بسم الله الرحمن الرحيم،
أسعد الله صباحكم بكل خير ومسرة أيها الإخوة والأخوات. هذا موضوع بسيط عن تحليلي الشخصي للحرب العالمية اليوم.
الرئيس ترامب ضغط على الزر الأحمر. زر سلاح الدمار الاقتصادي الشامل. الحرب بدأت بين الصين وأمريكا ومن الصعب إيقافها والهدف الأكيد واحد: إخراج الصين من موقعها كأهم لاعب داخل النظام العالمي الحالي. هذا الأمر ضروري جدا لاكتمال اجراءات الانتقال للنظام العالمي الجديد New world order.
قبل عدة اسابيع قررت عمالقة الصناعة اليابانية بدء اجراءات الانسحاب من الصين. كيف يجب ان نفكر في أمر مهم كهذا؟ ردود الفعل تراوحت ما بين سطحية الى عميقة الى خارج السياق. البعض قال: سوف ترتفع الاسعار وتخرج اليابان من المنافسة ببساطة لانه لا يوجد بديل لليد العاملة الصينية منخفضة التكلفة. البعض الاخر قال ان اليابان هي مجرد مستعمرة امريكية تنفذ أوامر الرئيس الامريكي ضدا عن مصلحتها "ناس ما عندهمش سيادة". وبين هذين التقييمين تراوحت التقييمات المختلفة. في الحقيقة اننا اليوم في عين العاصفة حرفيا ونحن نشهد منذ عدة سنوات الحرب العالمية الجديدة. الحرب التي سيكون فيها كل شيء مباحا لتحطيم عظام الطرف الآخر من الحروب بالوكالة لمحاولة اختطاف مواقع في الكرة الارضية والاستعداد لتضيق خيارات الطرف الاخر الاقتصادية.
يجب ان لا تخطيء في التقييم عزيزي القاريء. هناك معسكر واحد الآن في العالم وهو معسكر الولايات المتحدة الأمريكية. وفي صالة اليانصيب التاريخية يوجد مراهنات مختلفة لكن الرهان الأكبر على الأمريكيين. كل من هو خارج هذا المعسكر غير قادر على المنافسة او المقاومة ومصيره في يوم من الايام الانضمام لهذا المعسكر. نحن نتجه إلى كوكب بإدارة واحدة على المستوى العملي. حتى يحدث ذلك الأمر يجب تدمير الصين شر تدمير وجعلها ظل لما هي عليه اليوم. هذه هي حقيقة الأحداث وهذا ما سوف يحدث. تأكد من هذا الكلام او كما يقول الامريكيين take it to the bank.
لكن الطريق نحو الاضرار بالصين سيكون طريقا محفوفا بالأهوال وليس طريقا سهلا. الصين ليست إيران تذوي تحت العقوبات في الظلام وتطلق صاروخا هنا او تلغم سفينة هناك ثم تهرب. الصين اذا ارادت ان تكون شريرة فسوف تكون شريرة حقا وليس كلام. خذ كل الاشرار على ظهر الكوكب واضربهم في مليار، هذه الصين وما تستطيع فعله ضد العالم.
السؤال: ماهو دورنا كعرب ومسلمين تجاه هذه الحرب العالمية ومالذي ينبغي علينا التنبه إليه؟
هناك تقييم أسمعه كثيرا لدى الثقفين العرب وهو أن الصين هي العملاق القادم وأن أمريكا انتهى عصرها وأن العالم الآن يجهز نفسه لوراثة الصين للمشروع العالمي الأمريكي.
شخصيا أرى هذا التقييم تقييم خاطيء وخطير. قاله المثقفين العرب أيام الحرب الباردة وراهنوا الرهان التاريخي الخاطيء ووضعوا كل أموالهم في صالة القمار التاريخية على السوفييت وتدمر السوفييت شر تدمير وأصبح هولاء المثقفين يصارعون للبقاء في دول أصبح كثير منها في الإنعاش.
إن المراهنة التاريخية اليوم يجب أن تكون على الولايات المتحدة الأمريكية وليس غيرها. لا يوجد خيار اليوم يمكن ان نقول عنه انه خيار القرن القادم سوى الولايات المتحدة الأمريكية. هذه هي قناعتي وهي مبنية على عدة عوامل:
الاول: النظام العالمي بأكمله صممته الولايات المتحدة الأمريكية لمصالحها هي، وهذا النظام العالمي لا زال يضخ الاموال من كل حدب وصوب للخزينة الأمريكية. هذا عدى عن امتلاك أمريكا العناصر المؤثرة لخلق صناعات بأكملها وقطاعات بأكملها فهي السباقة بشكل يمكن توقعه predictable فيما يخص التطوير الاقتصادي والصناعي والخدمي حول العالم. محاولة أي دولة العبث بهذا النظام العالمي = حرب عالمية. ولهذا السبب الصين قررت أن تلعب داخل النظام العالمي المصنوع أمريكيا وتحاول الانتصار فيه وأخذ مكان الامريكيين كأهم لاعب داخل المنظومة. قناعتي أن هذا التفكير مع أنه ذكي وقليل التكلفة إلا أنه من المستحيل أن ينجح فالكتلة الغربية لن تقبل بوجود لاعب مؤثر لدرجة سحب البساط من تحت أقدامهم. وبعد فشل سياسة الرئيس أوباما في احتواء الصين pivot to Asia جاء دور إخضاع الصين بطريقة شبه خشنة.
من هذا التقييم الأولي نستنتج: على العرب الذين يبحثون عن مصالحهم ومصالح شعوبهم ويرغبون في تحقيق نمو مستمر في نصف القرن القادم عدم المراهنة على الصين نهائيا وابقاء العلاقات معها كعلاقات مصدر ومورد وفي حدود الصناعات دون الوقوف نهائيا مع اي اجرآءات اقتصادية صينية تهدف لانهاء النظام العالمي الحالي فهذا الخيار يشبه من اختاروا المعسكر السوفييتي في القرن العشرين. انظروا لهم اليوم واتعظوا.
ثانيا: الصين نفسها دولة تعتمد أساسا على التصدير والاستثمار الخارجي المتواصل داخلها. في حال عضت نياب الاجراءات الامريكية الاقتصادية الاقتصاد الصيني فسوف يدخل فورا في دوامة كساد سوداء سريعة ومدمرة. فالانفجار السرطاني الاقتصادي تقليديا يعقبه سكتة دماغية اقتصادية تطول.
من يراهنون على بقاء الصين كقوة عظمى في العالم يرهنون مصالح مواطنيهم ببلد مصيره الكساد الاقتصادي وقد نشاهد تخلخل النظام الاجتماعي داخل الصين لهذا السبب مما يشغل الصين بداخلها لعدة عقود قبل أن تلتفت لأعداءها الغربيين. وما تحركاتهم الاجرامية ضد المسلمين الا تحسبا لاستخدام الغرب لهم كورقة ضغط في التجاذب الدولي الحاصل بين الفريقين.
ثالثا: نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يتغير بالتدريج وبالإرادة الأمريكية. نحن ننتقل من نظام كانت أمريكا هي الضامن فيه للعالم إلى نظام تضمن فيه أمريكا مصالحها وحلفائها فقط. الارتباط اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية هو القرار الصائب. فبعد أن كانت امريكا هي من يضمن مصادر الطاقة ونقلها عبر البحار. أصبح هذا الأمر لا يعني الأمريكيين كثيرا والمطلوب من كل بلد أن يحمي شحناته النفطية. اختفى التهديد السوفييتي والاصطفاف الدولي ضد السوفييت فلم يعد للسياسة الدفاعية الامريكية حاجة في من تحملهم على ظهرها لمواجة السوفييت من المعسكر الغربي. صحيت اوروبا على فكر امريكي جديد لا تعرف كيف تتعامل معه. وبلد خلف بلد بدأوا في تقييم الحقيقة. بريطانيا قررت الانفكاك من اوروبا ودخول المعسكر الامريكي الجديد. فرنسا لا زالت تقيم الوضع وأظنها أكثر دولة لا تفهم الذي يجري حاليا. وبين هاذين النقيضين تعيش الدول الاوروبية.
رابعا: القرار الروسي. أمريكا تحتاج روسيا لمواجهة الصين. لا جدال في هذا الأمر. لكن نقطة الجوهر هي: هل يرغب الروس في الابتعاد عن الصين والانضمام للضغط الامريكي عليها؟ هنا السؤال الذي سيحدد شكل اللعبة القادمة وإن كانت ستكون ناعمة أم خشنة. الروس يحتاجون الامريكيين بشدة في كل مجال. رفع العقوبات، الدعم، تطبيع المواقف الروسية الخ سيكون اول ثمرات التعاون الروسي ضد الصين.
قناعتي الشخصية ان بوتين سوف ينضم للحلف الامريكي ضد الصين. لأنه رجل حاد الذكاء. أيضا قناعتي الشخصية أن الأمر لو ترك لرئيس آخر غير بوتين فالطباع الشخصية للروس سوف تجعلهم يختارون المعسكر الخطأ ليقفوا مع الصين. هذا الوقوف سوف يبطيء من الانهيار الصيني القادم لكنه لن يمنعه وسيخرج الروس من هذه العاصفة كأحد أكبر الخاسرين في العالم.
سيولد من رحم هذه الحرب شكل جديد للعالم. وسيكون أهم مكان لتحقيق الانجازات الدولية ليس الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن. بل واشنطن دي سي. وعلينا المراهنة بشكل صحيح فصالة اليانصيب الدولية فتحت والجميع الان يضع رهانه للقرن القادم.
شخصيا، أضع رهاني على الولايات المتحدة الامريكية وأشعر بالشفقة على من يظن غير ذلك وأعتقد أن نفس من راهن على السوفييت هم من سيراهنون على الصين. وفي توقعي سوف يخسرون. الطباع الشخصية أحيانا كثيرة تغلب التفكير المنطقي البراجماتي السليم.
تحية،
التعديل الأخير: