دور الصين الرئيسي في تطوير وتحديث برنامج التسليح الإيراني وأبعاد علاقاتهما الدفاعية
إعداد: عبير البحرين
المنتدى العربي للدفاع والتسليح
مدخل
هذا التقرير يوضح أبعاد العلاقات الدفاعية بين إيران والصين، من الناحيتين السياسية والاستراتيجية فيما يتعلق بالجوانب الدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية)، وانعكاساتها الهامة على الدور الرئيسي للصين في تطوير وتحديث برنامج التسليح الإيراني، لاسيما الترسانة الصاروخية الإيرانية، ومدى استفادة الصناعة الدفاعية الإيرانية سواءً من المساعدة الصينية الحكومية أو من الكيانات الصينية مثل الشركات التي تزود إيران بمكونات وتكنولوجيا أنظمة الصواريخ. علاوة على ذلك، يوضح المراحل التي مرت بها العلاقات الدفاعية الإيرانية - الصينية، وكيف أن إيران بإستمرار تسعي لرفع مستوى العلاقات مع الصين إلى مستوى تحالف استراتيجي. في هذا الصدد، تعد دبلوماسية الدفاع أداة مهمة في العلاقات الدولية، ويمكن أن توضح الآلية الأساسية التي تجعل من دبلوماسية الدفاع أداة جيوسياسية فعّالة.
على الرغم من قلة المراجع والدراسات العربية والأجنبية التي تتناول الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية - الصينية في الأدبيات الأمنية والعسكرية الدولية، إلا أن هذه العلاقة لها آثار مهمة على الأمن الإقليمي لشرق آسيا وإقليم الخليج العربي والشرق الأوسط. أصبح هذا المفهوم - على وجه التحديد بعد عام 2013 - الدينامية المركزية للعلاقة المعقدة بين إيران والصين، حيث أرسى كلا البلدين سلسة من الإجراءات والتدابير لبناء الثقة في العلاقات الثنائية والتبادلات الدفاعية - العسكرية. في هذا المعنى، سعى البلدان إلى تطوير علاقات المنفعة المتبادلة في ظل بيئة دولية وإقليمية شبه مستقرة.
سوف نناقش كيف أن الدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية) بين الصين وإيران تطورت، وكان لها التأثير المباشر على دور الصين الرئيسي في تطوير وتحديث البرامج التسليحية الإيرانية وبالخصوص الترسانة الصاروخية، وكذلك مساعدة الصين لإيران في برنامجها النووي، وكيف أن إيران استفادت وحصلت على الأسلحة ومكونات وتكنولوجيا صينية تدخل في صناعة أنظمة الصواريخ، والدعم والمساعدة في تقينة "المعرفة" Know-how والهندسة العكسية لاستنساخ هذه الأسلحة الصينية. وفي هذا الصدد سوف نستعرض الصواريخ والأسلحة الإيرانية التي سواءً حصلت عليها من الصين أو قامت باستنساخها من الأسلحة الصينية. كما نسلط الضوء على الدور الصيني في دعم ومساعدة استراتيجية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج" الإيرانية. وسوف نستعرض محددات وقيود العلاقات الدفاعية الصينية الإيرانية، وما الطرق التي سلكتها الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية لتحديث برنامج عسكري مستمر مع الصين يعمل على توسيع قدرات القوة التسليحية لإيران. ومع ذلك، نستخلص إلى أنه بسبب الاعتبارات السياسية للصين ودور الولايات المتحدة في هذا الصدد فإن العلاقات الدفاعية الصينية الإيرانية تظل في صعود وهبوط وبين المد والجزر.
مقدمة
تعود العلاقات المتينة بين الصين وإيران إلى حقبة إمبراطورية "الهان" والإمبراطورية "البارثية" (أو الأشكانيون)، حين كانت الحضارتان شريكتان تجاريتين على "طريق الحرير" القديم. ومع الفتح الإسلامي للإمبراطورية الفارسية الساسانية في القرن السابع الميلادي، طلب بيروز الثالث - إبن الملك الساساني يزدجرد الثالث - اللجوء إلى الصين، التي كانت حينئذٍ تحت حكم سلالة تانغ بزعامة الإمبراطور غازونغ، وقد منحه هذا الأخير الإقامة في البلاد. وبعد سقوط نظام الشاه ونجاح الثورة في عام 1979، مرت السياسة الخارجية الإيرانية بتغيير جذري ودخلت مرحلة جديدة، ووجدت طهران نفسها معزولة على الساحة الدولية. ومع انهيار علاقاتها مع الغرب، كان يتحتم عليها الاعتماد على موردين آخرين، مثل الصين، للحصول على الأسلحة. في حين قبل الثورة، كانت واشنطن المصدر الرئيسي لتزويد إيران بالأسلحة الأكثر تطوراً المتوفرة في ذلك الوقت.
في السنوات التي تلت ثورة 1979، عززت طهران من علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع بكين. خلال الحرب الإيرانية العراقية كان للصين دور حيوي في تعزيز جهود إيران الحربية. ومع مرور الوقت، أصبحت الصين أقل حلفاء إيران من القوى الكبرى الغير جديرة بالثقة - ناهيك عن القول أكثرها جدارة بالثقة - وشكّلت محوراً أساسياً لحفظ التوازن أمام الولايات المتحدة. وخلال حرب إيران المنهكة مع العراق التي دامت ثماني سنوات، كانت الصين هي القوة الكبرى الوحيدة التي زودت إيران بالأسلحةـ [أنظر: وثائق سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA كُشفت عنها في 20 أغسطس 2010 عن حجم الدعم العسكري الصيني لإيران خلال الحرب الإيرانية - العراقية]. ومن الأهمية بمكان، أن نشير بأن بكين كانت أيضاً تزود بغداد بالعتاد العسكري في حربها مع إيران.
وفي عام 1985، وقعت حكومتا الصين وإيران اتفاقاً سرياً للتعاون النووي خلال زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني آنذاك أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الصين. وازداد التعاون بين البلدين بشكل متواصل حتى عام 1997، عندما أدت الضغوط الأميركية حول أزمة مضيق تايوان في العام الذي سبق، إلى دفع الصين لتعليق مساعداتها لطهران في المجالين النووي وتطوير الصواريخ بعد الضغوط التي مارستها واشنطن على بكين وفرض عقوبات على كيانات صينية في عام 1999. بيد أن، بحلول ذلك الوقت، كانت السنوات الطويلة المتتالية (1985 - 1999) من الدعم العسكري والتقني الصيني قد ساعدت إيران على إنشاء قاعدة صناعية محلية لبناء وإنتاج الصواريخ التي تشكل اليوم ركيزة أساسية في استراتيجيتها الدفاعية. وساعدت الصين جهود إيران في تطوير وتحديث أجهزتها العسكرية وعقيدتها من خلال نقل التكنولوجيا العسكرية، ومبيعات الأسلحة وأنظمة الصواريخ الباليستية التكتيكية، وأنظمة الأسلحة التي تستخدم في "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، ناهيك عن تأسيس منشآت ومصانع داخل إيران بالشراكة مع الصين، ومساعدة صينية كبيرة في برامج الهندسة العكسية لاستنساخ الأسلحة وتصنيعها محلياً.
لقد أدت احتياجات الصين المتزايدة للطاقة إلى تقارب صيني إيراني؛ طورت علاقات الصين للوصول إلى سوق مهم لصادرات النفط الإيرانية حيث أن العقوبات أدت إلى عزل إيران عن بقية أسواق الطاقة العالمية. في المقابل، حصلت إيران على سلع استهلاكية رخيصة والعملة الصعبة من الصين، فضلاً عن مساعدات في التنمية داخل إيران ودعم في مجلس الأمن للأمم المتحدة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، والحصول على أسلحة صينية وتوطين تقنيات ومكونات تدخل في صناعة أنظمة صاروخية. بالإضافة إلى ذلك، تحافظ الصين وإيران على العداء المشترك تجاه الولايات المتحدة، وعلاقة ثقافية تستند إلى طريق الحرير التجاري التاريخي الذي يمتد لمئات السنين.
إن الجانب العسكري للعلاقات الصينية الإيرانية هو الذي يزعج العديد من المراقبين في الغرب. لقد لعبت الصين دوراً مهماً في تطوير قدرات إيران في مجال المنطقة المحرّمة/منع الولوج (A2/AD)، وزودتها بمجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة المفيدة لإستراتيجية (A2/AD). إن تركيز إيران على توظيف واستثمار مواردها في دعم استراتيجية A2/AD تشير إلى استعدادها بشكل متزايد لشن معركة غير متكافئة ضد عدو أكثر قدرة تقليدية مثل الولايات المتحدة، والاستفادة من خفة الحركة والسرعة وتكتيكات القيادة والسيطرة (C2) اللامركزية، بالتوازي مع الأسلحة المتقدمة المضادة للسفن والطائرات، للدفاع عن أصولها في البر الرئيسي. كما أن يشير الدعم الصيني المستمر للبرنامج العسكري الإيراني للمنطقة المحرّمة/منع الولوج إلى أن بكين تنظر إلى إيران كقوة عسكرية بالوكالة في الشرق الأوسط، وقد تأمل في استخدامها لممارسة الضغط على القوات الأميركية وتقييد امدادات النفط الغربية في حال نشوب نزاع صيني أميركي في المحيط الهادئ.
وكجزء لا يتجزأ من الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية، لعبت الروابط العسكرية دوراً متزايد الأهمية في العلاقات الخارجية الإيرانية، وتحديداً بعد عام 1997 خلال فترة وزير الدفاع الإيراني السابق علي شمخاني. وعلى النقيض من ذلك، استهلت دبلوماسية الصين الدفاعية حقبة جديدة من التنمية الشاملة والقنوات المتعددة منذ أن أطلقت الصين "مسيرة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي" وذلك قبل نحو ثلاثة عقود، وخاصة بعد دعوة الجلسة الرابعة المكتملة لـ اللجنة المركزية الثالثة عشرة للحزب الشيوعي الصيني في عام 1989. [أنظر: New Era for China's Military Diplomacy].
نمت العلاقات بين الصين وإيران، وخاصة التعاون الدفاعي ودبلوماسية الدفاع أو دبلوماسية العسكر، ومرت على 3 مراحل؛ المرحلة الأولى، من منتصف الثمانينيات حتى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وهي مرحلة التأسيس والتمكين، والصعود في العلاقات الدفاعية بين البلدين وتأسيس قاعدة صناعة دفاعية في إيران بدعم ومساعدة صينية، والاستفادة من نقل وتوطين المكونات والتكنولوجيا الصينية للصواريخ والأنظمة الأخرى. المرحلة الثانية، من بداية الألفية إلى 2012 وهي مرحلة تتسم بالصعود والهبوط وبين المد والجزر نظراً لما شهدته إيران خلال تلك السنوات من أزمات مع المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي وفرض العقوبات عليها من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومع ذلك، فإن المرحلة الثانية تتسم بظهور الإستراتيجية الإيرانية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج". المرحلة الثالثة، من 2013 لغاية 2018 - 2019 عند انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ومن ثم فرض العقوبات الأميركية على إيران، وهي مرحلة اتسمت بالنهوض من جديد والصعود والقوة نظراً لتغيير الرئاسة الإيرانية، حيث تم الدفع بشخصية جديدة (حسن روحاني) ليتولى رئاسة إيران، وروحاني يختلف عن سلفه محمود أحمدي نجاد، حيث نجح في الدخول في المفاوضات النووية مع الدول الخمس + 1، ومن ثم التوقيع على الاتفاق النووي ورفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، وبالتالي فُتحت الأبواب أمام الصين من جديد وكذلك أمام الكيانات الصينية مثل شركات التكنولوجيا ومصنعي المكونات التي تدخل في الأنظمة الصاروخية.
عندما تولى حسن روحاني منصبه في عام 2013، أجرت الحكومة الإيرانية تعديل على البعض من تكتيكاتها واستراتيجياتها لتحقيق أهداف أساسية مثل السياسة الخارجية وبرامج الأمن الدفاعي من أجل بناء الثقة وتقليل الشكوك الدولية. واستمراراً لهذا النهج، تحسنت العلاقات الصينية - الإيرانية بشكل عام منذ توقيع الدول الخمس + 1 وإيران على "اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي" في 24 نوفمبر 2013. وفقاً لذلك، وافقت الصين وإيران في مايو 2014 على تعميق العلاقات الدفاعية، إستناداً لمحادثات رفيعة المستوى بين وزير الدفاع الصيني "تشانغ وان تشيوان" ونظيره الإيراني "حسين دهقان" في محاولة لتوسيع العلاقات الدفاعية الثنائية. لذلك، تشير المصادر أن المحادثات الصينية الايرانية المشتركة كانت تُجري في قنوات متعددة، حول توسيع التعاون الدفاعي الثنائي والتبادل العسكري. وهذا يعني أن العلاقات الدفاعية الرسمية بين إيران والصين قطعت سلسلة من الخطوات في عهد روحاني وفي عصر "الصفقة النووية" مع الدول الخمس +1، وشملت زيارات قيادية رفيعة المستوى واتصالات غير مسبوقة بين موانئ البلدين وقواتهما البحرية.
كما يوضح هذا التقرير، إن إيران تعتقد بأن التطورات الدفاعية مع الصين سوف يضمن للأخيرة بالظهور على الساحة الدولية كقوة عسكرية محتملة مضادة للنظراء في المنطقة، أي قوة مضادة للولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، ترى إيران بأن من شأن هذه التغييرات أن تؤدي إلى بزوغ تعاون استراتيجي واضح مع الصين من حيث التأثير الاستراتيجي على المسرحين الاقليمي والدولي. ويعتقد الساسة الإيرانيون بأنه مع توسع النفوذ الصيني، سينخفض الضغط الغربي عليهم وستتاح لإيران مساحة أكبر لمتابعة مصالحها وإبراز هيمنتها على إقليم الخليج العربي والشرق الأوسط. لكن السؤال القائم: هل هذا يعني بأن الصين فعلياً تتفق مع هذا التكتيك الإيراني؟ وهل هي ملزمة بإقامة تحالف إستراتيجي مع إيران؟.
للإجابة على هذا السؤال، يتعين على المرء أن يحلل العديد من العوامل التي لعبت أدواراً محورية في تشكيل الوفاق الصيني الإيراني. حيث أن الصين وإيران تواجهان مصالح متضاربة حول العديد من القضايا. رغم أن البعض في الصين يجد في دعم إيران فرصة لإخضاع الولايات المتحدة إستراتيجياً، فالصين لا تميل بشكل عام لإحتضان إيران بشكل كامل خوفاً من الإضرار بعلاقاتها ليس فقط بالولايات المتحدة وبسمعتها على الساحة الدولية، وإنما أيضاً الإضرار بعلاقاتها المتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية المزود الرئيسي والأكبر لموارد الطاقة للصين. ويرى العديد من الإيرانيين أن الصين تستغل إيران إقتصادياً وتستخدمها كورقة مساومة ضد الولايات المتحدة،
وبالنظر إلى تضارب المصالح بين الصين وإيران، يتعيّن على دول الخليج العربي وبالتحديد المملكة العربية السعودية إستخدام أدواتهم الدبلوماسية للاستمرار في إحباط قدرات إيران التسليحية ولا سيما الترسانة الصاروخية التي تستمد قوتها من التعاون الدفاعي الصيني، وإيقاف برنامجها النووي في شقه العسكري، والضغط على الصين للحد من علاقاتها مع إيران.
وفي الوقت نفسه، يهدف هذا التقرير إلى تصنيف محتوى الدبلوماسية الدفاعية الصينية الإيرانية لتوضيح الصورة والخصائص العامة، ولا سيما النوايا الاستراتيجية لتبادلهما العسكري. ومع ذلك، هناك العديد من العقبات في فهم الدبلوماسية العسكرية الصينية، بيد أن هناك بعض التقدم في تمثيل الوضع في الوثائق الرسمية التي يمكن أن توفر فهماً للنوايا الحقيقية وراء السلوك الفعلي للصين.
ومن أهم العناوين العريضة التي تتضمن التقرير: 1 - الإطار المفاهيمي للدبلوماسية الدفاعية مع التركيز على الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية، 2 - محددات وقيود العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية، 3 - أبعاد العلاقات العسكرية الصينية - الإيرانية، ودور الصين الرئيسي في تحديث وتطوير برنامج التسليح الإيراني، مع شرح مفصل للمراحل الثلاثة التي مرت بها العلاقات العسكرية الصينية الإيرانية، 4 - حجم التعاون والتبادلات العسكرية، 5 - برنامج الصواريخ الباليسيتة وصواريخ الكروز والبرنامج النووي، وحجم الخبراء والفنيين والمهندسين والعمال الصينيين في إيران، 6 - مستقبل العلاقات الصنيية - الإيرانية مع شرح لعناصر هذا المستقبل: اعتبارات استراتيجية، عدم اليقين في التحالف الاستراتيجي، ومعوقات التحالف الإستراتيجي. بالاضافة إلى المقدمة والاستنتاج.
إعداد: عبير البحرين
المنتدى العربي للدفاع والتسليح
مدخل
هذا التقرير يوضح أبعاد العلاقات الدفاعية بين إيران والصين، من الناحيتين السياسية والاستراتيجية فيما يتعلق بالجوانب الدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية)، وانعكاساتها الهامة على الدور الرئيسي للصين في تطوير وتحديث برنامج التسليح الإيراني، لاسيما الترسانة الصاروخية الإيرانية، ومدى استفادة الصناعة الدفاعية الإيرانية سواءً من المساعدة الصينية الحكومية أو من الكيانات الصينية مثل الشركات التي تزود إيران بمكونات وتكنولوجيا أنظمة الصواريخ. علاوة على ذلك، يوضح المراحل التي مرت بها العلاقات الدفاعية الإيرانية - الصينية، وكيف أن إيران بإستمرار تسعي لرفع مستوى العلاقات مع الصين إلى مستوى تحالف استراتيجي. في هذا الصدد، تعد دبلوماسية الدفاع أداة مهمة في العلاقات الدولية، ويمكن أن توضح الآلية الأساسية التي تجعل من دبلوماسية الدفاع أداة جيوسياسية فعّالة.
على الرغم من قلة المراجع والدراسات العربية والأجنبية التي تتناول الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية - الصينية في الأدبيات الأمنية والعسكرية الدولية، إلا أن هذه العلاقة لها آثار مهمة على الأمن الإقليمي لشرق آسيا وإقليم الخليج العربي والشرق الأوسط. أصبح هذا المفهوم - على وجه التحديد بعد عام 2013 - الدينامية المركزية للعلاقة المعقدة بين إيران والصين، حيث أرسى كلا البلدين سلسة من الإجراءات والتدابير لبناء الثقة في العلاقات الثنائية والتبادلات الدفاعية - العسكرية. في هذا المعنى، سعى البلدان إلى تطوير علاقات المنفعة المتبادلة في ظل بيئة دولية وإقليمية شبه مستقرة.
سوف نناقش كيف أن الدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية) بين الصين وإيران تطورت، وكان لها التأثير المباشر على دور الصين الرئيسي في تطوير وتحديث البرامج التسليحية الإيرانية وبالخصوص الترسانة الصاروخية، وكذلك مساعدة الصين لإيران في برنامجها النووي، وكيف أن إيران استفادت وحصلت على الأسلحة ومكونات وتكنولوجيا صينية تدخل في صناعة أنظمة الصواريخ، والدعم والمساعدة في تقينة "المعرفة" Know-how والهندسة العكسية لاستنساخ هذه الأسلحة الصينية. وفي هذا الصدد سوف نستعرض الصواريخ والأسلحة الإيرانية التي سواءً حصلت عليها من الصين أو قامت باستنساخها من الأسلحة الصينية. كما نسلط الضوء على الدور الصيني في دعم ومساعدة استراتيجية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج" الإيرانية. وسوف نستعرض محددات وقيود العلاقات الدفاعية الصينية الإيرانية، وما الطرق التي سلكتها الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية لتحديث برنامج عسكري مستمر مع الصين يعمل على توسيع قدرات القوة التسليحية لإيران. ومع ذلك، نستخلص إلى أنه بسبب الاعتبارات السياسية للصين ودور الولايات المتحدة في هذا الصدد فإن العلاقات الدفاعية الصينية الإيرانية تظل في صعود وهبوط وبين المد والجزر.
مقدمة
تعود العلاقات المتينة بين الصين وإيران إلى حقبة إمبراطورية "الهان" والإمبراطورية "البارثية" (أو الأشكانيون)، حين كانت الحضارتان شريكتان تجاريتين على "طريق الحرير" القديم. ومع الفتح الإسلامي للإمبراطورية الفارسية الساسانية في القرن السابع الميلادي، طلب بيروز الثالث - إبن الملك الساساني يزدجرد الثالث - اللجوء إلى الصين، التي كانت حينئذٍ تحت حكم سلالة تانغ بزعامة الإمبراطور غازونغ، وقد منحه هذا الأخير الإقامة في البلاد. وبعد سقوط نظام الشاه ونجاح الثورة في عام 1979، مرت السياسة الخارجية الإيرانية بتغيير جذري ودخلت مرحلة جديدة، ووجدت طهران نفسها معزولة على الساحة الدولية. ومع انهيار علاقاتها مع الغرب، كان يتحتم عليها الاعتماد على موردين آخرين، مثل الصين، للحصول على الأسلحة. في حين قبل الثورة، كانت واشنطن المصدر الرئيسي لتزويد إيران بالأسلحة الأكثر تطوراً المتوفرة في ذلك الوقت.
في السنوات التي تلت ثورة 1979، عززت طهران من علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع بكين. خلال الحرب الإيرانية العراقية كان للصين دور حيوي في تعزيز جهود إيران الحربية. ومع مرور الوقت، أصبحت الصين أقل حلفاء إيران من القوى الكبرى الغير جديرة بالثقة - ناهيك عن القول أكثرها جدارة بالثقة - وشكّلت محوراً أساسياً لحفظ التوازن أمام الولايات المتحدة. وخلال حرب إيران المنهكة مع العراق التي دامت ثماني سنوات، كانت الصين هي القوة الكبرى الوحيدة التي زودت إيران بالأسلحةـ [أنظر: وثائق سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA كُشفت عنها في 20 أغسطس 2010 عن حجم الدعم العسكري الصيني لإيران خلال الحرب الإيرانية - العراقية]. ومن الأهمية بمكان، أن نشير بأن بكين كانت أيضاً تزود بغداد بالعتاد العسكري في حربها مع إيران.
وفي عام 1985، وقعت حكومتا الصين وإيران اتفاقاً سرياً للتعاون النووي خلال زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني آنذاك أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الصين. وازداد التعاون بين البلدين بشكل متواصل حتى عام 1997، عندما أدت الضغوط الأميركية حول أزمة مضيق تايوان في العام الذي سبق، إلى دفع الصين لتعليق مساعداتها لطهران في المجالين النووي وتطوير الصواريخ بعد الضغوط التي مارستها واشنطن على بكين وفرض عقوبات على كيانات صينية في عام 1999. بيد أن، بحلول ذلك الوقت، كانت السنوات الطويلة المتتالية (1985 - 1999) من الدعم العسكري والتقني الصيني قد ساعدت إيران على إنشاء قاعدة صناعية محلية لبناء وإنتاج الصواريخ التي تشكل اليوم ركيزة أساسية في استراتيجيتها الدفاعية. وساعدت الصين جهود إيران في تطوير وتحديث أجهزتها العسكرية وعقيدتها من خلال نقل التكنولوجيا العسكرية، ومبيعات الأسلحة وأنظمة الصواريخ الباليستية التكتيكية، وأنظمة الأسلحة التي تستخدم في "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، ناهيك عن تأسيس منشآت ومصانع داخل إيران بالشراكة مع الصين، ومساعدة صينية كبيرة في برامج الهندسة العكسية لاستنساخ الأسلحة وتصنيعها محلياً.
لقد أدت احتياجات الصين المتزايدة للطاقة إلى تقارب صيني إيراني؛ طورت علاقات الصين للوصول إلى سوق مهم لصادرات النفط الإيرانية حيث أن العقوبات أدت إلى عزل إيران عن بقية أسواق الطاقة العالمية. في المقابل، حصلت إيران على سلع استهلاكية رخيصة والعملة الصعبة من الصين، فضلاً عن مساعدات في التنمية داخل إيران ودعم في مجلس الأمن للأمم المتحدة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، والحصول على أسلحة صينية وتوطين تقنيات ومكونات تدخل في صناعة أنظمة صاروخية. بالإضافة إلى ذلك، تحافظ الصين وإيران على العداء المشترك تجاه الولايات المتحدة، وعلاقة ثقافية تستند إلى طريق الحرير التجاري التاريخي الذي يمتد لمئات السنين.
إن الجانب العسكري للعلاقات الصينية الإيرانية هو الذي يزعج العديد من المراقبين في الغرب. لقد لعبت الصين دوراً مهماً في تطوير قدرات إيران في مجال المنطقة المحرّمة/منع الولوج (A2/AD)، وزودتها بمجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة المفيدة لإستراتيجية (A2/AD). إن تركيز إيران على توظيف واستثمار مواردها في دعم استراتيجية A2/AD تشير إلى استعدادها بشكل متزايد لشن معركة غير متكافئة ضد عدو أكثر قدرة تقليدية مثل الولايات المتحدة، والاستفادة من خفة الحركة والسرعة وتكتيكات القيادة والسيطرة (C2) اللامركزية، بالتوازي مع الأسلحة المتقدمة المضادة للسفن والطائرات، للدفاع عن أصولها في البر الرئيسي. كما أن يشير الدعم الصيني المستمر للبرنامج العسكري الإيراني للمنطقة المحرّمة/منع الولوج إلى أن بكين تنظر إلى إيران كقوة عسكرية بالوكالة في الشرق الأوسط، وقد تأمل في استخدامها لممارسة الضغط على القوات الأميركية وتقييد امدادات النفط الغربية في حال نشوب نزاع صيني أميركي في المحيط الهادئ.
وكجزء لا يتجزأ من الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية، لعبت الروابط العسكرية دوراً متزايد الأهمية في العلاقات الخارجية الإيرانية، وتحديداً بعد عام 1997 خلال فترة وزير الدفاع الإيراني السابق علي شمخاني. وعلى النقيض من ذلك، استهلت دبلوماسية الصين الدفاعية حقبة جديدة من التنمية الشاملة والقنوات المتعددة منذ أن أطلقت الصين "مسيرة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي" وذلك قبل نحو ثلاثة عقود، وخاصة بعد دعوة الجلسة الرابعة المكتملة لـ اللجنة المركزية الثالثة عشرة للحزب الشيوعي الصيني في عام 1989. [أنظر: New Era for China's Military Diplomacy].
نمت العلاقات بين الصين وإيران، وخاصة التعاون الدفاعي ودبلوماسية الدفاع أو دبلوماسية العسكر، ومرت على 3 مراحل؛ المرحلة الأولى، من منتصف الثمانينيات حتى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وهي مرحلة التأسيس والتمكين، والصعود في العلاقات الدفاعية بين البلدين وتأسيس قاعدة صناعة دفاعية في إيران بدعم ومساعدة صينية، والاستفادة من نقل وتوطين المكونات والتكنولوجيا الصينية للصواريخ والأنظمة الأخرى. المرحلة الثانية، من بداية الألفية إلى 2012 وهي مرحلة تتسم بالصعود والهبوط وبين المد والجزر نظراً لما شهدته إيران خلال تلك السنوات من أزمات مع المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي وفرض العقوبات عليها من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومع ذلك، فإن المرحلة الثانية تتسم بظهور الإستراتيجية الإيرانية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج". المرحلة الثالثة، من 2013 لغاية 2018 - 2019 عند انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ومن ثم فرض العقوبات الأميركية على إيران، وهي مرحلة اتسمت بالنهوض من جديد والصعود والقوة نظراً لتغيير الرئاسة الإيرانية، حيث تم الدفع بشخصية جديدة (حسن روحاني) ليتولى رئاسة إيران، وروحاني يختلف عن سلفه محمود أحمدي نجاد، حيث نجح في الدخول في المفاوضات النووية مع الدول الخمس + 1، ومن ثم التوقيع على الاتفاق النووي ورفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، وبالتالي فُتحت الأبواب أمام الصين من جديد وكذلك أمام الكيانات الصينية مثل شركات التكنولوجيا ومصنعي المكونات التي تدخل في الأنظمة الصاروخية.
عندما تولى حسن روحاني منصبه في عام 2013، أجرت الحكومة الإيرانية تعديل على البعض من تكتيكاتها واستراتيجياتها لتحقيق أهداف أساسية مثل السياسة الخارجية وبرامج الأمن الدفاعي من أجل بناء الثقة وتقليل الشكوك الدولية. واستمراراً لهذا النهج، تحسنت العلاقات الصينية - الإيرانية بشكل عام منذ توقيع الدول الخمس + 1 وإيران على "اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي" في 24 نوفمبر 2013. وفقاً لذلك، وافقت الصين وإيران في مايو 2014 على تعميق العلاقات الدفاعية، إستناداً لمحادثات رفيعة المستوى بين وزير الدفاع الصيني "تشانغ وان تشيوان" ونظيره الإيراني "حسين دهقان" في محاولة لتوسيع العلاقات الدفاعية الثنائية. لذلك، تشير المصادر أن المحادثات الصينية الايرانية المشتركة كانت تُجري في قنوات متعددة، حول توسيع التعاون الدفاعي الثنائي والتبادل العسكري. وهذا يعني أن العلاقات الدفاعية الرسمية بين إيران والصين قطعت سلسلة من الخطوات في عهد روحاني وفي عصر "الصفقة النووية" مع الدول الخمس +1، وشملت زيارات قيادية رفيعة المستوى واتصالات غير مسبوقة بين موانئ البلدين وقواتهما البحرية.
كما يوضح هذا التقرير، إن إيران تعتقد بأن التطورات الدفاعية مع الصين سوف يضمن للأخيرة بالظهور على الساحة الدولية كقوة عسكرية محتملة مضادة للنظراء في المنطقة، أي قوة مضادة للولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، ترى إيران بأن من شأن هذه التغييرات أن تؤدي إلى بزوغ تعاون استراتيجي واضح مع الصين من حيث التأثير الاستراتيجي على المسرحين الاقليمي والدولي. ويعتقد الساسة الإيرانيون بأنه مع توسع النفوذ الصيني، سينخفض الضغط الغربي عليهم وستتاح لإيران مساحة أكبر لمتابعة مصالحها وإبراز هيمنتها على إقليم الخليج العربي والشرق الأوسط. لكن السؤال القائم: هل هذا يعني بأن الصين فعلياً تتفق مع هذا التكتيك الإيراني؟ وهل هي ملزمة بإقامة تحالف إستراتيجي مع إيران؟.
للإجابة على هذا السؤال، يتعين على المرء أن يحلل العديد من العوامل التي لعبت أدواراً محورية في تشكيل الوفاق الصيني الإيراني. حيث أن الصين وإيران تواجهان مصالح متضاربة حول العديد من القضايا. رغم أن البعض في الصين يجد في دعم إيران فرصة لإخضاع الولايات المتحدة إستراتيجياً، فالصين لا تميل بشكل عام لإحتضان إيران بشكل كامل خوفاً من الإضرار بعلاقاتها ليس فقط بالولايات المتحدة وبسمعتها على الساحة الدولية، وإنما أيضاً الإضرار بعلاقاتها المتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية المزود الرئيسي والأكبر لموارد الطاقة للصين. ويرى العديد من الإيرانيين أن الصين تستغل إيران إقتصادياً وتستخدمها كورقة مساومة ضد الولايات المتحدة،
وبالنظر إلى تضارب المصالح بين الصين وإيران، يتعيّن على دول الخليج العربي وبالتحديد المملكة العربية السعودية إستخدام أدواتهم الدبلوماسية للاستمرار في إحباط قدرات إيران التسليحية ولا سيما الترسانة الصاروخية التي تستمد قوتها من التعاون الدفاعي الصيني، وإيقاف برنامجها النووي في شقه العسكري، والضغط على الصين للحد من علاقاتها مع إيران.
وفي الوقت نفسه، يهدف هذا التقرير إلى تصنيف محتوى الدبلوماسية الدفاعية الصينية الإيرانية لتوضيح الصورة والخصائص العامة، ولا سيما النوايا الاستراتيجية لتبادلهما العسكري. ومع ذلك، هناك العديد من العقبات في فهم الدبلوماسية العسكرية الصينية، بيد أن هناك بعض التقدم في تمثيل الوضع في الوثائق الرسمية التي يمكن أن توفر فهماً للنوايا الحقيقية وراء السلوك الفعلي للصين.
ومن أهم العناوين العريضة التي تتضمن التقرير: 1 - الإطار المفاهيمي للدبلوماسية الدفاعية مع التركيز على الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية، 2 - محددات وقيود العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية، 3 - أبعاد العلاقات العسكرية الصينية - الإيرانية، ودور الصين الرئيسي في تحديث وتطوير برنامج التسليح الإيراني، مع شرح مفصل للمراحل الثلاثة التي مرت بها العلاقات العسكرية الصينية الإيرانية، 4 - حجم التعاون والتبادلات العسكرية، 5 - برنامج الصواريخ الباليسيتة وصواريخ الكروز والبرنامج النووي، وحجم الخبراء والفنيين والمهندسين والعمال الصينيين في إيران، 6 - مستقبل العلاقات الصنيية - الإيرانية مع شرح لعناصر هذا المستقبل: اعتبارات استراتيجية، عدم اليقين في التحالف الاستراتيجي، ومعوقات التحالف الإستراتيجي. بالاضافة إلى المقدمة والاستنتاج.
التعديل الأخير: