الدور المصري في سوريا.. وساطة نزيهة أم بحث عن زعامة غائبة؟
نجحت مصر في انجاز اتفاقين لتهدئة الأوضاع في سوريا في فترة وجيزة، وذلك في ظل رضا من الأطراف المتصارعة، وقبول من الفاعلين الدوليين في الأزمة. لكن ما الذي وراء سعي مصر للانخراط في الملف السوري بعد غياب دام عدة سنوات؟
لاشك أن الموقف المصري تجاه القضية السورية قد اختلف بشكل جذري ما بين عهد الرئيس محمد مرسي والرئيس عبد الفتاح السيسي. فالرئيس مرسي قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، بل ودعم بكافة الأشكال جميع التحركات التي من شأنها إسقاط حكمه، وقال إنه "لا مجال ولا مكان للنظام السوري الحالي في سوريا مستقبلا" معتبرا أنه "ارتكب جرائم ضد الإنسانية."
بينما كانت أهم تصريحات الرئيس السيسي هي أن "مصر تدعم الجيوش الوطنية في المنطقة العربية لحل الأزمات ولحفظ الأمن والاستقرار"، في رسالة لم يخطئها أحد بشأن دعم الجيش العربي السوري، ومن خلفه الرئيس بشار الأسد في الحرب ضد الجماعات الإسلامية المسلحة؛ ضماناً لوحدة الأراضي السورية.
ومع بداية حكم السيسي لمصر، نأت الدبلوماسية المصرية بنفسها عن الانخراط بقوة في الملف السوري، وأخذت تراقب الوضع وتدرس مواقف الحلفاء، خصوصاً مع تنامي دور تركيا، العدو اللدود للنظام المصري الحالي، وسيطرتها بشكل كبير مع إيران على الكثير من الملفات المتعلقة بالأزمة السورية.
وبعد ترقب للموقف وخلافات مع السعودية بشأن بقاء بشار ونظامه من عدمه وتصويت في الأمم المتحدة أثار جدلاً شديداً، توسطت مصر وبمباركة سعودية وروسية في إبرام اتفاق الهدنة في الغوطة الشرقية ثم اتفاق الهدنة شمالي حمص فيما يبدو أنه محاولات مصرية حثيثة لتوسيع دورها في الأزمة السورية، بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية ما قد يعزز من رغبة الفاعلين في الملف السوري في تعظيم الدور المصري على حساب دور تركي أو إيراني يبدو أنه فشل حتى الآن في تهدئة الأوضاع على الأرض.
الرئيس الأسبق مرسي قطع علاقته مع نظام الأسد وأيد جميع التحركات التي من شأنها اسقاط حكم الرئيس السوري
لماذا أصبحت مصر وسيطاً نزيهاً؟
يرى تيار "الغد السوري" المعارض، المقيم بالقاهرة، أن مصر طرف مقبول من جانب طرفي الصراع في سوريا خاصة وأنها ليس لها أي أطماع أو مصالح خاصة وتهدف إلى الحل السياسي السلمي، بحسب ما يرى التيار.
أحمد الجربا، رئيس تيار الغد السوري قال إن "اختيار مصر كدولة راعية لاتفاقيتي وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، كان نتيجة طبيعية وضرورية لدورها الفاعل باعتبارها الأكثر حرصا على حرمة الدم السوري." وأضاف أن "مصر لم تشارك بأي وسيلة من الوسائل في سفك الدماء، وتعتبر سوريا جزءا لا يتجزأ من تاريخها وسلامة أمنها القومي كما أنها أكثر الدول التزاماً بحل الأزمة السورية بالطرق السلمية ولم تشارك نهائياً في سفك الدماء بسوريا".
مختارات
الرئيس السوري بشار الأسد من جانبه يستريح لدور مصر الحالي، التي أعلنت أكثر من مرة مساندتها لوحدة الدولة السورية وتأييدها للجيوش الوطنية، حيث عقدت العديد من الاجتماعات بين القاهرة ودمشق، حضرتها وفود أمنية رفيعة المستوى من الدولتين لم يعلن عن أغلبها، كما قدّمت مصر مساعدات فنية وخبرات أمنية كبيرة لسوريا.
وقالت مصادر سياسية لصحيفة العرب- لم تسمها- إن قبول وارتياح دمشق لدور القاهرة كان الفيصل في نجاح اتفاق الغوطة ثم اتفاق حمص؛ لأن الأسد يدرك أن مصر حليف رئيسي له، ولديهما قواسم مشتركة تعزز أواصره، كما أن الإدراك التاريخي أن أمن مصر يبدأ من سوريا يسيطر على التقديرات الاستراتيجية للجيش المصري، لذلك يتم الدفاع بوسائل مختلفة عن عدم سقوط النظام السوري، خوفاً من انهيار مكونات الدولة، ووصول تداعياتها للعمق المصري. وأضاف نفس المصدر لصحيفة العرب أن لدى مصر اعتقاد جازم بأن سوريا هي مفتاح الدور الإقليمي لمصر، والنجاح في الوساطة يمكن أن يكون مقدمة لأدوار أخرى أكثر أهمية في المنطقة، وأن كل نجاح تحققه الدبلوماسية المصرية يعد مكسباً يساعد على توسيع نطاق الدور المصري.
ويقول مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إن الحكومة المصرية بعد ثورة يناير 2011 مروراً بفترة المجلس العسكري والآن في ظل حكم الرئيس السيسي كان موقفها مسانداً للنظام السوري وترفض انقسام سوريا، وتؤيد بقاء الجيش السوري موحداً بصرف النظر عن بعض الخلافات مع نظام بشار الأسد، الذي ترى أنه يحارب تنظيمات إرهابية.
ويستثنى السيد من ذلك فترة العام التي تولى فيه مرسي الحكم "لأنه كان يرى أن بعض القوى التي كانت تحارب الحكومة السورية هي قوى إسلامية والدكتور مرسي إسلامي ولذا كان هناك نوع من التعاطف مع هذه الحركات التي ترفع راية الإسلام السياسي ضد نظام الحكم السوري." ويتابع السيد "ربما كان هذا الموقف أحد الأسباب التي دعت القوات المسلحة إلى الاطاحة به بعد انتفاضة شعبية ضد حكمه"
مرسي ونائبه محمود محمود مكي في لقاء مع الأخضر الإبراهيمي مبعوث الجامعة العربية لسوريا آنذاك
ويوضح أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن ما جعل من مصر وسيطاً نزيها هو أن الحكومة المصرية لم تتورط في مساندة أي من الحركات التي تناهض حكم الأسد، خصوصاً الحركات الإسلامية المسلحة، وقد حاولت مصر مساندة بعض القوى السياسية المعارضة لنظام الأسد؛ لكنها كانت قوى معتدلة لا ترفع السلاح ولا ترفع راية الإسلام السياسي، يضيف مصطفى كامل السيد.
ويؤكد السيد أن مصر تربطها علاقات جيدة إلى حد ما مع معظم الأطراف المنخرطة في الصراع بسوريا باستثناء الأطراف التي تدعمها كل من تركيا وإيران "وحتى بعد تولي الرئيس السيسي الحكم صدرت بعض تعبيرات الود والتقدير من جانب الرئيس الأسد تجاه مصر"
ومن جانبه قال رضوان زيادة الأكاديمي السوري والمدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن إنه لا يعتقد أن دور مصر مركزي في القضية السورية "لكنها في الأشهر الأخيرة أحبت أن تلعب دور تهدئة، وبسبب علاقاتها الجيدة مع روسيا ربما قررت الخارجية الروسية إتاحة هذا الدور لها بحيث تكون مصر فاعلة بشكل أو بآخر في القضية السورية." وأضاف زيادة "لايمكن لمصر أن تتدخل بهذا الشكل دون موافقة الولايات المتحدة وروسيا المسيطرتين على المحاور الإقليمية والدولية الفاعلة في سوريا اليوم."
مصر وثلاثي الخليج في مواجهة قطر وتركيا وإيران
ويبدو أن نشاط مصر والتحالف الثلاثي الخليجي – السعودية والامارات والبحرين – قد امتد ليصل نفوذه إلى سوريا، وأن الأمر لم يعد مقتصراً على مقاطعة قطر أو التضييق عليها في محيطها الإقليمي فقط وإنما امتد إلى الجهات التي تدعمها هي وتركيا في الداخل السوري، في تنسيق واضح واتفاق معلن بين الدول الأربعة، التي ما كانت اتفاقات التهدئة في سوريا لتتم دون وجود اتفاقات بينها في خلفية المشهد.
رضوان زيادة المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن
ويقول مصطفى كامل السيد إن هناك نوعاً من التطور حدث في مواقف الدول المنخرطة في النزاع، فالحكومة الروسية لا تريد اتساع نفوذ تركيا وإيران في سوريا ولذلك تسعى لإدخال أطراف أخرى في المشهد، كما أنها تخشى من نوايا تركيا في الملف السوري، ونظراً لحالة التوتر بين مصر وتركيا فمن مصلحة روسيا إدخال مصر إلى المشهد – ومن خلفها دول الحلف الخليجية الثلاثة. ويتابع أستاذ العلوم السياسية "بل إن حتى السعودية يبدو أن موقفها قد تغير من بقاء بشار الأسد وبالتالي فلم تعد مصر تخشى من تأثر علاقاتها القوية مع السعودية اذا ما دخلت في تسوية المشكلة السورية، كل هذه العوامل جعلت مصر مرشحة للدخول بقوة في بعض الترتيبات التي قد تفضي الى احتواء النزاع في سوريا."
ومن جهته استبعد رضوان زيادة أن تكلل جهود التحالف المصري الخليجي بالنجاح في ملف الأزمة مع قطر فضلاً عن أن يقوم التحالف بتناول ملفات أخرى، وقال إن التحالف ليس في أفضل حالاته على مستوى التنسيق الإقليمي أو السياسي. وتابع زيادة "يبدو أيضاً أن أعضاء التحالف لديهم غايات مختلفة من الملف السوري فالسعودية ترى بشار الأسد خارج المرحلة الانتقالية وهو ما يختلف معه النظام المصري."
ويؤكد المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن أن السعودية موقفها ثابت "حتى وإن كان قد أثير بعض اللغط بشأن تصريحات نقلت بشكل غير مباشر عن عادل الجبير وزير الخارجية السعودي بشان استمرار بشار الأسد في الحكم وأن على المعارضة الإتيان بحلول جديدة في هذا السياق." وقد نفت الخارجية السعودية تلك التصريحات "وبالتالي لا يمكن الأخذ بتصريحات منقولة نفتها تصريحات رسمية"، يوضح زيادة.
دور مصري على حساب تركيا وإيران؟
تحاول الدبلوماسية المصرية شيئا فشيئا الإمساك بزمام عدد من الملفات في سوريا، مع علمها اليقيني بأن ذلك سيزيد من التوترات مع تركيا، التي قد لا تصبر كثيراً على ما تراه تهديداً كردياً لأمنها، وهو ما قد يجبرها على التدخل الخشن في القضية السورية؛ رغم ما سيكون لذلك من تبعات.
الرئيس الأمريكي ترامب والعاهل السعودي والرئيس المصري خلال القمة الإسلامية الأمريكية في الرياض مايو/ أيار 2017
ويقول مصطفى كامل السيد: "ليس هناك أمل في تحسن العلاقات المصرية مع تركيا في المستقبل القريب ولذلك لم تنظر تركيا للدور المصري بعين الارتياح أو الرضا." ويتابع استاذ العلوم السياسية: "لكن الدور المصري إلى الآن يتمثل في تيسير الوصول إلى مناطق معينة وخفض التوترات في بعض المناطق الاخرى وهي مسألة وافقت عليها كل من تركيا وايران بالاتفاق مع روسيا".
ويتصور السيد أن تركيا تخشى من توسع دور مصر من الجانب اللوجيستي حاليا إلى دور سياسي أكبر فيما بعد، ويقول "لكن مصر لم تعبأ بهذا لانعدام الأمل في تحسن العلاقات بين الجانبين قريبا، وهذا الأمر مريح تماما للحكومة المصرية وأن ينظر إلى تدخلها باعتباره خصما من رصيد الدور التركي."
أما فيما يتعلق بالعلاقات المصرية الإيرانية فيقول كامل السيد إنه لا يبدو واضحاً تماماً أنها على القدر نفسه من التوتر "لكن ما يخرج عن الجانب الإيراني تجاه مصر هو دائماً إشارات طيبة، رغم أنه من المؤكد أن إيران تدرس حالياً نتائج توسع الدور المصري في المشهد السوري وتأثيرات ذلك عليها، لكنه لن يكون أبداً بالقدر نفسه من القلق الموجود لدى تركيا"، يوضح السيد.
من جهته قال رضوان زيادة إنه يستبعد تعاظم الدور المصري مما هو عليه حاليا ليصبح أكثر فعالية وتعقيدا في الملف السوري لأسباب تتعلق بالأوضاع الداخلية في مصر "التي بالتأكيد تؤثر على وجود سياسة خارجية فعالة وأيضاً على المستوى الرسمي والدولي مصر في حاجة إلى دول الخليج من أجل المساعدات الاقتصادية وبالتالي فهي لا تستطيع الخروج عن نطاق رغبات السعودية في سوريا." ويؤكد زيادة "بالتالي فمصر ستبقى محكومة بشكل أو بآخر على مستوى السياسة الخارجية بالدور السعودي."