رد الهجوم المسموم عن الفاروق عمر بن الخطاب

Ahmed_EG

عضو
إنضم
25 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التفاعل
16 0 0
عمر بن الخطاب:
أكبر صنم فى تاريخ البشرية؟!

1_1221_1524_39.jpg





د. إبراهيم عوض

قرأت بآخرةٍ فى عدد من المواقع المشباكية أن مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة قد أدان كتابا يسىء إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه عنوانه: "فصل الخطاب فى تاريخ قتل ابن الخطاب" لمؤلف شيعى اسمه أبو الحسين الخوئينى. ومن يطلع على الكتاب يجد أن المؤلف قد ألحق به رسالة مسيئة كذلك إلى الفاروق تحمل اسم "شهادة الأثر على إيمان قاتل عمر" ادعى فيها أن "التابعي الشهم" أبا لؤلؤة فيروز النهاوندي (المعروف بأبى لؤلؤة المجوسى) كان مسلما قوى الإيمان وأنه من أهل الجنة.

وقد سعيت حتى حصلت على نسخة ضوئية من هذه الرسالة فألفيت الخوئينى ينبز ابن الخطاب رضى الله عنه بأنه "أكبر صنم فى تاريخ البشرية". ومثل ذلك الصنم لا بد من تحطيمه حسبما كتب المؤلف الموتور، ومن يَقُمْ بهذا العمل العظيم لا يمكن، فى رأيه، إلا أن يكون رجلا اختصه الله بفضله العميم وكتب له الرحمة وبوّأه أرفع المقامات. وهذا الرجل هو أبو لؤلؤة، الذى يسوق صاحبنا ما يزعم أنه برهان قاطع على أنه لم يكن مجوسيا ولا نصرانيا، بل مسلما عميق الإيمان، وأنه حين قتل عمر إنما كان يعمل بوحى من شعور المحبة لعلى وآل البيت، وبتوجيه مباشر من أبى الحسنين علي كرم الله وجهه.

وهذا الرأى الذى يبديه المؤلف فى أبى لؤلؤة هو رأى الشيعة منذ قديم الزمان طبقا لما قال، وليس رأيه وحده. بل هو رأى علىٍّ أيضا حسبما ذكر، إذ كان، كرم الله وجهه، قد هدد عمر بأن أبا لؤلؤة سوف يقتله جزاء وفاقا على ما اجترحتت يداه فى حق الإسلام وآل البيت، مؤكدا أنه سوف يدخل الجنة رغم أنفه. وذكر الكاتب أن السبب المباشر لقتل عمر، رضى الله عنه ولعن قاتله ومن يثنى عليه، هو الحيلولة بينه وبين الدخول بأم كلثوم بنت على وفاطمة رضى الله عنهم جميعا، زاعما فى خبل عقلى ليس له نظير أن عمر، بهذه الطريقة، لم يستطع الاقتراب من بنت الزهراء رغم ما سبق من عَقْده عليها.


ولا تقف اتهامات المؤلف لعمر عند هذا الحد، بل يزعم الكذاب أنه رضى الله عنه لم يُسْلِم اقتناعا بدين الرسول الكريم، بل لما سمعه من أحبار اليهود من أن هناك نبيا كاذبا اسمه محمد سوف يظهر فى بلاد العرب وينتصر على أعدائه، فدخل فى الإسلام طمعا فى أن يتولى ولاية بلد من البلاد حين يتم الانتصار المتوقَّع.

لكن لما طال عليه الأمد وعيل صبره تآمر على الرسول هو وأبو بكر وأمثالهما من المنافقين كعثمان بن عفان وسعد بن أبى وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبى عبيدة بن الجراح ممن اعتنقوا الإسلام لذات السبب لا لإيمان حقيقى به صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله فى عقبة تبوك، ثم بعد ذلك فى عقبة هرشى لَدُنْ سماعهم حديث الغدير، وهو الحديث الذى نَصَّ فيه النبى نَصًّا على أن الخلافة من بعده تنحصر فى علىٍّ وذريته إلى يوم القيامة لا تَعْدوهم، حسب مزاعم الشيعة. ثم أعاد أبو بكر وعمر الكَرّة فى مرض الرسول الأخير حيث سقياه السم هما وابنتاهما زاعمين أنهم كانوا يسقونه دواء "اللُّدّ"، وكان النجاح تلك المرة نصيبهم، فضلا عن قتل عمر لأبى بكر بالسم كى يخلو الجو له حسبما يقول.


ويختم المؤلف كلامه بتعداد ما يحصل عليه من ثواب عظيم زوّارُ قبر أبى لؤلؤة، الذى يصفه بأنه قد صدَّق عمله قوله فاستحق أن يكون من أهل الجنة، إذ تُغْفَر ذنوبهم أيا كان نوعها وحجمها، ويأمنون يوم الفزع الأكبر من كل هول. كما أن الزيارة دليل أكيد على صدق التبرؤ من أعداء الإسلام وكارهى آل البيت.

وهى لهذا تعدل زيارة الأئمة منهم. ويسوق المؤلف حديثا قدسيا مزيفا سخيفا سخافة عقله فى فضل اليوم الذى يزور فيه الشيعة قبر المجرم العاتى، وهو ذاته اليوم الذى يقولون إن مقتل الفاروق على يديه الدنستين قد تم فيه. وهذا نص الحديث المزيف: "آليتُ على نفسى بعزتى وجلالى وعلوّى فى مكانى لأَحْبُوَنّ من تعبَّد فى ذلك اليوم محتسبا ثواب الخافقَيْن ولأُشَفِّعَنّّه فى أقربائه وذوى رحمه ولأزيدنّ ماله إن وسّع على نفسه وعياله فيه".

ويؤكد المؤلف أن أبا لؤلؤة لم يُقْبَض عليه لدى طعنه عمر فى المسجد، بل فر إلى بيت علىّ بن أبى طالب، الذى كان يجلس على دكّة ببابه، فلما رآه أمره أن يدخل البيت ويختفى ممن يتعقبونه، ثم قام ونقل دكّته ومجلسه إلى الناحية الأخرى من الباب تحسُّبًا لما سوف يقع، فسرعان ما جاء المطارِدون يسألونه هل مر به أبو لؤلؤة هاربا، فأقسم لهم إنه لم يمر به أحد وهو فى مجلسه هذا. يقصد: مجلسه الجديد.

وكان صادقا فى قسمه بطبيعة الحال، إذ المقصود أنه لم ير فى مجلسه ذاك أحدا مر به، لأن مرور المجرم القاتل إنما كان وهو فى مجلسه الأول. ثم لما انصرف المطاردون دخل على أبى لؤلؤة وأعطاه فرسا طالبا منه أن يركبها ولا ينزل عنها إلا حين تقف، فلم تقف إلا فى كاشان! وفى حكاية أخرى أن عليًّا حين رآه أخذ يبكى متمنيا لو كانت فاطمة حية حتى تفرح بما حدث. ثم نصحه أن يخرج إلى ظاهر البلد وأن يقرأ الفاتحة سبع مرات، ولسوف يجد نفسه من فوره فى البلد الذى يريد الذهاب إليه. وبهذا استطاع ذلك المجوسى الوصول إلى كاشان والنجاة من أعدائه بمعجزة من على كما تقول الروايات الشيعية، وهناك عاش حتى وافته منيته.

***

هذا باختصار ما كتبه الحاقد المغلق الذهن والقلب والضمير. ولسوف نتناول كل شىء قاله لنرى وجه الحق فيه. ونبدأ بإسلام عمر، الذى ادعى الكذاب أنه إنما أراد من وراء اعتناقه الإسلام أن ينال ولاية يتولاها، لا حَقًّا يصيبه، ولا خيرًا يبغى عمله، ولا حُبًّا لله ورسوله يحرص عليه، ولا جَنّةً يصبو إليها... إلى آخر ما يدخل البشر المخلصون الأديان من أجل تحقيقه. ولقد رُوِيَتْ عن إسلام عمر روايتان تناقضان كل المناقضة ما يزعمه هذا الكذاب. وكلتاهما تصور إسلامه، رضى الله عنه، تصويرا يخلو تماما من محاولة تحسين صورته أو الثناء عليه مما يعضد صدقها، إذ تبديه الصورة شديد اللدد فى خصومته للإسلام وللنبى الذى جاء به إلى آخر دقيقة.

ذلك أنه، حسب تينك الروايتين، لم يكن يفكر بتاتا فى اعتناق الدين الجديد، بل كان ذاهبا لإيقاع الأذى بالنبى الذى أُوحِىَ إليه، إلا أن الأقدار كانت لها كلمة أخرى، فكان اعتناقه للدعوة الجديدة من وحى اللحظة. كما تخلو الروايتان عن ذكر أى يهودى كان يتصل به الفاروق فى مكة، لسبب بسيط جدا، وهو أن مكة لم يكن فيها يهود، كما لم نسمع أن عمر كان يتصل باليهود فى أى مكان وهو لا يزال فى مكة. إنما كان اتصال المسلمين بهم فى المدينة بعد الهجرة إليها، إذ كان اليهود يسكنونها والمناطق التى حولها، فكان بينهم وبين المسلمين اتصالات متنوعة: اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية، فضلا عن المناقشات الدينية كما هو معروف.


وسوف أنقل ما قرأته عن هذا الموضوع فى مرجع شيعى حتى لا يقال إن ما نورده إنما هو كلام أهل السنة المتعصبين لعمر رضى الله عنه. جاء فى السيرة النبوية التى كتبها جعفر السبحانى: "إنّ التاريخ الثابت والمسلّم يشهد بأنّ وجود رجال ذوي بأس وقوة بين صفوف المسلمين مثل حمزة، الذي أصبح في ما بعد من كبار قادة الإسلام، قد كان له أثر كبير في حفظ الإسلام والحفاظ على حياة الرسول صلّى اللّه عليه وآله ودعم جماعة المسلمين وتقوية جناحهم.

فهذا ابن الاثير يقول عن حمزة: لما اسلم حمزة عرفت قريش أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد عزّ وامتنع فكَفُّوا عما كانوا يتناولون منه. من هنا أخذت قريش تفكّرُ في إعداد خطط اخرى لمواجهة قضية الإسلام والمسلمين سنذكرها في المستقبل. هذا، ويرى بعضُ المؤرّخين مثل ابن كثير الشامي على أن رُدود فعل إسلام أبي بكر وعمر وأثرهما لم تكن بأقلّ من تأثير إسلام حمزة، وانّ الدين قوي جانبه باسلام هذين الرجلين، وكسب المسلمون بذلك القوة والحريّة في العمل والتحرك.

والحقيقة انه لا شك في انه لكل فرد تأثيره في تقوية ودعم الإسلام، إلا أنه لا يمكن القولُ بحال بأن تأثير إسلام الشيخين كان يعدل تأثير إسلام حمزة، فإن حمزة ما ان سمع بأن قريشا أساءت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الا وتوجه، من دون أن يُعرّج على أحد، إلى المسيء وانتقم منه في الحال أشدّ انتقام، ولم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه ومنع المسيء منه ومن غضبه وانتقامه، بينما يكتب ابن هشام في سيرته عن أبي بكر امرا يكشف عن أن أبا بكر يوم دخل في صفوف المسلمين لم يكن قادرا على حماية نفسه ولا على الدفاع عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله.

واليك نصُّ الواقعة: مرَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ذات يوم على جماعة من قريش وهم جلوس عند الحجر، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا، لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم. فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: نعم أنا الذي أقولُ ذلك. فأخذ رجلٌ منهم بمجمع ردائه (وهم يقصدون قتله) فقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول: أتقتلون رجلا يقول ربّي اللّه؟ فانصرفوا عنه (ولم يقتلوه لأمر رأوه)، فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى منزله، ورجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه.

إن هذه الرواية التاريخية اذا دلّت على مشاعر الخليفة تجاه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله إلا أنها تدل قبل أي شيء على عجزه وضعفه. إنه يدلُّ على أنه لم يملك ذلك اليوم لا أية مقدرة بدنية وروحية ولا أية مكانة اجتماعية تُرهب. وحيث أنّ إلحاق الأذى بشخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان ينطوي في نظر قريش ذلك على عواقب لا تحمد، لذلك تركوا رسول اللّه ووجّهوا ضربتهم إلى رفيقه وصدعوا فرق رأسه.


ولو أنك قارنت بين هاتين الحادثتين وقايست بين موقف حمزة الشجاع وموقف الخليفة الأوّل هذا لاستطعت أن تقضي بسهولة بأنّ عزة الإسلام وقوة المسلمين وتعزيز موقفهم وخوف الكفار كان يعود إلى إسلام أيّ واحد من ذينك الرجلين. هذا، وستقرأ في القريب العاجل كيفية إسلام عمر. وسترى بأنّ إسلامه، كاسلام صديقه، لم يزد هو الآخر من قدرة المسلمين الدفاعية، وأنهم بالتالي لم يعتزوا باسلامه. فيوم أسلم عمر كاد أن يُقتل لولا العاص بن وائل السهمي لأنه هو الذي خاطب الذين قصدوا قتل عمر قائلا: رجُلٌ اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون منه؟ أترون بني عدِيّ بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟ خَلُّوا عن الرجل.

إن هذه العبارة التي قالها العاص لانقاذ الخليفة الثاني من أيدي الذين اجتمعوا على قتله تفيد بوضوح أن الخوف من قبيلة عمر هو الذي كان وراء تركهم إياه وعدم قتله. وقد كان دفاعُ القبائل عن أبنائها سنة فطرية وعادة متعارفة يومذاك، وكان يتساوى فيها الكبير والصغير، والشريف والوضيع.

أجل إن بني هاشم هم كانوا في الواقع الحصن الحقيقي للمسلمين، وقد كان القسط الأكبر من هذا الأمر يتحمله أبو طالب وذووه، وإلا فانّ الاشخاص الآخرين الذين كانوا ينضمُّون إلى صفوف المسلمين لم يكن لديهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم، فكيف بالدفاع عن الإسلام وجماعة المسلمين ليقال أن المسلمين اعتزوا بهم؟
 

لقد كان إسلام كل واحد من الذين أجابوا دعوة الرسول صلّى اللّه عليه وآله نابعا من سبب معيّن، فربّما أدّت حادثة صغيرة إلى أن يعتنق فردٌ أو فريقٌ الإسلام، وينضمُّوا إلى صفوف المسلمين. وقد اتّسم السببُ الذي آل الى إسلام عمر، من بين جميع تلكم الاسباب والعلل، بطرافة تقتضي التوقف عنده في هذه الدراسة التاريخية التحليلية. على أن التسلسل التاريخي والتنظيم الوقائعي لاحداث الإسلام، وان كان يقتضي منا ان نأتي على ذكر هذه الحادثة بعد هجرة صحابة النبي صلّى اللّه عليه وآله الى الحبشة، إلا أن الحديث حيث دار هنا حول صحابة النبي وكيفية اسلامهم ومواقفهم ناسب أن نشير هنا إلى كيفية إسلام الخليفة الثاني.

يقول ابن هشام: كان اسلام عمر، فيما بلغني، أن اخته بنت الخطاب، وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، كانت قد أسلمت وأسلمَ بعلُها سعيدُ بن زيد، وهما مستخفيان باسلامهما من عمر (وهؤلاء هم كلُ من اسلم من آل الخطاب)، وكان خبّاب بن الأرت يختلف الى فاطمة بنت الخطاب يُقرئها القرآن. وكان عمر، الذي كانت بينه وبين المسلمين علاقات جدا سيئةً، قد أزعجه ما أصاب المجتمع المكي من تشتُّت وفرقة، وما لحق بقريش من المتاعب إثر ظهور الإسلام. من هنا عزم على أن يقضي على علة هذا الأمر باغتيال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والفتك به.

فخرج يوما متوشحا سيفه يريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ورَهْطًا من أصحابه، وقد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيتٍ عند الصفا، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء، ومع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عمّه حمزة بن عبد المطلب وابو بكر وعلي بن ابي طالب في رجال من المسلمين يحفظونه ويحرسونه.

يقول نعيم بن عبد اللّه، وقد كان صديقا حميما لعمر: لقيت عمر وهو متوشح سيفا ويريد مكانا، فقلتُ له: أين تريد يا عمر؟ فقال: اريد محمّدا هذا الصابئ الذي فرّق أمر قريش وسفّه أحلامها وعاب دينها وسبّ آلِهتها فأقتُله. فقال له نعيم: واللّه لقد غرّتك نفسُك من نفسك يا عمر. أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلتَ محمّدا؟ أفلا ترجع إلى اهل بيتك فتقيم امرهم؟ قال: وأيّ أهل بيتي؟ قال: خَتَنُك وابنُ عمك سعيد بن زيد واختك فاطمة بنت الخطاب، فقد واللّه أسلما وتابعا محمّدا على دينه، فعليك بهما.

فأغضب هذا النبأُ عمر بشدة فانصرف عن الهدف الذي كان يرمي اليه وعاد من توّه إلى بيت اُخته، فدخل على اخته وختنه وعندهما خبّاب بن الأرت معه صحيفة فيها سورة "طه" يقرئُهما إياها. فلما سمعوا حسّ عمر تغيّب خبّاب في مخدع لهم أو في بعض البيت، واخفت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة، وكان عمر قد سمع حين دنا الى البيت قراءة خبّاب عليهما، فلما دخل قال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟ قالا له: ما سمعت شيئا. قال: بلى واللّه، لقد اُخْبِرْتُ انكما تابعتما محمّدا على دينه. وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت إليه اختُه فاطمة بنت الخطاب لتكفّه عن زوجها، فضربها فشجّها.

فلما فعل ذلك قالت له اخته وختنُه: نعم قد اسلمنا وآمنّا باللّه ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما باُخته من الدَّم ندم على ما صنع، فارعوى ورجع وقال لاُخته: اعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأون آنفا أنظرُ ما هذا الذي جاء به محمّد. فلما قال ذلك قالت له اُخته: إنّا نخشاك عليها. قال: لا تخافي. وحلف لها بآلهته ليَرُدّنّها، إذا قرأها، اليها. فلما قال ذلك طمعتِ في اسلامه، فقالت: يا اُخَيّ، إنك نجس على شركك، وانّه لا يمسُّها إلا الطاهر. فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة، وفيها آيات من سورة "طه" هي: "طه* ما أنزلنا عليك القُرآن لِتَشقى* إلا تذكرَةً لِمن يخشى* تنزيلا مِمّن خلق الأرض والسماواتِ العُلَى* الرّحمن على العرش استوى* لهُ ما في السماواتِ وما في الأرض وما بينهما وما تحتَ الثرى* وإن تجهر بالقول فانّه يعلم السِرَّ وأخفى".

ولقد تركت هذه الآياتُ المحكمة الفصيحة البليغة تأثيرا شديدا في نفس عمر فقال: ما احسن هذا الكلام! وقرر الرجلُ الذي كان قبل ثوان عدوَّ الإسلام الأول أن يغيّر موقفه، فتوجه من توّه إلى البيت الذي ذُكِر له أنّ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وجماعة من أصحابه، وهو متوشح سيفَه، فضربَ عليهم الباب. فلمّا سمِعُوا صوته قام رجل مِن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فنظر من خلل الباب فرآه متوشحا السيف فرجع الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهو فزع، وأخبر النبيَ صلّى اللّه عليه وآله بما رأى. فقال حمزة: فائذن له، فان جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه.

فقال رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله: إئذن له. فأذِن له الرجل، ونهض إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حتى لقيه في الحجرة، فأخذ حُجُزته (وهو موضع شد الإزار) أو بمجمع ردائه ثم جبذَهُ جبذةً شديدة، وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فواللّه ما أرى تنتهي حتى ينزل اللّه بك قارعة؟ فقال عمر: يا رسول اللّه، جئتك لاؤمن باللّه وبرسوله وبما جاء من عند اللّه. وهكذا اسلم عمر عند رسول اللّه وأصحابه وانضوى إلى صفوف المسلمين. ثم ان ابن هشام روى رواية اخرى في كيفية اسلام عمر من أراد الوقوف عليها راجعها في السيرة النبوية".

أما الرواية الأخرى، وهى كما يرى القارئ تحظى أيضا بثقة الكاتب الشيعى وقبوله، وإن لم يوردها مكتفيا بالإشارة إلى موضعها من سيرة ابن هشام، فها هى هذه: "قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي عن أصحابه عطاء ومجاهد أو عمن روى ذلك أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه أنه كان يقول: كنت للإسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسرّ بها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة عند دور آل عمر بن عبد بن عمران المخزومي.

قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك. قال: فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا. قال فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار، وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها. قال: فخرجت فجئته فلم أجده. قال فقلت: فلو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين. قال: فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي. وكان إذا صلى استقبل الشام، وجعل الكعبة بينه وبين الشام. وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود والركن اليماني. قال فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول.

قال فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابها، فجعلت أمشي رويدا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة. قال: فلما سمعت القرآن رق له قلبي، فبكيت ودخلني الإسلام. فلم أزل قائما في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ثم انصرف.

وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين، وكانت طريقه، حتى يجزع المسعى، ثم يسلك بين دار عباس بن المطلب وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري ثم على دار الأخنس بن شريق حتى يدخل بيته. وكان مسكنه صلى الله عليه وسلم في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان. قال عمر رضي الله عنه: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته.

فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني، ثم قال: ما جاء بك يا ابن الخطاب هذه الساعة؟ قال قلت: جئت لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله. قال: فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: قد هداك الله يا عمر. ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات، ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته".


ومن هاتين الروايتين اللتين تنالان رضا الأستاذ جعفر السبحانى الكاتب الشيعى يتبين لنا أنه ليس ليهود موضع رأس إبرة فى إسلام عمر رضى الله عنه، ولا كان هناك تخطيطٌ أىّ تخطيطٍ لديه، بل وقع كل شىء على نحو تلقائى. ذلك أنه لم يكن فى ذهنه قط أية نية للدخول فى الإسلام، بل كان ماضيا فى طريقه يريد إيقاع الأذى بالرسول وأتباعه أو يبحث عن خمر يشربها أو صديق يسليه، بيد أنه كان للأقدار رأى آخر.

ولو كانت هناك أية شبهة اتصال باليهود من جانب عمر لما أفلتها السبحانى، الذى رغم ما يطالعنا فيما كتبه عن الفاروق رضى الله عنه من بعض الاعتدال لم يظهر عليه الترحيب بإسلامه، بل عمل بكل وسعه على التقليل من شأنه والتأكيد بأن دخوله فى الإسلام لم يكن له قيمة تُذْكَر، بل القيمة كل القيمة فى إسلام على وحمزة فقط، رضى الله عن الجميع.
 


أما اتهام الخوئينى لعمر وأبى بكر وسعد وابن الجراح وأمثالهم بالنفاق فأقل ما ينبغى أن يقال فيه أن مُتَّهِمهم مغفل أحمق، إذ لم يظهر النقاق إلا فى المدينة، وعبثا نبحث عن هذه الكلمة فيما نزل من قرآن قبل الهجرة. ذلك أن دواعى النفاق لم تكن قد وُجِدَتْ بعد فى العهد المكى حيث الاضطهاد يتناوش المسلمين من كل جهة، فلم يكن يدخل الدين الجديد إلا أصحاب الضمائر المستقيمة المستعدون للتضحية براحتهم وأموالهم وسمعتهم، وبأرواحهم أيضا. فكيف ُيتَّهَم أى مسلم فى تلك الظروف بأنه منافق؟

ثم لو كان عمر منافقا، وهذا مستحيل، فلم كان شديدا كل هذه الشدة مع رأس النفاق فى المدينة: عبد الله بن أبىّ بن سلول؟ لقد بلغت شدته أنه لم يكن يرى موضعا للتسامح ولا للمجاملة مع هذا المنافق الأكبر حتى لقد تعرض للنبى يريد أن يحول بينه وبين الصلاة عليه والاستغفار له حين مات، فأصر صلى الله عليه وسلم على الصلاة والاستغفار لذلك الرجل الذى كثيرا ما وضع فى طريق دعوته العقبات وتآمر عليه وعلى أتباعه ووضع يده فى أيدى يهود يريد القضاء عليه وعلى دينه، إلى أن نزل نص حاسم يمنع من الصلاة عليه وعلى أمثاله أو الاستغفار لهم.


ثم كيف يصهر الرسول إلى عمر المنافق ولا يكتشف نفاقه طوال تلك الأعوام التى قضاها إلى جانبه، فضلا عن أنه كان يستشيره ويقربه إليه ويعتز به؟ أم سيقول من فى قلوبهم مرض إن الرسول كان يمارس معه لعبة التقية، وكأنه عليه الصلاة والسلام كان مثل أولئك الجبناء المرائين، أستغفر الله! ثم كيف سكت القرآن عن عمر فلم تنزل فيه آيات تفضحه وتحذر الرسول والمسلمين منه؟ بل كيف نفسر تحمسه فى كل المواقف ضد اليهود والمشركين وعدم التسامح معهم؟


بل إن ما فعله عمر عقب دخوله فى الإسلام مباشرة هو صنيع لا يمكن أن يفكر فيه، فضلا عن أن يفعله، منافق. يقول ابن هشام: "قال ابن إسحاق: وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: لما أسلم أبي عمر قال: أيُّ قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي.

قال: فغدا عليه. قال عبد الله بن عمر: فغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت، حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني قد أسلمت ودخلت في دين محمد؟ قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعت أبي، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، وهم في أنديتهم حول الكعبة، ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ. قال: ويقول عمر من خلفه: كَذَبَ، ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم.

قال: وطلَّح فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أنْ لو قد كنا ثلاث مئة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. قال: فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى، حتى وقف عليهم فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبا عمر. فقال: فَمَهْ! رجل اختار لنفسه أمرا، فماذا تريدون؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟ خَلُّوا عن الرجل.

قال: فوالله لكأنما كانوا ثوبا كُشِط عنه. قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت، وهم يقاتلونك؟ فقال: ذاك، أي بُنَيَّ، العاص بن وائل السهمي. قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أنه قال: يا أبت، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت، وهم يقاتلونك، جزاه الله خيرا؟ قال: يا بني، ذاك العاص بن وائل، لا جزاه الله خيرا. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الرحمن بن الحارث عن بعض آل عمر أو بعض أهله قال: قال عمر: لما أسلمتُ تلك الليلة تذكرت أيّ أهل مكة أشدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت. قال قلت: أبو جهل. وكان عُمَر لحنتمة بنت هشام بن المغيرة.

قال: فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه. قال: فخرج إليّ أبو جهل فقال: مرحبا وأهلا بابن أختي. ما جاء بك؟ قال: جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد وصدقت بما جاء به. قال: فضرب الباب في وجهي وقال: قبَّحك الله وقبَّح ما جئتَ به". فهل يستطيع الكاتب الجاهل أن يفهم مغزى هذا كله إن كان عقله هو الذى يملى عليه ما يكتب؟ أم إن لقلبه المظلم الكلمة العليا هنا؟


أما قول الكاتب إن اليهود قبل البعثة كانت تردد أن النبى المنتظر هو نبى كاذب فهو كلام رقيع، وإلا فمن أين له هذه الدعوى؟ لقد حاجّهم القرآن بأنهم كانوا ينتظرون نبيا وأنهم كانوا يستفتحون به على الذين كفروا فى يثرب قائلين لهم إنهم حين يظهر هذا النبى فسوف يتبعونه دونهم ويستأصلون شأفتهم، لكنهم عندما تحقق ما كانوا يتطلعون إليه كانوا أول كافر بذلك الرسول.

فهل يمكن أن يوصف بأنه رسول كاذب؟ لو كان الأمر كذلك ما استفتح اليهود به على كفار يثرب، ولما قرّعهم القرآن على كفرهم به، وإلا فما أسهل الرد على ذلك التقريع بأن يقولوا إنهم كانوا يؤكدون أنه نبى مزيف، فكيف يريد القرآن منهم أن يؤمنوا بدينه؟ ثم هل كان عمر يحرص كل هذا الحرص على نشر الإسلام وتحطيم دولتى الفرس والروم لو كان منافقا؟

ترى منذ متى يحرص المنافقون على نشر ما لا يؤمنون به، وليس هناك قوة خارج نفوسهم تملى عليهم التظاهر بذلك الحرص؟ أم هل كان يحظى باحترام المسلمين جميعا لو كان منافقا؟ لقد رأينا كيف انقلب كثير من المسلمين على ابن سلول بما فيهم ابنه نفسه حين تبدى لهم نفاقه وشغبه على الرسول صلى الله علييه وسلم، وعرض هذا الابن على سيدنا رسول الله أن يقتله لو أراد. فكيف بقى عمر مبجلا مهيب الجانب رغم نفاقه المزعوم؟ ألا لعنة الله على الجهل الحقود!

***

فإذا انتقلنا إلى علىٍّ كرم الله وجهه هالنا أوّلَ شىء أنه فى الوقت الذى كان المسلمون يصلون الصبح فى المسجد حين ضرب أبو لؤلؤة الفاروق بالخنجر كان هو جالسا على باب داره دون صلاة، وعلى دكّة مع أنه لم تكن فى ذلك الحين دكك فى المدينة. ثم هل يجلس الناس بأبواب دورهم فى عتمة الفجر؟ ترى ماذا يفعلون هناك فى ذلك الوقت؟ لقد قيل إنه كان ينتظر أن يأتيه أبو لؤلؤة بالخبر المجرم، خبر اغتياله عمر بن الخطاب، الذى كلفه هو به! لكنْ حاشا لله أن يكون هذا سلوك زوج الزهراء، رضى الله عنه وعن عمر، ولعن المجوسى الكلب.

ثم إذا كان علىٌّ يرى أن عمر قد اغتصبه حقه ويريد أن يغتصب منه فوق ذلك ابنته أم كلثوم، ولا بد إذن من التخلص منه وتخليص الدنيا من شره، فلماذا لم يقم هو بهذا الواجب؟ أكانت تنقصه الشجاعة والبطولة حتى ينزوى فى الظلام ويرسل مجوسيا دنسا كأبى لؤلؤة كى يقتل عمر؟ أهذه هى الشجاعة العلوية؟ أهذه هى البطولة التى عُرِفَتْ به وعُرِفَ رضى الله عنه بها؟ كذلك لم انتظر علىٌّ كل هاتيك السنين منذ اغتصب حقَّه أبو بكر فسكت واستطال سكوته على مدار بضع عشرة سنة ولم يتحرك إلا الآن؟

قد يقول الجاهل الحقود إن عمر كان على وشك الدخول بأم كلثوم فأراد علىٌّ أن يستنقذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يخسر الجلد والسقط على رأى المثل الشعبى المصرى. لكن السؤال: وأين كان علىٌّ من عَقْد عمر عليها فلم ينبض فيه عرق الكرامة إلا فى اللحظة الأخيرة؟ وهل حقا أن عمر لم يدخل بها رضى الله عنه وعنها؟ ألم يقل فريق من الشيعة أنفسهم إن عمر قد دخل بجنية اتخذت شكل أم كلثوم فظهرت كأنها هى، بما يدل على أن الزواج قد تم وانتهى الأمر وأن التمحك فى أبى لؤلؤة والزعم بأنه قتل عمر غضبا لعلى وابنته ورَبْئـــــًابعرضهما أن يُنْتَهَك إنما هو ككل ما يقوله الشيعة فى هذا السبيل سخفٌ متناهٍ لا قِبَل لعقلٍ سليمٍ بقبوله؟

وهذا من وجهة النظر الشيعية، أما لو أخذنا بما يقوله التاريخ فقد تم زواج عمر بأم كلثوم فعلا وأنجب منها رقية وزيدا على ما هو معروف لكل ذى عقل فى ذهنه. أم ترى ينبغى أن نفقد عقلنا نحن أيضا مثل بعض القوم فنقول إن رقية وزيدا هما ابناه من تلك الجنية التى تظاهرت بأنها أم كلثوم بنت على، فنِصْفهما جنى، ونصفهما الآخر إنسى؟ إذن نرجع إلى الأساطير والخرافات التى طلقتها البشرية منذ دهور، لا لشىء إلا لسواد عيون الأغبياء الجهلاء!

وهذا كله، ولم نتحدث بعد عن واجب علىٍّ، واجبه وليس حقه، فى الدفاع عن الركن السادس فى الإسلام حسب قول الشيعة، وهو الركن الخاص بتوليه الخلافة عقب رسول الله ثم ذريته من بعده، إذ قد يجاب بأنه آثر التنازل عن ذلك الحق لسبب أو لآخر شأن أى حق لأى إنسان. ذلك أن المسألة ليست مجرد حق له كرم الله وجهه، بل هى قبل هذا مسألة واجب لا يتم الدين إلا به.

ومعنى ذلك أن عليا قد شارك فى ذلك الإثم، إذ سكت عن أمر الولاية التى تمثل الركن السادس فى الإسلام من وجهة نظر من يقولون إنهم شيعته، وكان ينبغى أن يهبّ فيزيح أبا بكر منذ اللحظة الأولى دون تردد، وهو ما لم يحصل، ويبوء هو بإثمه قبل أى إنسان آخر. ولكننا ننظر فنجده، حين عرض عليه عمه العباس أن يبايعه كى يتولى الخلافة غِبَّ وفاة النبى عليه الصلاة والسلام، يرفض أن يتولاها بهذه الطريقة، ودون أن يُجْمِع عليه المسلمون. وهذا كلام العسكرى فى ذلك الموضوع، والعسكرى شيعى حتى لا يقال إن أهل السنة هم الذين يذيعون هذا الزعم لغرض فى نفوسهم.

وهو موجود فى كتابه: "أحاديث عائشة": "وكان علي لا يشك أن الأمر له، وأنه لا ينازعه فيه أحد من الناس، ولهذا قال له عمه: امدد يدك أبايعك فيقال: عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله، فلا يختلف عليك اثنان. قال: يا عم، وهل يطمع فيها طامع غيري؟! قال: ستعلم! قال: فإني لا أحب هذا الأمر من وراء رتاج (أى فى السر بعيدا عن الناس ورضاهم)، وأحب أن أُصْحِر به (أى أن يكون على مرأى ومسمع من الجميع)، فسكت عنه". إذن فالأمر أمر شورى لا بد فيها من رضا المحكومين. أوليس هذا هو ما نقوله من الصبح؟ فلم الخلاف إذن؟


لقد أكدتُ من قبل أنْ لو كان علىٌّ هو الذى تولى الخلافة بعد النبى لقلنا: "على العين والرأس"، بالضبط مثلما رحبنا بأبى بكر وعمر وعثمان، كل فى وقته. كما قلنا إنهم جميعا أصحاب فضل ونبل، وكلهم أدى خدمات جليلة للإسلام مشكورة غير منكورة. وإذا كان للأقدار رأى آخر فى ترتيب توليهم حكم المسلمين فقد وقع ما وقع وانتهى الأمر.

وإذا كان أبو بكر وعمر أكثر توفيقا فى إدارة شؤون الرعية والدولة من عثمان ثم على فهكذا كانت الظروف، وإلا لقلنا مثلا إن عليا لا يكافئ الشيخين الجليلين فى المقدرة على تصريف الأمور السياسية والإدارية والتعامل مع الرعية، ولم يستطع كرم الله وجهه أن يثبت كفاءته حين جَدّ الجِدُّ فألفى نفسه أمام الواقع المعقد المر بكل شوائبه واضطراباته وحاجته إلى المرونة والدهاء والتنظيم وتقديم الأهم على المهم... وهكذا. لكننا لا نقول شيئا من ذلك.


وعلى أية حال فهأنذا أسوق إلى القراء الكرام خبر زواج عمر من أم كلثوم رضى الله عنهما كما سجله البلاذرى فى "أنساب الأشراف": "حدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده، قال: خطب عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي، رضي الله تعالى عنهم، فقال: إنها صغيرة. فقال: يا أبا حسن، إنما حرصي عليها لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما سببٌ ولا صهرٌ إلا وهو منقطع يوم القيامة إلا سببي وصهري". فقال عليّ: أنا مرسلها إليك لتراها.

فلما جاءته قال لها: قولي لأبيك: إني قد رضيت الحلّة. فأدّت الرسالة، فزوّجه عليّ إياها وأصدقها عمر أربعين ألفا. وقال هشام بن الكلبي: وقد ذكر قوم أنه أصدقها مائة ألف درهم. حدثنا الحسين بن علي بن الأسود، حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن عثمان بن محمد بن عليّ، قال: خرج عمر إلى الناس فقال: رفئوني بابنة رسول الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي".

حدثني محمد بن سعد، حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي، حدثنا سيف بن هارون عن فضل بن كثير عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لمّا ابتنى عمر بأم كلثوم دخل على مشيخة المهاجرين، وكانت تحفته إيّاهم أن صفَّر لحاهم بـمَلاب. وقال ابن الكلبي: وَلَدَتْ أمُّ كلثوم بنتُ عليّ لعُمَر زيدَ بن عُمَر ورقيّةَ بنت عُمَر، فمات زيد وأمه في يوم واحد، وكان موته من شجّة أصابته".

ويتضح من هذا الخبر أن عمر كان حريصا على الإصهار إلى علىٍّ، راغبا أشد الرغبة فى أن يكون بينه وبين رسول الله رابطة نسب، مع الاحترام والتوقير الكاملين لأبيها ورضا الأب بذلك الصهر تمام الرضا، وإلا فهل كان علىٌّ من الجبن بحيث لا يستطيع أن يرفض لعمر مثل هذا الطلب، وبخاصة أنه ليس فى ذلك الرفض شىء يشين الفاروق أو ينال من قدره؟


ويورد ابن عبد ربه هذا الخبر فى كتابه: "العقد الفريد" بشىء من التفصيل: "خطب عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت أبي بكر، وهي صغيرة، فأرسل إلى عائشة، فقالت له: الأمر إليك. فلما ذكرت ذلك عائشة لأم كلثوم قالت: لا حاجة لي فيه. فقالت عائشة: أترغبين عن أمير المؤمنين؟ قالت: نعم. إنه خشن العيش شديد على النساء. فأرسلت عائشة إلى المغيرة بن شعبة فأخبرته، فقال لها: أنا أكفيك.

فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني عنك أمر أُعِيذك بالله منه. قال: ما هو؟ قال: بلغني أنك خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر. قال: نعم. أفرغبتَ بها عني أم رغبتَ بي عنها؟ قال: لا واحدة منهما، ولكنها حَدَثَةٌ نشأت تحت كنف خليفة رسول الله في لين ورفق، وفيك غلظة. ونحن نهابك وما نقدر أن نردك على خلق من أخلاقك، فكيف بها إن خالفتْك في شيء فسطوتَ بها، فكنتَ قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك؟ فقال: كيف لي بعائشة وقد كلمتُها؟ قال: أنا لك بها، وأدلك على خير لك منها: أم كلثوم بنت علي من فاطمة بنت رسول الله. تتعلق منها بسبب من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان علي قد عزل بناته لولد جعفر بن أبي طالب.

فلقيه عمر فقال: يا أبا الحسن، أنكحْني ابنتك أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قد حبستها لابن جعفر. قال: إنه والله ما على الأرض أحد يرضيك من حسن صحبتها بما أرضيك به، فأنكحني يا أبا الحسن. قال: قد أنكحتكها يا أمير المؤمنين. فأقبل عمر فجلس على الروضة بين القبر والمنبر، واجتمع إليه المهاجرون والأنصار، فقال: رَفِّئوني! قالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ قال: بأم كلثوم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي.

وقد تقدمتْ لي صحبة، فأحببت أن يكون لي معها سبب. فولدتْ له أم كلثوم زيد بن عمر ورقية بنت عمر. وزيد بن عمر هو الذي لطم سمرة بن جندب عند معاوية إذ تنقص عليًّا فيما يقال". ويجد القارئ هذا الموضوع أيضا فى "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار" للزمخشرى و"الوافى بالوفيات" لصلاح الدين الصفدى وغيرهما من المراجع، مع بعض التفاصيل الأخرى أحيانا.

ولو لم يكن زواج عمر بحفيدة رسول الله أمرا حقيقيا لما أورده ابن أبى الحديد الشيعى فى شرح كتاب "نهج البلاغة" إذ قال: "روى الزبير بن بكار، قال: خطب عمر أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه، فقال له: إنها صغيرة. فقال: زوجنيها يا أبا الحسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد. فقال: أنا أبعثها إليك، فإن رضيتها زوجتكها. فبعثها إليه ببُرْدٍ، وقال لها: قولي: هذا البرد الذي ذكرته لك. فقالت له ذلك، فقال: قولي له: قد رضيتـُه، رضي الله عنك.

ووضع يده على ساقها، فقالت له: أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك. ثم جاءت أباها فأخبرته الخبر، وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء. قال: مهلا يا بنية، إنه زوجك. فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين في الروضة، وكان يجلس فيها المهاجرون الأولون، فقال: رفئوني، رفئوني. قالوا: بماذا يا أمير المؤمنين? فال: تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل سبب ونسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري…


وروى الطبري في تاريخه أن عمر خطب أم كلثوم بنت أبي بكر فأرسل فيها إلى عائشة، فقالت: الأمر إليها. فقالت أم كلثوم: لا حاجة لي فيه. قالت لها عائشة: ويلك! أترغبين عن أميرالمؤمنين؟ قالت: نعم، إنه يغلق بابه، ويمنع خيره، ويدخل عابسًا، ويخرج عابسًا. فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته، فقال: أنا أكفيك. فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني خبر أعيذك بالله منه! قال: ما هو؟ قال: خطبتَ أم كلثوم بنت أبي بكر? قال: نعم. أفترغب بي عنها أم ترغب بها عني? قال: لا واحدة، ولكنها حدثة نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين ورفق، وفيك غلظة.

ونحن نهابك ولا نستطيع أن نردك عن خلق من أخلاقك، فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها؟ كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك. قال: فكيف لي بعائشة، وقد كلمتها فيها؟ قال: أنا لك بها، وأدلك على خيرمنها: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب. تعلق منها بسبب من رسول الله. فصرفه عنها إلى أم كلثوم بنت فاطمة".


ونفس الشىء نُلْفِيه قبل ذلك فى "تاريخ اليعقوبى"، وهو أيضا مؤلف شيعى معروف: "خطب عمر إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم بنت علي، وأمها فاطمة بنت رسول الله، فقال علي: إنها صغيرة! فقال: إني لم أرد حيث ذهبت. لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري، فأردت أن يكون لي سبب وصهر برسول الله. فتزوجها وأمهرها عشرة آلاف دينار".

وأظن هذا كافيا فى سحق ونسف ما يهرف به مؤلفنا المختلق الكذاب وذَرّه فى يَمّ الإهمال والنسيان.
 

إن كلا من عمر وعلىٍّ عظيم من عظماء التاريخ: كلاهما خدم الإسلام وشَرُفَ بهذه الخدمة، وأضحى جَرّاءَ هذا ملء السمع والبصر على مدى الأزمان، وسيظلان كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولو أن الذين يتعصبون لعلى ويكرهون عمر وغيره من الصحابة العظام فتحوا عقولهم وقلوبهم واستضاؤوا بحب الله حقا لما طاوعتهم نفوسهم على النيل من الفاروق والكذب عليه وتزييف الأخبار والأحاديث التى تعمل على تشويهه عبثا، ولعرفوا له عظمته ونبله وسموقه. إنه وعليا، رضى الله عنهما، صنوان لا غنى لأى منهما عن الآخر.

إنهما كشقى المقص لا يمكن القص إلا بتعاونهما معا. ولعله من المستحسن فى هذا السياق أن ننقل ما ذكره هاشم معروف الحسنى، وهو مؤرخ عراقى شيعى معاصر، في كتابه: "سيرة الأئمة الاثنى عشر"، إذ كتب قائلا: "إن أحدا من المؤرخين لم ينقل عن الإمام علي أنه وقف موقف المعارض لخلافة بن الخطاب وبدا منه ما يسيء إلى صلاته به، بل رضي لنفسه أن يكون كغيره من الناس، ولا ينطق إلا بلسان البررة الأطهار بمنحه النصيحة، ويزوده برأيه كلما أشكل عليه أمر من الأمور". وبالمثل يقول حسن العلوى، وهو شيعى عراقى أيضا، فى كتابه: "عمر والتشيع- ثنائية القطيعة والمشاركة"، إن أيا من المؤرخين لم ينقل "عن الإمام عليّ أنه تهاوش الكلام مع عمر، أو تساجل معه كما يتساجل المعارضون".


ليس ذلك فقط، بل أورد العلوى فى هذا الكتاب أيضا ما هو معروف من أن عليا هو الذى اقترح على عمر رضى الله عنه تخصيص راتب له من بيت المال يمكّنه هو وأسرته من العيش، إذ كان توليه حكم المسلمين يشغله ويأكل وقته فلا يتبقى له فرصة للسعى على المعاش. وهذا نص ما قاله: "أَبَى عمرُ أن يأخذ نفقة من بيت المال مقابل عمله كخليفة حتى دخلت عليه في ذلك خَصَاصة، ولم تعد له تجارة تكفيه، وقد انشغل عنها بأمور الرعية. فعقد مجلسًا للشورى، فأشار عثمان بن عفان إليه أن: كُلْ وأطْعِمْ.

فسأل عمرُ الإمام عليا: ما تقول أنت في ذلك؟ قال الإمام: غَدَاء وعَشَاء. فأخذ عمر بذلك. وقد بيَّنَ عمر حظه من بيت المال فقال: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة قيّم اليتيم: إن استغنيت عنه تركت، وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف". وكما قلنا آنفا فإن عمر كثيرا ما استشار عليًّا فى أمور الخلافة فأشار عليه بإخلاص تام بما يرى أنه ينفع الإسلام والمسلمين، دون أن يجد أية غضاضة فى ذلك على عكس ما يزعمه المتعصبون.

وبالمناسبة فقد سمى الإمام على، رضى الله عنه، ثلاثة من أولاده: أبا بكر وعمر وعثمان. وبحقٍّ يقول حسن العلوى فى هذه النقطة نقلا عن كتاب "الفاروق" لشبلى النعمانى تعليقا على هذا: "ولا يسمي الإنسان أبناءه إلا بأحب الأسماء، وبمن يرى فيهم القدوة المثالية"، علاوة على تزويجه الفاروق بابنته أم كلثوم على ما فصّلنا فى موضع آخر من هذه الدراسة، وقوله بعد أن أثنى عليه وهو واقف أمام جثمانه عقب وفاته: "والله ما على الأرض رجلٌ أحبُّ إليّ من أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجَّى بالثوب".


وأنا، على كل حال، لا أحب أن أفاضل بين الرجلين العظيمين، بل أرى أنهما وأبا بكر وعثمان إخوة فى البطولة والعظمة والسموق، وأن أفضل ما يمكننا فعله هو أن نترك أمر هذه المفاضلة إلى الله سبحانه وتعالى. أما إن أصر البعض على تفضيل علىٍّ على إخوانه أو وَضَعَ أبا بكر وعمر وعثمان قبل على فى المكانة والتقدير فليفعلوا، ولكن دون تنقص من الآخرين، ولينظروا إلى ما كان بين هؤلاء العظماء أحيانا من اختلاف على أنه اختلاف فى الاجتهاد مشروع ومفهوم لا أكثر ولا أقل، إذ البشر لا يمكن أن يكونوا جميعا نسخا طبق الأصل من نموذج واحد، ولا داعى لإثارة الحزازات المذهبية.


إننى أعلم بل متيقن أن هذا الكلام الجميل لن يكون له ولا واحد على المليون من التأثير المرجوّ، لكن من يدرى؟ ربما يكون له تأثير فى المستقبل، وهو ما أرجوه، وإن كنت لا أنتظره فى حياتى.


***


وبالنسبة لاتهام الكاتب للفاروق بالمروق من الدين، رضى الله عن الفاروق ولعن من يتطاول بالباطل عليه، نبدأ بما قيل عن تجميعه المسلمين فى صلاة التراويح، فماذا نجد؟ لنقرأ أولا الحديث التالى، وفيه "أن عمر خرج ليلة في شهر رمضان... فرأى أهل المسجد يصلون أوزاعا متفرقين، فأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في شهر رمضان. فخرج عمر والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: نعمت البدعة هذه".

ولست أفهم كلمة "البدعة" فى هذا السياق على أنها الخروج عن الدين، بل على أنها نظام رآه عمر نافعا فأمضاه. ومعروف أن صلاة الجماعة فى الإسلام تُكْسِب صاحبها أضعاف ثواب الصلاة منفردا. وقد وجد عمر المسلمين يصلون أوزاعا، أى جماعات، متفرقة لا جماعة واحدة. أى كان لهم أكثر من إمام، فجمعهم رضى الله عنه على إمام واحد، إذ رأى أن ذلك أمثل، أى أفضل.

فهو إذن لم ير ذلك فرضا واجبا، بل رآه أفضل، وهذا كل شىء. وهل من عاقل ينكر عليه هذا؟ ولقد كان الناس على عهد الرسول يصلونها خلفه صلى الله عليه وسلم. إلا أنه، لما ألفاهم يتوافدون عليها ليلة بعد ليلة بأعداد متكاثرة، تعمد فى إحدى الليالى ألا يخرج لهم، وأفهمهم أنه قد فعل ذلك كيلا تفرض صلاة القيام عليهم. فعمر إذن لم يبتدع صلاة القيام جماعة، بل جمع المصلين جميعا وراء قائد واحد.


وعلى كل حال فإن عمر، كما سبق أن رأينا، لم يفرض تأدية التراويح على الناس فرضا، بل نظّمها على هذا الوضع، وترك لكل مصلٍّ أن يؤديها بالطريقة التى يراها. وها نحن أولاء الآن يصلى بعضنا التراويح فَذًّا، وبعضنا مع غيره. بل إننا فى بعض المساجد فى مصر قد نرى فى الصلوات المفروضة ذاتها أكثر من جماعة: جماعة تتمهل فى صلاتها على راحتها، وجماعة تعتدل فى اطمئنانها بصلاتها ولا تطيل... وكثيرا ما يصلى المصلى وحده، والجماعة قائمة، لأنه متعجل وراءه موعد هام، أو مسافر يخشى فَوْت المواصلات، أو مريض لا يستطيع تجشُّم تطويل الجماعة... إلخ. وأذكر أنى قرأت فى رحلة ابن جبير أنه كانت تقام فى الحرم الشريف بمكة عدة جماعات لصلاة التراويح فى ذات الوقت: جماعة الشافعية، وجماعة الحنابلة، وجماعة الأحناف، وجماعة المالكية، وجماعة الزيدية (وهم شيعة!).

بل إن بعض الجماعات كان لها أكثر من إمام. ثم إن عليا نفسه، كما جاء خلال الحديث عن قيام رمضان فى "فقه السنّة" للشيخ السيد سابق، كان يجمع الناس فى قيام رمضان: للرجال إمامهم، وللنساء إمامهن. وفى حديث عرفجة أنه كان إمام النساء على عهده، كرم الله وجهه. فما قول المؤلف الجهول فى هذا؟


أما القول بأن عمر رضى الله عنه "قد أمضى الطلقات الثلاث فى مجلس واحد، وبغير شهود، وجعلها طلاقا بائنا، فأمضاها أهل السنة مثلما أمضاها" فهو اجتهاد منه رضى الله عنه لا يلزم غيره. ونحن الآن لا نأخذ بهذا الرأى فى كثير من الأحيان. ألا يعرف الجاهل أن المجتهد له أجر حتى لو أخطأ. فماذا يريد إذن؟ و أخف من هذا ما يقوله عن تحديده، رضى الله عنه، بداية السنة الهجرية بالمحرم لا بربيع الأول، الذى تمت فيه الهجرة. ترى هل هناك نص يقول إن السنة الهجرية لا بد أن تبدأ بربيع الأول؟ وحتى لو قلنا إن بدايتها هى ربيع الأول فإن ذلك لن يحل المشكلة، إذ المعروف أن النبى لم يهاجر فى غُرّة الشهر بل بعد مضىّ ما يقرب من نصفه.

أى أننا حين نجعل بداية السنة من ربيع الأول لن نكون قد أصبنا المحزّ طبقا لما يريده مؤلفنا الغشوم. وإذا كان الأمر على ما يقول ذلك الذى طمس الله على بصيرته، فلماذا يا ترى سكت علىٌّ فلم يعترض على ما صنعه الفاروق؟ أ تراه سيقول إنه كان خائفا أن يبطش به عمر؟ إنه إذن لجبان رعديد، وليس بالبطل الصنديد الذى نعرفه، كرم الله وجهه! وهذا كله بافتراض أن عمر، رضى الله عنه وأرضاه، هو صاحب اقتراح التأريخ بالهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات.

لكنْ فات ذلك الجهول المعترض على الفاروق أن على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، هو صاحب اقتراح بدء التاريخ الإسلامى بالهجرة النبوية وليس عمر. فماذا هو قائلٌ الآن إذن؟ جاء فى كتاب "عمر والتشيع- ثنائية القطيعة والمشاركة" لحسن العلوى، وهو كاتب شيعى كما قلنا من قبل، أن عمر "عقد اجتماعا للمهاجرين والأنصار، فقال: متى نكتب التاريخ؟ فقال له علي بن أبي طالب: منذ خرج النبي (ص) من أرض الشرك. يعني: من يوم هاجَرَ. فكتب ذلك عمر بن الخطاب، وبدأ العمل بالتاريخ الهجري منذ ذلك الحين".

أما زواج المتعة، الذى يمارسه الشيعة رغم شُنْعه، وبخاصة إذا لم تكن هناك ضرورة له مما يجعله أشبه بالزنا لا بالزواج، فمع أن النبى عليه الصلاة والسلام كان قد أحله فإن ذلك لم يدم طويلا، إذ سرعان ما منع المسلمين من ممارسته، وهو ما أخذ به الصحابة جميعا بما فيهم زوج الزهراء رضى الله عنه. ولكى نبتعد عن المماحكات والأخذ والرد الذى لا يأتى بطائل أقول: هَبْ عُمَر وحده من دون الصحابة جميعا هو الذى رأى أنه حرام لا يليق بالمسلم أن يأتيه، أفلا نعد ذلك اجتهادا منه رضوان الله عليه يُؤْجَر بسببه؟ إنه، بكل يقين، لم يخطئ، بل أمضى حكم الإسلام فى هذا الموضوع، وهو الحكم الذى لم يكن كل واحد من المسلمين فى ذلك الوقت يعرفه لأنه لم يكن قد بلغه أن النبى قد عاد فحرمه، فلذلك شدد عمر فى منعه.

أما إذا كان ابن عباس رضى الله عنه يرى حِلِّيّة المتعة فقد كان يرى ذلك فى حالة الضرورة فقط. ويمكن تقريب وجهة نظره إذا ما وضعنا فى أذهاننا مثلا حالة الطلبة المسلمين الذين يذهبون إلى الغرب للدراسة أو للعمل وهم أعزاب، فماذا يفعلون؟ إن ممارسة الجنس هناك أسهل من شرب زجاجة كوكاكولا، وكثير منهم يزنى دون حرج. فلهذا قد يرى بعضٌ أن زواج المتعة فى حالة الاضطرار من فتاة أوربية طوال المدة التى يقضيها المسلم العَزَب هناك أكرم له من الوقوع فى الفاحشة.

 
ومع ذلك فقد رجع ابن عباس عن تحليله هذا الضرب من الزواج حين رأى إسراف بعض الناس فيه. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر كما يقال فإنى أهتبل هذه السانحة فأقتبس من كتاب حسن العلوى عن عمر بن الخطاب السطور التالية عن ذات الموضوع، إذ كتب تحت عنوان "تحريم زواج المتعة" قائلا: "لم أتوقع أن تكون لزواج المتعة، الذي حرمه عمر، هذه الحساسية لدى بيئتي الشيعية حتى عندما نددت بهامش سريع بأهل المتعة في كتابي: "الشيعة والدولة القومية".

وكنت أحسب أن معيار تحليلها وتحريمها مرهون بالمعايير الاجتماعية. وقد عشت خمسين عاما في محيطي البغدادي بين الكرادة الشرقية وكرادة مريم، وكلتاهما كانت شيعية، فلم أسمع قارئا حسينيا أو حديثا على لسان أب أو جد يدور حول المتعة... ولكنني كنت أسمع أن بعض الرجال الموسرين يذهبون إلى إيران ويستمتعون بالنساء هناك.

وعند خروجي إلى سوريا ولبنان كثر المسموع عن زواج المتعة بحكم وجودي كمعارض سياسي سابق قريبا من بيئة إسلامية محضة، وكان جوابي على إشكال التحليل والتحريم أني لست إسلاميا، وأن الحلال فيها والحرام لا أستمده من نص فقهي لحل إشكال كهذا، وإنما من موقف المجتمع إزاءه، وهل هو من الفضائل التي يصرح بها أم من الحالات التي إذا حدثت فعلى نطاق المستور. لا أحب تكرار السؤال المكرر والموجه إلى المتحدثين عن حلالها وإذا كانوا يوافقون على تزويج أحد نسائهم زواج متعة! ولا أدخل في مساجلات يثار فيها زواج المسيار عند أهل السنة وأنواع أخرى بدأت تنشأ في حُجَرٍ مُوصَدة وأمام عيون مفتوحة.

أقول: لست بهذا الصدد، ولكني أرى في المتعة مشهدا لا يتقبله العرف العام، والذوق العام، والشرف العام، والتقليد العام، إذ لا يعقل أن أرى رجلا مع شقيقتي يتغير ثلاث مرات بالسنة إذا كان زواج المتعة بشروطه وعدته، وإلاّ فالخارجون على الشروط يمكن لهم أن يروا مئة رجل لشقيقة واحدة في العام الواحد! فإذا كان ذلك مقبولا في الشرع، فلست ممن يتقيد بهذا الحلال.

وهذه مسألة اجتماعية لا أقترب فيها من نص يحللها أو يحرمها. ولو كان محرِّمها من أهل الجاهلية لما تغير في الأمر شيء ولاتبعته عرب الحاضر عن طيب خاطر مادام ذلك نابعا من طبيعة المجتمع وأخلاقياته التي درج عليها".

هذا، ولا أحسبنى بحاجة إلى إثبات ما كان عمر يشعر به تجاه النبى من إجلال وإكبار، فقد كان رضى الله عنه يؤمن به وبرسالته إيمانا حارا يخالط منه الدم واللحم والعظام، ومن ثم لا يمكن أن يفكر فى الإساءة إليه صلى الله عليه وسلم حتى وهو فى نزعه الأخير.

وتقول بعض الروايات إنه، عليه الصلاة والسلام، دعا فى مرضه ذاك حين اشتدت به الحمّى بشىء يملى على المسلمين فيه كتابا لا يفترقون بعده أبدا، فظن عمر أن مرجع ذلك إلى تأثير تلك الحمى. ذلك أنه، رضى الله عنه، كان يعرف أن فى القرآن الكفاية كل الكفاية وأن الوحى قد انقطع وانتهى الأمر، فلا يمكن أن يكون هناك جديد له هذه الأهمية.

وهل الرسول إلا بشر فى نهاية المطاف؟ ألم يكن ينام؟ ألم يكن يمرض ويتألم ويعانى؟ ألم يكن ينسى ويسهو؟ ألم يكن يرى الرأى من أمور الدنيا ويرى غيره من الصحابة شيئا آخر أوفى بالمراد كما حدث فى مسألة تأبير النخل وفى تحديد الموضع الذى كان على المسلمين أن ينزلوه فى غزوة بدر...؟ فلماذا يثير المؤلف العواصف إذن؟
وإلى القارئ خلاصة ما وقع طبقا لما رواه ابن عباس عن صحيح مسلم : "لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده.

فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله! فاختلف أهل البيت فاختصموا. فمنهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا. قال عبيدالله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم". ترى لو كان الرسول يرى فعلا أن المسلمين يلزمهم كتاب فى ذلك الوقت، أكان يصرف الحاضرين دون أن ينفذ ما كان يعتزم فعله؟

وهنا أود أن أشير إلى ما زعمه الكاتب من قول عمر عن الرسول: "إن الرجل يَهْجُر"، وهو زعم كاذب، إذ لا يمكن أن يشير عمر إلى النبى بكلمة "الرجل" ولا أن يقول عنه إنه "يهجر"، فهذه ليست لغة الفاروق فى الحديث عن نبيه وحبيبه والرجل الذى ترك هو الدنيا كلها وراء ظهره واتبعه من دون العالمين أجمعين فى وقت لم يكن يتبعه فيه إلا كبار المؤمنين من أولى العزم.


كذك لا أحسب القارئ محتاجا إلى أن أبين له سفاهة حكاية السم الذى سقاه أبو بكر وعمر وابنتاهما للنبى عليه السلام فقتله ثم ادَّعَوْا أنهم كانوا يَلُدّونه. ذلك أن المجانين المساعير هم وحدهم الذين يرددون أمثال تلك الحكايات الرقيعة. إن هذا الكلام هو طعن فى صميم القرآن ومصداقيته. أليس يقول الله تبارك وتعالى: "والله يعصمك من الناس"؟ فكيف إذن يجرى فى خَلَد مسلم يؤمن بهذا القرآن وبصدق وعد الله لرسوله أنه سبحانه لم يَفِ لنبيه بما وعده به وترك الناس يقتلونه ولا يعصمه منهم؟

على أى حال هأنذا أسوق حديث اللَّدّ، وقد رواه ابن عباس وعائشة، والنص بروايتها رضى الله عنها، وهو منقول عن البخارى: "لددنا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، فقال: لا تَلُدّوني. فقلنا: كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال: لا يبقى أحد منكم إلا لُدَّ، غير العباس، فإنه لم يشهدكم". من هذا نرى أن العباس كان موجودا، علاوة على أن ابن عباس قد رواه أيضا، ومن ثم فاحتمال أن يكون النبى قد سُمَّ مسألة مستحيلة حتى من الناحية النظرية البحتة.

أما فى الواقع فلا يمكن أن يصدق هذا إلا شخص مخبول مثل ذلك الكاتب أسود القلب. ثم إن كل من فى البيت قد لُدَّ مثلما لُدَّ الرسول. فلو كان الشراب الذى لدّوا به الرسول سما فمعنى ذلك أنهم قد سُمُّوا أيضا. فهل هذا كلام يقوله عاقل؟ ثم إن الرواية لمـّا تتم فصولا، بل يترتب عليها القول بأن عليا وفاطمة، بدلا من الانشغال بفضح من قاموا باغتيال الرسول والعمل على القصاص منهم، كان كل همهما المطالبة بميراثه: هو الميراث السياسى، وهى الميراث المالى. وهكذا ينبغى أن تكون البنوة والأخوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا. وهكذا يقع الشيعة فى غلطة الدبة التى قتلت صاحبها.


ويبقى أمران: أولهما زعم الكاتب الموتور تحريق عمر باب فاطمة وهى بداخل البيت وعدم استجابته لمناشدة الصحابة له ألا يفعل. وهو كلام يروجه الشيعة دون أن يكون له أى أساس، اللهم إلا محض الرغبة فى تشويه صورة الفاروق على عادتهم. وثانيهما ما قاله الكاتب الغشوم عن أبى لؤلؤة ودفاعه عنه وادعاؤه أنه مسلم صادق الإيمان وأنه من المبشَّرين بالجنة وأن زيارة قبره مما يُتَقَرَّب به إلى الله وأنه قد هرب بمعجزة من على بن أبى طالب إلى كاشان...

إلى آخر هذا التخريف الذى لا يدور إلا فى عقل أحمق ولا يصدقه إلا نظير له فى الحماقة، فقد أجمع المسلمون إلا الموتورين من الفاروق أن ذلك العلج كان كافرا، وأنه انتحر حين ضاق الخناق عليه وأمسك المصلون به بعدما ألقى عليه أحد الحضور ثوبا أشل حركته، فما كان منه إلا أن بخع نفسه بذات الخنجر الذى اغتال به عمر رضى الله عنه. ولقد اخترعت الشيعة كل تلك الحكايات الساذجة التافهة لتوفير مكان وزمان يحتفلون فيه بمقتل الفاروق ويظهرون عنده الشماتة فيه. هذا هو تفسيرى للأمر لا أكثر ولا أقل.

ولقد كان أبو لؤلؤة يسمى: "فيروزا"، لكنهم قالوا إن القبر الذى يزعمون أنه قبره كان معروفا منذ أزمان وأزمان بقبر "بابا شجاع الدين". فما صلة هذا بذاك؟ إن هذا ليذكرنا بما يردده القاديانيون من خرافة تقول إن السيد المسيح حين أمسك به أعداؤه ووضعوه على الصليب وسمروا يديه ورجليه قد استطاع بطريقة ما النزول من فوق صليبه، ثم انطلق بعد ذلك شرقا حتى وصل إلى كشمير حيث عاش إلى أن وافته منيته، فمات ودفن هناك فى قبر يطلق عليه: "قبر صاحب". وهذا، كما يرى القارئ، هو كحَذْوِه النعل بالنعل!
 
عن الويكيبيديا:
أبو لؤلؤة المجوسي- اغتيال عمر
الروايات السنية:
"صحيح البخاري" (جزء 3 - صفحة 1353 - رقم 3497): عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بأيام المدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف. قال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حملناها أمرا هي له مطيقة ما فيها كبير فضل. قال: انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق. قالا: لا. فقال عمر: لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا.

قال: فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب. قال عمرو بن ميمون: إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال: استووا، حتى إذا لم ير فيهم خللا تقدّم فكبّر. وربما قرأ سورة "يوسف" أو "النحل" أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس. فما هو إلا أن كبّر فسمعته يقول: قتلني الكلب، حين طعنه. فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة. فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا. فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه.

وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه. فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله! سبحان الله! فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة. فلما انصرفوا قال عمر: يا ابن عباس، انظر من قتلني. فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصَّنَع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله. لقد أمرت به معروفا. الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدَّعي الإسلام.


قال ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/ 345): أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب، قال: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة، يذكر له غلاما عنده صَنَعًا ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول: إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس. إنه حداد نقاش نجار. فكتب إليه عمر فأذن له أن يرسل به إلى المدينة. وضرب عليه المغيرة مئة درهم كل شهر، فجاء إلى عمر يشتكي إليه شدة الخراج. فقال له عمر: ماذا تحسن من العمل؟ فذكر له الأعمال التي يحسن.

فقال له عمر: ما خراجك بكثير في كنه عملك. فانصرف ساخطا يتذمر. فلبث عمر ليالي، ثم إن العبد مر به فدعاه فقال له: ألم أحدَّث أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح. فالتفت العبد ساخطا عابسا إلى عمر، ومع عمر رهط، فقال: لأصنعن لك رحى يتحدث بها الناس. فلما ولى العبد أقبل عمر على الرهط الذين معه فقال لهم: أوعدني العبد آنفا!


فلبث ليالي ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في غلس السحر، فلم يزل هناك حتى خرج عمر يوقظ الناس للصلاة صلاة الفجر، وكان عمر يفعل ذلك. فلما دنا منه عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق، وهي التي قتلته، ثم انحاز أيضا على أهل المسجد فطعن من يليه حتى طعن سوى عمر أحد عشر رجلا، ثم انتحر بخنجره.

فقال عمر حين أدركه النزف وانقصف الناس عليه: قولوا لعبد الرحمن بن عوف فليصل بالناس. ثم غلب عمرَ النزفُ حتى غشي عليه. قال ابن عباس: فاحتملت عمر في رهط حتى أدخلته بيته ثم صلى بالناس عبد الرحمن، فأنكر الناس صوت عبد الرحمن. فقال ابن عباس: فلم أزل عند عمر، ولم يزل في غشية واحدة حتى أسفر الصبح. فلما أسفر أفاق فنظر في وجوهنا فقال: أصلى الناس؟ قال فقلت: نعم. فقال: لا إسلام لمن ترك الصلاة.

ثم دعا بوضوء فتوضأ ثم صلى ثم قال: اخرج يا عبد الله بن عباس فسل من قتلني. قال ابن عباس: فخرجت حتى فتحت باب الدار، فإذا الناس مجتمعون جاهلون بخبر عمر. قال فقلت: من طعن أمير المؤمنين؟ فقالوا: طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. قال: فدخلت، فإذا عمر يبدهني النظر يستأني خبر ما بعثني إليه. فقلت: أرسلني أمير المؤمنين لأسأل من قتله، فكلمت الناس فزعموا أنه طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ثم طعن معه رهطا ثم قتل نفسه. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط. ما كانت العرب لتقتلني.


روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (جزء 44 - صفحة 441) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: لما طعن عمر وكانتا طعنتين خشي أن يكون له ذنب إلى الناس لا يعلمه فدعا عبد الله بن عباس، وكان يحبه ويأتمنه، فقال: أحب أن تعلم: عن ملأ من الناس كان هذا؟ فخرج ابن عباس ثم رجع إليه فقال: يا أمير المؤمنين، ما أتيت على ملأ من المسلمين إلا يبكون كأنما فقدوا اليوم أبناءهم. قال: فمن قتلني؟ قال: أبو لؤلؤة المجوسي عبد المغيرة بن شعبة. قال: فرأينا البشر في وجهه، وقال: الحمد لله الذي لم يقتلني رجل يحاجني بلا إله إلا الله يوم القيامة. أما إني قد كنت نهيتكم أن تحملوا إلينا من العلوج فعصيتموني.


ويتفق أهل السنة أن الدافع وراء أبي لؤلؤة هو حقده على عمر لقيامه بفتح بلاد فارس. قال ابن تيمية في "منهاج السنة": "وأبو لؤلؤة كافرٌ باتّفاق أهل الاسلام، كان مجوسيا من عباد النيران... فقتل عمر بغضا في الإسلام وأهله، وحبا للمجوس، وانتقاما للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم". لكنهم يختلفون إن كان هناك من شارك أبا لؤلؤة أم لا.

إذ إن عبد الرحمن بن أبي بكر قد رأى، غداة طُعِن عمر، أبا لؤلؤة والهرمزان (قائد فارسي غدر بالمسلمين ثم ادعى الإسلام) وجفينة (نصراني من الحيرة) يتناجون. ولما رأوا عبد الرحمن سقط منهم خنجر له رأسان. وهذه الشهادة هي التي جعلت عبيد الله بن عمر يتسرع فيشتمل على سيفه فيقتل به الهرمزان، ويهم بقتل جفينة.


الروايات الشيعية:

كان أبو لؤلؤة مسلما من شيعة علي. قال الميرزا عبد الله الأفندي: "إن فيروز قد كان من أكابر المسلمين والمجاهدين، بل من خُلَّص أتباع أمير المؤمنين علي عليه السلام". وقال: "والمعروف كون أبي لؤلؤة من خيار شيعة علي". وتذكر بعض الروايات أنه نجا بعد مقتل عمر وهرب إلى مدينة قاشان الإيرانية حيث مات فيها.


تراثه:


قبر أبو لؤلؤة المجوسي في إيران تدعي عائلة "عظيمي" في مدينة قاشان في إيران الانتساب إليه، ويزعم أبناؤها أنهم من ذريته. ويسميه الشيعة: بابا شجاع الدين. ويوجد مقام في مدينة قاشان في إيران يُزْعَم انه مقام أبي لؤلؤة. وفي مؤتمر الدوحة للحوار بين المذاهب الإسلامية لعام 2007 طالب بعض الحاضرين بإعلان دعوة صريحة من المراجع الدينية الشيعية تتوجه إلى الحكومة الإيرانية من أجل إزالة المرقد.

وقال الدكتور محمد علي آذر شب الأستاذ بجامعة طهران: إنه لا يمكن إزالة مزار أبي لؤلؤة من إيران. واعتبر أن هذا المزار يعبر عن تيار ديني في إيران لسنا أوصياء عليه. بل أضاف في عناد واضح أنه ليس من حق دعاة التقريب ولا من رسالتهم أن يطالبوا بإزالة هذا المزار.

و قد ذكر آية الله التسخيري، وهو أحد كبار المرجعيات الشيعية في إيران، في مقابلة مع قناة العربية في 24 -1-2007 "أن أبا لؤلؤة رجل مجرم أقيم عليه الحد في المدينة المنورة ودفن فيها، ولم تنقل جثته إلى إيران. والقبر الموجود في كاشان مجرد مكان وهمي ليس له اعتبار، ولا يزوره أحد". وقد قامت الحكومة الإيرانية في شهر يونيو/ حزيران 2007 بإغلاق المزار للزيارات تمهيدا لهدمه ، ولكن هناك العديد من التقارير الصحفية التي تؤكد عدم صحة هذه التصريحات التي قالها التسخيري .
 
عمر ............... لكم أعشق هذا الرجل , الذي أجري الله الحق علي قلبه و لسانه كما قال المصطفي صلي الله عليه و سلم , يكون كافرا , والكافر الذي قتله يكون مؤمنا ,,,,,, لا يقول هذا الا ضال .
 
لا عقول لا دين لا تفكير

ما الناتج

انا الان مسجل فى منتدى شيعى لاتابع الوضع عن قرب

هجبلكم شوية مواضيع هتموتوا من الضحك لما تشوفوها جاحة مسخرة

وليس لنا الا ان نقول اللهم اهدى كل ضال وانر عقولهم يا كريم

واسترنا دنيا واخره بكرمك​
 
عمر بن الخطاب:


أكبر صنم فى تاريخ البشرية؟!




1_1221_1524_39.jpg





د. إبراهيم عوض

قرأت بآخرةٍ فى عدد من المواقع المشباكية أن مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة قد أدان كتابا يسىء إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه عنوانه: "فصل الخطاب فى تاريخ قتل ابن الخطاب" لمؤلف شيعى اسمه أبو الحسين الخوئينى. ومن يطلع على الكتاب يجد أن المؤلف قد ألحق به رسالة مسيئة كذلك إلى الفاروق تحمل اسم "شهادة الأثر على إيمان قاتل عمر" ادعى فيها أن "التابعي الشهم" أبا لؤلؤة فيروز النهاوندي (المعروف بأبى لؤلؤة المجوسى) كان مسلما قوى الإيمان وأنه من أهل الجنة.

جزاك الله كل خير اخي ahmed_egعلى هذا الموضوع الرائع
ولكن اقدم احتجاجي على كتابة كلمة( الشهم ) بجانب اسم هذا الزنديق الخنزير ابو لؤلؤة لعنة الله عليه واطالب بحذفها
فوالله ليس هو بشهم انما كافر قاتل مجوسي ولا اقبل على نفسي ان احمل معه نفس اللقب :mad:
 
جزاكم الله كل الخير على هذا الموضوع الرائع وفقكم الله لطاعته ورضوانه وجزى الله الكاتب كل الخير
رحم الله القائل ياليت بيننا وبين فارس جبل من نار
 
... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
عجبت لمن ياجم الصحابة ثم يدعى أنه مسلم!!!!
هؤلا المنافقين يهاجمون صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومقصدهم واضح... مهاجمة النبي بحد ذاته ... اللهم رد كيد الكائدين ... إلى نحورهم!
 
عودة
أعلى