بعد زيارة مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة للشرق الأوسط، حاولت القاهرة مجددا تبنى خطاب يؤكد على توافقها مع سياسة دول الخليج في مواجهة النفوذ الإيراني. وربما كانت مشاركة مصر في قمة وارسو المناهضة لإيران - التي أعلن عنها بومبيو قبل شهر في القاهرة - تهدف إلى التأكيد على أن مصر ليست معارضة للحملة الإقليمية والدولية ضد إيران. ومع ذلك، كان عزوف مصر عن المشاركة بعمق في تلك القمة واضحا، حيث صرح وزير الخارجية البولندي ياتسيك تشابوتوفيتش عن احتمال قيام مصر بإرسال نائب وزير، وذلك على عكس مشاركة وزراء معظم الدول العربية. وبالطبع، كان ذلك مجرد إشارة من عدة إشارات توحي بوجود تضارب نسبي في موقف القاهرة بشأن الحملة الدولية الحالية ضد إيران.
وفي الواقع، القاهرة أبعد ما يكون للعب دور مؤثر تجاه الحملة الدولية ضد إيران، بل على العكس بدأت القاهرة في اتخاذ خطوات جدية للتقرب أكثر لإيران التي ينظر إليها العديد من القادة العرب على أنها التهديد الأكبر في المنطقة، فقبل أيام من انعقاد قمة "وارسو"، شاركت القاهرة بشكل رسمي في احتفالات مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة وذلك بمناسبة مرور ٤٠ عاما على الثورة الإيرانية، حيث أوفدت وزارة الخارجية المصرية، نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الأسيوية السفير خالد ثروت للمشاركة في احتفالات الثورة الإيرانية، في خطوة زادت التكهنات حول مستقبل العلاقات بين البلدين.
شهدت العلاقات المصرية-الإيران تقلبًا كبيرًا على مر السنين، حيث بدأت بعلاقة مصاهرة بين الأسرتين الحاكمتين في كلا البلدين، وذلك بعد زواج شقيقة الملك فاروق من محمد رضا بهلوي، ولى عهد إيران في عام 1939. ومع ذلك، أدى اندلاع الثورة الإيرانية إلى توتر العلاقات بين البلدين بشكل كبير، حيث كانت مصر من أوائل الدول التي ناصبت الثورة الإيرانية العداء بشكل صريح منذ اليوم الأول لها، وذلك في الوقت الذي كان التردد من النظام الجديد في طهران يسود المجتمع الدولي، لاسيما في الأيام الأولى للثورة. كما هاجم الرئيس المصري وقتها محمد أنور السادات، الثورة الإيرانية بضراوة، واستقبلت مصر شاه إيران المعزول محمد رضا بهلوي، واسرته ووفرت لهما المأوى والحماية. وحتى بعد وفاة الشاه عام 1980 نظمت القاهرة جنازة عسكرية مهيبة، شارك فيها الرئيس المصري وعدد من قادة العالم، في توديع الشاه إلى مثواه الأخير في القاهرة.
وبعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، اتبعت طهران سياسة المكايدة السياسية مع مصر حيث أطلقت بلدية طهران اسم الإرهابي خالد الإسلامبولي المتورط باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، على أكبر شوارعها. ومنذ ذلك الحين والعلاقات الدبلوماسية مقطوعة تقريبا بين البلدين طيلة الأربعين عاما الماضية، هي عمر الثورة الإيرانية، اللهم إلا مكتبي لرعاية المصالح المصرية والإيرانية في عاصمتي الدولتين.
ومع ذلك، أدى مجيء الإخوان المسلمين للسلطة بعد ثورة عام 2011 في مصر إلى إحداث تقارب تاريخي على مستوى العلاقات بين البلدين، حيث شهدت العاصمة الإيرانية طهران للمرة الأولى في أغسطس 2012 زيارة الرئيس المصري محمد مرسي، أعقبها زيارة للرئيس الإيراني احمدي نجاد إلى مصر. وبالرغم من الاختلافات الفكرية العميقة بين الطرفين، إلا انهما كانوا يمثلان وجهان لعملة واحدة من التطرف الإسلامي. ففي أعقاب الإطاحة بمرسي، هاجمت إيران النظام الجديد في مصر واعتبرته امتدادا لنظامي مبارك والسادات.
ومع ذلك، كانت استجابة الحكومة الجديدة في القاهرة صامتة، حيث اكتفت مصر بإصدار بعض التصريحات التي تدين التدخل في شؤونها الداخلية. ومنذ ذلك الحين لم تفعل القاهرة سوى القليل نسبيًا لمجابهة النفوذ الإيراني، بينما استحضر الإعلام الإيراني لغة جديدة تنادى بتطبيع العلاقات بين البلدين.
أثارت نبرة مصر تجاه إيران الدهشة بشكل خاص، وذلك في ضوء الخطاب الخليجي المناهض للجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، يبدوا أن هاجس الأنظمة الخليجية من صعود الإخوان المسلمين للحكم، وعلاقاتهم مع إيران، لاسيما بعد الزيارة التاريخية للرئيس السابق محمد مرسى لطهران، قد وفر للنظام المصري بعض المساحات للتقارب مع إيران. لذلك، وقفت العواصم الخليجية بقوة لدعم القاهرة على المستوى السياسي والاقتصادي عقب الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين في مصر في ٣٠ يونيو٢٠١٣، لتجذب القاهرة إلى المحيط الخليجي مرة أخرى، ولإحداث التوازن الجيوسياسي المفقود بين إيران والخليج.
ونتيجة لتلك الديناميات، تعلم الحكومة المصرية الحالية أن موقعها كحليف خليجي آمن نسبياً، حيث إنها تمثل العمق الاستراتيجي للخليج برمته، وأن الخليج بدونها يبدو مكشوفا، أكثر مما يجب، لاسيما مع خطط تقليص الدور الأمريكي في المنطقة. ونتيجة لذلك، كانت مصر حريصة نسبيًا في مشاركاتها في المبادرات الخليجية، حيث كان هدفها الرئيسي هو تحقيق منافع استراتيجية واضحة. فقد كانت مشاركة مصر في تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن بمثابة خطوة رمزية أكثر من كونها فعلية. ويذكر أنها رفضت سابقا إرسال قوات برية للمشاركة في العملية العسكرية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، لكنها اكتفت بالمشاركة على مستوى المستشارين العسكريين، في تنسيق عمليات التحالف في اليمن.
وعلى الرغم من أن مواجهة إيران تمثل إحدى الأولويات القصوى لدول الخليج، يبدو أن المسؤولين قد قبلوا مشاركة مصر المحدودة في الحملة الموجهة ضد إيران. ويبدو أن هذا الترتيب هو الأمثل بالنسبة للقاهرة، ففي الوقت الذي ستبقى فيه مصر حليفة لدول الخليج، فإنها ستكون أيضا قادرة على تبنى مواقف تعكس المصالح الاستراتيجية المشتركة بينها وبين طهران. وفضلا عن هذا وذاك فالقاهرة وطهران يبدو أن لهما تفاهمات في الملفات الإقليمية الكبرى مثل "دعم نظام الأسد في سوريا" وضرورة إخضاع البرنامج النووي الإسرائيلي للرقابة الدولية.
وفى ما يتعلق بموقف البلدين في الشأن السوري، فالوضع مختلف تماما، حيث يسود التفاهم التام بين المصريين والإيرانيين، حتى على حساب حلفائها الخليجيين، فالقاهرة تدعم الأسد بشكل صريح، وهو حليف طهران التاريخي. فعلى عكس التوقعات، صوتت مصر في تشرين الأول/أكتوبر 2016، لصالح قرار روسي يتعلق بسوريا، وتدعمه إيران، وتعارضه السعودية- في مجلس الأمن، مما تسبب في حالة غضب عارمة لدى المملكة. ومع ذلك، لم تتعرض القاهرة لأي ضغوطات لدفعها لاتخاذ موقف أكثر قوة ضد النظام الإيراني. ومن ثم، واستنادا لتلك المؤشرات وغيرها، يبدو أن الطرفين ليس لديهما نية الصدام في المستقبل القريب.
أن أولويات القاهرة منذ اليوم الأول لمجيء السيسي للسلطة، كانت وما زالت تتمحور حول مواجهة خطر الإسلاميين الراديكاليين سواء داخل مصر أو خارجها. فالقاهرة دعمت الأسد في حربه ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة.، كما أنها في الوقت الراهن، تخوض حربا إقليمية شرسة مع تركيا وقطر، الذين يدعمان مشروع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة. ومن ثم، تتراجع أولوية مواجهة الخطر الإيراني بالنسبة لمصر،فبالسبة للقاهرة، يمثل المشروع الإخواني المدعوم من قبل أنقرة والدوحة خطرا وجوديا يتطلب مواجهة حاسمة وسريعة.
وفي الواقع، القاهرة أبعد ما يكون للعب دور مؤثر تجاه الحملة الدولية ضد إيران، بل على العكس بدأت القاهرة في اتخاذ خطوات جدية للتقرب أكثر لإيران التي ينظر إليها العديد من القادة العرب على أنها التهديد الأكبر في المنطقة، فقبل أيام من انعقاد قمة "وارسو"، شاركت القاهرة بشكل رسمي في احتفالات مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة وذلك بمناسبة مرور ٤٠ عاما على الثورة الإيرانية، حيث أوفدت وزارة الخارجية المصرية، نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الأسيوية السفير خالد ثروت للمشاركة في احتفالات الثورة الإيرانية، في خطوة زادت التكهنات حول مستقبل العلاقات بين البلدين.
شهدت العلاقات المصرية-الإيران تقلبًا كبيرًا على مر السنين، حيث بدأت بعلاقة مصاهرة بين الأسرتين الحاكمتين في كلا البلدين، وذلك بعد زواج شقيقة الملك فاروق من محمد رضا بهلوي، ولى عهد إيران في عام 1939. ومع ذلك، أدى اندلاع الثورة الإيرانية إلى توتر العلاقات بين البلدين بشكل كبير، حيث كانت مصر من أوائل الدول التي ناصبت الثورة الإيرانية العداء بشكل صريح منذ اليوم الأول لها، وذلك في الوقت الذي كان التردد من النظام الجديد في طهران يسود المجتمع الدولي، لاسيما في الأيام الأولى للثورة. كما هاجم الرئيس المصري وقتها محمد أنور السادات، الثورة الإيرانية بضراوة، واستقبلت مصر شاه إيران المعزول محمد رضا بهلوي، واسرته ووفرت لهما المأوى والحماية. وحتى بعد وفاة الشاه عام 1980 نظمت القاهرة جنازة عسكرية مهيبة، شارك فيها الرئيس المصري وعدد من قادة العالم، في توديع الشاه إلى مثواه الأخير في القاهرة.
وبعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، اتبعت طهران سياسة المكايدة السياسية مع مصر حيث أطلقت بلدية طهران اسم الإرهابي خالد الإسلامبولي المتورط باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، على أكبر شوارعها. ومنذ ذلك الحين والعلاقات الدبلوماسية مقطوعة تقريبا بين البلدين طيلة الأربعين عاما الماضية، هي عمر الثورة الإيرانية، اللهم إلا مكتبي لرعاية المصالح المصرية والإيرانية في عاصمتي الدولتين.
ومع ذلك، أدى مجيء الإخوان المسلمين للسلطة بعد ثورة عام 2011 في مصر إلى إحداث تقارب تاريخي على مستوى العلاقات بين البلدين، حيث شهدت العاصمة الإيرانية طهران للمرة الأولى في أغسطس 2012 زيارة الرئيس المصري محمد مرسي، أعقبها زيارة للرئيس الإيراني احمدي نجاد إلى مصر. وبالرغم من الاختلافات الفكرية العميقة بين الطرفين، إلا انهما كانوا يمثلان وجهان لعملة واحدة من التطرف الإسلامي. ففي أعقاب الإطاحة بمرسي، هاجمت إيران النظام الجديد في مصر واعتبرته امتدادا لنظامي مبارك والسادات.
ومع ذلك، كانت استجابة الحكومة الجديدة في القاهرة صامتة، حيث اكتفت مصر بإصدار بعض التصريحات التي تدين التدخل في شؤونها الداخلية. ومنذ ذلك الحين لم تفعل القاهرة سوى القليل نسبيًا لمجابهة النفوذ الإيراني، بينما استحضر الإعلام الإيراني لغة جديدة تنادى بتطبيع العلاقات بين البلدين.
أثارت نبرة مصر تجاه إيران الدهشة بشكل خاص، وذلك في ضوء الخطاب الخليجي المناهض للجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، يبدوا أن هاجس الأنظمة الخليجية من صعود الإخوان المسلمين للحكم، وعلاقاتهم مع إيران، لاسيما بعد الزيارة التاريخية للرئيس السابق محمد مرسى لطهران، قد وفر للنظام المصري بعض المساحات للتقارب مع إيران. لذلك، وقفت العواصم الخليجية بقوة لدعم القاهرة على المستوى السياسي والاقتصادي عقب الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين في مصر في ٣٠ يونيو٢٠١٣، لتجذب القاهرة إلى المحيط الخليجي مرة أخرى، ولإحداث التوازن الجيوسياسي المفقود بين إيران والخليج.
ونتيجة لتلك الديناميات، تعلم الحكومة المصرية الحالية أن موقعها كحليف خليجي آمن نسبياً، حيث إنها تمثل العمق الاستراتيجي للخليج برمته، وأن الخليج بدونها يبدو مكشوفا، أكثر مما يجب، لاسيما مع خطط تقليص الدور الأمريكي في المنطقة. ونتيجة لذلك، كانت مصر حريصة نسبيًا في مشاركاتها في المبادرات الخليجية، حيث كان هدفها الرئيسي هو تحقيق منافع استراتيجية واضحة. فقد كانت مشاركة مصر في تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن بمثابة خطوة رمزية أكثر من كونها فعلية. ويذكر أنها رفضت سابقا إرسال قوات برية للمشاركة في العملية العسكرية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، لكنها اكتفت بالمشاركة على مستوى المستشارين العسكريين، في تنسيق عمليات التحالف في اليمن.
وعلى الرغم من أن مواجهة إيران تمثل إحدى الأولويات القصوى لدول الخليج، يبدو أن المسؤولين قد قبلوا مشاركة مصر المحدودة في الحملة الموجهة ضد إيران. ويبدو أن هذا الترتيب هو الأمثل بالنسبة للقاهرة، ففي الوقت الذي ستبقى فيه مصر حليفة لدول الخليج، فإنها ستكون أيضا قادرة على تبنى مواقف تعكس المصالح الاستراتيجية المشتركة بينها وبين طهران. وفضلا عن هذا وذاك فالقاهرة وطهران يبدو أن لهما تفاهمات في الملفات الإقليمية الكبرى مثل "دعم نظام الأسد في سوريا" وضرورة إخضاع البرنامج النووي الإسرائيلي للرقابة الدولية.
وفى ما يتعلق بموقف البلدين في الشأن السوري، فالوضع مختلف تماما، حيث يسود التفاهم التام بين المصريين والإيرانيين، حتى على حساب حلفائها الخليجيين، فالقاهرة تدعم الأسد بشكل صريح، وهو حليف طهران التاريخي. فعلى عكس التوقعات، صوتت مصر في تشرين الأول/أكتوبر 2016، لصالح قرار روسي يتعلق بسوريا، وتدعمه إيران، وتعارضه السعودية- في مجلس الأمن، مما تسبب في حالة غضب عارمة لدى المملكة. ومع ذلك، لم تتعرض القاهرة لأي ضغوطات لدفعها لاتخاذ موقف أكثر قوة ضد النظام الإيراني. ومن ثم، واستنادا لتلك المؤشرات وغيرها، يبدو أن الطرفين ليس لديهما نية الصدام في المستقبل القريب.
أن أولويات القاهرة منذ اليوم الأول لمجيء السيسي للسلطة، كانت وما زالت تتمحور حول مواجهة خطر الإسلاميين الراديكاليين سواء داخل مصر أو خارجها. فالقاهرة دعمت الأسد في حربه ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة.، كما أنها في الوقت الراهن، تخوض حربا إقليمية شرسة مع تركيا وقطر، الذين يدعمان مشروع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة. ومن ثم، تتراجع أولوية مواجهة الخطر الإيراني بالنسبة لمصر،فبالسبة للقاهرة، يمثل المشروع الإخواني المدعوم من قبل أنقرة والدوحة خطرا وجوديا يتطلب مواجهة حاسمة وسريعة.