مع صيف عام 1485م، بدأ العثمانيون في الإغارة على سوريا، وأرسل السلطان قايتباي حملة عسكرية إلى الشام بقيادة سيف الدين أزبك. وتلقى العثمانيين الهزيمة العسكرية الأولى أمام المصريين في الشام في موقعة أضنة، يوم 9 فبراير/شباط، عام 1486م، ولما أرسل السلطان بايزيد الثاني تعزيزات جديدة، هزم العثمانيين مجدداً في موقعة أضنة الثانية، يوم 15 مارس/آذار، عام 1486م، لتنتهي الحرب المصرية العثمانية الأولى. وكان وقع الانتصار المصري عظمياً وتم أسر عدد من القادة العثمانيين الكبار على رأسهم أحمد بك بن الهرسك، الذي شغل عقب عودته من الأسر منصب الصدر الأعظم في الدولة العثمانية خمس مرات متفرقة. وعاد الجيش إلى القاهرة وسط تهليل الشعب المصري حيث كان الأسرى من الأمراء العثمانيين والإنكشارية مربوطين بحبال من رقابهم. لم ييأس العثمانيون، وأشعل بايزيد الحرب الثانية عام 1487م، ولكن هذه المرة إلى الإمارات التركمانية المتحالفة مع مصر من أجل تقليم أظافرها والحد من النفوذ المصري في الأناضول وتعمد الجيش العثماني تجنّب خوض أي معارك عسكرية مع الجيش المصري وانتهت الحرب دون نتيجة حاسمة. ثم أتت بداية عام 1488م، حيث وصل للقاهرة أخبار أنّ العثمانيين أرسلوا جيشاً إلى حلب بقيادة بايزيد الثاني، وجرت معركة أضنة الثالثة وكان النصر للجيش المصري في أغسطس/آب، عام 1488م، بعد أن حاصر الجيش المصري نظيره العثماني في أضنة، ثلاثة شهور قبل أن يستسلم ويتفاوض على الانسحاب ويظفر به ويتم أسر العديد منهم إلى القاهرة.
وفي عام 1490م، أشعل بايزيد الحرب المصرية العثمانية الرابعة، ورغم أنّ العثمانيين هم من بدأ المعارك إلا أنّ تخوفهم من شنّ القوى الأوروبية حملة صليبية على الأناضول على ضوء انشغال الجيش بمحاربة مصر وسوريا قد أدى إلى المبادرة العثمانية بسرعة عقد معاهدة سياسية بين البلدين وبالفعل أبرمت في مايو/أيّار، عام 1491م. ولم تكن مخاوف العثمانيين من أوروبا مبالغاً بها، حيث اعتبرت أوروبا اسقاط العثمانيين للإمبراطورية البيزنطية وتقدم الجيوش العثمانية في البلقان بمثابة جرس إنذار لمحاولات العثمانيين اجتياح شرق ووسط أوروبا، وهو ما فعله العثمانيين بالفعل عقب احتلالهم لمصر. ويعود الفضل الأول لصمود مصر في تلك الجولات الأربع إلى السلطان الأشرف قايتباي، الذي بنى القلاع في الإسكندرية ودمشق والحجاز والقدس ولا تزال قلعه قايتباي من أهم معالم الإسكندرية، كما شيد المدرسة الأشرفية بالمسجد الأقصى وأعاد بناء المسجد النبوي مرتين. هكذا فشل السلطان بايزيد الثاني، خان الدولة العثمانية، في غزو سوريا أربع مرات أمام جيوش مصر وسوريا بقيادة السلطان قايتباي. كانت نتيجة التنافس كارثية بالنسبة للأندلس، التي كانت وقتذاك تخوض معاركها الأخيرة، وترسل الاستغاثة الواحدة تلو الأخرى لمصر والدولة العثمانية، دون جدوى.
التحالف المصري العثماني ضد البرتغال
بدأت البرتغال، التي نهضت على أنقاض الأندلس، بغارات بحرية على سواحل شمال إفريقيا، ولم تتنبه القاهرة للحملات الصليبية البحرية البرتغالية إلا عام 1502م، حينما بدأت البرتغال تدخل عبر مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر، فاستولوا على الحبشة ثم هاجمت سفنهم سواحل مصر والحجاز وحاولوا كسب تعاطف باقي أوروبا معهم بإكساب حملتهم على دولة المماليك بعداً صليبياً، حيث أعلنوا أن هدفهم الرئيسي هو الأراضي المقدسة في مكة والمدينة. تصدّى السلطان قانصوه الغوري للإمبراطورية البرتغالية في سعيها للسيطرة على البحر الأحمر، لتبدأ الحرب المصرية البرتغالية (1505م – 1517م)، نجحت فيها البحرية المصرية في طرد السفن البرتغالية من البحر الأحمر والاحتفاظ به كبحيرة مصرية مغلقة، ونجح المماليك بحماية مصر والحجاز خاصة مكة والمدينة المنورة وجدة، من خطر الاستعمار البرتغالي. ولم يكن موقفهم دفاعياً فحسب، بل تقدمت سفن البحرية المصرية وهاجمت القلاع البرتغالية على سواحل اليمن وعمان وإيران وشرق أفريقيا عبر مضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان، وصولاً إلى المحيط الهندي أمام السواحل الهندية، ثم طورت هجومها باتجاه المستعمرات البرتغالية في الهند وهزموا البرتغاليين بالفعل في معركة شاول (معركة شاول الأولى) في مارس/آذار، عام 1508م، مصر وسلطنة كجرات المسلمة (1407 – 1573) في الهند، هزما الأسطول البرتغالي في المحيط الهندي على سواحل الهند.
الانتصار المصري على البرتغال يفنّد المزاعم العثمانية التي يرددها المؤرخين دون تدقيق بأن سلطات المماليك في سنواتهم الأخيرة كانت ضعيفة، لأن أحداث التاريخ تثبت عكس ذلك، حيث كانوا حتى يومهم الأخير خطّ الدفاع الأول. ويلاحظ أنّ مستعمرة الهند البرتغالية قد تأسست عام 1505م، وفور تأسيسها اندلعت الحرب المصرية البرتغالية، ورغم الانتصار المصري التاريخي على البرتغال قبالة سواحل الهند في المحيط الهندي، إلا أن قوة البرتغال في الهند ظلت قائمة. فهم السلطان قانصوه الغوري هذه الحقيقة، فطالب بإمدادات ومساعدات بحرية وعسكرية من الدولة العثمانية وجمهورية البندقية الإيطالية وجمهورية راجوزا (جزء من كرواتيا اليوم)، وسلطنة كاليكوت الهندية، وبالإضافة إلى سلطنة كجرات المسلمة الهندية، وخاض فريق التحالف هذا معركة ديو (معركة شاول الثانية) في 3 فبراير/شباط عام 1509م، إلا أن مصر وحلفاءها هزموا في هذه المعركة التي فتحت الباب أمام الاستعمار البرتغالي للتمدد في افريقيا والهند لسنوات طويلة. خسرت مصر في هذه الحرب أسطولاها البحري كاملاً، حيث غرق في المحيط الهندي. وعلى ضوء هزيمة مصر في الهند طمع إسماعيل شاه الصفوي حاكم الدولة الفارسية وسليم الأول حاكم الدولة العثمانية في مصر، وتقابل شاه الفرس وخان العثمانيين في معركة عسكرية، وتلقى الفرس هزيمة قاسية من العثمانيين الذين سارعوا بجيوشهم إلى حلب.
وفي مدينة مرج دابق السورية في 24 أغسطس/آب، عام 1516م، تلقت دولة المماليك الهزيمة الأولى أمام العثمانيين حيث خسروا سوريا، ثم موقعة خان يونس يوم 28 أكتوبر/تشرين الثاني، 1516م في فلسطين، ودخل العثمانيون القدس في 30 ديسمبر/كانون الأول، عام 1516م. وفي 22 يناير/كانون الثاني، عام 1517م، وقعت معركة الريدانية بالقرب من منطقة العباسية اليوم وكانت هذه المنطقة خارج العاصمة المصرية القاهرة، وهزم الجيش المصري أمام الجيش العثماني قبل أن يدخل سليم الأول القاهرة في 26 يناير 1517 لتسقط دولة المماليك، وانتقلت لأول مرة عاصمة العالم الإسلامي خارج العالم العربي. هكذا طوى التاريخ صفحة هامة شهدت سلسلة من السلاطين المماليك العظماء الذين دافعوا عن المنطقة بأكملها أمام غزوات التتار والصليبين ثم البرتغاليين، ما بين القرن الثالث عشر والسادس عشر، وظلت المنطقة عصية على الاستعمار الغربي حتى مجيء القرن التاسع عشر.
وفي عام 1490م، أشعل بايزيد الحرب المصرية العثمانية الرابعة، ورغم أنّ العثمانيين هم من بدأ المعارك إلا أنّ تخوفهم من شنّ القوى الأوروبية حملة صليبية على الأناضول على ضوء انشغال الجيش بمحاربة مصر وسوريا قد أدى إلى المبادرة العثمانية بسرعة عقد معاهدة سياسية بين البلدين وبالفعل أبرمت في مايو/أيّار، عام 1491م. ولم تكن مخاوف العثمانيين من أوروبا مبالغاً بها، حيث اعتبرت أوروبا اسقاط العثمانيين للإمبراطورية البيزنطية وتقدم الجيوش العثمانية في البلقان بمثابة جرس إنذار لمحاولات العثمانيين اجتياح شرق ووسط أوروبا، وهو ما فعله العثمانيين بالفعل عقب احتلالهم لمصر. ويعود الفضل الأول لصمود مصر في تلك الجولات الأربع إلى السلطان الأشرف قايتباي، الذي بنى القلاع في الإسكندرية ودمشق والحجاز والقدس ولا تزال قلعه قايتباي من أهم معالم الإسكندرية، كما شيد المدرسة الأشرفية بالمسجد الأقصى وأعاد بناء المسجد النبوي مرتين. هكذا فشل السلطان بايزيد الثاني، خان الدولة العثمانية، في غزو سوريا أربع مرات أمام جيوش مصر وسوريا بقيادة السلطان قايتباي. كانت نتيجة التنافس كارثية بالنسبة للأندلس، التي كانت وقتذاك تخوض معاركها الأخيرة، وترسل الاستغاثة الواحدة تلو الأخرى لمصر والدولة العثمانية، دون جدوى.
التحالف المصري العثماني ضد البرتغال
بدأت البرتغال، التي نهضت على أنقاض الأندلس، بغارات بحرية على سواحل شمال إفريقيا، ولم تتنبه القاهرة للحملات الصليبية البحرية البرتغالية إلا عام 1502م، حينما بدأت البرتغال تدخل عبر مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر، فاستولوا على الحبشة ثم هاجمت سفنهم سواحل مصر والحجاز وحاولوا كسب تعاطف باقي أوروبا معهم بإكساب حملتهم على دولة المماليك بعداً صليبياً، حيث أعلنوا أن هدفهم الرئيسي هو الأراضي المقدسة في مكة والمدينة. تصدّى السلطان قانصوه الغوري للإمبراطورية البرتغالية في سعيها للسيطرة على البحر الأحمر، لتبدأ الحرب المصرية البرتغالية (1505م – 1517م)، نجحت فيها البحرية المصرية في طرد السفن البرتغالية من البحر الأحمر والاحتفاظ به كبحيرة مصرية مغلقة، ونجح المماليك بحماية مصر والحجاز خاصة مكة والمدينة المنورة وجدة، من خطر الاستعمار البرتغالي. ولم يكن موقفهم دفاعياً فحسب، بل تقدمت سفن البحرية المصرية وهاجمت القلاع البرتغالية على سواحل اليمن وعمان وإيران وشرق أفريقيا عبر مضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان، وصولاً إلى المحيط الهندي أمام السواحل الهندية، ثم طورت هجومها باتجاه المستعمرات البرتغالية في الهند وهزموا البرتغاليين بالفعل في معركة شاول (معركة شاول الأولى) في مارس/آذار، عام 1508م، مصر وسلطنة كجرات المسلمة (1407 – 1573) في الهند، هزما الأسطول البرتغالي في المحيط الهندي على سواحل الهند.
الانتصار المصري على البرتغال يفنّد المزاعم العثمانية التي يرددها المؤرخين دون تدقيق بأن سلطات المماليك في سنواتهم الأخيرة كانت ضعيفة، لأن أحداث التاريخ تثبت عكس ذلك، حيث كانوا حتى يومهم الأخير خطّ الدفاع الأول. ويلاحظ أنّ مستعمرة الهند البرتغالية قد تأسست عام 1505م، وفور تأسيسها اندلعت الحرب المصرية البرتغالية، ورغم الانتصار المصري التاريخي على البرتغال قبالة سواحل الهند في المحيط الهندي، إلا أن قوة البرتغال في الهند ظلت قائمة. فهم السلطان قانصوه الغوري هذه الحقيقة، فطالب بإمدادات ومساعدات بحرية وعسكرية من الدولة العثمانية وجمهورية البندقية الإيطالية وجمهورية راجوزا (جزء من كرواتيا اليوم)، وسلطنة كاليكوت الهندية، وبالإضافة إلى سلطنة كجرات المسلمة الهندية، وخاض فريق التحالف هذا معركة ديو (معركة شاول الثانية) في 3 فبراير/شباط عام 1509م، إلا أن مصر وحلفاءها هزموا في هذه المعركة التي فتحت الباب أمام الاستعمار البرتغالي للتمدد في افريقيا والهند لسنوات طويلة. خسرت مصر في هذه الحرب أسطولاها البحري كاملاً، حيث غرق في المحيط الهندي. وعلى ضوء هزيمة مصر في الهند طمع إسماعيل شاه الصفوي حاكم الدولة الفارسية وسليم الأول حاكم الدولة العثمانية في مصر، وتقابل شاه الفرس وخان العثمانيين في معركة عسكرية، وتلقى الفرس هزيمة قاسية من العثمانيين الذين سارعوا بجيوشهم إلى حلب.
وفي مدينة مرج دابق السورية في 24 أغسطس/آب، عام 1516م، تلقت دولة المماليك الهزيمة الأولى أمام العثمانيين حيث خسروا سوريا، ثم موقعة خان يونس يوم 28 أكتوبر/تشرين الثاني، 1516م في فلسطين، ودخل العثمانيون القدس في 30 ديسمبر/كانون الأول، عام 1516م. وفي 22 يناير/كانون الثاني، عام 1517م، وقعت معركة الريدانية بالقرب من منطقة العباسية اليوم وكانت هذه المنطقة خارج العاصمة المصرية القاهرة، وهزم الجيش المصري أمام الجيش العثماني قبل أن يدخل سليم الأول القاهرة في 26 يناير 1517 لتسقط دولة المماليك، وانتقلت لأول مرة عاصمة العالم الإسلامي خارج العالم العربي. هكذا طوى التاريخ صفحة هامة شهدت سلسلة من السلاطين المماليك العظماء الذين دافعوا عن المنطقة بأكملها أمام غزوات التتار والصليبين ثم البرتغاليين، ما بين القرن الثالث عشر والسادس عشر، وظلت المنطقة عصية على الاستعمار الغربي حتى مجيء القرن التاسع عشر.