في مواجهة أزمة وباء كورونا، استدعت كثير من دول العالم قواتها المسلحة للمشاركة في هذا الجهد، خصوصا بعد اتضاح قصور الأجهزة المدنية في مجالات الصحة والإغاثة، وعدم قدرتها على تنفيذ الإجراءات الاستثنائية التي تبنتها الحكومات.
ونزل أفراد القوات المسلحة إلى الشوارع والميادين لدعم أجهزة الشرطة والصحة في تنفيذ تلك الإجراءات، بل بلغ الأمر استخدامها خارج حدود الدولة كحالة الأطباء العسكريين الروس الذين يقومون بتطهير وتعقيم مركز انتشار الوباء في إيطاليا، وهي منطقة "لومبارديا".
الأمر المؤكد إذن أن الجيوش هي مؤسسات اجتماعية وسياسية، فهي جزء من المجتمع بحكم تكوينها البشري وجزء من الدولة كونها أداة مهمة من أدوات تحقيقها لوظائفها، وأنها خاضعة للقيادة السياسية فيها
تقوم الجيوش في مجال مكافحة وباء الكورونا بمهام متعددة تضمنت: دخول الأطقم الطبية العسكرية إلى مراكز انتشار الوباء، وقيام إدارات الحرب الكيميائية والبيولوجية بتطهير المؤسسات الحكومية والمنشآت التي يتردد عليها الجمهور، ومراقبة تنفيذ إجراءات حظر التجوال وإغلاق قرى ومدن، ومنع السفر من محافظة لأخرى والتمركز عند مداخل المدن ومخارجها، واستخدام الاحتياطات الاستراتيجية للقوات المُسلحة من مستلزمات الوقاية والعلاج وأجهزة التنفس الصناعي وتوزيعها على المستشفيات العامة، وتوجيه المصانع الحربية بإنتاج الكمامات والقفازات ومواد التطهير للأفراد، وبيعها للمواطنين بأسعار مناسبة، وذلك في مواجهة جشع بعض التجار الذي أدى إلى الارتفاع الكبير في أسعارها.
ومن هذه المهام أيضَا: إقامة مستشفيات ميدانية أو إدارتها، ومن أمثلة ذلك إدارة وتشغيل الجيش الصيني للمستشفى العملاق الذي تمت إقامته في مدينة ووهان في 10 أيام، والمساعدة في نقل المرضى إلى المستشفيات وتوصيل الأدوية والطعام إلى كبار السن، وهو ما تقوم به قوات الحرس الوطني في الولايات المتحدة. واستخدام السفن العسكرية الطبية كمستشفيات كحالة السفينتين الأمريكيتين "الراحة Comfort" و"الرحمة MERCY"، واستخدام الطائرات الحربية لإعادة المواطنين العالقين في الخارج إلى بلادهم، كما تم في فرنسا وفقا لبيان الرئيس ماكرون يوم 25 مارس/آذار الماضي كأحد بنود العملية العسكرية التي أسماها "الصعود"، ومراقبة الحدود لمنع الدخول إلى البلاد، ومثل انتشار الجيش الموريتاني على طول نهر السنغال الذي يمثل حدود موريتانيا مع السنغال.
والهدف من كل هذه المهام حماية النظام الطبي في الدولة من الانهيار، والحفاظ على الصحة العامة للمواطنين.
تمت الاستعانة بالجيوش في هذه الأزمة بحكم ما تتسم به من سمات مؤسسية وتنظيمية تجعلها أكثر قدرة على التصرف في هذه الظروف الاستثنائية، وتشمل هذه السمات: التنظيم المحكم القائم على الانضباط، وثقافة الطاعة والإنجاز والالتزام بالتعليمات والتوجيهات، والقدرة على التخطيط والحسابات الدقيقة لكل كبيرة وصغيرة عند التنفيذ، وامتلاك الموارد المتكاملة من إدارات هندسية وطبية واقتصادية وكافة أنواع المعدات والمهمات المطلوبة، وأنه بحكم طبيعة عمل الجيوش فإنها من أكثر مؤسسات الدولة تحديثا وتقدما وجاهزية للعمل والتحرك بسرعة، فهي عليها أن تكون متأهبة في كل الأوقات تحسبا لأي خطر مفاجئ. وأخيرًا، هُناك الهيبة الاجتماعية التي تتمتع بها القوات المسلحة والثقة في قدراتها وأدائها باعتبارها حارسة الوطن وحامية الشعب.
لذلك، لم تتردد الدول في استدعاء جيوشها بما في ذلك المملكة المتحدة التي كانت حذرة دوما في استدعاء الجيش لأداء مهام مدنية في زمن السلم، معتمدة في ذلك على جهاز الشرطة فقط.
أكد هذا التوجه أربعة عوامل؛ الأول: أن الجيش هو خط الدفاع الأول عن الدولة في مواجهة الأخطار والتهديدات الخارجية، وهو خط الدفاع الأخير لتأمين كيان الدولة والمجتمع، ويترتب على ذلك أنه كلما ازدادت المخاطر يزداد دور القوات المسلحة، وارتبط ذلك بتحول مفهوم الأمن القومي من التعريف التقليدي العسكري له إلى التعريف الاجتماعي- الإنساني، فلم تعد التهديدات الموجهة ضد الأمن القومي لدولة ما تقتصر على التهديدات العسكرية، واتسع مجالها لتشمل التهديدات السياسية والاقتصادية والإعلامية، وكل ما يتعلق بالتنمية والاستقرار السياسي والاجتماعي ويضعف التلاحم الوطني. وترتب على ذلك توسيع اهتمامات القوات المسلحة لتشمل كل مصادر التهديد والخطر للأمن القومي المادية منها والمعنوية.
والثاني: أن كثيرا من الجيوش لم تكن بعيدة عن القيام بأعمال تنموية في أوقات السلم في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، ففي الولايات المتحدة يستثمر الجيش في بناء الطرق والكباري والمطارات والموانئ والقواعد العسكرية، ومن الباحثين الذين نبهوا مبكرا إلى علاقة الشراكة بين الجيش والاقتصاد والسياسة عالم الاجتماع الأمريكي "س. رايت ميلز" وأطروحته عن "المركب الصناعي العسكري" Military Industrial Complex في كتابه الشهير "نخبة القوة" الذي صدر في 1956، وفي إيطاليا كان للجيش دوره في دعم مصانع الأدوية واللقاحات والمستحضرات الطبية.
وفي روسيا، تدير وزارة الدفاع سلسلة من الصناعات أبرزها صناعة الغذاء التي تشتهر بإنتاج وجبات غذائية مغلفة يقبل عليها الناس لجودتها ورخص أسعارها، وصناعة الملابس التي تشتهر بوضع علامات تحمل أسماء شخصيات عسكرية ووطنية، ورموزا لأحداث كبرى في تاريخ روسيا، مما ينمي المشاعر الوطنية والافتخار بالتاريخ.
ويزداد دور الجيوش في الدول النامية، حيث لعب الجيش في الصين دور المَثل والقدوة في امتلاك العديد من الشركات العاملة في مشروعات البنية التحتية، والزراعة، والصناعات الغذائية، والتعدين، ووسائل المواصلات.
وفي الهند، أنشأت وزارة الدفاع في 1949 سلسلة متاجر "كانتين" المعروفة بحروف "CSD"، وتبيع كل شيء من السيارات إلى المستلزمات اليومية للمنازل والأفراد، وفي باكستان يدير الجيش منظومة كبيرة من المصانع والشركات في مجالات التعدين والبحث عن النفط والأسمنت والغاز، والبنوك والتأمين، والمتاجر، وتقوم مؤسسة "FAUJI" وهي كلمة في اللغة الأردية تعني "جندي" بمساعدة قُدامى المُحاربين والعاملين في الجيش بعد خروجهم من الخدمة وتوفير الوظائف لهُم ولأُسرهم. وفي أفريقيا قام جيش بتسوانا بحماية الحياة البرية ضد عصابات الصيد التي تنتهك القانون، وضمان الأمن البيئي. وقام الجيش في السنغال بالمشاركة في مختلف المشروعات التنموية في مجالات البنية التحتية والزراعة والتعليم والصحة، وهو الأمر الذي يوجد أيضًا في أغلب الدول الأفريقية وفي العديد من البلاد العربية.
والثالث: أن الدول استدعت جيوشها من قبل في مواجهة ظروف الفيضانات والزلازل وغيرهما من الكوارث الطبيعية، وفي إقامة البنية التحتية في المناطق النائية، والمشاركة في حملات التطعيم ضد الأمراض التي تصيب الأطفال.
والرابع: أن القوات المسلحة تتحمل المسؤولية في الأوقات التي يتهدد فيها كيان الدولة والمجتمع، وفي كل الدول توجد خطط طوارئ استراتيجية غير معلنة، وتُعتبر من أسرار الدولة العُليا لمواجهة هذه الظروف، ولعلنا نتذكر السرعة التي تصرف بها الجيش الأمريكي في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، ونقله الرئيس بوش من المدرسة التي كان يزورها في ولاية فلوريدا إلى مكان سري تحت الأرض معد سلفا يستطيع منه الرئيس إدارة شؤون البلاد، ووفقا لما هو متاح عن مثل هذه الخطط فإنها تتضمن نقل الرئيس ونائبه وعدد من القيادات السياسية والتشريعية إلى أماكن آمنة، وأنه يوجد قبو على عمق 600 متر تحت الأرض في إحدى القواعد العسكرية بولاية كولورادو معد لاستقبال بعض هذه القيادات، وأن هذا المكان أنشئ في زمن الحرب الباردة وفي حالة تعرض الولايات المتحدة لهجوم نووي.
وفي عام 1950، أصدر الجيش الأمريكي قانون الإنتاج الحربي "Defense Production Act" الذي يُخول للرئيس سُلطات واسعة في استخدام الجيش لمُكافحة تخزين السلع الضرورية، وإدارة المصانع المدنية من أجل المجهود الحربي، وهو القانون الذي صدر إبان الحرب الكورية وظل غير معمول به لمُدة سبعين عامًا حتى أعاد ترامب تفعيله في مارس/آذار 2020 في غضون أزمة كورونا الراهنة، وأنه يوجد من عهد الرئيس دوايت إيزنهاور الذي حكم خلال الفترة 1953-1961 خطة لمواجهة الكوارث، وصدق عليها الرؤساء الذين تعاقبوا على المنصب تتضمن الإجراءات العسكرية الواجب اتخاذها في حالة حدوث شلل عام أو تهديد داهم لكيان الدولة، وماذا يجب على الجيش القيام به في مثل هذه الحالة لضمان استمرارية حكم وإدارة الدولة؟
الأمر المؤكد إذا أن الجيوش هي مؤسسات اجتماعية وسياسية، فهي جزء من المجتمع بحكم تكوينها البشري، وجزء من الدولة كونها أداة مهمة من أدوات تحقيقها لوظائفها، وأنها خاضعة للقيادة السياسية فيها.
واعتقادي أن الخبرة الراهنة للجيوش سوف تعيد تعريف العلاقات العسكرية المدنية ونظرة المجتمعات إلى جيوشها، ومن الأرجح أن تختلف هذه العلاقات المستقبلية من بلد لبلد حسب ظروفه وسياقه، ولكن سوف يبقى أن القوات المسلحة هي خط الحماية النهائي للمجتمعات في أوقات الحرب وفي أوقات السلم.
ونزل أفراد القوات المسلحة إلى الشوارع والميادين لدعم أجهزة الشرطة والصحة في تنفيذ تلك الإجراءات، بل بلغ الأمر استخدامها خارج حدود الدولة كحالة الأطباء العسكريين الروس الذين يقومون بتطهير وتعقيم مركز انتشار الوباء في إيطاليا، وهي منطقة "لومبارديا".
الأمر المؤكد إذن أن الجيوش هي مؤسسات اجتماعية وسياسية، فهي جزء من المجتمع بحكم تكوينها البشري وجزء من الدولة كونها أداة مهمة من أدوات تحقيقها لوظائفها، وأنها خاضعة للقيادة السياسية فيها
تقوم الجيوش في مجال مكافحة وباء الكورونا بمهام متعددة تضمنت: دخول الأطقم الطبية العسكرية إلى مراكز انتشار الوباء، وقيام إدارات الحرب الكيميائية والبيولوجية بتطهير المؤسسات الحكومية والمنشآت التي يتردد عليها الجمهور، ومراقبة تنفيذ إجراءات حظر التجوال وإغلاق قرى ومدن، ومنع السفر من محافظة لأخرى والتمركز عند مداخل المدن ومخارجها، واستخدام الاحتياطات الاستراتيجية للقوات المُسلحة من مستلزمات الوقاية والعلاج وأجهزة التنفس الصناعي وتوزيعها على المستشفيات العامة، وتوجيه المصانع الحربية بإنتاج الكمامات والقفازات ومواد التطهير للأفراد، وبيعها للمواطنين بأسعار مناسبة، وذلك في مواجهة جشع بعض التجار الذي أدى إلى الارتفاع الكبير في أسعارها.
ومن هذه المهام أيضَا: إقامة مستشفيات ميدانية أو إدارتها، ومن أمثلة ذلك إدارة وتشغيل الجيش الصيني للمستشفى العملاق الذي تمت إقامته في مدينة ووهان في 10 أيام، والمساعدة في نقل المرضى إلى المستشفيات وتوصيل الأدوية والطعام إلى كبار السن، وهو ما تقوم به قوات الحرس الوطني في الولايات المتحدة. واستخدام السفن العسكرية الطبية كمستشفيات كحالة السفينتين الأمريكيتين "الراحة Comfort" و"الرحمة MERCY"، واستخدام الطائرات الحربية لإعادة المواطنين العالقين في الخارج إلى بلادهم، كما تم في فرنسا وفقا لبيان الرئيس ماكرون يوم 25 مارس/آذار الماضي كأحد بنود العملية العسكرية التي أسماها "الصعود"، ومراقبة الحدود لمنع الدخول إلى البلاد، ومثل انتشار الجيش الموريتاني على طول نهر السنغال الذي يمثل حدود موريتانيا مع السنغال.
والهدف من كل هذه المهام حماية النظام الطبي في الدولة من الانهيار، والحفاظ على الصحة العامة للمواطنين.
تمت الاستعانة بالجيوش في هذه الأزمة بحكم ما تتسم به من سمات مؤسسية وتنظيمية تجعلها أكثر قدرة على التصرف في هذه الظروف الاستثنائية، وتشمل هذه السمات: التنظيم المحكم القائم على الانضباط، وثقافة الطاعة والإنجاز والالتزام بالتعليمات والتوجيهات، والقدرة على التخطيط والحسابات الدقيقة لكل كبيرة وصغيرة عند التنفيذ، وامتلاك الموارد المتكاملة من إدارات هندسية وطبية واقتصادية وكافة أنواع المعدات والمهمات المطلوبة، وأنه بحكم طبيعة عمل الجيوش فإنها من أكثر مؤسسات الدولة تحديثا وتقدما وجاهزية للعمل والتحرك بسرعة، فهي عليها أن تكون متأهبة في كل الأوقات تحسبا لأي خطر مفاجئ. وأخيرًا، هُناك الهيبة الاجتماعية التي تتمتع بها القوات المسلحة والثقة في قدراتها وأدائها باعتبارها حارسة الوطن وحامية الشعب.
لذلك، لم تتردد الدول في استدعاء جيوشها بما في ذلك المملكة المتحدة التي كانت حذرة دوما في استدعاء الجيش لأداء مهام مدنية في زمن السلم، معتمدة في ذلك على جهاز الشرطة فقط.
أكد هذا التوجه أربعة عوامل؛ الأول: أن الجيش هو خط الدفاع الأول عن الدولة في مواجهة الأخطار والتهديدات الخارجية، وهو خط الدفاع الأخير لتأمين كيان الدولة والمجتمع، ويترتب على ذلك أنه كلما ازدادت المخاطر يزداد دور القوات المسلحة، وارتبط ذلك بتحول مفهوم الأمن القومي من التعريف التقليدي العسكري له إلى التعريف الاجتماعي- الإنساني، فلم تعد التهديدات الموجهة ضد الأمن القومي لدولة ما تقتصر على التهديدات العسكرية، واتسع مجالها لتشمل التهديدات السياسية والاقتصادية والإعلامية، وكل ما يتعلق بالتنمية والاستقرار السياسي والاجتماعي ويضعف التلاحم الوطني. وترتب على ذلك توسيع اهتمامات القوات المسلحة لتشمل كل مصادر التهديد والخطر للأمن القومي المادية منها والمعنوية.
والثاني: أن كثيرا من الجيوش لم تكن بعيدة عن القيام بأعمال تنموية في أوقات السلم في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، ففي الولايات المتحدة يستثمر الجيش في بناء الطرق والكباري والمطارات والموانئ والقواعد العسكرية، ومن الباحثين الذين نبهوا مبكرا إلى علاقة الشراكة بين الجيش والاقتصاد والسياسة عالم الاجتماع الأمريكي "س. رايت ميلز" وأطروحته عن "المركب الصناعي العسكري" Military Industrial Complex في كتابه الشهير "نخبة القوة" الذي صدر في 1956، وفي إيطاليا كان للجيش دوره في دعم مصانع الأدوية واللقاحات والمستحضرات الطبية.
وفي روسيا، تدير وزارة الدفاع سلسلة من الصناعات أبرزها صناعة الغذاء التي تشتهر بإنتاج وجبات غذائية مغلفة يقبل عليها الناس لجودتها ورخص أسعارها، وصناعة الملابس التي تشتهر بوضع علامات تحمل أسماء شخصيات عسكرية ووطنية، ورموزا لأحداث كبرى في تاريخ روسيا، مما ينمي المشاعر الوطنية والافتخار بالتاريخ.
ويزداد دور الجيوش في الدول النامية، حيث لعب الجيش في الصين دور المَثل والقدوة في امتلاك العديد من الشركات العاملة في مشروعات البنية التحتية، والزراعة، والصناعات الغذائية، والتعدين، ووسائل المواصلات.
وفي الهند، أنشأت وزارة الدفاع في 1949 سلسلة متاجر "كانتين" المعروفة بحروف "CSD"، وتبيع كل شيء من السيارات إلى المستلزمات اليومية للمنازل والأفراد، وفي باكستان يدير الجيش منظومة كبيرة من المصانع والشركات في مجالات التعدين والبحث عن النفط والأسمنت والغاز، والبنوك والتأمين، والمتاجر، وتقوم مؤسسة "FAUJI" وهي كلمة في اللغة الأردية تعني "جندي" بمساعدة قُدامى المُحاربين والعاملين في الجيش بعد خروجهم من الخدمة وتوفير الوظائف لهُم ولأُسرهم. وفي أفريقيا قام جيش بتسوانا بحماية الحياة البرية ضد عصابات الصيد التي تنتهك القانون، وضمان الأمن البيئي. وقام الجيش في السنغال بالمشاركة في مختلف المشروعات التنموية في مجالات البنية التحتية والزراعة والتعليم والصحة، وهو الأمر الذي يوجد أيضًا في أغلب الدول الأفريقية وفي العديد من البلاد العربية.
والثالث: أن الدول استدعت جيوشها من قبل في مواجهة ظروف الفيضانات والزلازل وغيرهما من الكوارث الطبيعية، وفي إقامة البنية التحتية في المناطق النائية، والمشاركة في حملات التطعيم ضد الأمراض التي تصيب الأطفال.
والرابع: أن القوات المسلحة تتحمل المسؤولية في الأوقات التي يتهدد فيها كيان الدولة والمجتمع، وفي كل الدول توجد خطط طوارئ استراتيجية غير معلنة، وتُعتبر من أسرار الدولة العُليا لمواجهة هذه الظروف، ولعلنا نتذكر السرعة التي تصرف بها الجيش الأمريكي في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، ونقله الرئيس بوش من المدرسة التي كان يزورها في ولاية فلوريدا إلى مكان سري تحت الأرض معد سلفا يستطيع منه الرئيس إدارة شؤون البلاد، ووفقا لما هو متاح عن مثل هذه الخطط فإنها تتضمن نقل الرئيس ونائبه وعدد من القيادات السياسية والتشريعية إلى أماكن آمنة، وأنه يوجد قبو على عمق 600 متر تحت الأرض في إحدى القواعد العسكرية بولاية كولورادو معد لاستقبال بعض هذه القيادات، وأن هذا المكان أنشئ في زمن الحرب الباردة وفي حالة تعرض الولايات المتحدة لهجوم نووي.
وفي عام 1950، أصدر الجيش الأمريكي قانون الإنتاج الحربي "Defense Production Act" الذي يُخول للرئيس سُلطات واسعة في استخدام الجيش لمُكافحة تخزين السلع الضرورية، وإدارة المصانع المدنية من أجل المجهود الحربي، وهو القانون الذي صدر إبان الحرب الكورية وظل غير معمول به لمُدة سبعين عامًا حتى أعاد ترامب تفعيله في مارس/آذار 2020 في غضون أزمة كورونا الراهنة، وأنه يوجد من عهد الرئيس دوايت إيزنهاور الذي حكم خلال الفترة 1953-1961 خطة لمواجهة الكوارث، وصدق عليها الرؤساء الذين تعاقبوا على المنصب تتضمن الإجراءات العسكرية الواجب اتخاذها في حالة حدوث شلل عام أو تهديد داهم لكيان الدولة، وماذا يجب على الجيش القيام به في مثل هذه الحالة لضمان استمرارية حكم وإدارة الدولة؟
الأمر المؤكد إذا أن الجيوش هي مؤسسات اجتماعية وسياسية، فهي جزء من المجتمع بحكم تكوينها البشري، وجزء من الدولة كونها أداة مهمة من أدوات تحقيقها لوظائفها، وأنها خاضعة للقيادة السياسية فيها.
واعتقادي أن الخبرة الراهنة للجيوش سوف تعيد تعريف العلاقات العسكرية المدنية ونظرة المجتمعات إلى جيوشها، ومن الأرجح أن تختلف هذه العلاقات المستقبلية من بلد لبلد حسب ظروفه وسياقه، ولكن سوف يبقى أن القوات المسلحة هي خط الحماية النهائي للمجتمعات في أوقات الحرب وفي أوقات السلم.
الجيوش في زمن الكورونا
تمت الاستعانة بالجيوش في هذه الأزمة بحكم ما تتسم به من سمات مؤسسية وتنظيمية، تجعلها أكثر قدرة على التصرف في هذه الظروف الاستثنائية.
al-ain.com