كيف يفكِّر الشيوعيون الروس اليوم.؟ مقابلة مع زعيم الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف

إنضم
24 ديسمبر 2018
المشاركات
1,849
التفاعل
5,318 5 0
الدولة
Russian Federation
15037350_401537863568283_3659149904611707731_n.jpg



في هذه المقابلة مع صحيفة «برلامانتني غازيتا» (الساعي البرلماني) التشيكية، المترجمة عن النسخة الروسية المنشورة في الـ«برافدا» في 14أكتوبر (تشرين الأوَّل) الماضي، يجيب رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعيّ الروسيّ، غينادي زيوغانوف، على جملة من الأسئلة المتعلقة ببرنامج حزبه وبموقف الشيوعيين الروس من عدد من القضايا الراهنة الملحة، التي من شأنها أن توضح لنا كيف يفكر الشيوعيون الروس اليوم.
وتالياً، في الجزء الأول من هذه المقابلة، يتحدث الزعيم الشيوعي عن العلاقات بين روسيا وبين الولايات المتحدة، والمسألة الأوكرانية، ويؤكد أن أمن روسيا يقتضي استعادة دائرة الأصدقاء والحلفباء (أصدقاء وحلفاء الإتحاد السوفيتي):



§ العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، اليوم، معقدة للغاية. هل تعتقدون أن الولايات المتحدة تريد تدمير روسيا أم مجرد إضعافها فقط؟
الرأسمال العالمي الكبير لا يطيق وجود منافسين. وهو يجنح تلقائياً في مسعاه إلى فرض سيطرته الكاملة على كل موارد الكوكب إلى تدمير أي بدائل له. وفي هذا السياق، تبدو روسيا، مع ثروتها الهائلة، هدفاً جذابا للغاية.
على مر القرون، كانت روسيا تثير شهية القوى الخارجية. وقد سبق أن استخدم تحالف الدول الأوروبية السلاح ضد روسيا في عهدي إيفان الرهيب وبطرس الأكبر. كما قاد نابليون في العام 1812 أمماً بـ«إثني عشر لسانا» (1) في محاولة للسيطرة على روسيا، لكنه تلقى الرفض المناسب، وبالكاد تمكن من جر ساقيه بعيداً عن روسيا. بعد ذلك بأربعين عاما، حاولوا إرغام بلدنا أن يجثوا على ركبتيه أثناء حرب القرم (2).
إنشاء الاتحاد السوفيتي، الدولة العمالية الأولى في التاريخ، أثار من جديد شهية رأس المال العالمي. وقد عمل الرئيس الأميركي وودرو ويلسون على إعدد خطة لتفتيت بلادنا إلى 20 دولة منفصلة. أما هتلر نفسه، فقد وضع لنظامه وآلته العسكرية مهمة تدمير الاتحاد السوفيتي والقضاء على الشعب الروسي. ثم، خلال فترة الحرب الباردة، فعلت واشنطن كل شيء لتدمير الاتحاد السوفيتي. وهم اليوم، لا يحبون الاتحاد الروسي.
وعلينا، هنا، أن نتذكر حقيقة بسيطة: بالنسبة للولايات المتحدة، نحن لم نكن يوما، ولن نكون، أبداً، شركاء. في «رؤيتهم للمستقبل» يضعون لروسيا دوراً محدداً لا تحسد عليه. لذا، سيضعون دائماً العصي في عجلاتنا، ويؤذوننا بكل الأشكال، ويحاولون اضعافنا بكل الصور، ويضغطون علينا بالحصارـ ويلوحون باستخدام القوة العسكرية، والعقوبات الاقتصادية، وملاحقة مواطنينا. وحرمان العديد من رياضيينا الروس من المشاركة في دورة الالعاب الاولمبية – فهو مثال على ذلك.
هذا مثال على الابتزاز والتسييس الصريح.
على الساحة الدولية، تجد روسيا نفسها في موقف صعب للغاية؛ فالدوائر الحاكمة في واشنطن تبذل جهوداً جبارة لتعقيد علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي. بالنسبة لنا، فإن تهديد تحالف «شمال الأطلسي» يتزايد جدياً. لقد باتت قواعده العسكرية تحيط بالحدود الروسية من جميع الجهات.
هدف الولايات المتحدة - إضعاف روسيا إلى الحد الأقصى، وإقامة رقابة مشددة على تدفقاتها النقدية ومواردها الطبيعية. ولكن هذا ليس سوى «الحد الأدنى للبرنامج»؛ ففي الخطط المستقبلية للنخبة الرأسمالية العالمية فإنه لا مكان لبلدنا في هذا العالم.
والتحدي الذي يواجهنا هو إنقاذ شعبنا، وابقاء بلادنا على قيد الوجود التاريخي.
لكن سياسة الحكومة الروسية الحالية لا يمكن أن تحل هذه المشكلة؛ إذ أن في هذه الحكومة الكثير من الأشخاص الذين يواصلون سياسات يلتسين، وغايدار وتشوبايس (3، 4). ويؤدون أدواراً تعزز أنماط الليبرالية الجديدة وتضعف روسيا. وتتواصل في البلاد «الإصلاحات» الاقتصادية الكارثية، وتحطيم التعليم والنظم الاجتماعية. وهذا يثير الجريمة في أعماق الطبقات الاجتماعية، ويقوض الاستقرار، ويجلب الفقر.
تصحيح هذا الوضع يمكن من خلال تبني خط الدولة الوطنية فقط، وتطبيق سياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة جوهريا. وهنا فإن الحزب الشيوعي الروسي لديه برنامج محدد للتغيير، وفريق من المختصين المهنيين، لانتشال روسيا من الأزمة، وضمان أمنها القومي.
15027548_401537846901618_1834790425642109722_n.jpg

§ خمس وسبعون في المئة من جميع القواعد العسكرية في العالم تابعة للولايات المتحدة. وللولايات المتحدة أكثر من ستمائة من هذه المرافق في جميع أنحاء العالم. ما السياسة التي يتوجب أن تنتهجها الحكومة الروسية في ظل هذه المعطيات؟
الولايات المتحدة الأميركية تنتهج سياسة خارجية تهدف إلى خلق عالم أحادي القطب، يضمن سيطرتها المطلقة. ويتجلى هذا في التدخل الوقح في شؤون الدول المستقلة، وفي فرض إرادتها على قارات بأكملها. وحلف شمال الأطلسي في هذا الصدد مجرد أداة في يد الولايات المتحدة الأميركية.
عدوان حلف شمال الأطلسي على يوغسلافيا، والعراق، وليبيا، وعملية «حفظ السلام» في أفغانستان، ترافقت مع مئات الآلاف من الضحايا. لقد تحول الحلف واقعياً إلى شرطي العالم، الذي يملك الحق بالإعدام أو العفو للأسباب التي تناسبه.
وبمرور الوقت، يصبح أكثر وضوحاً جوهره المغرق في الرجعية. ولكن صعود الصين وإيران، وتحول روسيا بدورها إلى سياسة خارجية أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة، أجبر سادة أميركا على خلع قناع رجل السلام الكاذب والكشف عن وجهم الحقيقي. وببساطة، فإن الأوليغارشية الكونية تعزز قوتها وتكشف عن فوهات مدافعها.
لا بد من التنبه إلى أن الناتو يسعى إلى تطوير نظام سيطرة كونية على سطح البر والبحر بأكملهما، وخلق قدرات على تنفيذ ضربات لنزع السلاح مِنْ أي مكان في العالم. ولذلك، هنالك مسعى إلى تحويل حلف الأطلسي إلى منظمة عابرة للوطنيات. يريد الحلف أن يقلب النظام العالمي الحالي، الذي تحقق بعد الحرب العالمية الثانية، وكامل منظومة القانون الدولي وإخضاع الأمم المتحدة لسيطرته.
ويندفع إلى إنشاء قواعد ونقاط تجمع له في كل مكان - سواء في الشرق الأوسط أو إفريقيا أو أوروبا الشرقية.
على أرض الواقع، تجري عملية تطويق استراتيجي لروسيا. ويتم حولها تشكيل حزام من دول لا تكن الود لنا. قواعد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي باتت تظهر في بولندا وبلغاريا ورومانيا - على ضفاف البحر الأسود. وقد وُضِعت دول البلطيق تحت سيطرة الحلف. وأحذية الناتو تدوس الأرض في هذه الدول. وقادتها يصرخون مولولين خوفا مما يسمونه «الاحتلال السوفيتي»، بينما يستقبلون في الوقت نفسه الجنود الأجانب على أرضهم وعلى حساب سيادتهم بأذرع مفتوحة.
أما أوكرانيا فتعلن استعدادها للانضمام الى حلف شمال الأطلسي. بينما الحلف يتصرف كما لو كان على أرضه في جورجيا. بل ووصلت مخالب هذا التكتل العدواني إلى آسيا الوسطى.
في مثل هذه الظروف، فإن على الحكومة الروسية اتخاذ موقف أكثر صرامة، وأن لا تتهاون في تعزيز أمن روسيا؛ من الضروري إحياء قواتها المسلحة، استعادة دائرة الأصدقاء والحلفاء، وتعزيز التعاون مع دول العالم، وخصوصاً الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. وبالطبع، أفضل فرصة للحفاظ على توازن القوى في العالم هو إنشاء اتحاد يجمع روسيا وبيلوروسيا وأوكرانيا. هذا الاتحاد الذي من شأنه توحيد طاقات هذه الشعوب السلافية الثلاث. وهذا سيكون ضمانة أكيدة لمجمل الأمن الأوروبي والعالمي.
وليس من المستغرب، أن تعارض الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بحدة هذا المنظور، وتبذل وسعها في محاولة افساد علاقات الشعبين الشقيقين: الروسي والأوكراني.
من المهم أيضا تطوير صناعتنا، والتعليم، والعلوم. وبدون ذلك لا يمكن تعزيز القدرات الدفاعية. وأذكر مثالاً هاماً من تاريخنا. إن انتصار 1945 لم يكن ليكون لو فشل الاتحاد السوفيتي، برئاسة ستالين، في خلق القاعدة الصناعية، وإعادة تسليح الجيش الأحمر وإحداث ثورة ثقافية.
§ كيف ترى مستقبل أوكرانيا. هل ستنهار أم تستعيد وحدتها؟ ماذا سيحدث للدونباس؟ هل ستعود لسيطرة كييف؟
هذا سؤال ملح جدا ومهم لجميع المواطنين الروس. الانتباه الروسي إلى الأحداث الأوكرانية، والألم الذي نشعر به جراء الحرب الحارقة هناك، هو أمر طبيعي.
أوكرانيا ليست مجرد جزء من العالم السلافي. الأراضي الأوكرانية وشعبها جزء لا يتجزأ من الوعي الروسي. جزء من التاريخ الروسي. الأمر يعود إلى أعمق الروابط الروحية والثقافية بين شعبينا، في تلازمهما التاريخي.
علينا أن نعرف أنه بمجرد أن تم البدء في تكييف فكرة الدولة الأوكرانية بشكل مصطنع لتتناسب مع التوجه إلى الغرب، واستبعاد روسيا، أثبتت هذه السياسة طبيعتها الزائفة. وبمجرد أن عقدت النخبة المتواطئة في أوكرانيا تحالفاً مناهضاً لروسيا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فإن كييف لم يعد لديها فرصة لاستقلال حقيقي. في الواقع، هذه هي القوى المعادية لأوكرانيا. أنها ليست مهتمة بتنميتها وازدهارها. وحتى الآن، فإن ما هو مخفي أصبح واضحاً: «الحلفاء» الجدد لنظام كييف دفعوا أوكرانيا إلى إصلاحات ليبرالية وخيمة، حرمتها مما تبقى لها من صناعة وإمكانات علمية، وخنقت الزراعة فيها.
ما يسمى بالحركة القومية في أوكرانيا ليست، بالتأكيد، وسيلة للتحرر الوطني والتنمية الثقافية، بل هي طريق للدمار والخراب. الملايين من الأوكرانيين أدركوا هذه الحقيقة. وكثير منهم مع سلاح في اليد نهض ضد «البنديريون الجدد» (5).
ونضالهم هو مقاومة وطنية حقيقية، لأنهم قالوا لا حاسمة للفاشية، لا للذل، لا لنوايا كسر الروابط الممتتدة لقرون مع روسيا، ومع الشعب الروسي.
البديل الوحيد لحفظ لأوكرانيا هو فقط باستعادة سلطة الشعب، وتغيير كامل النظام الاقتصادي، والعودة إلى مبادئ الدولة الإجتماعية. حينما كانت أوكرانيا جزءاً من الاتحاد السوفيتي بلغت ذروة تطورها، على حد سواء اقتصادياً وثقافياً. ونحن مقتنعون بأن القوى الشريفة في المجتمع الأوكراني سوف تسود وسوف تحشر زمرة «بانديرا» في الكهوف التي خرجت منها. ذلك حتمي، ولأنه فقط في تحالف مع روسيا تستطيع أوكرانيا أن تصل ذروة الازدهار، وحل النزاع في الدونباس.
أما التحالف مع قوى العدوان الغربية فسيتحول إلى مصيبة مزمنة. ولفهم ذلك، يكفي الأوكرانيين أن يتذكروا القصة المأساوية لخيانة الهتامان مازيبا أو فترة الحكم القصيرة للهتامان سكورابادسكي. وعموماً، فإن الأحداث الرهيبة الحالية تؤكد فكر لينين الذي قال إنه فقط «بالعمل الموحد بين بروليتاريي "فيليكا روس" وأوكرانيا يمكن أن تكون أوكرانيا حرة، بدون هذه الوحدة لا يمكن الحديث عن هذا الموضوع» (6).
§ كيف يجب أن يكون رد الفعل الروسي إذا ما بدأ جنود حلف شمال الأطلسي القيام بأعمال استفزازية على حدودكم؟
في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أقدم أعضاء حلف الأطلسي على القيام باستفزاز عسكري خطير ضد بلدنا تمثل بمهاجمة الطائرة الروسية «سو 24» في سوريا. هذا حدث خاص. فخلال السنوات الخمسين الماضية لم يُقدِم الناتو، ولو مرة واحدة، على استخدام قوته المسلحة لمهاجمة طائراتنا العسكرية.
وهذه الطائرة، نُذكِّر، كانت تؤدي مهمات في مكافحة الإرهاب الدولي.
أعتقد أن وراء هذا الحادث، قبل أي أحد، كانت الولايات المتحدة. في تاريخها، امتلكت دائما القدرة على تنظيم هذا النوع من الاستفزاز. في وقت ما كان عليَّ أن أُعدّ عملا بعنوان «أكثر من مائتي سنة من الحلم الأميركي». درست السياسة الخارجية الأميركية لعقود عديدة، وكنت مندهشاً تماماً. لقد تميزت دائماً بأمرين.
الأول هو التوسع، والاستيلاء على الأراضي الأجنبية وبناء قواعد لها هناك.
والثاني هو الاستفزازات التي لا نهاية لها.
الأميركيون في كل ما يفعلون يحتاجون إلى يد حرب وسيطة، لشطب ديونهم الضخمة، لأنهم لن يغامروا بحرق أيديهم. انهم لا يرون وسيلة أخرى. هذا البلد عاش مرتين بأفدح طريقة على حربين عالميتين. اليوم، يذهب الأميركيون نحو استفزاز جديد. وعلى هذا التحدي الذي يلقون به أمام وجوهنا يجب أن نرد بسرعة وبطريقة حاسمة، ولكن في نفس الوقت، مدروسة جداً. إذا كنا نريد أن نكون أقوياء وواثقين، من الضروري أن نعزز، قبل كل شيء، بلدنا ونطوِّره في كل الاتجاهات. حينها تتم معالجة القضايا الدولية بنظام وكفاءة.



في الجزء الثاني من مقابلته مع صحافيي صحيفة «برلامانتني غازيتا» (الساعي البرلماني) التشيكية، يتحدث الزعيم الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف عن موقف حزبه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسياساته الداخليّة والخارجيّة، كما يتناول جملة من القضايا المتصلة بالحركة الشيوعية ومستقبل الاشتراكيّة، وغيرها من القضايا:
زيوغانوف: بوتين يمسك الشؤون الدوليّة بإحكام، ولكن..
§ ما هو موقف الحزب الشيوعي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟
الرئيس بوتين يقود الدولة اليوم في ظروف أزمة عسكرية وسياسية دولية ثقيلة ووضع اقتصادي متدهور في البلاد. وبما يتعلق بالشؤون الدولية، فإن الرئيس يمسك على نحو جيد جداً بالأمور. في العام 2007، بدأ الرئيس تحولاً باتجاه خط الدولة الوطنية، الذي تمت مواصلته من خلال استعادة شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول واعادتهما إلى حضن الوطن.
وهناك عدد من القرارات الصائبة، التي أيدناها. والآن نستثمر قصارى الجهود لضمان إحلال السلام في الشرق الأوسط، ولإنهاء الأزمة في أوكرانيا الشقيقة، ولتعزيز مكانة روسيا الدولية.
ومع ذلك، خط الدولة الوطنية الذي أعتمد في السياسة الخارجية لا يتم اعتماده بما يتعلق بالسياسة الداخلية في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية الضرورية للبلاد. إذ يبقى في هذا المجال نهج الحكومة ليبراليا، وهذا مستمر للعقد الثالث على التوالي.
وبوتين يرى أن الحكومة تعمل على نحو فعال. ونحن لا نشاركه هذا الرأي على نحو قاطع. أن الأزمة المالية والاقتصادية، التي لا تزال في بلادنا، هي إلى حد كبير نتيجة لممارسات الوزراء الليبراليين.
(بوتين وزيوغانوف)
من جهة ثانية، يعرب الرئيس بانتظام عن الحاجة إلى التضامن والوحدة في المجتمع. ولكن كيف يمكن تحقيق الوحدة عندما يعيش كل ثاني مواطن روسي على 15 ألف روبل في الشهر أو أقل (1)، في حين أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت خلال العام الماضي بمقدار الربع؟ أي نوع من التضامن يمكن مناقشته هنا إذا كان الأوليغارش يبدلون اليخوت والقلاع في جبال الألب مثلما يبدلون القفازات، في حين يرفضون، بالمقابل، تعديل معاشات المتقاعدين، حتى بمعدلات مساوية لنسبة التضخم؟ أية وحدة وطنية يمكن الحديث عنها هنا، حينما يتعالج ويدرس أفراد أسر النخبة الحاكمة في الخارج، بينما يتم تحطيم التعليم والطب الوطنيان عمداً؟
لذلك، من جهة، في ما يتعلق بخط الدولة الوطنية فإن الأمر مشجع جداً، ولكن من جهة أخرى – فإن النموذج الاقتصادي والمالي الليبرالي المعمول به يقوض قدرة البلاد على الخروج من الأزمة. ونحن لا يمكن أن نوافق على ذلك.
§ ما هو البرنامج الذي يطرحه حزبكم على الناخبين في انتخابات مجلس الدوما؟
أعد فريق العمل في حزبنا برنامجاً حقيقياً للخروج بالبلاد من الأزمة تحت شعار «10 خطوات نحو حياة كريمة». وقد تم إقرار هذا البرنامج في منتدى أوريول الاقتصادي (2) ومجلس عموم روسيا للتعاونيات العمالية. وأثار اهتماماً كبيراً في منتدى شعوب روسيا في أوفا. كما تمت الموافقة على برنامجنا بالإجماع في مؤتمر النواب الشيوعيين من جميع المستويات. وأخيراً، فإن البرنامج الانتخابي تمت الموافقة عليه رسمياً في المؤتمر السادس عشر (الاستثنائي) لحزبنا، الذي عقد 25 يونيو (حزيران).
أريد أن أشير إلى أن برنامج الحزب الشيوعي هو برنامج انتعاش اقتصادي وروحي لروسيا. أهم مطالبنا هي إعادة النظام المصرفي والمالي تحت سيطرة الدولة، وتأميم القطاعات الاستراتيجية في الاقتصاد، وتنفيذ سياسة تصنيع جديدة.
ونحن نصر كذلك على اتخاذ تدابير عاجلة لإحياء المجمع الزراعي الصناعي، وعلى استخدام واستثمار الخبرة الفريدة من نوعها المتوفرة لدى مؤسساتنا الوطنية.
الحزب الشيوعي يسعى إلى تحويل روسيا إلى دولة من أجل الشعب، وتحويل السياسة الاجتماعية لصالح جميع المواطنين. وهذا يشمل رعاية صحية نوعية في متناول اليد، وجعل الأجور والمعاشات التقاعدية لائقة، إضافة إلى السيطرة على أسعار السلع الأساسية. وأخيراً، نحن نقاتل من أجل نهضة البلاد ثقافياً وأخلاقياً، وهو ما يعني التخلي الحاسم عن كل مظاهر العداء للاتحاد السوفياتي ومواجهتها بحزم والتصدي لظاهرة الـ«روسفوبيا»، وتحقيق مبدأ «التعليم للجميع» على أرض الواقع استناداً إلى أفضل تقاليد المدرسة السوفيتية الفريدة من نوعها.
الحزب الشيوعي مقتنع أنه إذا كانت السياسة الحالية سوف تستمر، فإن الإنهيار المالي والاقتصادي أمر لا مفر منه. ونعتقد أنَّ الدولة تحتاج إلى حل سريع وسلمي لهذه الأزمة الخطيرة.
§ كيف تنظرون إلى مستقبل كوكبنا؟ وما هي آفاق الحركة الشيوعية اليوم؟
نحن نرى أن في الساحة العالمية اتجاهان متصارعان: العولميون يصعّدون هجومهم، ولكن ذلك يثير معارضة متنامية. وأعتقد أن موازين القوى في العالم يمكن أن تتغير لصالح الاشتراكية.
الأزمة العامة للرأسمالية وصولاً إلى اليوم، امتدت قرناً كاملاً من الزمان. وهذه الأزمة تخف أحياناً، وتتفاقم في أحيان أخرى. في نهاية القرن العشرين، دمرت الرأسمالية الاتحاد السوفيتي، وضمنت لنفسها بعض الاستقرار المؤقت. ومع ذلك، فإن التناقضات البنيوية في صلب الرأسمالية لا تزال تتفاقم. وها قد مرت أعوام بينما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يستطيعان التخلص من آثار الأزمة المالية والاقتصادية الحادة، كذلك الاقتصاد الذي فرضوه تعسفاً في روسيا.
والقاعدة الاجتماعية للرأسمالية آخذة في التقلص. وأستطيع أن أقول بيقين: أنه لا توجد دولة بوليسية يمكنها أن توقف لجوء الملايين من الناس إلى الاشتراكية!
الرأسمالية غير قادرة على حل التناقضات الكامنة في بنيتها. ومسار الأحداث يثبت أهمية طروحات الماركسية اللينينية. والزمن سيغسل القاذورات والافتراءات التي رميت بها هذه النظرية العظيمة. ويمكننا أن نرى بوضوح أن الفكرة اليسارية تصبح مطلوبة أكثر فأكثر في العالم. لقد حققت نجاحاً كبيراً تحت قيادة الأحزاب الشيوعية في الصين وفيتنام. وعلى الرغم من معارضة واشنطن الشرسة، فإن المزاج اليساري قوي للغاية في أمريكا اللاتينية. وحتى في الولايات المتحدة -معقل الرأسمالية نفسها- فإنّه في هذه الفترة يُستقطب المزيد والمزيد من الناس المتعاطفين مع أفكار العدالة الاجتماعية، وهذا ما يشير إليه نجاح بيرني ساندرز في بلوغ تلك المرحلة من الانتخابات الرئاسية الأولية.
§ في العام 1992 صدر كتاب فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ والإنسان الأخير». في هذا الكتاب، قال فوكوياما أن الأيديولوجية الليبرالية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ظفرت بالنصر النهائي. ما رأيك بذلك؟
في الواقع، لسنوات عديدة، كان الغطاء الأيدلوجي للنظام العالمي الجديد هو هذه الأطروحة التي جاءت على قياس الموضة لتقول بـ«نهاية التاريخ»، التي طرحها البروفيسور الأمريكي فرانسيس فوكوياما. وفقاً لها، فإن الحضارة الغربية الحالية، في شكل الديمقراطية الليبرالية، مع قيمها الفردية الأنانية، و«السوق الحرة» و«حقوق الإنسان العالمية» هي المرحلة النهائية من التنمية البشرية. في نهاية المطاف، علينا أن نلاحظ أن «فلسفة العولمة» هذه تقول وتدعو إلى السعي بأي وسيلة ومهما كان الثمن إلى ضبط تنمية المجتمع وفق شرائع وتعاليم الأصولية الليبرالية الضيقة المتزمتة.
وفي نهاية المطاف، ولفداحة كل ذلك البينة، اضطر فوكوياما نفسه إلى الإعتراف بأن استنتاجاته متسرعة. كما كتب قبل بضع سنوات مضت. لقد أقر أن أطروحته حول الانتصار المزعوم غير المشروط للرأسمالية والأيديولوجية الليبرالية إنّما هي خطأ. ولكن هذه الفكرة شاعت للغاية واستشرت في أوساط النخبة الفكرية الغربية. ويكفي أن نذكر أسماء مثل ستيغليتز، كروغمان، والرشتاين، جيجك وغيرهم.
في روسيا، أدى انتصار الأيديولوجية الليبرالية في التسعينات إلى خسائر فادحة.
انهار الاتحاد السوفييتي وأصبح كارثة جيوسياسية ومأساة حقيقية لأمتنا. وفي السعي لتطبيق القيم «الغربية» المفروضة من خارج البلد منينا بحالة فظيعة من التراجع. وقد أدت الأصولية الليبرالية المتطرفة إلى تفشي الفساد، وتدهور الصناعة وانهيار الزراعة، وتراجع القيم الروحية، وانحطاط القيم الأخلاقية. ولكن هذا يعلمنا أن ننتبه إلى أن البديل هو هناك: إنها الاشتراكية.
§ وبما أننا تحدثنا عن الاتحاد السوفياتي، أخبرنا، ماذا شعرت حينما غيرت الحكومة الجديدة، بعد انهيار الدولة السوفيتية، رموز البلاد وشعاراتها؟
أتعامل باحترام مع رموز الدولة. ولكن يجدر التذكير أن العلم الروسي الحالي كان قد وضع من قبل بطرس الأول باعتباره علماً تجارياً، لا علما لدولة روسيا. ولكن فرضه يلتسين على الدولة، دون أن يملك المعرفة الكافية بتاريخنا. وينبغي أيضا أن يوضع في الاعتبار أن الخونة من أتباع فلاسوف (3) الذين قاتلوا إلى جانب هتلر اختاروا، في وقتهم، هذا العلم راية لهم.
لهذا أعتقد أن الرمزية التي تختارها الدولة، يجب أن تعكس كامل تاريخ البلاد، لا مجرد أحداث منفردة. لقد أمضينا سبعمائة عام في الحملات العسكرية، وراية النصر الحمراء تنسجم تماما مع تقاليدنا التاريخية. لقد كانت راية ألكسندر نيفسكي (4)، وكذلك ديمتري دونسكوي كانت رايته علماً أحمر (5). وكذلك الأمر بالنسبة لحركة مقاومة مينين والأمير بوجارسكي الشعبية (6)، التي حررت موسكو من البولنديين قبل 400.
أضف إلى ذلك، أن راية النصر الحمراء معروفة في كل أنحاء العالم. هي رمز لأعظم الأحداث في تاريخ البشرية: ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى والحرب الوطنية العظمى. ومع ذلك، أنا راضٍ تماماً أن موسيقى ألكسندروف العظيمة (موسيقى النشيد السوفييتيّ) أستعيدت كنشيد وطني لبلادنا (7). هذه الموسيقى هي الأصوات والأنغام التي عمل وقاتل وأنتصر آباؤنا وأجدادنا على إيقاعها.

§ كيف تشعر تجاه استخدام النجمة الحمراء في العالم؟ ربما يود الشيوعيون الروس أن تكون رمزاً خاصاً بهم؟
النجمة الحمراء هي رمز للشيوعية، رمز للمستقبل. إنها تعني وحدة البروليتاريا في كل القارات الخمس من الأرض، وتعني تحرير العمال من المجاعة والحرب والفقر والجهل والعبودية.
لا ينبغي لنا أن ننسى أن الجيش الأحمر دافع بهذا الرمز عن قلعة بريست وستالينغراد، دافع عن لينينغراد وموسكو، واقتحم برلين وحرر أوروبا من النازية.
بهذه النجمة، انتصر جيشنا الأحمر في أكثر الحروب تدميراً في التاريخ البشري.
أريد أن اقول إن الحزب الشيوعي الروسي حزب أممي. ونحن ندعو لوحدة عمال العالم تحت النجمة الحمراء الخماسية، وإلى القتال جنبا إلى جنب ضد نير الرأسمالية المعولمة.


في الجزء الثالث مِنْ مقابلته مع صحيفة «برلامانتني غازيتا» (الساعي البرلماني) التشيكية، يعود رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعيّ الروسيّ، غينادي زيوغانوف، إلى الماضي السوفييتيّ، فيتحدَّث – مِنْ ضمن ذلك – عن ظروف وحيثيات ما سُمِّي «الاجتياح السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا» على إثر ما عرف بـ«ربيع براغ 1968»، الذي من السهل أن يفهمه إنسان يومنا هذا بعد تعامله مع أكثر من ربيع مماثل؛ كما أنَّه يتحدَّث، أيضاً، عن دور غورباتشوف في أحداث صيف العام 1991، التي أدَّت إلى إنهيار الاتّحاد السوفييتيّ:
زيوغانوف: في آب 1991 ظهر الجوهر السياسيّ والأخلاقيّ لغورباتشوف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
§ ليس من المستبعد احتمال أن يظهر فيلم سينمائي عن فلاديمير إيليتش لينين، وفيه يمكن أن يلعب الدور الرئيسي، أي شخصية لينين، الممثل الأميركي ليوناردو دي كابريو. ما رأيك في هذا الاحتمال؟
الشيوعيون دعموا دائما ثقافة السينما والتصوير السينمائي والمميَّزين من العاملين في مجال الفن السينمائي. فلاديمير إيليتش لينين قال: «من بين كل الفنون، بالنسبة لنا السينما هي الأكثر أهمية». لقد أصبحت صناعة السينما واحدة من الركائز المهمة في التوعية الثقافية للعمال. وقد انتزعت السينما السوفيتية الاعتراف بها باعتبارها ظاهرة فريدة من نوعها على نطاق العالم. وفازت الأفلام التي قدمها صناع السينما السوفيتية بالجوائز في المهرجانات السينمائية في جميع أنحاء العالم.
وهي لا تزال المفضلة لدى الملايين من الناس.
أما في ما يتعلق بليوناردو دي كابريو، فهو بالتأكيد شخص موهوب، وحقق انجازات رفيعة في مهنة التمثيل، وحصل بجدارة على جائزة الـ«أوسكار».
موهبته لن يطالها الشك على مدار الزمن. غير أن المهم هنا في هذا الموضوع، هو السؤال عن ماذا سيكون محتوى الفيلم عن فلاديمير ايليتش لينين. لسوء الحظ، هناك العديد من الأمثلة حيث يتم تقديم تفسير فضفاض للتاريخ، هذا إذا لم يُعِد الكتاب والمخرجون كتابته وفقاً لخيال واهم. نأمل، في حالة وجود فيلم عن لينين أن يكون ممكناً تجنب ذلك.
§ من هو، من وجهة نظرك، المذنب الرئيس في انهيار الاتحاد السوفييتي؟ قرأت أن الشيوعيين الروس يودون لو يمثل ميخائيل غورباتشوف للمحاكمة بهذه التهمة.
ولكن بأي قانون يمكن تقديمه للمحاكمة؟

خمس وعشرون عاماً تفصلنا عن أحداث أغسطس (آب) 1991 المأساوية، المتعلقة بالدور القصير الذي اضطلعت به «لجنة الدولة للطوارئ» ومحاولتها تغيير المسار الكارثي الذي دُفِعت إليه بلادنا. وبالنظر إلى الوراء، إلى تلك الأحداث وتقييمها، يتبدى واضحاً أن من الممكن، بل ويجب علينا، أن نتحدث عن خيانة جورباتشوف، يلتسين، ياكوفليف وشيفاردنادزه. لقد تصرفوا بأنانية مغرقة، فبذلوا قصارى جهدهم لتدمير تلك القوة العظمى، التي كانها الاتحاد السوفيتي. كان ينبغي على أعضاء «لجنة الطوارئ» وضع هؤلاء الخونة تحت الإقامة الجبرية.
ولكن هذا لم يحدث. وبالمحصلة، وصلنا إلى ما وصلنا إليه: انهيار البلاد، التراجع الكارثي في عدد السكان، وتفاقم عدوانية رأس المال العالمي.
في تلك الأيام من أغسطس (آب) ظهر الجوهر السياسي والأخلاقي لغورباتشوف. بعد عودته من فوروس إلى موسكو، تنصل من الحزب وقدم توصية للجنة المركزية أن يحل الحزب نفسه. هكذا، اعترف بالطابع الإجرامي لجميع أنشطته، أمينا عاما. وأعطى إشارة واضحة ليلتسين عن استسلامه، ما فتح الطريق لإقامة واحد من أكثر الأنظمة رجعية وجنائية وجرمية في تاريخ روسيا. أعتقد أن هذا أساس معقول لإجراء محاكمة علنية لغورباتشوف وزمرته. لقد تسبب هؤلاء الناس بكثير من المعاناة لبلادنا، وللكثير من الشعوب حول العالم.
§ كيف تقيمون أحداث العام 1968، عندما دخلت الدبابات الروسية تشيكوسلوفاكيا؟ هل تنظرون إليها باعتبارها مساعدة من الاتحاد السوفيتي، أم تدخلاً في شؤون بلد آخر، أم محاولة لضمه؟
أي حدث هام يثير، في كثير من الأحيان، تقييمات مختلفة ومتعارضة. وبالتالي، من المهم أن نقترب من القصة بأكبر قدر ممكن من الموضوعية، مع تجنب العواطف والمواقف المسبقة المنحازة. الشيء الرئيسي – أن نأخذ بعين الاعتبار الوضع في حينه وكذلك موازين القوى، لا أن نحكم على الماضي، استنادا إلى أفكار وحيثيات اليوم. وللأسف، فإن ما يسمى بـ«ربيع براغ» عام 1968 لا تزال تحيط به الأساطير التي تصب سياسيا في صالح الغرب. وبالمناسبة، هذا شيء ينطبق أيضا على أزمات زمن «الحرب الباردة» الأخرى.
في الواقع، في بداية العام 1968 في تشيكوسلوفاكيا، جرت أول محاولة لتنظيم ثورة «مخملية». السلطات الجديدة في البلاد، آنذاك، وعلى رأسها دوبتشيك (1) تبنت سياسة ليبرالية معلنة، وبدأت بالتشكيك بسياسة أسلافها. وكانت هناك دعوات لتنفرد تشيكوسلوفاكيا بموقفها وعلاقاتها داخل المعسكر الاشتراكي، إلى جانب حملة جائرة مبرمجة لتغذيه المشاعر المعادية للسوفييت في المجتمع.
يجب، مع ذلك، أن نتذكر أن الحرب الباردة، حينها، كانت في أوجها. وقد انقسم العالم إلى نظامين: النظام الاشتراكي والرأسمالي. وكل واحد منهما قاتل من أجل استقراره. وقد رأى قادة الدول الاشتراكية الأخرى في ما كان يحدث في تشيكوسلوفاكيا تهديداً خطيراً للاشتراكية والأمن المشترك، بما في ذلك أمن تشيكوسلوفاكيا نفسها. وأول من دعا إلى التدخل كانوا قادة ألمانيا الشرقية وبولندا وبلغاريا. وبعد ذلك فقط ذهب قادة الاتحاد السوفييتي إلى خيار التدخل العسكري.
كان ذلك قراراً جماعياً اتخذته بلدان حلف وارسو التي عمدت إلى ادخال جيوش الدول الخمس إلى تشيكوسلوفاكيا. وبالمناسبة، المعلومات تفيد بأن ذلك جاء مدفوعاً بحقيقة أن الولايات المتحدة كانت تدرس بجدية وتعد العدة في ذلك الوقت، وتحديداً منذ قبل شهر من تدخل حلف وارسو، لفكرة قيام حلف شمال الأطلسي بغزو تشيكوسلوفاكيا.
بطبيعة الحال، كان الغرب ينتظر فرصة للاستفادة من الانقسام في حلف وارسو لضرب الاتحاد السوفيتي وحلفائه. ولكني قرأت مذكرات غينادي زايتسيف، الضابط الشجاع، قائد وحدة «ألفا» (2)، الذي في أكتوبر 1993، رفض الانصياع لأوامر يلتسين المجرمة باقتحام مبنى البرلمان الروسي، وبالتالي أنقذ مئات الأرواح.
في عام 1968 كان زايتسيف يقود وحدة الدائرة السابعة في الـ«كي. جي. بي»، وشارك في عملية «الدانوب» (3). وهكذا، فإنه يكتب في مذكراته أنه لو لم يتدخل الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه، وإلا لكانت القيادة التشيكية، على الفور، قفزت من مرحلة «الاشتراكية ذات الوجه الإنساني»، إلى أحضان قوات حلف شمال الاطلسي. ولخسر حلف وارسو دولة مهمة استراتيجيا في أوروبا الوسطى. ولكان حلف شمال الأطلسي وصل إلى حدود الاتحاد السوفيتي. ولكانت اندلعت أعمال شغب في بولندا والمجر. ثم كان الدور سيأتي على دول البلطيق، وبعدها القوقاز.
هذا هو رأي غينادي زايتسيف. وما كتبه حدث فعلا في نهاية المطاف، ولكن لاحقا بعد مرور عشرين عاما، في التسعينيّات.
اسمحوا لي أن ألفت انتباهكم إلى واقعة أخرى: على الرغم من المقاومة التي حصلت، وعمليات إطلاق النار على الجنود السوفييت، وإحراق الدبابات وناقلات الجنود المدرعة، إلا أن الجنود لم ينجرّوا للاستفزازات، وحفظوا المدنيين. بينما، في ذلك الوقت نفسه، كان الأميركيون يحرقون فيتنام بالنابالم، ويعرّضونها إلى قصفٍ وحشيّ. وفي مكسيكو سيتي، في العام نفسه أيضاً، قُتل مئات الطلاب. لكن المجتمع الليبرالي التزم الصمت بعناد إزاء هذه الجرائم.
لسوء الحظ، اليوم، ينسى الكثيرون أن تشيكوسلوفاكيا حققت الكثير من المكاسب التي حظيت بها في تاريخها.. حققتها بحكم عضويتها في المعسكر الاشتراكي. كان لمنتجاتها سوقاً مستقراً. وكانت تحصل من الاتحاد السوفيتي على المواد الخام الرخيصة، التي كانت تغذي الشركات الصناعية التي تم تأسيسها هناك في تشيكوسلوفاكيا. وبفضل الطلبات السوفيتية فإن الصناعة التشيكوسلوفاكية كانت قادرة على زيادة الإنتاج في الفترة ما بين 1948 - 1969 نحو ثلاثة عشر ضعفاً.
§ ما رأيك بالرئيس التشيكي ميلوش زيمان؟
إنه رجل دولة من ذوي الخبرة. وتروقني رغبته في تنفيذ وقيادة سياسة جمهورية التشيك على نحو مستقل، بعيداً عن الطاعة العمياء لقرارات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي تتعارض مع المصالح الوطنية للبلاد.
أنت تعرف، أنني دائما أكن الاحترام الكبير للأشخاص الذين يجيدون التفكير بعمق، ولا يخافون من التعبير عن رأيهم. رئيس جمهورية التشيك هو بالذات من هذا النوع من الأشخاص. زيمان لا يخاف أن ينبري في دعم روسيا، التي يضغطون عليها بالعقوبات، ويحيطونها بقواعد حلف شمال الأطلسي. وفي الآونة الأخيرة، قال عبارة حكيمة جدّاً: «الصاروخ يمكن استخدامه مرة واحدة فقط، أما الحوار مع روسيا فيمكن أن يكون دائماً». وهذا يتنافر مع التصريحات العدوانية التي يطلقها قادة أوروبيون آخرون، يرقصون على أنغام الولايات المتحدة!
ومن الأمور التي تكشف عن معدن ميلوس زيمان موقفه المبدئي إزاء تاريخ الحرب العالمية الثانية. أتذكر كيف أن رئيس جمهورية التشيك تصدى ووبخ بغضب، العام الماضي، رئيس وزراء أوكرانيا، آنذاك، ياتسينيوك، الذي هذر مجدداً بهذيانه المعهود من «الغزو السوفيتي لأوكرانيا وألمانيا». حينها قال زيمان أن هذه التلميحات هي «محاولة سافرة لقلب تاريخ الحرب العالمية الثانية رأساً على عقب».
أريد أيضاً أن أذكركم أن الرئيس التشيكي كان الوحيد من بين الزعماء الأوروبيين الذي وصل إلى موسكو للمشاركة في الاحتفال بمناسبة الذكرى الـ 70 للانتصار على النازية. وبسبب ذلك تعرض لحملة مسعورة من قبل واشنطن وبروكسل. بل وداخل جمهورية تشيكيا نفسها لم يسلم من القوى المعادية لروسيا. وفي الدفاع عن قراره، قال حينها: «مِنْ دون الاتحاد السوفيتي كانت مستحيلة هزيمة هتلر. وثمناً لهذا النصر دفع هذا البلد 20 مليون قتيل.. ولو كنت قبلت عدم المشاركة في احتفالات موسكو، لكنت أهنت ذكرى 150 ألف جندي سوفيتي ضحوا بحياتهم من أجل تحرير تشيكوسلوفاكيا»..
أريد أن أشكر ميلوس زيمان على هذا الموقف..
 
عودة
أعلى