أردوغان خسر الأصدقاء.. مع الأعداء

قائد اللواء

صقور الدفاع
إنضم
26 نوفمبر 2011
المشاركات
6,369
التفاعل
26,500 25 0
189100


لم تكن بداية النهاية لشعبية أردوغان كقائد لتركيا وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم مع الانتخابات المحلية الأخيرة لإسطنبول وحسب، بل قبل سنوات طويلة وفي أوساط الحزب وبين رفقاء المصير السياسي، لتشتد التحديات مع الأنباء عن انقلاب عسكري في تركيا، حيث بدأ بالابتعاد أو الإبعاد القسري عن الحزب الذي بات أكثر استبدادية، أقرب أعضاء «العدالة والتنمية» لأردوغان، مثل الرئيس السابق عبدالله غول ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو المنتمين للحزب الحاكم، ولكن بعد صمت طويل قرروا مواجهة ما وصفوه بـ»سطوة أردوغان».
أردوغان يحمي «العلمانية» في تركيا ويطبّق تجاربه الراديكالية في «سورية»
إلا أن هذه الوجوه لم تشكل خطراً حقيقياً على أردوغان إلا مؤخراً، وذلك مع تردد أنباء عن تشكيل حزب يضم رجالات «العدالة والتنمية» الذين فقدوا الثقة بأردوغان حيث يعمل على تأسيس الحزب بابا جان، وزير الخارجية الأسبق، ومحمد شيمشك الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ليمثل روح حزب «العدالة والتنمية» التي صادرها أردوغان خدمة لزعامته على حد تصريحاتهم.

وفي هذا السياق، حاورت «الرياض» أحد رجالات «العدالة والتنمية» الذين فقدوا الثقة بقدرة أردوغان على خدمة الحزب وتركيا، وهو الوزير الأسبق للخارجية التركية يسار ياكيس، والذي قال لـ»الرياض»: إن السياسات الخارجية التركية التي أطلقها أردوغان تتعارض مع نهج تركيا الحديث الذي أطلقه مصطفى كمال أتاتورك، حيث حذّر وكيل أتاتورك الأول لوزارة الخارجية من ضرورة عدم التدخل بشؤون دول الجوار الداخلية للحفاظ على علاقات منسجمة مع المنطقة تفيد كل البلدان على حد سواء، العرف الذي كسرته تركيا في عهد أردوغان.
من جانب آخر، يشير ياكيس إلى أن التطورات الأخيرة في تركيا وتدهور شعبية «أردوغان» ستمنعه في المرحلة القادمة من إطلاق خطط وخطابات شعبوية للخارج ليركز على إرضاء الداخل التركي، الأمر الذي بدأت تظهر بوادره من خلال قرار برلماني لمشرعين مقربين من أردوغان بتغيير النهج مع السوريين بما في ذلك «اللاجئون» غير القادرين على العودة لبلادهم.

كما يرى ياكيس، أن «العدالة والتنمية» الذي وصل برسائل تصالحية مع الأكراد في بداية عهده، خسرهم بسبب سياسات أردوغان ليسهم الأكراد في هزيمة الحزب في إسطنبول، وما يزيد مأساة أردوغان هو أنه يخسر أصوات «نقيض» الأكراد أيضاً اليوم وهم القوميون.
وقال ياكيس لـ»الرياض»: إن ما يصدره أردوغان للمجتمعات العربية يتناقض مع قيم العلمانية المتجذرة في تركيا، وإن قيم «الراديكالية» التي فشل في تطبيقها على الأتراك جرب تطبيقها على السوريين في مناطق سيطرته.
  • كتبتَ في إحدى تدويناتك، "قادة العدالة والتنمية رأوا في الربيع العربي وسيلة للعودة إلى العصر العثماني".. كيف ينظر الشعب التركي إلى هذه الرؤية المحاكية لعصور استبدادية يفترض أن تركيا تخلصت منها؟
  • الرأي العام التركي منقسم بشدة حول هذا الموضوع.. جزء من مؤيدي العدالة والتنمية أرادوا في البداية التدخل في شؤون الدول الجارة ولكن مع مرور الوقت بدأت تظهر التبعات السلبية لهذه السياسة ولم يبق لهذا النموذج في تركيا سوى جزء ضئيل جداً من المؤيدين، بينما ترفض الأغلبية بشكل قاطع هذه التدخلات بسبب تبعاتها على الاقتصاد التركي وعلاقاتنا.
حكومة أردوغان من جانبها محتارة، فهي تخسر ماء وجهها إذا تخلت عن كل الوعود والعهود الشعبوية الكبرى التي قطعتها ولا تمت بصلة للشعب التركي ورغباتها، ولكن من باب آخر بدأت بداية النهاية للحزب الحاكم تلوح في الأفق مع انتخابات إسطنبول ولذلك لا مناص من تغيير هذه الرؤية التي أخذت تركيا والحزب الحاكم لخسائر لا حصر لها.
  • بالنظر إلى التجربة التي صدّرتها تركيا إلى الدول التي وصلتها، نرى تناقضا كبيرا.. فبينما يتمتع الشعب التركي بقيم حياة علمانية خالصة، تخضع مناطق سيطرة تركيا في سورية لأقسى التنظيمات المتشددة التي تفرض وبرعاية تركية أسلوب حياة خانق للسوريين.. لماذا يدعم "العدالة والتنمية" التشدد في بلدان الجوار بينما فشل في سلب "الأتراك" قيم العلمانية؟
  • تركيا وشعبها لديهم تاريخ عميق ومتجذر من الإيمان بقيم العلمانية ويرفض تغيير هذا الواقع، نعم العدالة والتنمية لم يتمكن من فرض نظام محافظ على الأتراك أو تغيير نمط معيشتهم على أي مستوى، على العكس، تحاول الحكومة أن تطمئن الشعب التركي المعتاد على هذه المبادئ بأن "العدالة والتنمية" متمسك بها أيضاً ولن يفرط بعلمانية تركيا.
في سورية، وجد حزب العدالة والتنمية ضالته في مدن فقيرة ومحافظة بطبيعتها، أقدر أن أقول إن بعض المدن السورية التي وصلت إليها تركيا، كان من السهل فيها إقناع الناس بقيم "راديكالية" وفرضها على حياتهم وكان من اليسير المتاجرة بالبضاعة الأردوغانية الدينية في أوساطهم.. طبعاً هذا التوجه التركي الذي انطلق من سورية يستخدمه الحزب الحاكم للترويج لنفسه خارج تركيا فقط.
  • السؤال الأبرز في واشنطن اليوم هو كيف سترد إدارة ترمب على صفقة إس - 400.. كيف ترى أثر هذه الخطوة على المدى البعيد للعلاقة التركية - الأميركية؟
  • بغض النظر عن شكل العقوبات ومستواها، ستؤدي هذه الخطوة إلى توتر العلاقة على المدى البعيد.
تركيا طلبت فعلاً من واشنطن منظومة "باتريوت" وواشنطن وحكوماتها المتعاقبة لم تقبل بيع المنظومة الأميركية لتركيا رغم أن المنظومة الأميركية يبلغ ثمنها 3,5 مليارات دولار، مقابل 2,5 مليار دولار ثمن إس - 400.. حتى هذه اللحظة تحاول أنقرة إرضاء واشنطن عبر الاستمرار بمحاولة شراء باتريوت أي الاحتفاظ بالمنظومتين، ولكن الخطوة من دون شك ستغير من منحى العلاقة.
  • خسر العدالة والتنمية إسطنبول لأول مرة الشهر الماضي.. من أبرز التحليلات أن الأكراد الذين تعرضوا للعزل من الحزب الحاكم أسهموا في هزيمة "العدالة والتنمية" بتصويتهم للمعارضة.. من جانب آخر نرى أردوغان يسمح شخصياً برفع العزلة عن القائد الكردي "أوجلان" الذي ينعته بـ "الإرهابي".. هل يلوح في الأفق سلام حكومي مع الأكراد أم المزيد من العداء؟
  • نعم كانت الأصوات الكردية عاملاً حاسماً في وضع حزب العدالة والتنمية على بداية نهاية عهده في حكم تركيا. ولكن التحديات تتنوع ولا تترك لأردوغان مخارج سهلة، القوميون أيضاً والذين لأجلهم تحول حزب العدالة والتنمية من داع للسلام مع الأكراد في بداية عهده إلى تركي قومي رافض للأكراد، لم يصوتوا بما فيه الكفاية لحزب أردوغان وأرسلوا إشارات ببداية التخلي عنه.
أي أن أشد المتناقضات تتفق على الابتعاد عن شخص أردوغان (القوميون والأكراد)
أمام هذه الوقائع، والتوتر التركي مع الأكراد في سورية وتركيا، لا أرى أن الأكراد سيثقون مجدداً في حزب العدالة والتنمية.
  • عملتَ كسفير سابق في المملكة العربية السعودية.. كيف تصف السياسات الخارجية التركية الحالية المتوترة مع معظم القوى الإقليمية ودول الجوار؟
  • تركيا في عصر أردوغان أخطأت وأخذت مسارا جديدا في السياسات الخارجية مع الدول العربية.
سياستنا التركية وأقصد تركيا الحديثة تقوم على مبادئ صارمة متمثلة بعدم الانخراط بالشؤون العربية وخاصة الداخلية، هذه كانت نصيحة مصطفى كمال أتاتورك في العام 1943 لوكيل وزارة الخارجية التركية مع إطلاق سياساتنا الخارجية الحديثة.

لقد بقينا كتركيا ملتزمين بهذا النهج لمدة 80 عاما، ما جعلنا شريكا للدول العربية بشكل متساو ومعتدل.

حكومة أردوغان ارتكبت خطأ تاريخيا بتغيير هذا النهج، والشعب التركي واقتصادنا يدفع اليوم الثمن ويتحمل عواقب هذه المقامرة.
مع تغير تركيا اليوم وانحدار شعبية العدالة والتنمية نرى الحزب الحاكم مجبر على تغيير بعض السياسات، فيوم أمس في البرلمان التركي، أعلن برلمانيون تابعون لأردوغان عن عزمهم تغيير السياسات تجاه اللاجئين السوريين وتضييق الخناق عليهم بسبب ضغوطات الشعب التركي.

لم يعد من السهل بعد هزيمة إسطنبول المتاجرة بسياسات خارجية عبثية على حساب الشعب التركي.



1000_6e677e136f.jpg



 
عودة
أعلى