ، وهي صلة بين العبد وبين رب العالمين ، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر .

ولما كانت هذه الصلاة لا تصح إلا بطهارة المصلي من الحدث والنجس حسب القدرة على ذلك ، وكانت مادة التطهر هي الماء ، أو ما يقوم مقامه من التيمم عند عدم الماء ، صار الفقهاء رحمهم الله يبدءون بكتاب الطهارة ؛ لأنها لما قدمت الصلاة بعد الشهادتين على غيرها من بقية أركان الإسلام ، ناسب تقديم مقدماتها ، ومنها الطهارة ، فهي مفتاح الصلاة كما في الحديث : مفتاح الصلاة الطهور ؛ وذلك لأن الحدث يمنع الصلاة ، فهو كالقفل يوضع على المحدث ، فإذا توضأ انحل القفل .

فالطهارة أوكد شروط الصلاة ، والشرط لا بد أن يقدم على المشروط .

ومعنى الطهارة لغة : النظافة والنزاهة عن الأقذار الحسية والمعنوية ، ومعناها شرعا : ارتفاع الحدث وزوال النجس ، وارتفاع الحدث يحصل باستعمال الماء مع النية في جميع البدن إن كان حدثا أكبر ، أو في الأعضاء الأربعة إن كان حدثا أصغر ، أو استعمال ما ينوب عن الماء عند عدمه أو العجز عن استعماله - وهو التراب - على صفة مخصوصة ، وسيأتي إن شاء الله بيان لصفة التطهر من الحدثين .

وغرضنا الآن بيان صفة الماء الذي يحصل به التطهر ، والماء الذي لا يحصل به ذلك ، قال الله تعالى : وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ، وقال تعالى : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ، والطهور هو الطاهر في ذاته ، المطهر لغيره ، وهو الباقي على خلقته - أي : صفته التي خلق عليها - ، سواء كان نازلا من السماء كالمطر وذوب الثلوج والبرد ، أو جاريا في الأرض كماء الأنهار والعيون والآبار والبحار ، أو كان مقطرا .

فهذا هو الذي يصح التطهر به من الحدث والنجاسة ، فإن تغير بنجاسة لم يجز التطهر به من غير خلاف ، وإن تغير بشيء طاهر لم يغلب عليه فالصحيح من قولي العلماء صحة التطهر به أيضا .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " أما مسألة تغير الماء اليسير أو الكثير بالطاهرات كالإشنان ، والصابون ، والسدر ، والخطمي ، والتراب ، والعجين ، وغير ذلك مما قد يغير الماء ، مثل الإناء إذا كان فيه أثر سدر أو خطمي ، ووضع فيه ماء فتغير به مع بقاء اسم الماء ، فهذا فيه قولان معروفان للعلماء " .

ثم ذكرها مع بيان وجه كل قول ، ورجح القول بصحة التطهر به ، وقال : " هو الصواب لأن الله سبحانه وتعالى قال : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ، وقوله : فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً نكرة في سياق النفي ، فيعم كل ما هو ماء ، لا فرق في ذلك بين نوع ونوع " انتهى .

فإذا عدم الماء ، أو عجز عن استعماله مع وجوده ، فإن الله قد جعل بدله التراب ، على صفة لاستعماله بينها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته ، وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله في بابه .

وهذا من لطف الله بعباده ، ورفع الحرج عنهم ، قال تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا .

قال ابن هبيرة : " وأجمعوا على أن الطهارة بالماء تجب على كل من لزمته الصلاة مع وجوده ، فإن عدمه فبدله لقوله تعالى : فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ، ولقوله تعالى : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ " انتهى .

وهذا مما يدل على عظمة هذا الإسلام ، الذي هو دين الطهارة والنزاهة الحسية والمعنوية ، كما يدل ذلك على عظمة هذه الصلاة ، حيث لم يصح الدخول فيها بدون الطهارتين : الطهارة المعنوية من الشرك ، وذلك بالتوحيد وإخلاص العبادة لله ، والطهارة الحسية من الحدث والنجاسة ، وذلك يكون بالماء أو ما يقوم مقامه .

واعلم أن الماء إذا كان باقيا على خلقته ، لم تخالطه مادة أخرى ، فهو طهور بالإجماع ، وإن تغير أحد أوصافه الثلاثة - ريحه أو طعمه أو لونه - بنجاسة فهو نجس بالإجماع ، لا يجوز استعماله ، وإن تغير أحد أوصافه بمخالطة مادة طاهرة - كأوراق الأشجار أو الصابون أو الإشنان والسدر أو غير ذلك من المواد الطاهرة - ، ولم يغلب ذلك المخالط عليه ، فلبعض العلماء في ذلك تفاصيل وخلاف ، والصحيح أنه طهور يجوز التطهر به من الحدث ، والتطهر به من النجس .

فعلى هذا يصح لنا أن نقول : إن الماء ينقسم إلى قسمين :

القسم الأول : طهور يصح التطهر به ، سواء كان باقيا على خلقته ، أو خالطته مادة طاهرة لم تغلب عليه ، ولم تسلبه اسمه .

القسم الثاني : نجس لا يجوز استعماله ، فلا يرفع الحدث ، ولا يزيل النجاسة ، وهو مما تغير بالنجاسة .

والله تعالى أعلم .
 
التعديل الأخير:
باب فيما يحرم على المحدث مزاولته من الأعمال



هناك بعض من [COLOR=#0ead]الأعمال التي يحرم على المسلم إذا لم يكن على طهارة أن يزاولها لشرفها ومكانتها [/COLOR]، وهذه الأعمال نبينها لك بأدلتها ؛ لتكون منك على بال ، فلا تقدم على واحد منها إلا بعد التهيؤ له بالطهارة المطلوبة .

اعلم يا أخي أن هناك أشياء تحرم على المحدث ، سواء كان حدثه أكبر أو أصغر ، وهناك أشياء يختص تحريمها بمن هو محدث حدثا أكبر .

فالأشياء التي تحرم على المحدث أي الحدثين :

1 - مس المصحف الشريف ، فلا يمسه المحدث بدون حائل لقوله تعالى : لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ أي : المتطهرون من الحدث جنابة أو غيرها ، على القول بأن المراد بهم المطهرون من البشر ، وهناك من يرى أن المراد بهم الملائكة الكرام .

وحتى لو فسرت الآية بأن المراد بهم الملائكة فإن ذلك يتناول البشر بدلالة الإشارة ، وكما ورد في الكتاب الذي كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم قوله : لا يمس المصحف إلا طاهر ، رواه النسائي وغيره متصلا .

قال ابن عبد البر : " إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول " .

قال شيخ الإسلام عن منع مس المصحف لغير المتطهر : " هو مذهب الأئمة الأربعة " .

وقال ابن هبيرة في " الإفصاح " : " أجمعوا - يعني الأئمة الأربعة - أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف " انتهى .

ولا بأس أن يحمل غير المتطهر المصحف في غلاف أو كيس من غير أن يمسه ، وكذلك لا بأس أن ينظر فيه ويتصفحه من غير مس .

2 - ويحرم على المحدث الصلاة فرضا أو نفلا ، وهذا بإجماع أهل العلم ، إذا استطاع الطهارة لقوله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا الآية ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، رواه مسلم وغيره ، وحديث : لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ ، فلا يجوز له أن يصلي من غير طهارة مع القدرة عليها ، ولا تصح صلاته ، سواء كان جاهلا أو عالما ، ناسيا أو عامدا ، لكن العالم العامد إذا صلى من غير طهارة يأثم ويعزر ، وإن كان جاهلا أو ناسيا فإنه لا يأثم ، لكن لا تصح صلاته .

3 - يحرم على المحدث الطواف بالبيت العتيق لقوله صلى الله عليه وسلم : الطواف بالبيت صلاة ، إلا أن الله أباح فيه الكلام ، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم للطواف وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهر كل ذلك مما يدل على تحريم الطواف على المحدث حتى يتطهر .

ومما يدل على تحريمه على المحدث حدثا أكبر قوله : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ، أي : لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا ماري طريق ، فمنعه من دخول المسجد للبقاء فيه يقتضي منعه من الطواف من باب أولى .

وهذه الأعمال تحرم على المحدث سواء كان حدثه أكبر أو أصغر .

وأما الأشياء التي تحرم على المحدث حدثا أكبر خاصة فهي :

1 - يحرم على المحدث حدثا أكبر قراءة القرآن لحديث علي رضي الله عنه : لا يحجبه - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - عن القرآن شيء ، ليس الجنابة ) ، رواه الترمذي وغيره ، ولفظ الترمذي : يقرئنا القرآن ما لم يكن جنبا ، فهذا يدل على تحريم قراءة القرآن على الجنب ، وبمعناه الحائض والنفساء ، ولكن رخص بعض العلماء - كشيخ الإسلام - للحائض أن تقرأ القرآن إذا خشيت نسيانه .

ولا بأس أن يتكلم المحدث بما وافق القرآن إن لم يقصد القرآن بل على وجه الذكر ، مثل : بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، لحديث عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه .

2 - ويحرم على المحدث حدثا أكبر من جنابة أو حيض أو نفاس اللبث في المسجد بغير وضوء لقوله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا أي : لا تدخلوا المسجد للبقاء فيه ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ، رواه أبو داود من حديث عائشة ، وصححه ابن خزيمة .

فإذا توضأ من عليه حدث أكبر جاز له اللبث في المسجد لقول عطاء : " رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة " ، والحكمة من هذا الوضوء تخفيف الجنابة .

وكذلك يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يمر بالمسجد لمجرد العبور منه من غير جلوس فيه لقوله تعالى : إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ أي : متجاوزين فيه للخروج منه ، والاستثناء من النهي إباحة ، فيكون ذلك مخصصا لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : لا أحل المسجد لحائض ولا جنب .

وكذلك مصلى العيد لا يلبث فيه من عليه حدث أكبر بغير وضوء ، ويجوز له المرور منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وليعتزل الحيض المصلى .

نقلا عن موقع الشيخ صالح الفوزان ........ جزا الله الشيخ صالح الفوزان خير الجزاء
 

باب في بيان صفة الوضوء


بعد أن عرفت شرائط الوضوء وفرائضه وسننه على ما سبق بيانه ، كأنك تطلعت إلى بيان صفة الوضوء التي تطبق فيها تلك الأحكام ، وهي صفة الوضوء الكامل المشتمل على الفروض والسنن ، مستوحاة من نصوص الشرع ؛ لتعمل على تطبيقها إن شاء الله ، فصفة الوضوء :

- أن ينوي الوضوء لما يشرع له الوضوء من صلاة ونحوها .

- ثم يقول : بسم الله .

- ثم يغسل كفيه ثلاث مرات .

- ثم يتمضمض ثلاث مرات ، ويستنشق ثلاث مرات ، وينثر الماء من أنفه بيساره .

- ويغسل وجهه ثلاث مرات ، وحد الوجه طولا من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن ، واللحيان عظمان في أسفل الوجه ، أحدهما من جهة اليمين ، والثاني من جهة اليسار ، والذقن مجمعهما ، وشعر اللحية من الوجه فيجب غسله ولو طال ، فإن كانت اللحية خفيفة الشعر وجب غسل باطنها وظاهرها ، وإن كانت كثيفة - أي : ساترة للجلد - وجب غسل ظاهرها ، ويستحب تخليل باطنها كما تقدم ، وحد الوجه عرضا من الأذن إلى الأذن ، والأذنان من الرأس فيمسحان معه كما تقدم .

- ثم يغسل يديه مع المرفقين ثلاث مرات ، وحد اليد هنا من رءوس الأصابع مع الأظافر إلى أول العضد ، ولا بد أن يزيل ما علق باليدين قبل الغسل من عجين وطين وصبغ كثيف على الأظافر حتى يتبلغ بماء الوضوء .

ثم يمسح كل رأسه وأذنيه مرة واحدة بماء جديد غير البلل الباقي من غسل يديه ، وصفة مسح الرأس أن يضع يديه مبلولتين بالماء على مقدم رأسه ، ويمرهما إلى قفاه ، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه ، ثم يدخل أصبعيه السبابتين في خرقي أذنيه ، ويمسح ظاهرهما بإبهاميه .

- ثم يغسل رجليه ثلاث مرات مع الكعبين ، والكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق .

ومن كان مقطوع اليد أو الرجل فإنه يغسل ما بقي من الذراع أو الرجل ، فإن قطع من مفصل المرفق غسل رأس العضد ، وإن قطع من الكعب غسل طرف الساق ؛ لقوله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وقوله صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، فإذا غسل بقية المفروض فقد أتى بما استطاع .

ثم بعد الفراغ من الوضوء على الصفة التي ذكرنا يرفع بصره إلى السماء ، ويقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأدعية في هذه الحالة ، ومن ذلك : أشهد أن لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ، سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .

والمناسبة في الإتيان بهذا الذكر والدعاء بعد الوضوء ، أنه لما كان الوضوء طهارة للظاهر ناسب ذكر طهارة الباطن بالتوحيد والتوبة ، وهما أعظم المطهرات ، فإذا اجتمع له الطهوران : طهور الظاهر بالوضوء ، وطهور الباطن بالتوحيد والتوبة ، صلح للدخول على الله ، والوقوف بين يديه ، ومناجاته .

ولا بأس أن ينشف المتوضئ أعضاءه من ماء الوضوء بمسحه بخرقة ونحوها .

ثم اعلم أيها المسلم أنه يجب إسباغ الوضوء وهو إتمامه باستكمال الأعضاء ، وتعميم كل عضو بالماء ، ولا يترك منه شيئا لم يصبه الماء ، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ترك موضع ظفر على قدمه ، فقال له : ارجع ، فأحسن وضوءك .

وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا يصلي وفي بعض قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء ، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة ، ، وقال صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار ؛ وذلك لأنه قد يحصل التساهل في تعاهدهما ، فلا يصل إليهما الماء ، أو تبقى فيهما بقية لا يعمها الماء ، فيعذبان بالنار بسبب ذلك .

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره : إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ثم يمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين .

ثم اعلم أيها المسلم أنه ليس معنى إسباغ الوضوء كثرة صب الماء ، بل معناه تعميم العضو بجريان الماء عليه كله ، وأما كثرة صب الماء فهذا إسراف منهي عنه ، بل قد يكثر صب الماء ولا يتطهر الطهارة الواجبة ، وإذا حصل إسباغ الوضوء مع تقليل الماء فهذا هو المشروع .

فقد ثبت في " الصحيحين " أنه صلى الله عليه وسلم : كان يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ونهى صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في الماء ، فقد مر صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يتوضأ ، فقال : ما هذا السرف ؟ فقال : أفي الوضوء إسراف ؟ فقال : نعم ، ولو كنت على نهر جار ، رواه أحمد وابن ماجه ، وله شواهد والسرف ضد القصد .

وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يكون في أمته من يتعدى في الطهور وقال : إن للوضوء شيطانا يقال له : الولهان ، فاتقوا وسواس الماء .

والسرف في صب الماء - مع أنه يضيع الماء من غير فائدة - يوقع في مفاسد أخرى :

منها : أنه قد يعتمد على كثرة الماء فلا يتعاهد وصول الماء إلى أعضائه ، فربما تبقى بقية لم يصلها الماء ، ولا يدري عنها ، فيبقى وضوءه ناقصا ، فيصلي بغير طهارة .

ومنها : الخوف عليه من الغلو في العبادة ، فإن الوضوء عبادة ، والعبادة إذا دخلها الغلو فسدت .

ومنها : أنه قد يحدث له الوسواس في الطهارة بسبب الإسراف في صب الماء .

والخير كله في الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

فعليك أيها المسلم بالحرص على أن يكون وضوءك وجميع عباداتك على الوجه المشروع ، من غير إفراط ولا تفريط ، فكلا طرفي الأمور ذميم ، وخير الأمور أوسطها ، والمتساهل في العبادة ينتقصها ، والغالي فيها يزيد عليها ما ليس منها ، والمستن فيها بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يوفيها حقها .

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل
 
باب في أحكام الآنية وثياب الكفار



الآنية هي الأوعية التي يحفظ فيها الماء وغيره ، سواء كانت من الحديد أو الخشب أو الجلود أو غير ذلك .

والأصل فيها الإباحة ، فيباح استعمال واتخاذ كل إناء طاهر ، ما عدا نوعين هما :

1 - إناء الذهب والفضة ، والإناء الذي فيه ذهب أو فضة ، طلاء أو تمويها أو غير ذلك من أنواع جعل الذهب والفضة في الإناء ، ما عدا الضبة اليسيرة من الفضة تجعل في الإناء للحاجة إلى إصلاحه .

ودليل تحريم إناء الذهب والفضة قوله صلى الله عليه وسلم : لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافهما ، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ، رواه الجماعة ، وقوله صلى الله عليه وسلم : الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ، متفق عليه ، والنهي عن الشيء يتناوله خالصا أو مجزئا ، فيحرم الإناء المطلي أو المموه بالذهب أو الفضة ، أو الذي فيه شيء من الذهب والفضة ، ما عدا الضبة اليسيرة من الفضة كما سبق ، بدليل حديث أنس رضي الله عنه : أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر ، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة ، رواه البخاري .

قال النووي رحمه الله : " انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيها ، وجميع أنواع الاستعمال في معنى الأكل والشرب بالإجماع " . انتهى .

وتحريم الاستعمال والاتخاذ يشمل الذكور والإناث لعموم الأخبار ، وعدم المخصص ، وإنما أبيح التحلي للنساء لحاجتهن إلى التزين للزوج .

وتباح آنية الكفار التي يستعملونها ما لم تعلم نجاستها ، فإن علمت نجاستها فإنها تغسل وتستعمل بعد ذلك .

2 - جلود الميتة يحرم استعمالها إلا إذا دبغت ، فقد اختلف العلماء في جواز استعمالها بعد الدبغ ، والصحيح الجواز ، وهو قول الجمهور ؛ لورود الأحاديث الصحيحة بجواز استعماله بعد الدبغ ، ولأن نجاسته طارئة ، فتزول بالدبغ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : يطهره الماء والقرظ ، وقوله صلى الله عليه وسلم : دباغ الأديم طهوره .

وتباح ثياب الكفار إذا لم تعلم نجاستها لأن الأصل الطهارة ، فلا تزول بالشك ، ويباح ما نسجوه أو صبغوه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ما نسجه الكفار وصبغوه . والله تعالى أعلم ..
 
باب في آداب قضاء الحاجة



اعلم وفقني الله وإياك وجميع المسلمين أن ديننا كامل متكامل ، ما ترك شيئا مما يحتاجه الناس في دينهم ودنياهم إلا بينه ، ومن ذلك آداب قضاء الحاجة ؛ ليتميز الإنسان الذي كرمه الله عن الحيوان بما كرمه الله به ، فديننا دين النظافة ودين الطهر ، فهناك آداب شرعية تفعل عند دخول الخلاء ، وحال قضاء الحاجة .

فإذا أراد المسلم دخول الخلاء - وهو المحل المعد لقضاء الحاجة - فإنه يستحب له أن يقول : بسم الله ، أعوذ بالله من الخبث والخبائث ، ويقدم رجله اليسرى حال الدخول ، وعند الخروج يقدم رجله اليمنى ، ويقول : غفرانك ، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ؛ وذلك لأن اليمنى تستعمل فيما من شأنه التكريم والتجميل ، واليسرى تستعمل فيما من شأنه إزالة الأذى ونحوه .

وإذا أراد أن يقضي حاجته في فضاء - أي في غير محل معد لقضاء الحاجة - فإنه يستحب له أن يبعد عن الناس بحيث يكون في مكان خال ، ويستتر عن الأنظار بحائط أو شجرة أو غير ذلك ، ويحرم أن يستقبل القبلة أو يستدبرها حال قضاء الحاجة ، بل ينحرف عنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة وعليه أن يتحرز من رشاش البول أن يصيب بدنه أو ثوبه ، فيرتاد لبوله مكانا رخوا ؛ حتى لا يتطاير عليه شيء منه .

ولا يجوز له أن يمس فرجه بيمينه ، وكذلك لا يجوز له أن يقضي حاجته في طريق الناس ، أو في ظلهم ، أو موارد مياههم ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما فيه من الإضرار بالناس وأذيتهم .

ولا يدخل موضع الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل أو فيه قرآن ، فإن خاف على ما معه مما فيه ذكر الله جاز له الدخول به ، ويغطيه .

ولا ينبغي له أن يتكلم حال قضاء الحاجة ، فقد ورد في الحديث أن الله يمقت على ذلك ويحرم عليه قراءة القرآن .

فإذا فرغ من قضاء الحاجة فإنه ينظف المخرج بالاستنجاء بالماء ، أو الاستجمار بالأحجار ، أو ما يقوم مقامها ، وإن جمع بينهما فهو أفضل ، وإن اقتصر على أحدهما كفى .

والاستجمار يكون بالأحجار أو ما يقوم مقامها من الورق الخشن والخرق ونحوها مما ينقى المخرج وينشفه ، ويشترط ثلاث مسحات منقية فأكثر إذا أراد الزيادة ، ولا يجوز الاستجمار بالعظام ورجيع الدواب - أي : روثها - لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وعليه أن يزيل أثر الخارج وينشفه ؛ لئلا يبقى شيء من النجاسة على جسده ، ولئلا تنتقل النجاسة إلى مكان آخر من جسده أو ثيابه .

قال بعض الفقهاء : إن الاستنجاء أو الاستجمار شرط من شروط صحة الوضوء لا بد أن يسبقه ، فلو توضأ قبله لم يصح وضوؤه ، لحديث المقداد المتفق عليه : يغسل ذكره ، ثم يتوضأ .

قال النووي : " والسنة أن يستنجي قبل الوضوء ، ليخرج من الخلاف ، ويأمن انتقاض طهره " .

أيها المسلم احرص على التنزه من البول ، فإن عدم التنزه منه من موجبات عذاب القبر ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استنزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر منه ، رواه الدارقطني ، قال الحافظ : " صحيح الإسناد ، وله شواهد ، وأصله في " الصحيحين " .

أيها المسلم إن كمال الطهارة يسهل القيام بالعبادة ، ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها .

روى الإمام أحمد رحمه الله عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح ، فقرأ الروم فيها ، فأوهم ، فلما انصرف قال : إنه يلبس علينا القرآن ، إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء ، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء .

وقد أثنى الله على أهل مسجد قباء بقوله : فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ، ولما سئلوا عن صفة هذا التطهر قالوا : إنا نتبع الحجارة الماء ، رواه البزار .

وهنا أمر يجب التنبيه عليه ، وهو أن بعض العوام يظن أن الاستنجاء من الوضوء ، فإذا أراد أن يتوضأ بدأ بالاستنجاء ، ولو كان قد استنجى سابقا بعد قضاء الحاجة ، وهذا خطأ لأن الاستنجاء ليس من الوضوء ، وإنما هو من شروطه كما سبق ، ومحله بعد الفراغ من قضاء الحاجة ، ولا داعي لتكراره من غير وجود موجبه - وهو قضاء الحاجة وتلوث المخرج بالنجاسة - .

أيها المسلم هذا ديننا ، دين الطهارة والنظافة والنزاهة ، أتى بأحسن الآداب وأكرم الأخلاق ، استوعب كل ما يحتاجه المسلم ، وكل ما يصلحه ، ولم يغفل شيئا فيه مصلحة لنا ، فلله الحمد والمنة ، ونسأله الثبات على هذا الدين ، والتبصر في أحكامه ، والعمل بشرائعه ، مع الإخلاص لله في ذلك ؛ حتى يكون عملنا صحيحا مقبولا .
 


باب في السواك وخصال الفطرة


روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب ، رواه أحمد وغيره .

وثبت في " الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس من الفطرة : الاستحداد ، والختان ، وقص الشارب ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظافر .

وفي " الصحيحين " أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا : أحفوا الشوارب ، وأعفوا اللحى .

من هذه الأحاديث وما جاء بمعناها أخذ الفقهاء الأحكام التالية :

مشروعية السواك ، وهو استعمال عود أو نحوه في الأسنان واللثة ، ليذهب ما علق بهما من صفرة ورائحة ، وقد ورد أنه من سنن المرسلين فأول من استاك إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مطهرة للفم ، أي : منظف له مما يستكره ، وأنه مرضاة للرب ، أي : يرضي الرب تبارك وتعالى ، وقد ورد في بيانه والحث عليه أكثر من مائة حديث ، مما يدل على أنه سنة مؤكدة ، حث الشارع عليه ، ورغب فيه ، وله فوائد عظيمة ، من أعظمها وأجمعها ما أشار إليه في هذا الحديث : أنه مطهرة للفم ، مرضاة للرب .

ويكون التسوك بعود لين من أراك أو زيتون أو عرجون أو غيرها مما لا يتفتت ، ولا يجرح الفم .

ويسن السواك في جميع الأوقات ، حتى للصائم في جميع اليوم على الصحيح ، ويتأكد في أوقات مخصوصة ، فيتأكد عند الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ، فالحديث يدل على تأكد استحباب السواك عند الوضوء ، ويكون ذلك حال المضمضة ؛ لأن ذلك أبلغ في الإنقاء وتنظيف الفم ، ويتأكد السواك أيضا عند الصلاة فرضا أو نفلا ؛ لأننا مأمورون عند التقرب إلى الله أن نكون في حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة .

ويتأكد السواك أيضا عند الانتباه من نوم الليل أو نوم النهار ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك ، والشوص : الدلك ، وذلك لأن النوم تتغير معه رائحة الفم لتصاعد أبخرة المعدة ، والسواك في هذه الحالة ينظف الفم من آثارها ، ويتأكد السواك أيضا عند تغير رائحة الفم بأكل أو غيره ، ويتأكد أيضا عند قراءة قرآن لتنظيف الفم وتطييبه لتلاوة كلام الله عز وجل .

وصفة التسوك أن يمر المسواك على لثته وأسنانه ، فيبتدئ من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر ، ويمسك المسواك بيده اليسرى .

ومن المزايا التي جاء بها ديننا الحنيف خصال الفطرة التي مر ذكرها في الحديث ، وسميت خصال الفطرة لأن فاعلها يتصف بالفطرة التي فطر الله عليها العباد ، وحثهم عليها ، واستحبها لهم ؛ ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها ، وليكونوا على أجمل هيئة وأحسن خلقة ، وهي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء ، واتفقت عليها الشرائع ، وهذه الخصال هي :

1 - الاستحداد : وهو حلق العانة ، وهي الشعر النابت حول الفرج ، سمي استحدادا لاستعمال الحديدة فيه ، وهي الموسى ، وفي إزالته تجميل ونظافة ، فيزيله بما شاء من حلق أو غيره .

2 - الختان : وهو إزالة الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تبرز الحشفة ، ويكون زمن الصغر لأنه أسرع برءا ، ولينشأ الصغير على أكمل الأحوال .

ومن الحكمة في الختان تطهير الذكر من النجاسة المتحقنة في القلفة ، وغير ذلك من الفوائد .

3 - قص الشارب وإحفاؤه ، وهو المبالغـة في قصه لما في ذلك من التجميل والنظافة ومخالفة الكفار ، وقد وردت الأحاديث في الحث على قصه وإحفائه وإعفاء اللحية وإرسالها وإكرامها ؛ لما في بقاء اللحية من الجمال ومظهر الرجولة ، وقد عكس كثير من الناس الأمر ، فصاروا يوفرون شواربهم ، ويحلقون لحاهم ، أو يقصونها ، أو يحاصرونها في نطاق ضيق إمعانا في المخالفة للهدي النبوي ، وتقليدا لأعداء الله ورسوله ، ونزولا عن سمات الرجولة والشهامة إلى سمات النساء والسفلة ، حتى صدق عليهم قول الشاعر :
يقضـى علـى المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن



وقول الآخر :
ولا عجب أن النساء ترجلت ولكـن تـأنيث الرجال عجيب



4 - ومن خصال الفطرة : تقليم الأظافر ، وهو قطعها بحيث لا تترك تطول ؛ لما في ذلك من التجميل وإزالة الوسخ المتراكم تحتها ، والبعد عن مشابهة السباع البهيمية ، وقد خالف هذه الفطرة النبوية طوائف من الشباب المتخنفس والنساء الهمجيات ، فصاروا يطيلون أظافرهم مخالفة للهدي النبوي ، وإمعانا في التقليد الأعمى .

5 - ومن خصال الفطرة : نتف الإبط ، أي : إزالة الشعر النابت في الإبط ، فيسن إزالة هذا الشعر بالنتف أو الحلق أو غير ذلك ؛ لما في إزالة هذا الشعر من النظافة ، وقطع الرائحة الكريهة التي تتضاعف مع وجود هذا الشعر .

أيها المسلم هكذا جاء ديننا بتشريع هذه الخصال ؛ لما فيها من التجمل والتنظف والتطهر ؛ ليكون المسلم على أحسن حال وأجمل مظهر مخالفا بذلك هدي المشركين ، ولما في بعضها من تمييز بين الرجال والنساء ؛ ليبقى لكل منهما شخصيته المناسبة لوظيفته في الحياة ، لكن أبى كثير من المخدوعين ، الذين يظلمون أنفسهم ، فأبوا إلا مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستيراد التقاليد التي لا تتناسب مع ديننا وشخصيتنا الإسلامية ، واتخذوا من سفلة الغرب أو الشرق قدوة لهم في شخصيتهم ، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، بل استبدلوا الخبيث بالطيب ، والكمال بالنقص ، فجنوا على أنفسهم وعلى مجتمعهم ، وجاءوا بسنة سيئة ، باءوا بإثمها وإثم من عمل بها تبعا لهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

اللهم وفق المسلمين لإصلاح أعمالهم وأقوالهم ، وارزقهم الإخلاص لوجهك الكريم ، والتمسك بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .
 
باب في بيان صفة الوضوء
بعد أن عرفت شرائط الوضوء وفرائضه وسننه على ما سبق بيانه ، كأنك تطلعت إلى بيان صفة الوضوء التي تطبق فيها تلك الأحكام ، وهي صفة الوضوء الكامل المشتمل على الفروض والسنن ، مستوحاة من نصوص الشرع ؛ لتعمل على تطبيقها إن شاء الله ، فصفة الوضوء :

- أن ينوي الوضوء لما يشرع له الوضوء من صلاة ونحوها .

- ثم يقول : بسم الله .

- ثم يغسل كفيه ثلاث مرات .

- ثم يتمضمض ثلاث مرات ، ويستنشق ثلاث مرات ، وينثر الماء من أنفه بيساره .

- ويغسل وجهه ثلاث مرات ، وحد الوجه طولا من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن ، واللحيان عظمان في أسفل الوجه ، أحدهما من جهة اليمين ، والثاني من جهة اليسار ، والذقن مجمعهما ، وشعر اللحية من الوجه فيجب غسله ولو طال ، فإن كانت اللحية خفيفة الشعر وجب غسل باطنها وظاهرها ، وإن كانت كثيفة - أي : ساترة للجلد - وجب غسل ظاهرها ، ويستحب تخليل باطنها كما تقدم ، وحد الوجه عرضا من الأذن إلى الأذن ، والأذنان من الرأس فيمسحان معه كما تقدم .

- ثم يغسل يديه مع المرفقين ثلاث مرات ، وحد اليد هنا من رءوس الأصابع مع الأظافر إلى أول العضد ، ولا بد أن يزيل ما علق باليدين قبل الغسل من عجين وطين وصبغ كثيف على الأظافر حتى يتبلغ بماء الوضوء .

ثم يمسح كل رأسه وأذنيه مرة واحدة بماء جديد غير البلل الباقي من غسل يديه ، وصفة مسح الرأس أن يضع يديه مبلولتين بالماء على مقدم رأسه ، ويمرهما إلى قفاه ، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه ، ثم يدخل أصبعيه السبابتين في خرقي أذنيه ، ويمسح ظاهرهما بإبهاميه .

- ثم يغسل رجليه ثلاث مرات مع الكعبين ، والكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق .

ومن كان مقطوع اليد أو الرجل فإنه يغسل ما بقي من الذراع أو الرجل ، فإن قطع من مفصل المرفق غسل رأس العضد ، وإن قطع من الكعب غسل طرف الساق ؛ لقوله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وقوله صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، فإذا غسل بقية المفروض فقد أتى بما استطاع .

ثم بعد الفراغ من الوضوء على الصفة التي ذكرنا يرفع بصره إلى السماء ، ويقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأدعية في هذه الحالة ، ومن ذلك : أشهد أن لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ، سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .

والمناسبة في الإتيان بهذا الذكر والدعاء بعد الوضوء ، أنه لما كان الوضوء طهارة للظاهر ناسب ذكر طهارة الباطن بالتوحيد والتوبة ، وهما أعظم المطهرات ، فإذا اجتمع له الطهوران : طهور الظاهر بالوضوء ، وطهور الباطن بالتوحيد والتوبة ، صلح للدخول على الله ، والوقوف بين يديه ، ومناجاته .

ولا بأس أن ينشف المتوضئ أعضاءه من ماء الوضوء بمسحه بخرقة ونحوها .

ثم اعلم أيها المسلم أنه يجب إسباغ الوضوء وهو إتمامه باستكمال الأعضاء ، وتعميم كل عضو بالماء ، ولا يترك منه شيئا لم يصبه الماء ، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ترك موضع ظفر على قدمه ، فقال له : ارجع ، فأحسن وضوءك .

وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا يصلي وفي بعض قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء ، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة ، ، وقال صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار ؛ وذلك لأنه قد يحصل التساهل في تعاهدهما ، فلا يصل إليهما الماء ، أو تبقى فيهما بقية لا يعمها الماء ، فيعذبان بالنار بسبب ذلك .

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره : إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ثم يمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين .

ثم اعلم أيها المسلم أنه ليس معنى إسباغ الوضوء كثرة صب الماء ، بل معناه تعميم العضو بجريان الماء عليه كله ، وأما كثرة صب الماء فهذا إسراف منهي عنه ، بل قد يكثر صب الماء ولا يتطهر الطهارة الواجبة ، وإذا حصل إسباغ الوضوء مع تقليل الماء فهذا هو المشروع .

فقد ثبت في " الصحيحين " أنه صلى الله عليه وسلم : كان يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ونهى صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في الماء ، فقد مر صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يتوضأ ، فقال : ما هذا السرف ؟ فقال : أفي الوضوء إسراف ؟ فقال : نعم ، ولو كنت على نهر جار ، رواه أحمد وابن ماجه ، وله شواهد والسرف ضد القصد .

وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يكون في أمته من يتعدى في الطهور وقال : إن للوضوء شيطانا يقال له : الولهان ، فاتقوا وسواس الماء .

والسرف في صب الماء - مع أنه يضيع الماء من غير فائدة - يوقع في مفاسد أخرى :

منها : أنه قد يعتمد على كثرة الماء فلا يتعاهد وصول الماء إلى أعضائه ، فربما تبقى بقية لم يصلها الماء ، ولا يدري عنها ، فيبقى وضوءه ناقصا ، فيصلي بغير طهارة .

ومنها : الخوف عليه من الغلو في العبادة ، فإن الوضوء عبادة ، والعبادة إذا دخلها الغلو فسدت .

ومنها : أنه قد يحدث له الوسواس في الطهارة بسبب الإسراف في صب الماء .

والخير كله في الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

فعليك أيها المسلم بالحرص على أن يكون وضوءك وجميع عباداتك على الوجه المشروع ، من غير إفراط ولا تفريط ، فكلا طرفي الأمور ذميم ، وخير الأمور أوسطها ، والمتساهل في العبادة ينتقصها ، والغالي فيها يزيد عليها ما ليس منها ، والمستن فيها بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يوفيها حقها .

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل .
__________________

تذكير بالمصدر
المصدر :المختصر الفقهي (( للشيخ صالح الفوزان )) / نقلا عن موقعه الرسمي
 
جزانا الله واياكم وجميع المسلمين التفقه في الدين
حياك الله شاكر مرورك
 
عودة
أعلى