عصفورة القرن
منذ أكثر من عام بدأت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الحديث عن قرب إعلان مبادرة للسلام فى الشرق الأوسط أطلق عليها صفقة القرن. ومرت الأسابيع والشهور ولم تخرج هذه المبادرة للنور. ومنذ حوالى شهر، وفى منتصف إبريل الماضى، تواترت أنباء من البيت الأبيض أنه تم الانتهاء من تفاصيل صفقة القرن، وأنها تقع فى حوالى مائتى صفحة، وأن الرئيس ترامب اطلع عليها وسعيد بها، ولكن الأخبار أشارت أيضاً إلى أن الوقت لم يحن بعد لإعلان المبادرة، وربما يتم ذلك بعد الانتخابات الاسرائيلية فى إبريل المقبل.
التأجيل المستمر لإعلان صفقة القرن لم يمنع الرئيس ترامب من الإعلان يوم الخميس الماضى عن أنه حان الوقت للولايات المتحدة للاعتراف الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، معتبرا أن ذلك مهم لأمن إسرائيل واستقرار المنطقة.
ولكن هل هناك علاقة بين عدم الإعلان بعد عن صفقة القرن، وفى نفس الوقت توالى الإعلانات الأمريكية عن مواقف تناقض أى مبادرة للسلام؟
أحد التفسيرات للعلاقة بين الأمرين يمكن أن نجدها فيما يعرف باسم نظرية «بص العصفورة»، حينما يطلب منك أحد أن تتجه بنظرك نحو عصفورة وهمية، وأثناء إلهائك وشغلك بشىء غير موجود يقوم هو بعمل شىء آخر بعيد عن نظرك. إدارة ترامب تطبق نظرية العصفورة، وذلك بالحديث الدائم عن قرب إعلان صفقة القرن، أو «عصفورة القرن»، وشغل العرب بالتطلع إليها، وفى نفس الوقت تقوم بتمرير العديد من السياسات الكفيلة بالقضاء على أى مضمون يمكن التفاوض بشأنه فى إطار مبادرة مقترحة للسلام.
.. على سبيل المثال، وبعد شهور قليلة من بدء الحديث عن فكرة صفقة القرن أعلنت الولايات المتحدة عن اعترافها بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وقامت بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وحذفت بذلك موضوع القدس من جدول أى مفاوضات للسلام، ثم قامت بعد ذلك بوقف مساهماتها المالية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) معلنة بذلك عدم اعترافها بقضية اللاجئين وإمكانية التفاوض بشأنها، وأغلقت بعد ذلك مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن والذى كان يمثل الفلسطينيين فى العاصمة الأمريكية منذ بداية التسعينيات، ثم قامت بدمج قنصليتها فى القدس الشرقية بسفارتها فى إسرائيل، وكانت قنصلية القدس الشرقية تمثل بحكم الواقع سفارة لدى الفلسطينيين منذ التوقيع على اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣، وأخيرًا كان حديث ترامب بشأن الاعتراف بضم الجولان لإسرائيل، كل ذلك تم فى ظل استمرار الحديث عن صفقة القرن، واستمرار الأمل لدى البعض أن هذه الصفقة قد تتضمن أيضا مكاسب للأطراف العربية.
فى يوم من الأيام، وبعد أن تحقق نظرية العصفورة أهدافها، ربما يتم الإعلان عن صفقة القرن، وربما يتم ممارسة ضغوط لبدء عملية للسلام وفق ما يتم إعلانه فى هذه المبادرة. ولكن يبقى تخوف آخر وهو خلق عصفور وهمى جديد فى إطار عملية السلام هذه، حيث يتم التركيز على «العملية» وليس على «السلام»، أى التركيز على بدء طقوس للتفاوض وليس نتائج التفاوض، وتكون هذه الشكليات التفاوضية بمثابة العصفورة التى تشغل الاهتمام عن عمليات تطبيع محتملة مع إسرائيل، وقبل التوصل لاتفاق نهائى سلام.
فى الختام، لابد أن نذكر أنه فى مقابل هذه العصافير المرتبطة بصفقة القرن، والتى لاتزال وهمية، فإن العرب يملكون عصفورًا حقيقيًا فى اليد، وهو مبادرة السلام العربية، والتى يجب إحياؤها والتمسك بمرجعياتها كأساس لتحقيق السلام بالمنطقة.
25/3/2019
المصرى اليوم
???
هناك الكثير من الكلام المنطقي لكن أحب أن أُضيف أن تفاوض بدون قوة و أوراق فاعلة للضغط فسننفذ ما يُريدون في النهاية