#شعب_واحد_بين_بلدين
وبعدما عاد سمير غطاس وزاد في الشأن الليبي، وألقى على الدولة المصرية اتهامات ليس لها ذنب فيها، أصبح لزاما علينا في هذه اللحظات الدقيقة من عمر الاقليم بالكامل أن نناقش الشأن الليبي بكل صراحة، ونتناول بوضوح أسباب الأزمة الأخيرة تاريخيا وديموغرافيا وجغرافيا، وهو ما انعكس على العلاقات الاقتصادية والسياسية الحالية، خاصة وأننا نعيش مرحلة كان التاريخ هو السبب الرئيسي في أزماتها، ولأن علاج هذه الأزمات يتم بمعزل عن الجذور التاريخية، نادرا ما تكلل خطة أو معالجة لهذه الشئون بالنجاح، رغم مرور تسعة أعوام من الخراب لجميع الأطراف!
تتشابه ليبيا مع السودان في وحدة التاريخ (المصري) لكلا البلدين، وهي أزمة قد تبدو فريدة عالميا ولا تتكرر في أي مكان آخر، أبرز دلائل هذه الأزمة ربما يتمثل في أن أقدم رمز ليبي بنيت عليه الدولة الليبية الحديثة مناهجها التاريخية كان المجاهد الشهيد عمر المختار، من الصعب أن تحصل على رمز ليبي أقدم منه ولا أن تجد دليل على وجود مجتمع ليبي متطور ومستقل قبله أيضا!
وكما كانت الطرق الصوفية هي الرابط الشعبي بين مصر والسودان، لعبت الصوفية الدور ذاته بين مصر وليبيا، وخاصة أتباع الطريقة الادريسية والسنوسية، وهي طرق قديمة يتناثر أتباعها بين ليبيا ومصر والسودان والمغرب العربي، ومنها خرجت العائلة السنوسية الحاكمة، أول أسرة حكمت ليبيا بعد استقلالها من الاحتلالين العثماني والايطالي على التوالي!
ولا أدل على ذلك من ولادة الدولة الليبية في مصر، وكانت عاصمتها بني غازي، الامتداد الطبيعي والديموغرافي لمطروح والسلوم، بداية منذ معسكرات تدريب المجاهدين في الجيزة ومطروح والاسكندرية، مرورا بالرعاية المصرية للمفاوضات، وليس انتهاءا باحتضان مصر للملك الليبي الأول سواء كان ذلك في حكمه، أو كضيف عزيز على أراضيها بعد ثورة الفاتح من سبتمبر، وحتى وفاته أوائل الثمانينات، بل إن هذا الملك قد تزوج من امرأة مصرية وشهد على عقد القران الرئيس المصري جمال عبد الناصر شخصيا!
بدأت ليبيا في عهد القذافي تسلك مسلكا تخالف فيه مصر لأي سبب ولأتفه سبب، وكانت أولى قراراته نقل عاصمة الدولة من بني غازي إلى طرابلس، وكما اختار الملك السنوسي بني غازي مخالفا للعهدين العثماني والايطالي، فعلها معمر القذافي هربا من الطابع (المصري) للدولة الوليدة، كانت لديه سنة الاختلاف عن مصر في كل شئ، بداية من الطابع المغاربي الذي حرص على اضفاءه على شعب ليبيا، مرورا بنقل العاصمة ومختلف مؤسسات الدولة إلى الحضن التونسي الجزائري، انتهاءا بالمغامرات الافريقية غير المحسوبة في نهاية عهده!
ولكن مصر لم تعر صبيانية القذافي اهتماما، وتعاملت مع الشعب الليبي والوطن الليبي كأخ أصغر، يهمها سلامته قبل هدايته، واستقراره أكثر من انفلاته وضياعه، وهو ما أتاح العديد من المميزات الاقتصادية للمصريين العاملين في ليبيا، غير أنه لم يعد على مصر بأي نفع أو استثمار ليبي ملموس، اللهم إلا بعض المزايا الاقتصادية التي اعطاها لقبائل مطروح، وكان هدفه منها زرع (مسمار جحا) في الغرب المصري أكثر من الاحسان إلى قبائل مصرية ذات أصول ليبية!
ورغم المصير المأساوي الذي انتهى به القذافي، إلا أنه كان نهاية منطقية لمغامرة كبرى حاول فيها الرجل الانسلاخ من التاريخ والجغرافيا والمجتمع، والارتماء في أحضان أعدائه وأعداء دولته من قطريين وأتراك وايرانيين، فلا عجب من نهاية كتلك، لرجل كان هؤلاء هم أقرب أصدقائه في أيامه الأخيرة!
قولا واحدا، لم تتعامل مصر مع ليبيا أو غيرها بمنطق المنافع الاقتصادية المباشرة، ولا كانت على خلاف يوما ما مع قبائل الغرب، ولكنها خطيئة القذافي الكبرى، والتي تمثلت نتائجها في نظرة كثيرين من الشباب الليبي إلى مصر وكأنها العدو الذي يرقب السقوط الليبي للانقضاض على خيراتهم، وهو أمر لا أصل له ولا أساس من الصحة، وربما يقود الدولة الليبية كلها إلى مصير مشابه لمصير القذافي!
الأزمة في ليبيا اليوم عسكريا تتمثل في أن القوى البشرية للطرفين غير قادرة على الحسم العسكري اللازم، لا علاقة لها بمصر ولا بموقفها من الأحداث، فالسيطرة على عاصمة مثل طرابلس يحتاج إلى قوات مشاة لا تتوافر لدى الفريقين، خاصة أن حرب الشوارع والمدن تتطلب مقاتلين مدربين بشكل قد لا يتوافر لدى قوات حفتر لظروف عديدة!
أزمة تكمن في تزاوج تراث القذافي الفكري مع الفكر الاخواني القذر، في مباركة الطبيعة القبلية والظروف المناخية والجغرافية القاسية، لتصنع لنا هذه المشكلة، وطن طائش لم يصل بعد إلى الرشد السياسي، و(رجال) يرحبون بغزو بلادهم لكي لا تقع فريسة في يد المصريين!
ويعلم الله، أن مصر لو أرادت ذلك ما منعها شئ، ولا أزعجها أحد في ذلك، بل إن الكثيرين لا يعلمون بأن الرئيس السادات في سبعينيات القرن الماضي قد قام بحملة عسكرية (حرب الأيام الأربعة) لتأديب القذافي، ولولا تدخل الرئيس الجزائري هواري بومدين للصلح، لما توقفت هذه الحملة، ولكنه الشرف والأمانة والأخلاق المصرية التي خفضت لليبيا جناح الذل من الرحمة وقتها، ثم ساهمت اليوم في حل الأزمة دون انحياز لطرف على آخر، وهو أمر تعجبت منها مختلف القبائل الليبية أثناء مختلف جلسات الحوار التي استضافتها القاهرة عدة مرات خلال السنوات الماضية!
إن محاولة سلخ مصر من الشأن الليبي لهي محاولة صبيانية لا تخلو من المراهقة السياسية، ومصيرها الفشل التام والكامل، فلا مصر تملك ذلك ولا ليبيا أيضا، لا يعرف التاريخ نهر يملك تغييرا لمجراه!
لا الملايين الخمسة عشر من المصريين ذوي الاصول الليبية، والمتواجدين في كل محافظة مصرية يقبلون ذلك، ولا مطروح والسلوم وبني غازي يقبلون ذلك، ولا السنوات الطويلة التي احتضنت فيها مصر هذا الوطن الشقيق ستقبل أيضا!
منقول
وبعدما عاد سمير غطاس وزاد في الشأن الليبي، وألقى على الدولة المصرية اتهامات ليس لها ذنب فيها، أصبح لزاما علينا في هذه اللحظات الدقيقة من عمر الاقليم بالكامل أن نناقش الشأن الليبي بكل صراحة، ونتناول بوضوح أسباب الأزمة الأخيرة تاريخيا وديموغرافيا وجغرافيا، وهو ما انعكس على العلاقات الاقتصادية والسياسية الحالية، خاصة وأننا نعيش مرحلة كان التاريخ هو السبب الرئيسي في أزماتها، ولأن علاج هذه الأزمات يتم بمعزل عن الجذور التاريخية، نادرا ما تكلل خطة أو معالجة لهذه الشئون بالنجاح، رغم مرور تسعة أعوام من الخراب لجميع الأطراف!
تتشابه ليبيا مع السودان في وحدة التاريخ (المصري) لكلا البلدين، وهي أزمة قد تبدو فريدة عالميا ولا تتكرر في أي مكان آخر، أبرز دلائل هذه الأزمة ربما يتمثل في أن أقدم رمز ليبي بنيت عليه الدولة الليبية الحديثة مناهجها التاريخية كان المجاهد الشهيد عمر المختار، من الصعب أن تحصل على رمز ليبي أقدم منه ولا أن تجد دليل على وجود مجتمع ليبي متطور ومستقل قبله أيضا!
وكما كانت الطرق الصوفية هي الرابط الشعبي بين مصر والسودان، لعبت الصوفية الدور ذاته بين مصر وليبيا، وخاصة أتباع الطريقة الادريسية والسنوسية، وهي طرق قديمة يتناثر أتباعها بين ليبيا ومصر والسودان والمغرب العربي، ومنها خرجت العائلة السنوسية الحاكمة، أول أسرة حكمت ليبيا بعد استقلالها من الاحتلالين العثماني والايطالي على التوالي!
ولا أدل على ذلك من ولادة الدولة الليبية في مصر، وكانت عاصمتها بني غازي، الامتداد الطبيعي والديموغرافي لمطروح والسلوم، بداية منذ معسكرات تدريب المجاهدين في الجيزة ومطروح والاسكندرية، مرورا بالرعاية المصرية للمفاوضات، وليس انتهاءا باحتضان مصر للملك الليبي الأول سواء كان ذلك في حكمه، أو كضيف عزيز على أراضيها بعد ثورة الفاتح من سبتمبر، وحتى وفاته أوائل الثمانينات، بل إن هذا الملك قد تزوج من امرأة مصرية وشهد على عقد القران الرئيس المصري جمال عبد الناصر شخصيا!
بدأت ليبيا في عهد القذافي تسلك مسلكا تخالف فيه مصر لأي سبب ولأتفه سبب، وكانت أولى قراراته نقل عاصمة الدولة من بني غازي إلى طرابلس، وكما اختار الملك السنوسي بني غازي مخالفا للعهدين العثماني والايطالي، فعلها معمر القذافي هربا من الطابع (المصري) للدولة الوليدة، كانت لديه سنة الاختلاف عن مصر في كل شئ، بداية من الطابع المغاربي الذي حرص على اضفاءه على شعب ليبيا، مرورا بنقل العاصمة ومختلف مؤسسات الدولة إلى الحضن التونسي الجزائري، انتهاءا بالمغامرات الافريقية غير المحسوبة في نهاية عهده!
ولكن مصر لم تعر صبيانية القذافي اهتماما، وتعاملت مع الشعب الليبي والوطن الليبي كأخ أصغر، يهمها سلامته قبل هدايته، واستقراره أكثر من انفلاته وضياعه، وهو ما أتاح العديد من المميزات الاقتصادية للمصريين العاملين في ليبيا، غير أنه لم يعد على مصر بأي نفع أو استثمار ليبي ملموس، اللهم إلا بعض المزايا الاقتصادية التي اعطاها لقبائل مطروح، وكان هدفه منها زرع (مسمار جحا) في الغرب المصري أكثر من الاحسان إلى قبائل مصرية ذات أصول ليبية!
ورغم المصير المأساوي الذي انتهى به القذافي، إلا أنه كان نهاية منطقية لمغامرة كبرى حاول فيها الرجل الانسلاخ من التاريخ والجغرافيا والمجتمع، والارتماء في أحضان أعدائه وأعداء دولته من قطريين وأتراك وايرانيين، فلا عجب من نهاية كتلك، لرجل كان هؤلاء هم أقرب أصدقائه في أيامه الأخيرة!
قولا واحدا، لم تتعامل مصر مع ليبيا أو غيرها بمنطق المنافع الاقتصادية المباشرة، ولا كانت على خلاف يوما ما مع قبائل الغرب، ولكنها خطيئة القذافي الكبرى، والتي تمثلت نتائجها في نظرة كثيرين من الشباب الليبي إلى مصر وكأنها العدو الذي يرقب السقوط الليبي للانقضاض على خيراتهم، وهو أمر لا أصل له ولا أساس من الصحة، وربما يقود الدولة الليبية كلها إلى مصير مشابه لمصير القذافي!
الأزمة في ليبيا اليوم عسكريا تتمثل في أن القوى البشرية للطرفين غير قادرة على الحسم العسكري اللازم، لا علاقة لها بمصر ولا بموقفها من الأحداث، فالسيطرة على عاصمة مثل طرابلس يحتاج إلى قوات مشاة لا تتوافر لدى الفريقين، خاصة أن حرب الشوارع والمدن تتطلب مقاتلين مدربين بشكل قد لا يتوافر لدى قوات حفتر لظروف عديدة!
أزمة تكمن في تزاوج تراث القذافي الفكري مع الفكر الاخواني القذر، في مباركة الطبيعة القبلية والظروف المناخية والجغرافية القاسية، لتصنع لنا هذه المشكلة، وطن طائش لم يصل بعد إلى الرشد السياسي، و(رجال) يرحبون بغزو بلادهم لكي لا تقع فريسة في يد المصريين!
ويعلم الله، أن مصر لو أرادت ذلك ما منعها شئ، ولا أزعجها أحد في ذلك، بل إن الكثيرين لا يعلمون بأن الرئيس السادات في سبعينيات القرن الماضي قد قام بحملة عسكرية (حرب الأيام الأربعة) لتأديب القذافي، ولولا تدخل الرئيس الجزائري هواري بومدين للصلح، لما توقفت هذه الحملة، ولكنه الشرف والأمانة والأخلاق المصرية التي خفضت لليبيا جناح الذل من الرحمة وقتها، ثم ساهمت اليوم في حل الأزمة دون انحياز لطرف على آخر، وهو أمر تعجبت منها مختلف القبائل الليبية أثناء مختلف جلسات الحوار التي استضافتها القاهرة عدة مرات خلال السنوات الماضية!
إن محاولة سلخ مصر من الشأن الليبي لهي محاولة صبيانية لا تخلو من المراهقة السياسية، ومصيرها الفشل التام والكامل، فلا مصر تملك ذلك ولا ليبيا أيضا، لا يعرف التاريخ نهر يملك تغييرا لمجراه!
لا الملايين الخمسة عشر من المصريين ذوي الاصول الليبية، والمتواجدين في كل محافظة مصرية يقبلون ذلك، ولا مطروح والسلوم وبني غازي يقبلون ذلك، ولا السنوات الطويلة التي احتضنت فيها مصر هذا الوطن الشقيق ستقبل أيضا!
منقول