هزيمة السلاح الروسي
تترافق الحروب الساخنة في هذه الحقبة من النزاعات المسلحة كما كان سائدا في الحروب عبر التاريخ، مع حروب من نوع أخر مكمّل أو ممهد لها، بهدف التأثير المحبط على معنويات العدو وخلق حالة انهيار نفسي بين صفوف جنوده وحتى قياداته السياسية والعسكرية، وهذا الطراز من الحروب أخذ تسميات شتى، منها التوجيه المعنوي ومنها التوجيه السياسي، أو التوجيه الأيدولوجي، وترتكز قاعدة هذه الحرب بمسمياتها المختلفة على عملية غسل الدماغ الذي برع فيها متخصصون ومعاهد ومراكز دراسات على أعلى المستويات، عبر رسائل متواصلة عن القوة الذاتية للطرف المرسل لهذه الرسائل سواء بكفاءة التدريب التي يمر بها القادة والجنود والتجارب الميدانية التي تخوضها الجيوش في ساحات التدريب أو الحروب التي خاضتها، أو في نوعية الأسلحة وآخر الحلقات من أجيالها وفي مختلف الأنواع، وقطعا فإن الصناعات المحلية للسلاح تعطي أرجحية للطرف الذي يريد التأثير سلبا على أعدائه، بالمقابل يتم التركيز على ضعف العدو عسكريا واقتصاديا وتدني معنويات الشعب وقيادته وعدم قدرتها على خوض حرب حديثة.
من المعروف أن السلاح الحديث لا يتم صنعه في كل دول العالم، وتتفاوت كفاءته من بلد إلى آخر، ولكن من الثابت أنه ليس سلعة متاحة للبيع في السوق الدولية مثل السيارات أو الكماليات أو حتى السلع الغذائية أو غيرها من السلع، فالسلاح سلعة سياسية بامتياز، وتخضع صفقاته لقوانين صارمة بدأت تدخل عليها مفاهيم جديدة من أجل عرقلة عقد الصفقات أو تسهيلها، مثل عدم الالتزام بقوانين حقوق الإنسان، ومنها تعديل موازين المدفوعات والوضع الاقتصادي للدول المصنّعة له لأن السلاح سلعة لا تخضع لقوانين العرض الطلب إلا استنادا لمبدأ القرب والبعد سياسيا بين هذه الدولة أو تلك، أو بين هذا التحالف أو ذاك.
لقد شهد العالم بُعيد الحرب العالمية الثانية اختفاء دول قديمة وظهور دول أخرى، وتغيرت حدود الجغرافيا السياسية لكثير من دول العالم، كما نشأت مراكز استقطاب دولية جديدة واختفت من الساحة الدولية مراكز استقطاب فقدت قدرتها على الاستمرار أمام المتغيرات الدولية الجديدة، وهذا الوضع الجديد قاد إلى سعي كثير من الشعوب لنيل استقلالها عن السيطرة الاستعمارية القديمة، مما أدى بالنتيجة إلى زيادة الطلب على السلاح سواء لجيوش البلدان الاستعمارية أو لحركات التحرر، ونشطت سوق السلاح في النصف الثاني من القرن الماضي كما لم تشهده هذه السوق في أي وقت مضى، وصار السلاح واحدا من أهم عوامل التحكم بسياسات الدول الصغيرة والتي عاشت نزاعات مسلحة مع الدول المجاورة بشأن رسم الحدود التي خلفتهّا الدول الاستعمارية، بل راحت بعض الدول الكبرى تفتعل نزاعات مستحدثة من أجل ربط الدول المتنازعة بعجلة المصالح الخارجية.
بعد الحرب العالمية الثانية أصبح الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة أكبر مجهزين للسلاح في العالم، وتراجعت كل من بريطانيا وفرنسا عن مكانتهما السابقة، وكان لا بد من نشوء عقيدتين عسكريتين مختلفتين كل منهما تعبر عن فهم خاص لخوض الحرب وفقا لتجارب كل طرف، فالعقيدة الغربية تلتقي عندها كل دول التحالف الغربي، وهناك العقيدة الشرقية، ومن اللافت هنا أن العراق الذي أصبح زبونا للسلاح السوفيتي بعد 14 تموز 1958 بشكل كلي، لم يتخل عن عقيدته العسكرية الغربية فاعتمد السلاح الشرقي والعقيدة الغربية، مع استثناءات محدودة في سلاحه، فهو لم يُخرج طائرات الهوكر هنتر البريطانية من الخدمة، وفي الحرب الوطنية في صد العدوان الإيراني عام 1980، حصل العراق على عجلات الاستطلاع القتالية الفرنسية من نوع بانهارد المدولبة رباعية الدفع، وكذلك حصل على طائرات ميراج المقاتلة.
منذ دخول الروس على خط الأزمة السورية، وهم يخرجون على العالم في كل يوم تقريبا عن تطوير سلاح فتاك جديد تم اختبار فعاليته في سوريا وتأكدت تلك الفعالية بالتجربة الميدانية.
ووصل التبجح بالزعامة الروسية أن بوتين شخصيا أعلن غير مرة أن الجيش الروسي طوّر عدة مئات من أنواع الأسلحة الروسية أثناء الحرب الأهلية في سوريا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تصاعد الحديث عن أسلحة وصواريخ عابرة للقارات ستقلب موازين القوى الدولية فيما لو نشبت الحرب، أما الحديث عن عائلة صواريخ S 300 و400 و500، فقد وصل إلى مرحلة بات الحديث عن امتلاكها وكأنه إنجاز لا يوازيه شيء لأية دولة إذا ما حصلت على السلاح، فتسابقت دول محسوبة على التحالف أو لأقل تعدّ من الدول الصديقة للولايات المتحدة، مثل تركيا وحتى المملكة العربية السعودية أعلنت أنها تأمل بالحصول على هذا السلاح الفتاك الذي لا يدع هدفا معاديا يخرق الأجواء الوطنية إلا وحوله إلى كتلة متهاوية من النار وحطام الحديد.
وربما غذت الولايات المتحدة هذه الوصلة الدعائية للأسلحة الروسية، إما بتسريبات تتحدث عن تقنيات غير مسبوقة لهذا السلاح والذي سيؤدي إلى اختلال موازين القوى الاستراتيجية، وإما بالرفض المعلن لاقتناء الدول الحليفة لها لهذا السلاح لأنه سيلتهم كل أسرار السلاح الأمريكي والأطلسي، ولم نسمع طيلة السنوات الماضية عما فعلته الولايات المتحدة لتطوير صواريخ باتريوت بل تركت الجميع يضربون أخماسا بأسداس وهي تعمل يكل سرية لتفاجئ عدوها ليس في إعلان في الصحف أو على لسان ترمب مثلا على الرغم منه أنه شغوف بإطلاق التصريحات الرنانة، وإنما في معارك صغيرة هنا وهناك وكأنها تريد أن تقول إن الولايات المتحدة تطور أسلحتها من دون استعراضات في أجهزة الدعاية والفضائيات وإنما في ميادين المعركة.
المواجهات الأخيرة بين الطيران التركي (الأمريكي المنشأ) وطيران النظام السوري (الروسي المنشأ)، أكدت للأسف الشديد أداءً رديئا من جانب الطيارين السوريين الذين لم نكن نتمنى لهم أن يظهروا بهذه الصورة المحزنة، تماما مثلما لم نكن نتمنى لهم أن يقصفوا المدن السورية بكفاءة نادرة ويقتلوا أبناء شعبهم ويدمروا المدن التي بناها السوريون بعرقهم وشقائهم وذوقهم الرائع عبر عشرات السنين، وكانت نتيجة المعارك مخيبة للآمال فقد أسقط الأتراك ثلاث طائرات روسية الصنع اثنتان منها من طراز سوخوي 24، مما كانت تتباهى روسيا بتفوقه وكفاءته العالية وقدرته على هزيمة جيل الطائرات الأمريكية من طراز F16، وهنا لا بد للمراقب أن يطرح سؤالا في غاية الدقة، هل أن الأمر يتعلق بكفاءة السلاح الأمريكي وتخلف السلاح الروسي؟ أم مهنية الطيار التركي وعدم قناعة الطيار السوري بالمهمة الوحشية المكلف بها لأنها تتلخص بقتل أبناء بلده؟ أم بكليهما؟
مهما يكن من أمر فإن السلاح الروسي أكد إخفاقه عن مواجهة السلاح الأمريكي، وهذا ما أغضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترك ظلالا قاتمة من الشك على مساعيه ليتقمص دور ستالين في تحدي التحالف الغربي وخاصة عندما فاجأ الولايات المتحدة بامتلاك السلاح الذري وكسر احتكاره، واستعادة دور روسيا في التوازن الاستراتيجي الدولي عبر السلاح والسلاح فقط.
وترافقت تلك النتائج غير المتوقعة وغير المرغوب بها من جانب روسيا، أن الولايات المتحدة حصلت على أوسع دعاية مجانية بشهادة تفوقها العلمي وهذا أمر لا ينكره إلا مكابر، وجاءت هذه الشهادة بتوقيع أطراف دولية تضمر لها عداءً متفاوتا في درجاته، فقد تحدثت أوساط صحفية روسية وصينية أن فيروس كورونا صناعة مختبرات علمية لإنتاج الأسلحة البيولوجية في الولايات المتحدة، أما في إيران فكانت أثر غباءً في تعاملها مع هذا الملف، فقد تحدث مسؤولون رسميون سياسيون ودينيون كبار، كان آخرهم قائد الحرس الثوري الإيراني فقال إن الولايات المتحدة هي التي صدّرت هذا الفيروس إلى دول العالم بهدف التحكم بإرادتها وقراراتها السياسية والاقتصادية، بعبارة أخرى فإن من اتهم الولايات المتحدة بتصنيع هذا الفيروس، فقد أقرّ بالعجز في مواجهة التفوق الأمريكي في الجيل الجديد من حروب بجنودِ لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وبالتالي لا يمكن مواجهتها لا بالصواريخ ولا بالقنابل الذرية ولا بالدعاء الساذج ولا بأي سلاح تقليدي أو غير تقليدي آخر، ليس هذا فقط بل إن من فعل ذلك فإنه أثار حالة من الرعب والهلع الجمعي على مستوى الشعب كله، وكأنه يريد أن يقول إن أمريكا عدو لا يمكن مواجهته أبدا وحري بالدول التي تفكر تفكيرا سويا، أن تبحث عن ارتباطات خفية لكل من أفزع شعبه وتركه فريسة لقناعة بأن الولايات المتحدة قادرة على استبدال أدواتها التقليدية لهزيمة أعدائها من دون إرسال طائراتها أو صواريخها أو أساطيلها إلى البحار والمحيطات البعيدة.
الدول الحديثة لا يمكن أن تبنى بالمنطق الإيراني الموغل في التخلف والجهل، حتى وصل الأمر بالولي الفقيه أن يدعو الإيرانيين إلى مواجهة المرض بالدعاء، في كذبة مفضوحة عن أن هذا المرض ليس كبيرا ولا خطيرا، متجاهلا بذلك تساقط المعممين وكبار المسؤولين الإيراني به، ومعترفا بالعجز التام عن التصدي له، وذلك لعدم وجود الأطباء أو المستشفيات أو الأدوية الكافية أو حتى الوعي اللازم للتعامل معه، لأن إيران منصرفة بكل ما تمتلك من طاقة وجهد وموارد لمغامراتها الطائشة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ولامتلاك الأسلحة وخاصة السلاح الذري الذي حتى وإن امتلكته فإنها إنما ستضعه في المخازن ولن تستطيع استخدامه في أية مواجهة، هي تسعى فقط لابتزاز الآخرين به وخاصة العرب، من أجل اخضاعهم لمشروعها التوسعي وإقامة إمبراطوريتها.
تترافق الحروب الساخنة في هذه الحقبة من النزاعات المسلحة كما كان سائدا في الحروب عبر التاريخ، مع حروب من نوع أخر مكمّل أو ممهد لها، بهدف التأثير المحبط على معنويات العدو وخلق حالة انهيار نفسي بين صفوف جنوده وحتى قياداته السياسية والعسكرية، وهذا الطراز من الحروب أخذ تسميات شتى، منها التوجيه المعنوي ومنها التوجيه السياسي، أو التوجيه الأيدولوجي، وترتكز قاعدة هذه الحرب بمسمياتها المختلفة على عملية غسل الدماغ الذي برع فيها متخصصون ومعاهد ومراكز دراسات على أعلى المستويات، عبر رسائل متواصلة عن القوة الذاتية للطرف المرسل لهذه الرسائل سواء بكفاءة التدريب التي يمر بها القادة والجنود والتجارب الميدانية التي تخوضها الجيوش في ساحات التدريب أو الحروب التي خاضتها، أو في نوعية الأسلحة وآخر الحلقات من أجيالها وفي مختلف الأنواع، وقطعا فإن الصناعات المحلية للسلاح تعطي أرجحية للطرف الذي يريد التأثير سلبا على أعدائه، بالمقابل يتم التركيز على ضعف العدو عسكريا واقتصاديا وتدني معنويات الشعب وقيادته وعدم قدرتها على خوض حرب حديثة.
من المعروف أن السلاح الحديث لا يتم صنعه في كل دول العالم، وتتفاوت كفاءته من بلد إلى آخر، ولكن من الثابت أنه ليس سلعة متاحة للبيع في السوق الدولية مثل السيارات أو الكماليات أو حتى السلع الغذائية أو غيرها من السلع، فالسلاح سلعة سياسية بامتياز، وتخضع صفقاته لقوانين صارمة بدأت تدخل عليها مفاهيم جديدة من أجل عرقلة عقد الصفقات أو تسهيلها، مثل عدم الالتزام بقوانين حقوق الإنسان، ومنها تعديل موازين المدفوعات والوضع الاقتصادي للدول المصنّعة له لأن السلاح سلعة لا تخضع لقوانين العرض الطلب إلا استنادا لمبدأ القرب والبعد سياسيا بين هذه الدولة أو تلك، أو بين هذا التحالف أو ذاك.
لقد شهد العالم بُعيد الحرب العالمية الثانية اختفاء دول قديمة وظهور دول أخرى، وتغيرت حدود الجغرافيا السياسية لكثير من دول العالم، كما نشأت مراكز استقطاب دولية جديدة واختفت من الساحة الدولية مراكز استقطاب فقدت قدرتها على الاستمرار أمام المتغيرات الدولية الجديدة، وهذا الوضع الجديد قاد إلى سعي كثير من الشعوب لنيل استقلالها عن السيطرة الاستعمارية القديمة، مما أدى بالنتيجة إلى زيادة الطلب على السلاح سواء لجيوش البلدان الاستعمارية أو لحركات التحرر، ونشطت سوق السلاح في النصف الثاني من القرن الماضي كما لم تشهده هذه السوق في أي وقت مضى، وصار السلاح واحدا من أهم عوامل التحكم بسياسات الدول الصغيرة والتي عاشت نزاعات مسلحة مع الدول المجاورة بشأن رسم الحدود التي خلفتهّا الدول الاستعمارية، بل راحت بعض الدول الكبرى تفتعل نزاعات مستحدثة من أجل ربط الدول المتنازعة بعجلة المصالح الخارجية.
بعد الحرب العالمية الثانية أصبح الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة أكبر مجهزين للسلاح في العالم، وتراجعت كل من بريطانيا وفرنسا عن مكانتهما السابقة، وكان لا بد من نشوء عقيدتين عسكريتين مختلفتين كل منهما تعبر عن فهم خاص لخوض الحرب وفقا لتجارب كل طرف، فالعقيدة الغربية تلتقي عندها كل دول التحالف الغربي، وهناك العقيدة الشرقية، ومن اللافت هنا أن العراق الذي أصبح زبونا للسلاح السوفيتي بعد 14 تموز 1958 بشكل كلي، لم يتخل عن عقيدته العسكرية الغربية فاعتمد السلاح الشرقي والعقيدة الغربية، مع استثناءات محدودة في سلاحه، فهو لم يُخرج طائرات الهوكر هنتر البريطانية من الخدمة، وفي الحرب الوطنية في صد العدوان الإيراني عام 1980، حصل العراق على عجلات الاستطلاع القتالية الفرنسية من نوع بانهارد المدولبة رباعية الدفع، وكذلك حصل على طائرات ميراج المقاتلة.
منذ دخول الروس على خط الأزمة السورية، وهم يخرجون على العالم في كل يوم تقريبا عن تطوير سلاح فتاك جديد تم اختبار فعاليته في سوريا وتأكدت تلك الفعالية بالتجربة الميدانية.
ووصل التبجح بالزعامة الروسية أن بوتين شخصيا أعلن غير مرة أن الجيش الروسي طوّر عدة مئات من أنواع الأسلحة الروسية أثناء الحرب الأهلية في سوريا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تصاعد الحديث عن أسلحة وصواريخ عابرة للقارات ستقلب موازين القوى الدولية فيما لو نشبت الحرب، أما الحديث عن عائلة صواريخ S 300 و400 و500، فقد وصل إلى مرحلة بات الحديث عن امتلاكها وكأنه إنجاز لا يوازيه شيء لأية دولة إذا ما حصلت على السلاح، فتسابقت دول محسوبة على التحالف أو لأقل تعدّ من الدول الصديقة للولايات المتحدة، مثل تركيا وحتى المملكة العربية السعودية أعلنت أنها تأمل بالحصول على هذا السلاح الفتاك الذي لا يدع هدفا معاديا يخرق الأجواء الوطنية إلا وحوله إلى كتلة متهاوية من النار وحطام الحديد.
وربما غذت الولايات المتحدة هذه الوصلة الدعائية للأسلحة الروسية، إما بتسريبات تتحدث عن تقنيات غير مسبوقة لهذا السلاح والذي سيؤدي إلى اختلال موازين القوى الاستراتيجية، وإما بالرفض المعلن لاقتناء الدول الحليفة لها لهذا السلاح لأنه سيلتهم كل أسرار السلاح الأمريكي والأطلسي، ولم نسمع طيلة السنوات الماضية عما فعلته الولايات المتحدة لتطوير صواريخ باتريوت بل تركت الجميع يضربون أخماسا بأسداس وهي تعمل يكل سرية لتفاجئ عدوها ليس في إعلان في الصحف أو على لسان ترمب مثلا على الرغم منه أنه شغوف بإطلاق التصريحات الرنانة، وإنما في معارك صغيرة هنا وهناك وكأنها تريد أن تقول إن الولايات المتحدة تطور أسلحتها من دون استعراضات في أجهزة الدعاية والفضائيات وإنما في ميادين المعركة.
المواجهات الأخيرة بين الطيران التركي (الأمريكي المنشأ) وطيران النظام السوري (الروسي المنشأ)، أكدت للأسف الشديد أداءً رديئا من جانب الطيارين السوريين الذين لم نكن نتمنى لهم أن يظهروا بهذه الصورة المحزنة، تماما مثلما لم نكن نتمنى لهم أن يقصفوا المدن السورية بكفاءة نادرة ويقتلوا أبناء شعبهم ويدمروا المدن التي بناها السوريون بعرقهم وشقائهم وذوقهم الرائع عبر عشرات السنين، وكانت نتيجة المعارك مخيبة للآمال فقد أسقط الأتراك ثلاث طائرات روسية الصنع اثنتان منها من طراز سوخوي 24، مما كانت تتباهى روسيا بتفوقه وكفاءته العالية وقدرته على هزيمة جيل الطائرات الأمريكية من طراز F16، وهنا لا بد للمراقب أن يطرح سؤالا في غاية الدقة، هل أن الأمر يتعلق بكفاءة السلاح الأمريكي وتخلف السلاح الروسي؟ أم مهنية الطيار التركي وعدم قناعة الطيار السوري بالمهمة الوحشية المكلف بها لأنها تتلخص بقتل أبناء بلده؟ أم بكليهما؟
مهما يكن من أمر فإن السلاح الروسي أكد إخفاقه عن مواجهة السلاح الأمريكي، وهذا ما أغضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترك ظلالا قاتمة من الشك على مساعيه ليتقمص دور ستالين في تحدي التحالف الغربي وخاصة عندما فاجأ الولايات المتحدة بامتلاك السلاح الذري وكسر احتكاره، واستعادة دور روسيا في التوازن الاستراتيجي الدولي عبر السلاح والسلاح فقط.
وترافقت تلك النتائج غير المتوقعة وغير المرغوب بها من جانب روسيا، أن الولايات المتحدة حصلت على أوسع دعاية مجانية بشهادة تفوقها العلمي وهذا أمر لا ينكره إلا مكابر، وجاءت هذه الشهادة بتوقيع أطراف دولية تضمر لها عداءً متفاوتا في درجاته، فقد تحدثت أوساط صحفية روسية وصينية أن فيروس كورونا صناعة مختبرات علمية لإنتاج الأسلحة البيولوجية في الولايات المتحدة، أما في إيران فكانت أثر غباءً في تعاملها مع هذا الملف، فقد تحدث مسؤولون رسميون سياسيون ودينيون كبار، كان آخرهم قائد الحرس الثوري الإيراني فقال إن الولايات المتحدة هي التي صدّرت هذا الفيروس إلى دول العالم بهدف التحكم بإرادتها وقراراتها السياسية والاقتصادية، بعبارة أخرى فإن من اتهم الولايات المتحدة بتصنيع هذا الفيروس، فقد أقرّ بالعجز في مواجهة التفوق الأمريكي في الجيل الجديد من حروب بجنودِ لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وبالتالي لا يمكن مواجهتها لا بالصواريخ ولا بالقنابل الذرية ولا بالدعاء الساذج ولا بأي سلاح تقليدي أو غير تقليدي آخر، ليس هذا فقط بل إن من فعل ذلك فإنه أثار حالة من الرعب والهلع الجمعي على مستوى الشعب كله، وكأنه يريد أن يقول إن أمريكا عدو لا يمكن مواجهته أبدا وحري بالدول التي تفكر تفكيرا سويا، أن تبحث عن ارتباطات خفية لكل من أفزع شعبه وتركه فريسة لقناعة بأن الولايات المتحدة قادرة على استبدال أدواتها التقليدية لهزيمة أعدائها من دون إرسال طائراتها أو صواريخها أو أساطيلها إلى البحار والمحيطات البعيدة.
الدول الحديثة لا يمكن أن تبنى بالمنطق الإيراني الموغل في التخلف والجهل، حتى وصل الأمر بالولي الفقيه أن يدعو الإيرانيين إلى مواجهة المرض بالدعاء، في كذبة مفضوحة عن أن هذا المرض ليس كبيرا ولا خطيرا، متجاهلا بذلك تساقط المعممين وكبار المسؤولين الإيراني به، ومعترفا بالعجز التام عن التصدي له، وذلك لعدم وجود الأطباء أو المستشفيات أو الأدوية الكافية أو حتى الوعي اللازم للتعامل معه، لأن إيران منصرفة بكل ما تمتلك من طاقة وجهد وموارد لمغامراتها الطائشة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ولامتلاك الأسلحة وخاصة السلاح الذري الذي حتى وإن امتلكته فإنها إنما ستضعه في المخازن ولن تستطيع استخدامه في أية مواجهة، هي تسعى فقط لابتزاز الآخرين به وخاصة العرب، من أجل اخضاعهم لمشروعها التوسعي وإقامة إمبراطوريتها.