غارة بلتيمور / يوم غزا المسلمون أيرلندا
محمود ثروت أبو الفضل
محمود ثروت أبو الفضل
هل تعلم أنَّ البحَّارة المسلمين أغاروا على أيرلندا في العشرين من يونيو عام 1631م؟!
تُعرَف هذه الغزوة في المصادر الأوروبية بنهب بلتيمور (Sack of Baltimore)، وكان بطلها القائد المسلِم "مراد ريس" الأصغر أو "يان يانسون دي هارلم" - Jan Janszoon van Haarlem كما كان يعرف بالهولنديَّة.
كان مراد ريس بحَّارًا هولنديًّا، نشأ في مدينة "هارلم" الهولندية، وبدأ يمارس نشاطَ الإبحار والقَرْصنة في بداية شبابه، وبدأ يُغِير بالقرب من سواحل شمال إفريقيا؛ حيث يمكنه مهاجمة السفن الأجنبيَّة والمسلمة، مستعمِلاً عَلَمَ هولندا، وأحيانًا أخرى راية تصف الهلالَ الأحمر أو علَم أي إِمارة من مختلف الإمارات المتوسطيَّة الأخرى.
وفي إحدى هذه الرحلات أَمسك به البحَّارة الجزائريُّون المسلمون في "لانزاروت" بجُزُر الكناري عام 1618م، وأُخذ أسيرًا إلى الجزائر، وبعد فترة من حياة الأَسْر دَخَل "يانسون" الإسلامَ، واتَّخذ لنفسه اسمَ "مراد ريس"، ولُقِّب بأمير البحر العثماني.
ثمَّ بدأ "مراد ريس" الإبحار مع قرصانين هولنديَّين سابقين آخرين تعرَّضا لنفس تجربته، وأعلنا إسلامَهما واتخذا لنفسهما أسماء إسلاميَّة، أولهما هو: "إيفان ديرك"؛ وهو البحَّار "سليمان ريس" الشهير الذي رافقه مراد في أغلبِ غزواته، والآخر هو: "سيمون دي دانسكر"؛ والذي عُرف بعد إسلامه بـ"سيمون الريس"، وكانوا يُغِيرون على سفن النَّصارى.
ولكن سرعان ما قام العثمانيُّون في ذلك الوقت بعَقْد الصُّلح مع كثير من الدُّول الأوروبيَّة وضيَّقَت المجالَ على أُمراء البِحار، وفي عام 1619م قُتلَ "سليمان ريس" رفيق "مراد ريس"، وهنا انتقل مراد إلى ميناء مدينة "سلا" حيث اجتمع "الموريسكيون" الهاربون من مذابح محاكم التفتيش الإسبانيَّة وبعض الأَتراك والبحَّارة الجزائريون، وقرَّروا إنشاء إِمارة مستقلَّة لهم تمرَّدوا فيها على السلطان "زيدان الناصر بن أحمد" سلطان المغرب، عُرفت في التاريخ بـ"جمهورية بورقراق" أو "جمهورية سلا"، كان "مراد ريس" هو أول زعمائها عام 1624م.
كوَّن مراد ريس جيشًا بحريًّا صغيرًا من البحَّارة البَرْبر الجزائريين والمغاربة والأَتْراك وكثيرٍ من المنشقِّين الأوروبيِّين، وخاصَّة الهولنديين، الذين كانت لهم دراية بصناعةِ السُّفن، والذين أعلنوا إسلامَهم، وبلغ أسطول "مدينة سلا" الذي كوَّنه ثماني عشرة سفينة جميعها سُفن صغار بسبب صغر مَدخل ميناء المدينة، وبدأ في التَّفكير في تكدير صَفو الإمارات الأوروبيَّة بمهاجمة موانيها.
وكان من أبرز غزواته أو غاراته إغارتُه بأسطولِه البحري على مدينة "بلتيمور" في أيرلندا في 20 يونيو 1631م غرب كورك، وكان في قيادته 230 بحَّارًا قاموا بمباغتة الأيرلنديين، وهاجموا قريةَ كوف (Cove) بالقرب من مدينة بلتيمور واستطاعوا أَسْر 108 من سكَّان القرية، ثمَّ تحوَّلوا للإغارة على بلتيمور ذاتها؛ حيث بدؤوا حربًا بريَّة مع حامِية المدينة محاولين السَّيطرة على المدينة، إلاَّ أن مقاومة سكَّان المدينة صدَّت هجوم "مراد ريس"، فعاد أدراجَه سريعًا بما حصل عليه من الأسرى والغنائم التي حازها، وطالب مراد سكَّان المدينة قبل رحيله بفِدْية أَسراهم إلاَّ أنهم لم يتمكنوا من الدَّفع، فأبحر بهم عائدًا إلى مدينة سلا.
تصف معظم المصادر التاريخيَّة اللاحقة أعمالَ البحارة الجزائريِّين وقتذاك بأعمالِ القَرْصنة والسَّلب والنَّهْب، إلاَّ أنَّ المصادر الأوروبية المعاصرة في تِلك الفترة أنصفَت تلك الغزوات ووصفَتها في كتاباتها بأنَّها كانت هجمات "بروح الجهاد"، وذات طبيعة عقديَّة أكثر منها هجمات نَهْب معتادة في العالم القديم، وأنَّ البحَّارة المسلمين كانوا يقومون بالعديد من الغارات ضدَّ السُّفن والموانئ الأوروبية بصفتهم "كفَّارًا" في حالة حرب معهم؛ حيث كانت أَخبار الاضطهاد والتعذيب الذي يتعرَّض له بقايا الأندلسيِّين "الموريسكيين" من جانب إسبانيا والبرتغال تملأ المسلمين بالغيظ ضدَّ أوروبا وضد كلِّ أوروبي يتحرَّك بطول البحر الأبيض المتوسط، الذي كان نظريًّا "بحرًا إسلاميًّا خالصًا" طيلة عدَّة قرون، ركب أمواجَه البحَّارةُ المسلمون وجابوه طولاً وعرضًا.
وتذكر المصادرُ التاريخيَّة أنَّ هجمات هؤلاء البحَّارة كانت فعَّالة ومؤرِّقة ومفزِعة بدرجةٍ كبيرة، لدرجة أنَّهم كانوا يسترقون سنويًّا قرابة 8500 فرد من سكان الموانئ الأوروبيَّة، وينقلونهم للعمل والخدمة في أراضي المسلمين، وأنَّهم نقلوا قرابة 850 ألف عبد في قرنٍ كامل خلال الفترة من 1580 إلى 1680م، وقدَّرَت مصادر أخرى عددَ الأسرى الأوروبيين بأكثر من مليون شخص، وتروي المصادر أنَّه على أعقاب تِلك الغارة غادر أغلبُ السُّكان بلتيمور إلى "سكيبرين"- Skibbereen مؤقَّتًا خوفًا من هجمات أخرى مماثلة.
ونجد أصداء هذه الغزوة في الآداب الأوروبيَّة وتأكيدات تاريخية لها؛ فهذه الغزوة أَلْهمت الكاتبَ "توماس دافيس"- Thomas Davis لكتابة قصيدته المشهورة: "نهب بلتيمور" The Sack of Baltimore.
ونجد وصفًا مفصَّلاً لأحداث هذه الغزوة في كتابِ المؤلِّف "ديس إيكن" بعنوان "The Stolen Village: Baltimore and the Barbary Pirates by Des Ekin.".
بقي أن نقول: إنَّ نجاح هذه الغزوة السَّريعة ألهَم "مراد ريس" لمعاودة الكرَّة ثانية في العديد من الموانئ الأوروبيَّة، وكان قبل هذه الغارة قد قام بغارةٍ مشابهة منسيَّة أخرى في أيسلندا عام 1627م.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/88501/#ixzz5cTwpZfeH
تُعرَف هذه الغزوة في المصادر الأوروبية بنهب بلتيمور (Sack of Baltimore)، وكان بطلها القائد المسلِم "مراد ريس" الأصغر أو "يان يانسون دي هارلم" - Jan Janszoon van Haarlem كما كان يعرف بالهولنديَّة.
كان مراد ريس بحَّارًا هولنديًّا، نشأ في مدينة "هارلم" الهولندية، وبدأ يمارس نشاطَ الإبحار والقَرْصنة في بداية شبابه، وبدأ يُغِير بالقرب من سواحل شمال إفريقيا؛ حيث يمكنه مهاجمة السفن الأجنبيَّة والمسلمة، مستعمِلاً عَلَمَ هولندا، وأحيانًا أخرى راية تصف الهلالَ الأحمر أو علَم أي إِمارة من مختلف الإمارات المتوسطيَّة الأخرى.
وفي إحدى هذه الرحلات أَمسك به البحَّارة الجزائريُّون المسلمون في "لانزاروت" بجُزُر الكناري عام 1618م، وأُخذ أسيرًا إلى الجزائر، وبعد فترة من حياة الأَسْر دَخَل "يانسون" الإسلامَ، واتَّخذ لنفسه اسمَ "مراد ريس"، ولُقِّب بأمير البحر العثماني.
ثمَّ بدأ "مراد ريس" الإبحار مع قرصانين هولنديَّين سابقين آخرين تعرَّضا لنفس تجربته، وأعلنا إسلامَهما واتخذا لنفسهما أسماء إسلاميَّة، أولهما هو: "إيفان ديرك"؛ وهو البحَّار "سليمان ريس" الشهير الذي رافقه مراد في أغلبِ غزواته، والآخر هو: "سيمون دي دانسكر"؛ والذي عُرف بعد إسلامه بـ"سيمون الريس"، وكانوا يُغِيرون على سفن النَّصارى.
ولكن سرعان ما قام العثمانيُّون في ذلك الوقت بعَقْد الصُّلح مع كثير من الدُّول الأوروبيَّة وضيَّقَت المجالَ على أُمراء البِحار، وفي عام 1619م قُتلَ "سليمان ريس" رفيق "مراد ريس"، وهنا انتقل مراد إلى ميناء مدينة "سلا" حيث اجتمع "الموريسكيون" الهاربون من مذابح محاكم التفتيش الإسبانيَّة وبعض الأَتراك والبحَّارة الجزائريون، وقرَّروا إنشاء إِمارة مستقلَّة لهم تمرَّدوا فيها على السلطان "زيدان الناصر بن أحمد" سلطان المغرب، عُرفت في التاريخ بـ"جمهورية بورقراق" أو "جمهورية سلا"، كان "مراد ريس" هو أول زعمائها عام 1624م.
كوَّن مراد ريس جيشًا بحريًّا صغيرًا من البحَّارة البَرْبر الجزائريين والمغاربة والأَتْراك وكثيرٍ من المنشقِّين الأوروبيِّين، وخاصَّة الهولنديين، الذين كانت لهم دراية بصناعةِ السُّفن، والذين أعلنوا إسلامَهم، وبلغ أسطول "مدينة سلا" الذي كوَّنه ثماني عشرة سفينة جميعها سُفن صغار بسبب صغر مَدخل ميناء المدينة، وبدأ في التَّفكير في تكدير صَفو الإمارات الأوروبيَّة بمهاجمة موانيها.
وكان من أبرز غزواته أو غاراته إغارتُه بأسطولِه البحري على مدينة "بلتيمور" في أيرلندا في 20 يونيو 1631م غرب كورك، وكان في قيادته 230 بحَّارًا قاموا بمباغتة الأيرلنديين، وهاجموا قريةَ كوف (Cove) بالقرب من مدينة بلتيمور واستطاعوا أَسْر 108 من سكَّان القرية، ثمَّ تحوَّلوا للإغارة على بلتيمور ذاتها؛ حيث بدؤوا حربًا بريَّة مع حامِية المدينة محاولين السَّيطرة على المدينة، إلاَّ أن مقاومة سكَّان المدينة صدَّت هجوم "مراد ريس"، فعاد أدراجَه سريعًا بما حصل عليه من الأسرى والغنائم التي حازها، وطالب مراد سكَّان المدينة قبل رحيله بفِدْية أَسراهم إلاَّ أنهم لم يتمكنوا من الدَّفع، فأبحر بهم عائدًا إلى مدينة سلا.
تصف معظم المصادر التاريخيَّة اللاحقة أعمالَ البحارة الجزائريِّين وقتذاك بأعمالِ القَرْصنة والسَّلب والنَّهْب، إلاَّ أنَّ المصادر الأوروبية المعاصرة في تِلك الفترة أنصفَت تلك الغزوات ووصفَتها في كتاباتها بأنَّها كانت هجمات "بروح الجهاد"، وذات طبيعة عقديَّة أكثر منها هجمات نَهْب معتادة في العالم القديم، وأنَّ البحَّارة المسلمين كانوا يقومون بالعديد من الغارات ضدَّ السُّفن والموانئ الأوروبية بصفتهم "كفَّارًا" في حالة حرب معهم؛ حيث كانت أَخبار الاضطهاد والتعذيب الذي يتعرَّض له بقايا الأندلسيِّين "الموريسكيين" من جانب إسبانيا والبرتغال تملأ المسلمين بالغيظ ضدَّ أوروبا وضد كلِّ أوروبي يتحرَّك بطول البحر الأبيض المتوسط، الذي كان نظريًّا "بحرًا إسلاميًّا خالصًا" طيلة عدَّة قرون، ركب أمواجَه البحَّارةُ المسلمون وجابوه طولاً وعرضًا.
وتذكر المصادرُ التاريخيَّة أنَّ هجمات هؤلاء البحَّارة كانت فعَّالة ومؤرِّقة ومفزِعة بدرجةٍ كبيرة، لدرجة أنَّهم كانوا يسترقون سنويًّا قرابة 8500 فرد من سكان الموانئ الأوروبيَّة، وينقلونهم للعمل والخدمة في أراضي المسلمين، وأنَّهم نقلوا قرابة 850 ألف عبد في قرنٍ كامل خلال الفترة من 1580 إلى 1680م، وقدَّرَت مصادر أخرى عددَ الأسرى الأوروبيين بأكثر من مليون شخص، وتروي المصادر أنَّه على أعقاب تِلك الغارة غادر أغلبُ السُّكان بلتيمور إلى "سكيبرين"- Skibbereen مؤقَّتًا خوفًا من هجمات أخرى مماثلة.
ونجد أصداء هذه الغزوة في الآداب الأوروبيَّة وتأكيدات تاريخية لها؛ فهذه الغزوة أَلْهمت الكاتبَ "توماس دافيس"- Thomas Davis لكتابة قصيدته المشهورة: "نهب بلتيمور" The Sack of Baltimore.
ونجد وصفًا مفصَّلاً لأحداث هذه الغزوة في كتابِ المؤلِّف "ديس إيكن" بعنوان "The Stolen Village: Baltimore and the Barbary Pirates by Des Ekin.".
بقي أن نقول: إنَّ نجاح هذه الغزوة السَّريعة ألهَم "مراد ريس" لمعاودة الكرَّة ثانية في العديد من الموانئ الأوروبيَّة، وكان قبل هذه الغارة قد قام بغارةٍ مشابهة منسيَّة أخرى في أيسلندا عام 1627م.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/88501/#ixzz5cTwpZfeH