لماذا استقال الرئيس البكر؟ وكيف توفي؟ وهل كانت وفاته طبيعية؟

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,478
التفاعل
17,601 43 0
لماذا استقال الرئيس البكر؟ وكيف توفي؟ وهل كانت وفاته طبيعية؟

2019-04-20_3fcd82db.jpg

الرئيس أحمد حسن البكر خلال رحلة علاجية في سويسرا

شهادة خاصة بصحيفة وجهات نظر ويمنع نشرها دون الإشارة إلى مصدرها عبدالسلام أحمد حسن البكر

بين حين وآخر تُنشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي روايات عن الحياة الخاصة لأسرتنا، وتحديداً تلك المتعلقة بوفاة والدي الرئيس أحمد حسن البكر وشقيقي محمد، يرحمهما الله تعالى.

ولأن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت لكل من لديه جهاز كومبيوتر أن يكون مؤرخاً وأن ينشر ما يخرج من ضربات أصابعه على لوحة المفاتيح، فإن الكثير مما يُنشر ليس سوى روايات مزيّفة ومكذوبة لا تمتُّ إلى الحقيقة بصلة.
وإذا كنت أتمكن من الاطلاع على بعض تلك الروايات المزيفة وأردُّ على القليل منها، بحسب ما يسمح لي ظرفي، فإنّ الكثير منها تمضي وتنتشر بين الناس، ويتداولونها باعتبارها حقائق مسلّم بها، بينما هي مجرد أكاذيب.
وكان من أغرب ما قرأته خلال الفترة القليلة الماضية ما زعمه المدعو عباس شمس الدين في صفحته على فيسبوك وجاء فيها ما يأتي:
كيف قتل البكر؟
ينقل الروائي العراقي حمزة الحسن عن صديق له هو الدكتور أحمد علي رجب رواية عن الوزير جواد هاشم صاحب كتاب (مذكرات وزير عراقي)، هذه القصة المرعبة:

"عندما اشترطت إيران وقف الحرب باستقالة صدام وعودة البكر، شعر صدام ان البكر - الذي كان عملياً قد أزيح بالقوة وفي اقامة جبرية - قد يكون مشكلة، فاتصل بالبكر وقال له حرفياً:
ـــ ستصلك الأن ملائكة بيض لتقبض روحك.
وصدام خبير في التلذذ بقتل الخصوم، واغلق الهاتف.
والبكر الذي عاش اذلالاً طويلاً من صدام عرف أن نهايته اقتربت، وصار يطلب النجدة من الجيران وهو يصرخ:
ـــ سيقتلني صدام.
لكن الجيران هم من الأجهزة الأمنية، ولم يستجب أحد لاستغاثاته عبر الحيطان".
ويضيف الدكتور أحمد:
"صار البكر يراقب الباب، ولم يطل الوقت حتى جاءت سيارة هبط منها اشخاص بثياب طبية بيض، ومعهم برزان التكريتي، وكان البكر يعاني من مرض السكر فقالوا له: أنت محتاج لجرعة انسولين. لكنه رفض، مددوه بالقوة على الأرض وحقنوه بجرعة انسولين زائدة، لكنه تجاوز الوقت المقرر للموت، فغضب برزان وخنقه وهو يقول:
ـــ مثل الكلب بسبعة أرواح"!
*انتهت رواية المدعو عباس شمس الدين.
لكن ناشر رواية المدعو شمس الدين، وهو الباحث فايز الخفاجي، يؤكد انه اتصل بالوزير السابق جواد هاشم في مقر إقامته بكندا، فأكد له نقلاً عن المهندس عبد الحسين الشيخ علي، ما يأتي:

في يوم 4/ تشرين الأول / 1982 كنت في منزل البكر عندما شعر الأخير بعدم انتظام وضعه الصحي بسبب السكر المزمن لديه، فأتصل هاتفياً يطلب طبيبه الخاص صادق حميد علّوش ولكنه كان غير موجود فجيئ بطبيب آخر وزرقه أبرة فدخل الحمام وسقط فتم نقله بالاسعاف وبعد نقلهِ مات.
يقول جواد هاشم أن هذه الرواية عن وفاة البكر رواها لي صديقي المهندس عبد الحسين الشيخ علي في لندن عندما زارها في التسعينات وأنا أرويها لك لأول مرة وما ذكر من زيادات عني هو محض كذب وافتراء.
*انتهت رواية جواد هاشم
ومع أن الوزير هاشم، الذي تحول من وزير مرموق في دولة العراق الوطنية، خلال عهدي الرئيسين البكر وصدام حسين، يرحمهما الله تعالى، إلى معارض يكيل الاتهامات لمن عمل بمعيّتهم ويزيّف الروايات والأحداث كما يشاء، مع انه ينفي ما أورده شمس الدين، وهو أحد الكتاب الطائفيين الحاقدين، ممن لا يُعتدُّ بروايتهم، إلا أن هناك الكثير ممن ينشرون ترّهات هذا الطائفي الموتور، وهناك من يرسل لي طالباً التوضيح والرد.
ورغبة مني في حسم الجدل الدائر بهذا الخصوص، وبخصوص استقالته من المنصب الأول في الحزب والدولة، أورد الملاحظات التالية:

أولاً: بالنسبة لموضوع الاستقالة
1.
في سنة 1974 ذهبت مع أخي هيثم بصحبة الوالدة، رحمها الله، في رحلتها للعلاج، وهناك حدثني هيثم بأنه في بداية السبعينات وبعد انتهاء اجازته في بغداد والالتحاق بدراسته في لندن، أخبره والدي بأنه سيسمع خبر استقالته في ذكرى الثورة القادم فلا يقلق. ثم أضاف هيثم أن أبو عدي (الرئيس صدام حسين) أخبر الوالد في الأيام الأولى للثورة أنه إذا عزم على ذلك فإنه سيستقيل قبله ويسكن العوجة، وقد بقي ما قاله هيثم في ذاكرتي لحين إلقاء الرئيس صدام خطابه الأول أمام الجماهير، كرئيس للجمهورية، حين قال سأكون راية بين الرايات.. الخ، فذكر أنه أخبر الأب القائد أنه إذا عزم على الاستقالة فسيستقيل قبله.
2. الحقيقة لم يكن ما نقله لي أخي هيثم مفاجئاً لي، بل لم تكن رغبة والدي في الاستقالة مفاجئة لنا جميعاً، فمنذ السنة الأولى له في المنصب وهو يتحدث عن نيته ترك (الوظيفة) كما يسميها، وقد نقل هيثم تعليل رغبة الوالد تلك قائلا: الوالد يشعر أنه أحد أسباب فشل ثورة رمضان 1963 بسبب تقريب عبدالسلام عارف، رحمه الله، للحكم، ولذلك قال أريد إعادة الحكم لحزب البعث العربي الاشتراكي مرة ثانية، وأتوكل.
3. حين عزم الوالد على تقديم استقالته أخيراً، بدأ بإخبار المقربين منه قبل أكثر من شهر أثناء زياراتهم له، كما أنه أخبرني بذلك أيضاً، وقال "في كل مرة أنوي تقديم الاستقالة يحدث أمر أخشى أن يفسَّر به وتُخلَق الاشاعات، مثل التأميم وحادثة ناظم كزار وحرب تشرين.. الخ ، أما الآن فلله الحمد لا توجد مشكلة".
4. بل إنه حرص على عدم إحراج بعض المقرَّبين منه حين يستقيل فأحال أمين العاصمة المرحوم إبراهيم محمد اسماعيل على التقاعد ونقل المرحوم يحيى ياسين رئيس الديوان إلى منصب رئيس ديوان الرقابة المالية، حتى انه أحال سائقه القديم الخاص (كاظم زيارة) إلى التقاعد، أما المرحوم طارق حمد العبدالله فبقي بناء على رغبة الرئيس صدام ولكي يُيسر اتصال الوالد بمؤسسة الرئاسة اذا احتاج لذلك.
5. أتذكر أن إحدى أخواتي بكت حين أخبرها بعزمه على الاستقالة، فقال "لماذا تبكين؟ أنا لست بأفضل من ديغول الذي حرّر بلاده ثم أجبروه على ترك الحكم.. فأنا أترك الوظيفة بكرامتي وبإرادتي".
6. إضافة لرسالة السيد عزة الدوري التي يعتب فيها على الرئيس البكر بأنه لم يستثنه من منع الزيارة المنفردة، بعد استقالته، لأنه يعتبره مثل والده، هناك رسالة أخرى بتوقيع المرحوم طه الجزراوي في سنة 1977، حسب ذاكرتي، يعتذر فيها عن أمر لم يذكره، يبدو أن الرئيس البكر أنّبه عليه، ثم اختتمها بأنه يعاهده بأنه لن يعمل بعده مع أي شخص، وهذه إشارة أنه يعلم بتركه للمنصب يوماً ما.
7. من يعرف تفاصيل حياة الرئيس البكر، رحمه الله، لا يستغرب تخليه عن المنصب، فهو زاهد في المظاهر بشكل كلي ويختار أبسط الأمور في حياته، وقد روت لي عمتي، رحمها الله، أنه حين كان ضابطاً في الجيش كان لا يرتدي الرتبة الجديدة عند ترفيعه ولا يفرح بها، بينما زملاؤه يسارعون في ارتدائها، وقد تخلى عن منصبه في سنة 1963 رغم طلب عبدالسلام عارف البقاء معه، وكرر محاولته للعودة معه دون الحزب في بيت المرحوم خليل ابراهيم حسين ورفض.
8. اطّلعت بعد وفاته، يرحمه الله، على خطاب الاستقالة الموجه إلى القيادة بالنسخة التي كتبها سنة 1971، والتي تأجلت أكثر من مرة.
9. قبل سنة تقريباً نشرت صورة للوالد وهو في زيارة علاجية لسويسرا، ففوجئ البعض لأنهم يسمعون أنه كان في إقامة جبرية، فكيف يذهب إلى سويسرا؟ بل أن أحدهم كذّبني في نشري للصورة، زاعماً أنها مفبركة. وقد طلبت من أحد مرافقي الوالد في حينها تزويدي بصور أخرى للرحلة وفعلاً أرسلها لي مشكوراً ، (في أعلاه إحدى صوره في تلك الرحلة).
10. لم يكن الوالد، رحمه الله، في إقامة إجبارية من أي نوع، بل إنه مارس حياته بشكل طبيعي، وكان يخرج للمناسبات الاجتماعية، كما كان يحضر مجالس العزاء التي تقام لمناسبة وفاة أصدقاء أو أقارب، وكان يذهب للمزرعة التي استأجرها في منطقة أبي غريب، وفي بعض الأحيان يبيت هناك، حيث يزوره فيها بعض الأقارب والأصدقاء دون المسوؤلين، لأنه أكد، في خطاب استقالته الأولى عام 1971، وكرّرها في الاستقالة الأخيرة، أن لا يزوره أحد من المسؤولين بمفرده، كي لا يحدث أي نقل لكلامٍ غير دقيق، وطلب ان تكون الزيارة جماعية وفي مناسبات عامة فقط ، حفاظاً على وحدة الصف في الحزب والدولة .

ثانياً: بالنسبة لموضوع الوفاة
1.
كان الوالد، يرحمه الله، يسكن في البيت لوحده، ومعه ابنة أخي المرحوم محمد، حيث كنت أسكن ببيت منعزلٍ عن بيته يفصلنا باب صغير، وإن كان البيت الذي أسكن فيه هو نفس بيت الوالد حيث كان البنيان الخارجي والداخلي للبيتين واحد ولكن من الداخل يفصل بين البيتين باب، وكانت تسكن معي أختي الكبرى أرملة المرحوم مظهر المطلك، بينما كان أخي هيثم يزوره وفي بعض الأحيان ويبيت عنده ليله أوليلتين .
2. قبل وفاته بأكثر من شهر بقليل أصيبت إحدى عينيه بالماء الأبيض فاتصل بالمرحوم عدنان خيرالله لييسّر موضوع سفره إلى خارج العراق، وطلب منّي التنسيق معه حول إجراءات السفر.
وخلال وقت قصير جاء المرحوم عدنان وبعد أدائه التحية العسكرية، قال له ما يلي: سيدي قابلت السيد الرئيس حول موضوع علاجك فقال ما يلي "في أي وقت يشاء كل الإجراءات والطائرة ستكون جاهزة، ولكن إذا لم تكن له رغبة بالسفر فسنقوم بإحضار أطباء العيون الذين يرشحهم طبيبه للعيون وأظن نحن نمتلك أجهزة جيدة، فإن قالوا إن هذه الأجهزة قديمة فسنجلب لهم الأجهزة التي يريدونها وإذا قالوا لا بد أن يسافر أو أنه يرغب بالسفر فنحن حاضرون". وهنا أجابه الوالد شاكراً وقال: أنا ليست لديَّ رغبة بالسفر إلا إذا نصح الأطباء بذلك.
3. رشّح الطبيب الخاص للوالد طبيبَين بريطانيين جاءا خلال أسبوع وفحصاه ثم طلبا الذهاب إلى مستشفى مدينة الطب ليطّلعا على الأجهزة، وبعد اطلاعهما على ما يتوفر في مدينة الطب من تجهيزات، قالا إن ما يتوفر من أجهزة ومستلزمات هي نفسها التي نستعملها في لندن.
4. وبالفعل، ذهب الوالد إلى مستشفى مدينة الطب ورافقته خلال تلك العملية، ثم عاد في نفس اليوم مشافى ولله الحمد، وزاره بعدها المرحوم عدنان خيرالله، وأخبره الوالد أن في نيّته زيارة الرئيس صدام حسين للسلام عليه وشكره.
5. بعد تمام شفائه من الماء الأبيض، قام بزيارة للحاج خيرالله طلفاح في بيته، وعاد محمّلاً بمجموعة من مؤلفاته .
6. كانت لدى الوالد لجنة طبية مؤلفة من أكفأ الأطباء العراقيين في شتى التخصصات الطبية، قام باختيارهم هو بنفسه شخصياً، وكانت اللجنة برئاسة وزير الصحة الدكتور رياض إبراهيم، يرحمه الله، وكانت هذه اللجنة تقوم بزيارته وفحصه أسبوعياً بشكل دوري منتظم.
7. كان وزير الصحة الدكتور رياض إبراهيم، رحمه الله، يزوره باستمرار، لأنه كان رئيس اللجنة الطبية الخاصة به ومعه كادره الطبي الذي يعالج الوالد.
8. كان مدير مستشفى ابن سينا، الدكتور سمير الشيخلي، يزوره أسبوعياً، بشكل منتظم، لفحص السكر ويحقنه بإبره لا أعرف ماهيتها، وقد فسر البعض العبارة الأخيرة بشكل مبهم فأنا لست على اطلاع بتفاصيل كل الأدوية التي تملأ الرف القريب منه ولكن لا شك أنه من العلاجات التي أوصى بها ألأطباء.
9. في يوم وفاته، يرحمه الله، زاره الدكتور الشيخلي وحقنه نفس الإبرة المعتادة، وكان يجلس بالقرب منه صهري، زوج إحدى شقيقاتي، طه عبدالله سلطان، وهو ضابط متقاعد برتبة عقيد ركن.
10. خلال زيارة الدكتور الشيخلي، وبعد أن تم حقنه، أحسَّ بدوار، ما أدى بالدكتور سمير الشيخلي أن يرتبك قائلاً للرئيس البكر "سلامات سيدي"، وأعتقد أن ارتباك الطبيب أو خشيته على حياة الرئيس أمر طبيعي، وهو حال أي طبيب يفاجأ بتدهور صحة المريض حتى لو لم يكن يعرفه، فكيف وهو الرئيس الذي يواظب على علاجه بشكل أسبوعي، ولو كان الطبيب (متآمراً) فالمتوقع العكس أي إنه لن يرتبك لعلمه المسبق بما سيحدث.
11. قبل وفاته روى لي صهري، طه عبدالله سلطان، بأنه شاهد رؤية في المنام تدلُّ على أن الوالد سيتوفى قريباً، وهو ما حدث.
12. حين حدثت الجلطة التي أودت بحياته، حضر الرئيس صدام حسين، يرحمه الله، إلى البيت وحضر وزير الصحة (صادق علوش) وأعضاء اللجنة الطبية التي هي أصلاً من إختيار الوالد والتي تتولى فحصه أسبوعياً، كما حضر المرحوم الحاج خيرالله بعد وفاته بقليل، وأظن أنه جاء تلقائياً ردّاً لزيارة الوالد له لأنّني سمعته متعجباً يصيح: شنو الموضوع شكو؟ بعد أن شاهد العدد الكبير من السيارات في الخارج وسيارة الاسعاف السوداء التابعة لمستشفى إبن سينا.
13. يزعم البعض أنني قلت إن الحقنة التي تم حقن الوالد بها كانت غامضة. إن إضافة كلمة (غامضة) تعطيها بعداً مبالغاً فيه، فالحقيقة بالنسبة لي لا أعرف بالضبط ما هي هذه الحقنة، تماماً كما إنني لا أعرف عشرات علب الأدوية التي يتناولها يومياً، فالحقنة من ضمن الأدوية وكلها كان موصى بها من قبل اللجنة الطبية المذكورة.
14. مرة أخرى أكرر القول إن الحقنة كانت أسبوعية، وتعطى له خلال زيارة الطبيب المتخصص لمعالجة السكر، والطبيب ليس مجهولاً، فهو الدكتور سمير الشيخلي، وكان يعمل مديراً لمستشفى ابن سينا، كما كانت عيادته الخاصة في شارع السعدون ببغداد، واستمر في نفس عمله بعد وفاة الوالد ولم يتغير شيء.
15. بعد وفاته جاءت اللجنة الطبية المتخصصة المشرفة على علاجه، والمؤلفة من كل من:
وزير الصحة، الدكتور صادق حميد علوش
الدكتور إحسان البحراني
الدكتور محمد علي خليل
الدكتور إبراهيم الحيالي
الدكتور علاء العلوان، وزير الصحة الحالي.
وقامت اللجنة المذكورة بإجراء فحص شامل بشكل أصولي، وأصدرت شهادة الوفاة في ضوء ما توصلت إليه، وذُكر سبب الوفاة على أنه نوبة قلبية. ولم ينقل جثمانه للمستشفى وكتبت شهادة الوفاة في البيت.
16. سبق للوالد أن أصيب قبل وفاته بجلطتين قلبيتين وجلطة في الدماغ.
17. إن كان هناك شك في موضوع وفاته، ولنفترض أن اللجنة خافت أن تتكلم حينها، فيمكن لأعضائها أو قسم منهم التصريح أو التلميح بعد احتلال العراق، فلماذا لم يحدث هذا؟!
18. وللإجابة على سؤال يتكرر كثيراً، لماذا لم ينقل جثمانه الى المستشفى؟ أقول: مالم تكن هناك قرينة للشك فلا داعي لهذا الاجراء الروتيني، فجدتي رحمها الله توفيت في البيت في الستينات، ولم تنقل إلى المستشفى، ووالدتي رحمها الله كذلك في أواسط السبعينات، وكثير ممن أعرفهم لم ينقلوا إلى المستشفى، خاصة إذا عرفت عنهم أمراض تؤدي للوفاة ولهم طبيب معروف يشهد بالحالة، وقد كانت حالة الوالد رحمه الله ينطبق عليها هذين الوصفين، فهو مريض بالسكر، ومصاب بجلطات قلبية ودماغية متكررة.
19. في 4/10/1982 علمت بخبر وفاته عند زيارتي لصديق لي، وهو زميل كنا في الكلية معاً، زرته بعد خروجي من الدوام الرسمي في مسكنه بشارع فلسطين ببغداد، وأثناء ما كنت لديه اتصل بي زميل لي، يعمل في مكتب أمانة سر القطر لحزب البعث العربي الاشتراكي، وكان يبحث عني، وقال لي إن صحة الوالد تدهورت، فركبت السيارة على الفور، ووصلت البيت ورأيت أفراد حماية الرئيس صدام حسين الذي كان وصل قبلي، إلا أنني لم أره، لأنه عند وصولي كان قد خرج لاستقبال عاهل الأردن، الملك الحسين بن طلال، الذي تزامنت زيارته مع وفاة الرئيس البكر، وكانت سيارة الإسعاف التابعة لمستشفى ابن سينا موجودة، فضلاً عن وجود أعداد كبيرة من الناس تجمهروا أمام البيت، فدخلت البيت ووجدت المرحوم علي حسن المجيد ووزير الصحة صادق حميد علوش، وجاء بعدي الحاج خيرالله طلفاح.
20. عندما أشار حسين كامل في عام 1995 خلال وجوده في العاصمة الأردنية بأن والدي توفي عن طريق السم الذي دسّه له الرئيس صدام، أرسل الرئيس ابنه عدي، رحمه الله، لبيتي وقال "والدي يسلم عليك ويقول لك إن عليك أن تتأكد من كلام حسين كامل بأن تذهب له لمقر إقامته في عمان" فكان ردي على عدي بالقول "إن حسين كامل غير ثقة وإن كلامة مجرد تشهير، ولو كان في بغداد لما ذهبت إليه، فأنا أعتقد بأن والدي توفي بشكل طبيعي".

ثالثاً: بالنسبة لموضوع وفاة شقيقي محمد وصهري مظهر المطلك
يقول بعض المعلّقين في وسائل التواصل الاجتماعي إن شهادة عبدالسلام لا يؤخذ بها لأنه لا يتهم أحداً بأي شيء وأنه ينفي كل شيء.
وبصرف النظر عن زعمهم هذا نقول: إن أي إتهام أو تبني لنظرية المؤامرة يجب أن يُبنى على قرائن جنائية أو سياسية أو كليهما، فلم يُظهر لنا أحد، طيلة كل هذه العقود، أية قرائن جنائية يُحاجِج بها. أما القرائن السياسية فسنأتي على تفنيدها على النحو التالي:
1. لم يكن المرحوم مظهر حزبياً كبيراً، كما لم يكن يشغل منصباً سياسياً أو وظيفة حساسة، ولم يكن معارضاً لأحد فلماذا يُغتال؟!
وإذا كانت هناك شبهة مؤامرة لقتله، فالأجدر أن يُغتال أخوه منذر، وهو صهري الآخر، فهو حزبي أقدم منه وأعلى منه درجة حزبية، حيث كان المسؤول الحزبي لقيادة القوة الجوية، وكانت وظيفته مهمة، حيث كان يشغل منصب السكرتير الخاص لرئيس الجمهورية، ومدير الدائرة السياسية في رئاسة الجمهورية أيضا، ولذلك استهدف من قبل ناظم كزار في مؤامرته وخطف مع الذين خُطفوا ولم يستهدف مظهر.
ومن المناسب هنا أن أذكر أن القدر جعلني أسمع صوت حادثة المرحوم مظهر وأنا آوي إلى الفراش، حيث سمعت صوت كوابح السيارة (البريك) ثم صوت الارتطام والسقوط في النهر، فأيقنت أنها سيارة قد خرجت عن مسارها وسقطت في النهر، وحين سمع والدي بذلك بعد الحادث أرسل إليَّ وسألني بتفصيل ما سمعته.
وهي ليست المرة الأولى التي تحدث فيها حوادث كهذه في تلك الفترة، حيث كان الطريق ليس بتلك السعة الكافية ولا يحول بينه وبين حافته المؤدية للنهر حاجز.

وقد شهدت المنطقة في ذلك الوقت أكثر من حادثة مشابهة، وإن لم تؤدي إلى الغرق أو الوفاة، وأتذكر في أحد الأيام بداية السبعينات أن انزلقت سيارة نحو النهر ولكنها توقفت في المنحدر المؤدي إلى النهر، في المنطقة التي تقابل مجمع دجلة تحديداً.

2. أما بالنسبة لأخي محمد، رحمه الله، فيمكن القياس على نفس الطريقة، حيث كان الأولى لمن يريد أن يتآمر لقتل أحد أبناء الرئيس البكر، أن يستهدف الإبن الأكبر، هيثم، حيث محمد لم يزل طالباً، وكان شاباً متديناً صوفياً منصرفاً عن الدنيا، بينما كان هيثم قد تخرج من الكلية وحصل على شهادة الماجستير في القانون الدولي، وتم تعيينه سكرتيراً شخصياً للرئيس، وكان شخصية مهابة من المحيطين به ومن الذين يعرفونه، لذا كان أولى بالاستهداف والتآمر من المرحوم محمد، وهذا هو المنطق الذي نعرفه ، والذي يحكم الأشياء.

رابعاً: تعليق سريع على ما ورد في أكاذيب (حمزة الحسن عن صديق له هو الدكتور أحمد علي رجب في رواية عن الوزير جواد هاشم صاحب كتاب (مذكرات وزير عراقي)
1.
ليس هنالك جيران لنا من الأجهزة الأمنية بل لم يكن لدار والدي جيران بالمعنى المتعارف عليه، فأمامه نهر دجلة وعلى يساره أرض فارغة كبيرة ثم يأتي الجسر المعلق وعلى يمينه ابنه هيثم ثم شارع ثم مجمع دجلة الشاغر طيلة السنة إلا إذا جاء ضيوف رسميون، وخلفه اراضي فارغة ثم دور يسكن أحدها السيد طارق عزيز وتسكن في الآخر شقيقتي.
2. لا أعرف من هو (المهندس عبد الحسين الشيخ علي) الذي يدعي أنه كان عند الوالد فلم يكن عنده حينها سوى نسيبنا السيد طه السلطان ثم جاء الدكتور سمير الشيخلي، كما ورد في أعلاه.
3. لم يكن الدكتور صادق حميد علوش طبيباً خاصاً للوالد وكان يفترض أن يكون رئيساً للجنة الطبية كما جرى العرف ولكنه لم يحضر سوى يوم الوفاة.


أخيراً
هذه شهادتي عما جرى من أسباب استقالة الرئيس أحمد حسن البكر، وظروف وفاته وما سبقها من تدهور حالته الصحية، يرحمه الله تعالى، وعن وفاة صهري، زوج شقيقتي الكبرى، مظهر المطلك، وشقيقي الأصغر، محمد، يرحمهما الله تعالى، أسجّلها للتاريخ بكل تفاصيلها، والله على ما أقول شهيد.
 
عودة
أعلى