يحيط الكثير من الغموض الجبهة السورية فى حرب أكتوبر، ف-يوجد شح شديد فى المصادر التى تحدثت عن ما حدث في هذه الجبهة التى كانت تشكل مع الجبهة المصرية ميدان عمليات واحد لأضخم مواجهة عسكرية حدثت بين العرب واسرائيل، ويزيد من صعوبة المحاولات التى تجرى من أجل الوصول للحقيقة تلك الطريقة التى تدون و تحفظ بها أحداثنا الهامة، والسرية، والغموض الذى يحيط بها، ولعل نهاية الإنتصارات الأولية سريعاً وسلسلة الهزائم المتتالية التى منى بها الجيش السورى قد جعلت الكثير من المؤرخين، والعسكريين العرب يجحموا عن الحديث عنها، فيضطر الباحثون عن الحقيقة إلى الإعتماد على المصادر الأجنبية لمعرفة ما جرى على أرض بلادهم، بما يشمل ذلك من أخطار.
دخلت سوريا حرب أكتوبر لتحرير أراضيها التى احتلتها اسرائيل فى حرب عام 1967، حيث احتلت اسرائيل مرتفعات الجولان بدون قتال فعلى بعد إنسحاب القوات السورية، ومن العجيب أن رئيس سوريا فى حرب أكتوبر 1973 هو نفسه وزير الدفاع فى حرب 1967 والذى أعلن سقوط مدينة القنيطرة عاصمة الجولان فى يد اسرائيل رغم عدم إقتراب أية قوة إسرائيلة منها مما تسبب فى انهيار القوات السورية المدافعة وانسحابها بعد أن تركت معداتها وأسلحتها.
أقامت اسرائيل سلسلة من التحصينات الهندسية والموانع الميدانية والنقط الدفاعية وخندق مضاد للدبابات بطول الجبهة، كما أنشات مستوطانتها فى الجولان وفق مخطط دفاعى يضمن التعاون فيما بينهم بالنيران، وتحيط بها حقول الالغام، والاسلاك الشائكة، والخنادق.
اعتمدت الخطة السورية على قدرة القوات السورية على الاستيلاء على كامل الجولان والوصول الى نهر الأردن فى أول يومين للحرب ثم الإستعداد لصد الهجوم الاسرائيلى المضاد وذلك قبل أن تستطيع اسرائيل تعبئة قواتها الإحتياطية.
تم تنسيق خطة حرب مشتركة على الجبهتين بفضل وجود القيادة الإتحادية للجيشين المصرى والسورى، وتم تنظيم عملية التعاون بين القيادتين، حيث بدأ الهجوم السورى فى نفس توقيت الهجوم المصرىي وبنفس الكيفية، هجوم جوى بقوة مائة طائرة ميج وسوخوى، وتمهيد مدفعى ضخم بأكثر من ألف مدفع، وراجمة صواريخ، وابرارجوى لقوات المغاوير السورية على مرصد جبل الشيخ الاستراتيجى و التى استطاعت الاستيلاء على المرصد بعد معركة لم تتجاوز نصف ساعة، ثم بدات القوات البرية السورية الهجوم.
لكن السوريين خانو المصريين ورفضو ضرب المطارات
قام الهجوم السورى على ثلاثة محاور:
• الفرقة السابعة تهاجم شمالاً فى اتجاه شمال القنيطرة • الفرقة التاسعة تهاجم فى الوسط فى اتجاه جنوب القنيطرة وجسر بنات يعقوب • الفرقة الخامسة تهاجم فى الجنوب فى اتجاه بحيرة طبرية
تقدمت القوات السورية بسرعة عالية فى اتجاه الجولان، فى شكل مجموعات من سبعة إلى عشرة دبابات ترافقها ثلاث ناقلات جند، لتقوم بالالتفاف على المواقع الإسرائيلية الحصينة، والوصول بسرعة إلى مفارق الطرق، ومحاور التحرك الرئيسية للسيطرة عليها قبل وصول قوات الاحتياط الاسرائيلية.
تكبدت الفرقة السابعة السورية خسائر كبيرة بسبب شبكة من حقول الألغام وموانع الدبابات التى واجهتها، ولعبت الفروقات الفنية بين الدبابات الاسرائيلية غربية الصنع مع نظيرتها السورية سوفيتية الصنع دوراً كبيراً فى حدوث خسائر ضخمة فى الدبابات والمدرعات السورية.
كان الوضع على المحور الأوسط والمحور الجنوبى مختلفاً، تم تدمير القوات الإسرائيلية وتم الاستيلاء على مركز القيادة المتقدم فى الجولان، وفى يوم 7 أكتوبر اخترقت القوات السورية المواقع الاسرائيلية في كل القطاعات، وتمكنوا من اختراق الجبهة بعرض 30كم و بعمق من 15 كم إلى 20 كم فى بعض المناطق، وبدأت تتقدم فى اتجاه الطرق التى تربط مرتفعات الجولان ببحيرة طبرية التى لاحت مياهها الزرقاء للجنود السوريين.
لكن ابتعدت القوات السورية عن مدى حماية الدفاع الجوى السورى، وباتت تعانى من نقص الوقود وعدم قدرة قوات المشاة والمدفعية على اللحاق بالدبابات السورية، وأدت الهجمات الجوية الاسرائيلية على دمشق والمواقع المدنية إلى سحب عدد من بطاريات الدفاع الجوى سام6 لحماية العاصمة، واشتبك الطيران السورى والعراقى مع الطيران الاسرائيلى فى معارك كبيرة وكانت الخسائر العربية فادحة.
إزاء هذا الوضع المتأزم لإسرائيل فى الجولان ولعدم أكتمال وصول قوات الاحتياط الإسرائيلى تقرر الاعتماد على سلاح الطيران خلال أيقاف التقدم السريع للقوات المدرعة السورية، ونصح "موردخاى هود" قائد سلاح الطيران الاسرائيلى فى حرب 67 القيادة باستخدام سلاح الطيران فى هيئة تشكيلات مكونة من خمسة طائرات فى موجات متتالية.
نجح هذا التكتيك فى تكبيد القوات السورية خسائر فادحة وفى إيقاف زخم الهجوم السورى، وتكبدت القوات السورية خسائر ضخمة حتى أنها فقدت فى يوم واحد أكثر من 800 دبابة، ولم تكتفى بتوجيه ضرباتها للدبابات السورية فقط، فقد قامت باستهداف قوافل الإمداد والتموين والوقود المتحركة على طريق دمشق الجولان والتى كانت تحمل الوقود والذخائر والمؤن، مما أثر على فعالية الهجوم السورى وقلل من قوة اندفاعه، وقامت ب-هجمات مركزة على مواقع الدفاع الجوى السورى وقامت بتدمير عدد كبير من قواعد صواريخ سام 2 وسام3، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التى منى بها سلاح الجو الاسرائيلى إلا أنه نجح فى وقف زخم الهجوم السورى وأعطى الفرصة لقوات الاحتياط الاسرائيلى للاحتشاد والتجمع أستعداداً للقيام بالهجوم المضاد.
وفى صباح يوم 7 أكتوبر " أى بعد حوالى 20 ساعة فقط من إغلان التعبئة العامة فى "اسرائيل" بدأت تتوافد طلائع قوات الاحتياط الاسرائيلى، وب-حلول مساء نفس اليوم أكتمل وصول غالبية قوات الاحتياط الاسرائيلية إلى الجولان، وبدأت فى الاستعداد للقيام بالهجوم المضاد ضد القوات السورية التى أنهك القصف الجوى قواها.
وفى نفس اليوم أعلن العراق عن اشتراكه فى الحرب و بدأ فى حشد قواته المدرعة لاشتراك فى القتال، وبدأت قوات عراقية ضخمة مشكلة من فرقتين مدرعتين وعدة ألوية مشاة ميكانكية، تضم ما مجموعهم 700 دبابة ومئات من العربات المدرعة فى التحرك إلى خطوط القتال، علاوة على إرسال جزء كبير من القوات الجوية العراقية للاشتراك فى المعركة.
وفى صباح يوم 8 أكتوبر تحول ميزان القوى فى الجولان، بدأت القوات السورية فى التراجع لمواقعها قبل بدء القتال بعد أن تكبدت خسائر فادحة فى المعدات ولأفراد، وبدأت القوات الاسرائيلية فى هجوم مضاد ضخم بقوة ستة ألوية مدرعة بعد إتمام وصول كافة قوات الاحتياط، وبحلول يوم 10 أكتوبر استردت إسرائيل كل الأراضي التى استولى عليها السوريين فى بداية الحرب.
"سيكون هناك طعم ل-سنواتي الستين إذا رأيتك على تلال دمشق" وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان مخاطباً قائد جبهة الجولان
وفى يوم 10 أكتوبر اجتمع مجلس الحرب فى مكتب رئيسة الوزراء جولدا مائير، وخلال الجلسة التى استغرقت 6 ساعات لمناقشة اختيار أى جبهة سيتم تركيز مجهود الجيش الاسرائيلى أمامها. وكان قرار المجلس تركيز المجهود الرئيسى ضد سوريا وذلك لإخراجها من الحرب وحسم القتال فى الجولان قبل اكتمال وصول القوات العراقية، وأكد رئيس الاركان الجنرال أليعازر فى الاجتماع: أنه لا يمكن حسم القتال فى جبهة سيناء فى هذا الوقت لأن المصريون مستحكمون داخل منطقة رؤوس الكبارى فى مواقع دفاعية حصينة، وقد باءت كل الهجمات المضادة ضدهم بالفشل ".
وبحسب ما ذكره الجنرال أليعازر فى مذاكرته كان الهجوم الاسرائيلى على عمق سوريا لا يستهدف اكتساب أراضى جديدة بقدر ما يستهدف تحطيم الجيش السورى، ووضع العاصمة السورية دمشق فى مرمى المدفعية الاسرائيلية، و توجيه تحذير للأردن حتى لا تداعب ذهن الملك حسين أفكار فتح جبهة ثالثة.
ونتيجة لقرار مجلس الحرب الاسرائيلى قامت القوات الجوية الاسرائيلية ب-هجمات جوية عنيفة، ومركزة فى العمق السورى، استهدفت خلالها مبنى وزراة الدفاع ومبنى قيادة القوات الجوية والإذاعة السورية، وعدة أهداف داخل دمشق، واستهدفت الموانئ البحرية ومحطات الكهرباء ومصفاة النفط في حمص و خزانات النفط بطرطوس، واستهدفت كذلك محطة الردارات اللبنانية الواقعة على جبل الباروك لتحرم سوريا من المعلومات التى كانت تزودها بها.
وفى يوم 11 أكتوبر قامت القوات الاسرائيلية بهجوم ضخم فى ثلاث محاور يستهدف الوصول إلى العاصمة دمشق، ونجحت فى اختراق المواقع السورية فيما يعرف ب- "ثغرة سعسع" رغم المقاومة العنيفة لقوات المشاة السورية ووصلت إلى مسافة 40 كم من دمشق، وأنقذ الجبهة السورية من الانهيار وصول طلائع القوات المدرعة العراقية والتى اشتبكت بمجرد وصولها مع القوات الاسرائيلية المتقدمة ونجحت في إيقاف التقدم الاسرائيلى وتثبيته.
وعندما أدرك السوفيت مقدار الانهيار الذى أصاب الجبهة السورية، وما يمكن أن تتعرض له العاصمة دمشق، أذيع تصريح غاضب من الكرملين كان نصه: لن يستطيع الاتحاد السوفيتى البقاء دون اكتراث إزاء الأعمال الإجرامية من الجيش الاسرائيلى.
وقام الاتحاد السوفيتى بتوجيه رسالة إلى القيادة الأمريكية بأنه لن يقف موقف اللامبالاة إزاء التهديد الاسرائيلى لدمشق، وأن الاتحاد السوفيتى قرر أن يأخذ على عاتقه حماية ميناءي اللاذقية وطرطوس، وبالفعل وصلت قطع بحرية سوفيتية لهما وامتنعت القوات الجوية الاسرائيلية عن استهدافهم و كذلك امتنعت عن استهداف مدينة دمشق رغم أنها أصبحت فى مرمى المدفعية الاسرائيلية بعيدة المدى.
وفى يوم 13 أكتوبر انتهت المعارك الرئيسية فى الجبهة السورية وأصبح الوضع القائم هو عودة القوات السورية إلى مواقعها قبل نشوب الحرب بأستثناء المحور الشمالى التى استطاعت القوات الاسرائيلية اختراقه والوصول حتى 40 كم من دمشق.
وشهدت بقية أيام الحرب معارك استنزاف صغيرة من كلا الجانبين لتحسين المواقع الدفاعية، وكذلك استردت القوات الاسرائيلية مرصد جبل الشيخ الاستراتيجى قبل نهاية الحرب.
كانت مفأجاة كبرى لإسرائيل أن تواجه حرباً على جبهتين تفصل بينهم أكثر من 500 كم، كانت بداية الحرب غاية فى الروعة من حيث التنسيق والتوافق مما أربك القيادة الاسرائيلية، لكن تلك البداية المشتركة الناجحة لم تلبث أن تلاشت تدريجياً، حيث انفردت كل قيادة بإدارة عملياتها وفقاً للمواقف والأحداث التى أخذت تواجهها.
بدأت مرحلة الشك والخلاف بين مصر وسوريا منذ الأيام الأولى للحرب، فقد أبلغت سوريا الاتحاد السوفيتى فى يوم 6 أكتوبر، أنه ليس لديها مانع من تقديم مشروع قرار وقف إطلاق النار لمجلس الأمن دون أن تشاور القيادة السياسية فى مصر، وشهدت الأيام الاولى كذلك خلافاً حاداً بين القيادتين بسبب بقاء القوات المصرية مستحكمة فى منطقة روؤس الكبارى وعدم استئناف المرحلة الثانية من الخطة بتطوير الهجوم للاستيلاء على خط المضايق فى وسط سيناء.
وبناءاً على إلحاح السوريين بالقيام بتنفيذ الشق الثانى من خطة الحرب، وفى يوم 12 أكتوبر أصدر الرئيس السادات قراره بتطوير الهجوم للإستيلاء على خط المضايق بغرض تخفيف الضغط على الجبهة السورية رغم معارضة القادة العسكريين المصريين ليتم تطوير الهجوم فى يوم 14 أكتوبر.
فشل تطوير الهجوم المصرى فى اتجاه المضايق وتكبدت القوات المصرية خسائر فادحة فى المعدات والأفراد ولم يؤدى الهجوم المصرى في سيناء لتخفيف الضغط على الجبهة السورية حيث لم تكن اسرائيل تحتاج إلى نقل قوات من جبهة لأخرى
لم تستطيع القوات السورية التمسك والحفاظ على انتصاراتها فى بداية الحرب، وفقدت جزء كبير من قواتها الجوية والبرية، ولم تعد قادرة على القيام بهجمات كبيرة لاسترداد الأراضي التى استولت عليها إسرائيل، وتجديد الهجوم لاستعادة الجولان، خاصة بعد موافقة مصر على قرار وقف إطلاق النار الصادر من مجلس الأمن والتي وافقت عليه سوريا بعد يوم من موافقة مصر، ثم عادت وأستمرت فى حرب استنزاف طويلة ضد إسرائيل حتى قبلت فى النهاية توقيع اتفاقية فصل القوات في 31 مايو 1974 والتى أستعادت بموجبها مدينة القنيطرة، ومن يومها لم تطلق القيادة السورية طلقة واحدة تجاه اسرائيل في الجولان.
دخلت سوريا حرب أكتوبر لتحرير أراضيها التى احتلتها اسرائيل فى حرب عام 1967، حيث احتلت اسرائيل مرتفعات الجولان بدون قتال فعلى بعد إنسحاب القوات السورية، ومن العجيب أن رئيس سوريا فى حرب أكتوبر 1973 هو نفسه وزير الدفاع فى حرب 1967 والذى أعلن سقوط مدينة القنيطرة عاصمة الجولان فى يد اسرائيل رغم عدم إقتراب أية قوة إسرائيلة منها مما تسبب فى انهيار القوات السورية المدافعة وانسحابها بعد أن تركت معداتها وأسلحتها.
أقامت اسرائيل سلسلة من التحصينات الهندسية والموانع الميدانية والنقط الدفاعية وخندق مضاد للدبابات بطول الجبهة، كما أنشات مستوطانتها فى الجولان وفق مخطط دفاعى يضمن التعاون فيما بينهم بالنيران، وتحيط بها حقول الالغام، والاسلاك الشائكة، والخنادق.
اعتمدت الخطة السورية على قدرة القوات السورية على الاستيلاء على كامل الجولان والوصول الى نهر الأردن فى أول يومين للحرب ثم الإستعداد لصد الهجوم الاسرائيلى المضاد وذلك قبل أن تستطيع اسرائيل تعبئة قواتها الإحتياطية.
تم تنسيق خطة حرب مشتركة على الجبهتين بفضل وجود القيادة الإتحادية للجيشين المصرى والسورى، وتم تنظيم عملية التعاون بين القيادتين، حيث بدأ الهجوم السورى فى نفس توقيت الهجوم المصرىي وبنفس الكيفية، هجوم جوى بقوة مائة طائرة ميج وسوخوى، وتمهيد مدفعى ضخم بأكثر من ألف مدفع، وراجمة صواريخ، وابرارجوى لقوات المغاوير السورية على مرصد جبل الشيخ الاستراتيجى و التى استطاعت الاستيلاء على المرصد بعد معركة لم تتجاوز نصف ساعة، ثم بدات القوات البرية السورية الهجوم.
لكن السوريين خانو المصريين ورفضو ضرب المطارات
قام الهجوم السورى على ثلاثة محاور:
• الفرقة السابعة تهاجم شمالاً فى اتجاه شمال القنيطرة • الفرقة التاسعة تهاجم فى الوسط فى اتجاه جنوب القنيطرة وجسر بنات يعقوب • الفرقة الخامسة تهاجم فى الجنوب فى اتجاه بحيرة طبرية
تقدمت القوات السورية بسرعة عالية فى اتجاه الجولان، فى شكل مجموعات من سبعة إلى عشرة دبابات ترافقها ثلاث ناقلات جند، لتقوم بالالتفاف على المواقع الإسرائيلية الحصينة، والوصول بسرعة إلى مفارق الطرق، ومحاور التحرك الرئيسية للسيطرة عليها قبل وصول قوات الاحتياط الاسرائيلية.
تكبدت الفرقة السابعة السورية خسائر كبيرة بسبب شبكة من حقول الألغام وموانع الدبابات التى واجهتها، ولعبت الفروقات الفنية بين الدبابات الاسرائيلية غربية الصنع مع نظيرتها السورية سوفيتية الصنع دوراً كبيراً فى حدوث خسائر ضخمة فى الدبابات والمدرعات السورية.
كان الوضع على المحور الأوسط والمحور الجنوبى مختلفاً، تم تدمير القوات الإسرائيلية وتم الاستيلاء على مركز القيادة المتقدم فى الجولان، وفى يوم 7 أكتوبر اخترقت القوات السورية المواقع الاسرائيلية في كل القطاعات، وتمكنوا من اختراق الجبهة بعرض 30كم و بعمق من 15 كم إلى 20 كم فى بعض المناطق، وبدأت تتقدم فى اتجاه الطرق التى تربط مرتفعات الجولان ببحيرة طبرية التى لاحت مياهها الزرقاء للجنود السوريين.
لكن ابتعدت القوات السورية عن مدى حماية الدفاع الجوى السورى، وباتت تعانى من نقص الوقود وعدم قدرة قوات المشاة والمدفعية على اللحاق بالدبابات السورية، وأدت الهجمات الجوية الاسرائيلية على دمشق والمواقع المدنية إلى سحب عدد من بطاريات الدفاع الجوى سام6 لحماية العاصمة، واشتبك الطيران السورى والعراقى مع الطيران الاسرائيلى فى معارك كبيرة وكانت الخسائر العربية فادحة.
إزاء هذا الوضع المتأزم لإسرائيل فى الجولان ولعدم أكتمال وصول قوات الاحتياط الإسرائيلى تقرر الاعتماد على سلاح الطيران خلال أيقاف التقدم السريع للقوات المدرعة السورية، ونصح "موردخاى هود" قائد سلاح الطيران الاسرائيلى فى حرب 67 القيادة باستخدام سلاح الطيران فى هيئة تشكيلات مكونة من خمسة طائرات فى موجات متتالية.
نجح هذا التكتيك فى تكبيد القوات السورية خسائر فادحة وفى إيقاف زخم الهجوم السورى، وتكبدت القوات السورية خسائر ضخمة حتى أنها فقدت فى يوم واحد أكثر من 800 دبابة، ولم تكتفى بتوجيه ضرباتها للدبابات السورية فقط، فقد قامت باستهداف قوافل الإمداد والتموين والوقود المتحركة على طريق دمشق الجولان والتى كانت تحمل الوقود والذخائر والمؤن، مما أثر على فعالية الهجوم السورى وقلل من قوة اندفاعه، وقامت ب-هجمات مركزة على مواقع الدفاع الجوى السورى وقامت بتدمير عدد كبير من قواعد صواريخ سام 2 وسام3، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التى منى بها سلاح الجو الاسرائيلى إلا أنه نجح فى وقف زخم الهجوم السورى وأعطى الفرصة لقوات الاحتياط الاسرائيلى للاحتشاد والتجمع أستعداداً للقيام بالهجوم المضاد.
وفى صباح يوم 7 أكتوبر " أى بعد حوالى 20 ساعة فقط من إغلان التعبئة العامة فى "اسرائيل" بدأت تتوافد طلائع قوات الاحتياط الاسرائيلى، وب-حلول مساء نفس اليوم أكتمل وصول غالبية قوات الاحتياط الاسرائيلية إلى الجولان، وبدأت فى الاستعداد للقيام بالهجوم المضاد ضد القوات السورية التى أنهك القصف الجوى قواها.
وفى نفس اليوم أعلن العراق عن اشتراكه فى الحرب و بدأ فى حشد قواته المدرعة لاشتراك فى القتال، وبدأت قوات عراقية ضخمة مشكلة من فرقتين مدرعتين وعدة ألوية مشاة ميكانكية، تضم ما مجموعهم 700 دبابة ومئات من العربات المدرعة فى التحرك إلى خطوط القتال، علاوة على إرسال جزء كبير من القوات الجوية العراقية للاشتراك فى المعركة.
وفى صباح يوم 8 أكتوبر تحول ميزان القوى فى الجولان، بدأت القوات السورية فى التراجع لمواقعها قبل بدء القتال بعد أن تكبدت خسائر فادحة فى المعدات ولأفراد، وبدأت القوات الاسرائيلية فى هجوم مضاد ضخم بقوة ستة ألوية مدرعة بعد إتمام وصول كافة قوات الاحتياط، وبحلول يوم 10 أكتوبر استردت إسرائيل كل الأراضي التى استولى عليها السوريين فى بداية الحرب.
"سيكون هناك طعم ل-سنواتي الستين إذا رأيتك على تلال دمشق" وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان مخاطباً قائد جبهة الجولان
وفى يوم 10 أكتوبر اجتمع مجلس الحرب فى مكتب رئيسة الوزراء جولدا مائير، وخلال الجلسة التى استغرقت 6 ساعات لمناقشة اختيار أى جبهة سيتم تركيز مجهود الجيش الاسرائيلى أمامها. وكان قرار المجلس تركيز المجهود الرئيسى ضد سوريا وذلك لإخراجها من الحرب وحسم القتال فى الجولان قبل اكتمال وصول القوات العراقية، وأكد رئيس الاركان الجنرال أليعازر فى الاجتماع: أنه لا يمكن حسم القتال فى جبهة سيناء فى هذا الوقت لأن المصريون مستحكمون داخل منطقة رؤوس الكبارى فى مواقع دفاعية حصينة، وقد باءت كل الهجمات المضادة ضدهم بالفشل ".
وبحسب ما ذكره الجنرال أليعازر فى مذاكرته كان الهجوم الاسرائيلى على عمق سوريا لا يستهدف اكتساب أراضى جديدة بقدر ما يستهدف تحطيم الجيش السورى، ووضع العاصمة السورية دمشق فى مرمى المدفعية الاسرائيلية، و توجيه تحذير للأردن حتى لا تداعب ذهن الملك حسين أفكار فتح جبهة ثالثة.
ونتيجة لقرار مجلس الحرب الاسرائيلى قامت القوات الجوية الاسرائيلية ب-هجمات جوية عنيفة، ومركزة فى العمق السورى، استهدفت خلالها مبنى وزراة الدفاع ومبنى قيادة القوات الجوية والإذاعة السورية، وعدة أهداف داخل دمشق، واستهدفت الموانئ البحرية ومحطات الكهرباء ومصفاة النفط في حمص و خزانات النفط بطرطوس، واستهدفت كذلك محطة الردارات اللبنانية الواقعة على جبل الباروك لتحرم سوريا من المعلومات التى كانت تزودها بها.
وفى يوم 11 أكتوبر قامت القوات الاسرائيلية بهجوم ضخم فى ثلاث محاور يستهدف الوصول إلى العاصمة دمشق، ونجحت فى اختراق المواقع السورية فيما يعرف ب- "ثغرة سعسع" رغم المقاومة العنيفة لقوات المشاة السورية ووصلت إلى مسافة 40 كم من دمشق، وأنقذ الجبهة السورية من الانهيار وصول طلائع القوات المدرعة العراقية والتى اشتبكت بمجرد وصولها مع القوات الاسرائيلية المتقدمة ونجحت في إيقاف التقدم الاسرائيلى وتثبيته.
وعندما أدرك السوفيت مقدار الانهيار الذى أصاب الجبهة السورية، وما يمكن أن تتعرض له العاصمة دمشق، أذيع تصريح غاضب من الكرملين كان نصه: لن يستطيع الاتحاد السوفيتى البقاء دون اكتراث إزاء الأعمال الإجرامية من الجيش الاسرائيلى.
وقام الاتحاد السوفيتى بتوجيه رسالة إلى القيادة الأمريكية بأنه لن يقف موقف اللامبالاة إزاء التهديد الاسرائيلى لدمشق، وأن الاتحاد السوفيتى قرر أن يأخذ على عاتقه حماية ميناءي اللاذقية وطرطوس، وبالفعل وصلت قطع بحرية سوفيتية لهما وامتنعت القوات الجوية الاسرائيلية عن استهدافهم و كذلك امتنعت عن استهداف مدينة دمشق رغم أنها أصبحت فى مرمى المدفعية الاسرائيلية بعيدة المدى.
وفى يوم 13 أكتوبر انتهت المعارك الرئيسية فى الجبهة السورية وأصبح الوضع القائم هو عودة القوات السورية إلى مواقعها قبل نشوب الحرب بأستثناء المحور الشمالى التى استطاعت القوات الاسرائيلية اختراقه والوصول حتى 40 كم من دمشق.
وشهدت بقية أيام الحرب معارك استنزاف صغيرة من كلا الجانبين لتحسين المواقع الدفاعية، وكذلك استردت القوات الاسرائيلية مرصد جبل الشيخ الاستراتيجى قبل نهاية الحرب.
كانت مفأجاة كبرى لإسرائيل أن تواجه حرباً على جبهتين تفصل بينهم أكثر من 500 كم، كانت بداية الحرب غاية فى الروعة من حيث التنسيق والتوافق مما أربك القيادة الاسرائيلية، لكن تلك البداية المشتركة الناجحة لم تلبث أن تلاشت تدريجياً، حيث انفردت كل قيادة بإدارة عملياتها وفقاً للمواقف والأحداث التى أخذت تواجهها.
بدأت مرحلة الشك والخلاف بين مصر وسوريا منذ الأيام الأولى للحرب، فقد أبلغت سوريا الاتحاد السوفيتى فى يوم 6 أكتوبر، أنه ليس لديها مانع من تقديم مشروع قرار وقف إطلاق النار لمجلس الأمن دون أن تشاور القيادة السياسية فى مصر، وشهدت الأيام الاولى كذلك خلافاً حاداً بين القيادتين بسبب بقاء القوات المصرية مستحكمة فى منطقة روؤس الكبارى وعدم استئناف المرحلة الثانية من الخطة بتطوير الهجوم للاستيلاء على خط المضايق فى وسط سيناء.
وبناءاً على إلحاح السوريين بالقيام بتنفيذ الشق الثانى من خطة الحرب، وفى يوم 12 أكتوبر أصدر الرئيس السادات قراره بتطوير الهجوم للإستيلاء على خط المضايق بغرض تخفيف الضغط على الجبهة السورية رغم معارضة القادة العسكريين المصريين ليتم تطوير الهجوم فى يوم 14 أكتوبر.
فشل تطوير الهجوم المصرى فى اتجاه المضايق وتكبدت القوات المصرية خسائر فادحة فى المعدات والأفراد ولم يؤدى الهجوم المصرى في سيناء لتخفيف الضغط على الجبهة السورية حيث لم تكن اسرائيل تحتاج إلى نقل قوات من جبهة لأخرى
لم تستطيع القوات السورية التمسك والحفاظ على انتصاراتها فى بداية الحرب، وفقدت جزء كبير من قواتها الجوية والبرية، ولم تعد قادرة على القيام بهجمات كبيرة لاسترداد الأراضي التى استولت عليها إسرائيل، وتجديد الهجوم لاستعادة الجولان، خاصة بعد موافقة مصر على قرار وقف إطلاق النار الصادر من مجلس الأمن والتي وافقت عليه سوريا بعد يوم من موافقة مصر، ثم عادت وأستمرت فى حرب استنزاف طويلة ضد إسرائيل حتى قبلت فى النهاية توقيع اتفاقية فصل القوات في 31 مايو 1974 والتى أستعادت بموجبها مدينة القنيطرة، ومن يومها لم تطلق القيادة السورية طلقة واحدة تجاه اسرائيل في الجولان.