خلال العام 1812، قاد الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت واحدة من أتعس العمليات العسكرية التي عرفها التاريخ، حيث اتجه الأخير برفقة مئات الآلاف من جنوده لغزو الأراضي الروسية أملا في إنهاء وجود إمبراطورية القيصر الروسي ألكسندر الأول.
وفي خضم حملته التي استمرت لنحو 5 أشهر ونصف على روسيا، تلقى نابليون بونابرت هزيمة قاسية أفقدت فرنسا جانبا هاما من جيوشها وانتهت بإزاحته من سدة الحكم عام 1814 عقب دخول القوات الأجنبية لباريس.
نابليون بونابرت عقب حريق موسكو
حشرات تنهي عهد نابليون
في الأثناء، تحدّثت أغلب المراجع التاريخية عن انتصار القيصر والشتاء الروسي الذي أطاح بالجيش الكبير لنابليون كما خلّد الملحن الروسي بيتر إليتش تشايكوفسكي هذا النصر بموسيقى السيمفونية الافتتاحية 1812.
وفي مقابل ذلك، تناسى الجميع العامل الأساسي الذي تسبب في هلاك جنود بونابرت، فقبل المدافع والبرد لعبت حشرات صغيرة وبكتيريا مجهرية الدور الأبرز في إفشال الحملة الفرنسية على روسيا ونهاية عهد نابليون بونابرت.
نابليون أثناء مغادرته لروسيا مهزوما
وعقب جملة من الخلافات التي غذّتها الأطماع التوسعية، جمع الإمبراطور الفرنسي جيشا بلغ تعداده 600 ألف عسكري قبل أن يباشر بالتدخل ببولندا الروسية خلال شهر حزيران/يونيو 1812.
مصاعب لوجستية
وبادئ الأمر، تقدمت قوات نابليون بثبات مستغلة الطقس الجيد والتراجع الروسي لتبلغ مدينة فيلنيوس (Vilnius) في أقل من أسبوع دون أن تواجه أية مقاومة تذكر.
لوحة لنابليون وتبدو ملامح الحزن والقلق بادية على وجهه بسبب خسائره بروسيا
وبالتزامن مع توغله داخل الأراضي البولندية، واجه نابليون بونابرت بعض المصاعب حيث امتدت خطوط الإمدادات لمسافات أطول واضطرت العربات التي جرّتها الخيول لمواجهة الطرق الوعرة والأرض الطينية التي عطّلت تقدمها.
أيضا، تميّزت المناطق الريفية البولندية بغياب أبسط قواعد النظافة حيث انتشر القمل والبراغيث في صفوف الفلاحين وكانت العديد من آبار الشرب ملوّثة فنقلت الأمراض للجنود.
لوحة تجسد الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت
وأمام انسحاب الروس وممارستهم لسياسة الأرض المحروقة ونقص الإمدادات، اتجه جنود نابليون بونابرت للاستيلاء على غذاء البولنديين وماشيتهم كما عمدوا أيضا للحصول على أحصنة الفلاحين البولنديين عقب نفوق ما يزيد عن 20 ألف حصان فرنسي خلال الأسابيع الأولى بسبب النقص الحاد في المياه.
آبار ملوثة.. وأمراض غامضة
في الأثناء، سجّلت الأمراض ظهورها في صفوف قوات نابليون فعانى البعض منذ البداية من أمراض ارتبطت بالجهاز الهضمي كالزحار. وبعد أيام من عبورها لنهر نيمان (Neman)، برز بين الجنود الفرنسيين مرض غريب عرف بالتيفوس تميّز بارتفاع درجة حرارة الجسم وظهور بقع حمراء على الجسد. وعقب إصابته به، يفارق الجندي الحياة بشكل سريع قدّر ببضعة أيام فقط.
لوحة تجسد نابليون بونابرت وهو شارد الذهن بإحدى الكنائس الروسية
وقد لعبت بعض الحشرات كالبراغيث والقمل الدور الأهم في نقل التيفوس. فأثناء تقدمهم، مكث الجنود الفرنسيون أياما طويلة دون تغيير ثيابهم. ومع تراكم الأوساخ على أجسامهم، انتقلت هذه الحشرات إليهم حاملة معها البكتيريا المسببة للتيفوس.
بعد مضي شهر على بداية زحفه نحو موسكو، خسر نابليون بونابرت 80 ألفا من جنوده بسبب التيفوس. ومع ارتفاع عدد الضحايا وفرار البعض من الجيش، فكّر الإمبراطور الفرنسي لوهلة في إنهاء الحرب قبل أن يتراجع عن ذلك ويواصل طريقه نحو موسكو.
لوحة تجسد انسحاب قوات نابليون من روسيا
التيفوس يقضي على عشرات الآلاف
منتصف آب/أغسطس 1812، هيمن نابليون على مدينة سمولنسك وواصل زحفه على فالوتينا أمام تراجع الجيش الروسي. وقد عمد نابليون خلال نفس الفترة لتقسيم جيشه لثلاثة فرق.
وبحلول يوم 25 من نفس الشهر خسر الإمبراطور 105 آلاف جندي إضافي من قواته بسبب المرض والجوع والمناوشات مع الروس فتراجع بذلك تعداد قواته لنحو 160 ألف عسكري فقط. لكن بعد أسبوعين فقط، عرف هذا العدد تراجعا مذهلا حيث قضى التيفوس وحده على ما يزيد عن 60 ألفا من الفرنسيين.
صورة للإمبراطور الروسي ألكسندر الأول
مع دخوله لموسكو منتصف أيلول/سبتمبر من نفس السنة، لم يتبق لنابليون بونابرت سوى 90 ألف جندي فقط وعجز الأخير عن توفير الغذاء الكافي لهم.
أيضا، حاولت فرقة عسكرية أخرى بلغ تعدادها 15 ألف جندي اللحاق بالإمبراطور الفرنسي بموسكو لدعمه إلا أن 10 آلاف من أفرادها فارقوا الحياة في الطريق بسبب التيفوس.
صورة للملحن الروسي تشايكوفسكي
ومع ارتفاع خسائره ورفض الروس الاستسلام، فضّل نابليون مغادرة موسكو والانسحاب من روسيا. فعبر نهر نيمان يوم 14 كانون الأول/ديسمبر 1812 برفقة أقل من 40 ألف عسكري من جيشه الذي تكوّن مع بداية الحملة من زهاء 600 ألف جندي. وعلى حسب العديد من المصادر التي أرّخت الحملة على روسيا، تجاوزت خسائر نابليون أمام التيفوس خسائره على يد الروس.
وباء قضى على أحلام نابليون.. قتل الفرنسيين وأنقذ روسيا
خلال العام 1812، قاد الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت واحدة من أتعس العمليات العسكرية التي عرفها التاريخ، حيث اتجه الأخير برفقة مئات الآلاف من جنوده لغزو
www.alarabiya.net