سيف المقاومة الليبية الشهيد المجاهد نجيب سعد العلي البطاينة

alus

صقور الدفاع
إنضم
30 نوفمبر 2008
المشاركات
2,461
التفاعل
3,408 1 0
11111_new47.jpg


هذه قصة من قصص الأردنيين الذين دافعوا عن قضايا الأمة شرقها وغربها ولبوا النداء ونفروا خفافاً وثقالاً في سبيل قضاياها


الحديث عن المجاهد الشهيد نجيب البطاينة هو الحديث عن رجل عانق الشمس من أجل أن يصنع للوطن مكاناً يليق بشعبه وأمته، وهو لا يفرق بين مشرق الوطن ومغربه، فناضل عسكرياً في الجيش العثماني، واستشهد قائداً مجاهداً في صفوف الثورة الشعبية الليبية، ولد في الشمال الأردني وسقط شهيداً في الجنوب الشرقي الليبي، فالبطولة لها أشكالها وأنواعها، ولها زمانها ومكانها، فرسم لوحة على جدار الزمن ليتحدث التاريخ عن البطولة والأبطال، وعن أحرار الأردن الذين أسقوا بدمائهم الزكية شجرة الحرية في ليبيا واليمن، وفلسطين والعراق، وسورية، و الجزائر ...


وصدق دولة المرحوم سليمان النابلسي الذي قال: أرى في الشعب الأردني شعباً فريداً بين الشعوب العربية، فهو لم يضرب مرة من أجل مصالحه الخاصة، ولم يقم بمظاهرة في سبيل منافعه الذاتية، ولم تنزل قطرة دم واحدة منه من أجل قضية محلية. كل تضحياته قدمت في سبيل إخوانه في فلسطين وسوريا وليبيا والجزائر و اليمن.. ".


إن أردت أن تعرف شعباً من الشعوب فعليك أن تتعرف على رجاله، لأن هذه الرموز هي التي تخوض معركة الحياة بخيرها وشرها، وهي التي تصنع التاريخ للأمة، وهي التي أسهمت في إضاءة الدروب للأجيال الصاعدة والمتجددة في وطننا، وهي التي صاغت البيان التحريضي لنهضة الأمة، وهم الذين علمونا الوعي بثقافة المقاومة .


ونجيب البطاينة من هؤلاء الرجال الأبطال الذين أضاءوا أفق الرؤية، وكان لـه شرف بلورة الهوية القومية من أجل بناء وطن كانت رؤاه الوحدوية منطلقة في الدفاع عن العروبة في كل بقعة من بقاع الوطن العربي.


قد تختلف العوامل التي تصنع الرجال، إلا أنها تشترك في استحالة تحقيق هذا الرجل أو ذاك دون رصيد حقيقي من مواقف وأقوال وأفعال ومنجزات يسجلها لـه التاريخ ويتحدث عنها البعيد والقريب، وذاكرة أبناء الأردن من الرعيل الأول والثاني والثالث تحتفظ بالكثير من الأحداث وصناعة الفعل الثوري والجهادي.

تروي حكايا هذا المجاهد المعتز بعروبته وإسلامه.. فعندما قاد شهيدنا البطل نجيب البطاينة فصائل المقاومة الشعبية الليبية لم يكن مباهاة لتعزيز الهيبة ولا ترفاً لصيد الرجال، وإنما كان دفاعاً عن قدسية الأرض وكرامة الإنسان العربي، فقد صاغ خطابه الجهادي وفق معطيات مرحلته بكل تحولاتها العميقة وتحدياتها الخطرة، ومستجداتها الصعبة بتفكير ثاقب، ووعي ناضج متمسكاً بفكر المقاومة الشعبية مع القوى الوطنية الليبية ممثلاً بالمجاهدين: أحمد الشريف ومحمد المهدي، ومحمد بن عبد الله، وغيرهم من أبطال المقاومة الليبية الذين كان وإياهم يعبرون عن مجمل الشعور الجمعي لرسالة النضال المكونة في ذاكرتهم وهم يقارعون الغزاة وأعداء الوطن والأمة.


معركتي الشلظيمية والكردايسي

عندما تصبح المقاومة ثقافة للشعب الباحث عن الحرية والاستقلال، ينتصر التحدي بإرادة الصمود، ويهزم العدو مهما كانت قوته العسكرية، ويقهر جيشه القادم من وراء البحار لاستعمار الشعوب ونهب ثرواتها وإذلالها، وعندما يصبح قرار المقاومة بأيد أمينة ومؤمنة، يكون الانتصار حتمياً مهما طال الزمن، ومهما كثرت المعارك ومواقع التحرير..


هكذا كان شعبنا العربي الليبي البطل في صراعه مع الاستعمار الإيطالي ولمدة عشرين عاماً (1911- 1931م)، وهكذا كان (نجيب) سيفاً من سيوف المقاومة الليبية، وما سيوف (محروقة) إلا امتداد طبيعي لسيوف الشلظيمية والكردايسي، ومسوس، لأن مسافات الجغرافيا قصيرة بينها ومتقاربة على مسرح الأرض والزمن، مؤكداً على هذه الرموز المترابطة التي تلخص وتوجز أهداف المقاومة السامية وهي تنتقل من حال إلى حال وكلها كتبت بالدماء، وبالبذل السخي والفداء لطرح الدخيل الوافد من روما وبروجيا وغيرهما من مستعمرات الاستعمار الإيطالي.


لم تقف القوى الشعبية الليبية على ناصية التاريخ متفرجة، بل كانت منذ تأسيس مقاومتها تمخر عبابه فاعلة متفاعلة، خاضت غماره ممتطية صهوة الزمن دون رهان، وخيول السبق للشهادة تدق حوافرها الوعر، وصهيلها يسبق الحداء، وكان لها على سطح الأرض الليبية - من البحر إلى الجبل الأخضر - محطات نور وإشعاع


وكان (نجيب) على موعد مع النصر قبل الاستشهاد في معركة الشلظيمية التي وقعت يوم 28 شباط 1914م، واستمرت هذه المعركة أكثر من عشر ساعات، كان (نجيب) نجيبها وقائدها وفارسها وجريحها، فتكبد العدو الإيطالي أكثر من ثلاثمائة قتيل


يقول المجاهد شكيب أرسلان عن هذه المعركة: كانت معركة الشلظيمية فتحاً عظيماً للمقاومة الليبية، وكان الثوار أطول هاماً من النخيل الليبي وأقوى، وقدّم الشعب الليبي كوكبة من الشهداء ارتوت الأرض بدمائهم الزكية، لتنبت الحرية والكرامة، وكان عدد شهداء هذه المعركة بحدود 200 شهيدً، كانوا سداً منيعاً لمنع أو لتأخير القائد الإيطالي (مياني) من التقدم إلى إقليم (فزان)، وجرح نجيب الحوراني في هذه المعركة، ولم يسترح لجرحه، بل ضمد الجراح، ليجرح مرة ثانية في معركة الكردايسي .


بدأت معركة الكردايسي يوم 1 آذار 1914، أي في اليوم التالي لمعركة الشلظيمية، ولم تكن أقل فعلاً من المعارك السابقة، بل كانت - كما يقول شكيب - أشد وجعاً على الجيش الإيطالي، واستعمل فيها نجيب أسلوب القتال العسكري النظامي (الكر والفر) ثم المباغتة في الجوانب، وهذا الأسلوب مكّن المقاومة من الوصول إلى الأطراف حيث قادة الفصائل من الضباط الطليان، وقتل أكثر من سبعة ضباط من الرتب المتقدمة، وتمكنت المقاومة من تدمير الأسلحة والذخيرة وحرق سيارات التموين والصحة ..


وفي هذه المعركة جرح نجيب للمرة الثانية في كتفه وساقه، وأخرج الرصاصة التي استقرت في ساقه اليسرى وبدون مساعدة من أحد رفاقه، واستمر في القتال ولم يقبل الرجوع إلى الخلف، إذ حاول شقيق زوجته (سنوسي) أن ينقله من أرض المعركة إلا أنه رفض رفضاً مطلقاً على الرغم من نزيف في ساقه اليسرى، وظل يقاتل حتى توقفت المعارك بانسحاب القوات الإيطالية فانتقل إلى منطقة (مسوس) حيث ينظم المجاهد أحمد الشريف صفوف المجاهدين، ويستعد لمعركة مقبلة مع الجيش الإيطالي الزاحف باتجاه المنطقة.
 
معركة مسوس و استشهاده

مسوس: قرية تقع جنوب شرق (بنغازي) أسس فيها السنوسيون زاوية، والزوايا هي مركز إصلاح وتعليم أسسها الصوفيون في ليبيا وغيرها من دول الشمال الإفريقي، وهي شبيهة بالزوايا المغاربية، مثل: الزاوية الدلالية لمحمد حجي، والزاوية الوزانية لمحمد برادي، والزاوية الشرقاوية لأحمد بوكاري، وغيرها من الزوايا (الصوفية) السنية. وكانت الزوايا تقوم بمهمات علمية واجتماعية، وفي عهد الاحتلال تركز عملها على الجهاد ونشر ثقافة المقاومة . وفي (مسوس) كانت زاوية ولذلك فإن المعركة وقعت قرب (زاوية مسوس) التي هدمها الطليان.


وكان المجاهد أحمد الشريف قد اتخذ من (مسوس) هذه مقراً للقيادة في ظروف أذاقوا فيها الطليان صنوفاً من العذاب بعد معركة (سيدي كريك القرباع) التي وقعت يوم 16 أيار 1913، إذ تقدم الجنرال (مامبراتي) نحوها فخسر 72 قتيلاً من الجنود، و(13) ضابطاً بالإضافة إلى أسر 400 جندي، وأخذ منه المجاهدون (999) بندقية غير الأسلحة المختلفة .


لم تشر الوثائق الليبية إلى أسماء قادة هذه المعركة غير أحمد الشريف، إلا أن المجاهد شكيب أرسلان أشار إلى أن (نجيب الحوراني) اشترك في جميع المعارك إلى جانب الشريف باستثناء معركة (الأبيار) التي وقعت في اليوم التالي لاستشهاده.


إذن.. جاءت معركة (القرباع) لتؤكد على قوة المقاومة الليبية، وقد شعرت القيادة العسكرية الإيطالية بقوة المقاومة وتمكنها من قتل وأسر المئات من جنودها، وفشلت مرة ثانية في معركة الشلظيمية، وثالثة في معركة الكردايسي، فقررت الانتقام بقوة ولحسم أمرها مع المقاومة في معركة (مسوس) حيث انتقل إليها أحمد الشريف ونجيب البطاينة، والمهدي والسنوسي، وأسسوا فيها القيادة العامة لجيش المقاومة الشعبية


وفي صباح يوم 3 آذار 1914، بدأت المعركة الحامية وتمكنت القوات الإيطالية من تدمير (زاوية مسوس)، وأبدت المقاومة جهاداً بطولياً كبدت فيه الجيش الإيطالي مئات القتلى، وبالمقابل خسرت المقاومة أيضاً مئات الشهداء فاستشهد (المهدي) شقيق زوجة نجيب، وتلاه شقيقه (السنوسيوجرح نجيب، وكانت إصابته في الصدر وفي الفخذ قاتلة، فنقل من أرض المعركة إلى منزله لعلاجه، وبقي حياً إلى اليوم التالي (4 آذار 1914) ليفارق الحياة، ودفن في قرية مسوس بعيداً عن وطنه وأهله وزوجته، بعد معارك كان نجمها وفارسها وبطلها، فجاءت شهادته على الأرض الليبية تأكيداً على قومية وعروبة المعركة ضد الاستعمار في مغرب الوطن ومشرقه.


الشهيد نجيب في ذاكرة الشعب الليبي

يقول المؤرخ العربي الفلسطيني مصطفى مراد الدباغ في كتابه (بلادنا فلسطين) الجزء الثالث، صفحة 461: نجيب السعد ابن المرحوم سعد باشا العلي وجيه عشيرة البطاينة في قرية البارحة، اشترك في حروب طرابلس الغرب عام 1912، ضد الطليان، وكثيراً ما خاض المعارك مع أحمد الشريف. جرح مرتين واستشهد في الثالثة، وحزن عليه الشعب الليبي حزناً شديداً، وترك في بلاد المغرب العربي ذكراً خالداً .


وقال يعقوب العودات (البدوي الملثم) في كتابه (القافلة المنسية) صفحة (96- 99) نقلاً عن مذكرات شكيب أرسلان، ما يلي: لم يحزن السيد احمد الشريف على أحد حزنه على نجيب الحوراني لباهر شجاعته وإخلاصه .


وعندما انتقل أحمد الشريف إلى الجبل الأخضر، لم يقطع شكيب بالرسائل، وفي كل رسالة كان يترحم على رفيق سلاحه ودربه الجهادي الشهيد نجيب، يقول شكيب عن هذه الرسائل: وكان السيد أحمد الشريف يكتب لي من الجبل الأخضر، وهو وافر الثناء عليه وهو اليوم دائم الترحيم عليه، والشهيد المذكور هو نجيب بك بن الشيخ سعد العلي من مشايخ بلاد عجلون ترك في بلاد الغرب (المغرب العربي، ليبيا، ذكراً خالداً).. .


وظل اسم (نجيب الحوراني) من ألمع الأسماء بين أولئك القادمين من بلاد الشام أو العراق، يقول الدكتور سعد أبو دية: ... وحدثني الدكتور عارف البطاينة أن هناك ضريح شخص من اليمن إلى جانب ضريح نجيب، وقرأت في كتاب الاستاذ الفرنسي (جورج ريمون) الذي ألقى الضوء على الزعماء والمناضلين العرب والأتراك ونشير هنا إلى أن قيادة الثورة الليبية وجهت دعوة رسمية لمعالي الدكتور عارف البطاينة شقيق الشهيد نجيب، وقام بزيارة (مسوس)، وقابل مختار القرية وحدثه عن قصة استشهاد أخيه والأثر البالغ الذي تركه في نفوس الناس، إذ أصبحوا يضربون المثل بالحزن عليه ويقولون هناك: أنت تبكين على فلان وكأنه نجيب .


وكرّمت الحكومة الليبية الشهيد نجيب بتسمية شوارع رئيسة في طرابلس وفي بنغازي باسمه، وتشير إلى الاسمجيب الحوراني).


بعد استشهاد نجيب، خاض المجاهدون معركة في منطقة (الأبيار) وأطلق عليها اسم معركة الثأر للشهيد نجيب الحوراني، وبعد هذه المعركة توقفت المعارك لمدة طويلة، أما قائد الثورة والمقاومة الليبية أحمد الشريف، فقد ذهب إلى استانبول واستقر فيها مدة طويلة، وأخيراً نزح عن تركيا واستقر في الحجاز، وفي سنة 1933م توفي في المدينة المنورة.


بعد خمسين عاماً فايزة السنوسي تلتقي بأهلها


شاءت ظروف الجهاد المقدس أن يرحل نجيب إلى ليبيا لمواصلة المهمة النضالية ويترك زوجته السيدة فايزة عبد الله السنوسي في البارحة، ويستشهد وتبقى هي في البارحة ولتتزوج في وقت لاحق من الشيخ عقلة نصيرات وتنجب أولاداً ومنهم شايش وفيصل.


كان شايش عقلة نصيرات ضابطاً في الجيش العربي الأردني، وخلال وجوده في معسكر الزرقاء يتلقى هاتفاً غريباً من القاهرة، وكان المتحدث معه الشريف أحمد الهوني وزير المواصلات في حكومة العهد الملكي عام 1965م، ويكون الشريف الهوني ابن شقيقة السيدة فايزة السنوسي، وبدأ التعارف على الهاتف، وبعد ذلك يسافر الضابط شايش ووالدته إلى ليبيا وتلتقي بأهلها بعد غياب دام أكثر من خمسين عاماً، ويساهم المرحوم الشريف ناصر بن جميل بتسهيل مهمة سفر شايش ووالدته بمنحه إجازة طويلة ليتعرف على أخواله، ولتعيد (فايزة) ذكريات الماضي، وتزور ضريح زوجها الأول في مسوس.


أما أصل الحكاية فيرويها شايش إلى الدكتور سعد أبو دية، وكانت على الوجه التالي:

كان هناك اجتماع في الجامعة العربية للقيادة العربية الموحدة، وفي هذا الاجتماع التقى الشريف أحمد الهوني مع الضباط الأردنيين: فهد جرادات ويوسف كعوش، وعلي القضاة، وبواسطة الضابط فهد جرادات تم الاتصال فوراً مع شايش في معسكر الزرقاء، وشرح له ظروف والدته ورغبتها بالتعرف على أهلها، فتم تنظيم الزيارة، وقابلوا الملك ادريس السنوسي، ثم قاموا بزيارة (مسوس) وتعرفوا على ظروف استشهاد نجيب، وكانت الزيارة عام 1965م، وبقي (فيصل) مدة طويلة في ليبيا.


وفي المقابل تمت دعوة الشريف أحمد الهوني إلى الأردن، ومكث فترة طاف فيها الضفتين، وكان بضيافة أبناء الشيخ عقلة نصيرات، وأبناء الشيخ سعد العلي البطاينة، وفي 24 تشرين الأول سنة 1975 انتقلت السيدة فايزة السنوسي إلى رحاب الرفيق الأعلى بعد أن قضت في الأردن ستين عاماً منذ قدومها الأول عام 1914م مع زوجها الأول نجيب.

وشاءت الأقدار أن تموت الليبية في الأردن وتدفن في ربوعها، ويموت الأردني في ليبيا ويدفن في ربوعها، وبالقرب من جبلها الأخضر.. وبهذا يكون نجيب البطاينة أول الشهداء العرب على الأرض الليبية
 
تحياتي أخي الغالي معمر على مرورك على الموضع ان شاء استفد منه
 
عودة
أعلى