الجزائر تحتضن مئة هرم دائري تضم أسرارا لا تقل غموضا عن نظيرتها المصرية أو السودانية.
الحديث عن الأهرامات في الوطن العربي يعيد إلى أذهاننا الأهرامات المصرية التي تروي منذ آلاف السنين الحضارة الفرعونية ونالت شهرتها من الترويج السياحي لها، ومن الأهرامات التي مازالت شامخة أهرامات النوبة في السودان وهي من العجائب التي غابت عن خارطة العالم السياحية، وهناك أيضا أهرامات متوزعة على طول الجزائر وعرضها ما زالت تخفي أسرارها، وأصبحت عرضة للتخريب والسرقة وأصاب بعضها التدهور والتلف، رغم أنّها تعكس قوة حضارة عريقة.
تيارت (الجزائر) – يستمر عشرون طالبا في الآثار مع أساتذتهم على معاينة الأضرار التي لحقت بأهرامات لجدار بمنطقة فرندة في محافظة تيارت، وينظفون بالفرشاة والماء الرموز المنقوشة على بعض الأحجار قبل قياسها، وهي عملية دقيقة قد تتطلب ساعتين لكل رمز، وذلك استعدادا لتقديم ملف إدراجها ضمن التراث العالمي من جانب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) ما يسمح بحمايتها ودراستها.
وتحتضن الجزائر مئة هرم تضم أسرارا لا تقل غموضا عن نظيرتها المصرية أو السودانية، ويؤكد باحثون أنها شيدت بالاعتماد على مواقع النجوم، كما يؤكد آخرون أنها تمتص الطاقة السلبية وتولّد شعورا بالراحة عند دخولها.
وتحتوي منطقة فرندة في محافظة تيارت (250 كيلومترا جنوب غرب الجزائر العاصمة) وحدها على 13 هرما تعرف باسم مدافن لجدار، بنيت بين نهاية القرن الرابع والقرن السابع للميلاد، وهي مربعة القاعدة يتراوح عرضها بين 11.5 متر و46 مترا، وبارتفاع يصل إلى نحو 18 مترا.
يقول الباحث الجزائري في التاريخ وعلم الآثار بشير صحراوي، “في هذه المنطقة التابعة لمحافظة تيارت، يوجد 13 هرما تسمى لجدار، وتكوّن مجموعتين متباعدتين عن بعضهما بنحو ستة كيلومترات، توجد ثلاثة منها في جبل الخضر وعشرة أخرى في جبل عراوي، وتبدو كآثار جنائزية وأضرحة لملوك عظماء حكموا الممالك الأمازيغية قبل تأسيس نوميديا من طرف ماسينيسا”.
وأكثر الأهرام الجزائرية عراقة هي المغارات الخمس التي تستوعبها بلدية فرندة بتيارت، بينها المغارة التي كتب فيها العلاّمة عبدالرحمن بن خلدون المقدمة الشهيرة.
وهناك أهرام أخرى كالهرم النوميدي “إمدغاسن” الموجود بمدينة بوميا التابعة لمحافظة باتنة ويعود بناؤه إلى القرن الثالث قبل الميلاد، والهرم الضريح للملك الموريتاني النوميدي الموجود بمدينة سيدي راشد بمحافظة تيبازة، وضريح سيڨا بجبل السخنة في وادي التافنة للملك النوميدي سيفاكس. وهناك ضريح “بورغو” النوميدي المسمى صخرة الهنشير بورغو بني في القرن الرابع قبل الميلاد، وضريح تين هينان ملكة قبائل الطوارق الأصيلة بمنطقة أباليسا في منطقة الهقار في محافظة تمنراست بالجنوب الجزائري، وجرى تشييده منذ خمسة قرون قبل الميلاد.
يقول بشير صحراوي، “إن بناء الأهرامات في الجزائر يعود إلى عصور ما قبل المسيح عيسى عليه السلام، حيث كان هناك بمنطقة الغرب الجزائري ملوك على رأس إمارات متناثرة، ومن آثار ومعالم هؤلاء الملوك الأمازيغ، أهرامات لجدار العجيبة التي تخفي أسرارا ورموزا كثيرة لم يتوصل بعد الباحثون والمنقبون الجزائريون والأجانب إلى حل أسرارها وكشف ألغازها”.
ويختلف عدد الحُجرات في كلّ هرم باختلاف حجمه، وصولا إلى عشرين، وهي حُجرات متصلة بأروقة يرجّح الباحثون أنها كانت مقابر جماعية وأماكن للعبادة أيضا.
ونُحِتت العتبات العلوية الحجرية للأبواب الداخلية بزخارف تقليدية عادة ما توجد في المباني المسيحية، ومشاهد صيد وصور لحيوانات.
وتوجد أيضا بعض الكتابات التي يرجّح أنها لاتينية، لكنها غير واضحة لدرجة يصعب معها تفسيرها، فيما يقول بعض الباحثين إنها يونانية.
استفاقة متأخرة
ويقول رشيد محوز الباحث في علم الآثار الذي يعمل منذ خمس سنوات لإنجاز أطروحة دكتوراه عن هذه الأهرامات، “ما يميّزها قبل كل شيء هو تاريخ بنائها”، فهي متأخرة عن غيرها من المعالم الجنائزية في شمال الجزائر.
وأقدم وصف مكتوب عن لِجدار يعود إلى القرن الحادي عشر للمؤرخ ابن الرقيق نقلها عنه ابن خلدون في مقدمته في القرن الرابع عشر.
ويطبع أهرامات الجزائر اللمسة الأمازيغية، التي جعلتها تختلف عن أهرامات مصر والسودان على مستوى الهندسة والمكوّنات المتعلّقة بالطرقات والدهاليز وغيرها، لذلك يختلف شكلها عن البقية، والذي يعطي انطباعا لمن يراها للوهلة الأولى بأنّها قبور أو أضرحة لملوك عظماء حكموا الممالك الأمازيغية.
الأهرامات المصرية مربعة، في حين أن الأهرامات الجزائرية مستطيلة الشكل، وتنتهي الجزائرية في الأعلى بقباب وليس كنظيراتها المصرية التي تنتهي بسهام.
يقول بشير صحراوي إن امتياز أهرامات الجزائر يكمن في طريقة بنائها، فـ”أهراماتنا تنتهي بقبب وهي من أهم الأهرامات في العالم بنيت وفق هندسة دقيقة وعالية المعرفة، وهي من أقوى الأشكال التي تمتص الطاقة، وتسمى قممها بالمسلّة والقبة”.
وأضاف الباحث، أن الأمازيغ الذين بنوا الأهرامات هم حضارة كبيرة وعريقة، فقد تم العثور على رموز إغريقية تدل على وجود علاقة بين قدماء الأمازيغ والإغريق، وكانت بينهم تبادلات تجارية وثقافية.
ويعتبر الصحراوي، أنّ تشييد الأهرامات الجزائرية تمّت بحسب مواقع النجوم بالنظر إلى تأثير الأخيرة على الكرة الأرضية، كما أنها الأجمل من حيث امتصاصها للطاقة السلبية وبثها للطاقة الإيجابية، فمن يدخل الهرم الجزائري يشعر بالراحة والهدوء لكون أعلى الهرم أشبه بالقبّة التي يُعرف عنها أنّها تمتص الطاقة السلبية.
وبقيت هذه الأهرامات الجزائرية لقرون عدّة عرضة لتقلبات الزمن وكذلك للنهب بسبب موقعها في منطقة غير مأهولة.
ولم يعد الاهتمام بأهرامات لِجدار إلا في القرن التاسع عشر مع أولى الحفريات الأثرية الحديثة في الجزائر التي رافقت الاحتلال الفرنسي، مع جنود فرنسيين استكشفوا تسعة أهرامات ابتداء من عام 1865.
وبين العامين 1967 و1970، أجرت عالمة الآثار الجزائرية فاطمة قادري (المتوفاة عام 2012) دراسات معمقة للأهرامات الثلاثة الأقدم، لكن النهب وتدهور حالتها مع مرور الوقت جعل الأمر أكثر صعوبة على الباحثين.
ويأسف رشيد محوز “لعدم توفر الأرشيف الفرنسي حول لِجدار كما أن العظام والأشياء التي عثر عليها أيام الاحتلال نقلت إلى فرنسا”، كما يأسف أيضا لعدم وجود أبحاث خاصة بهذه العجائب، كما يصفها الدارسون المتخصصون.
وصنّفت لجدار ضمن التراث الوطني الجزائري منذ 1969، وتتطلع السلطات الجزائرية وعلماء الآثار إلى تصنيفها ضمن التراث العالمي من جانب منظمة اليونسكو
ويعدّ المركز الوطني للبحث التاريخي والأنتروبولوجي منذ أكثر من سنة ملفا في هذا الإطار لتقديمه إلى اليونسكو.
ويرى مصطفى ضربان الأستاذ في معهد علم الآثار بالجزائر، أنه من المهم جداً “الحفاظ على هذا الموروث الذي تركه الأجداد نظرا إلى قيمته الكبيرة”.