الاندلس بين حكم المغاربة والإنتماء الإسلامية

هنيبال

عضو
إنضم
13 أكتوبر 2018
المشاركات
7,365
التفاعل
19,382 58 4
الدولة
Morocco
الأندلس الإسلامية منذ سنة 711 إلى سنة 1492 كانت خاضعة للحكم السياسي الإسلامي ومرتبطة بتاريخ المغرب الوسيط. العدوتين كما وردت في الحوليات التاريخية شكلت طابعا خاصا في البحر الأبيض المتوسط، من حيث التأثير والتأثر في مختلف جوانب الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. فالمجال كان واسعا يشمل المغرب الأقصى بحدوده المحادية لغرب إفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية التي تشمل إسبانيا والبرتغال الحاليتين، وبحكم تقارب المجال، العلاقة بين الأندلس وساكنة المغرب الأقصى منذ قرون لها طابع إنتمائي، بحكم العلاقة المجتمعية المشتركة بين المجتمع الإسلامي الأندلسي والمجتمع المغربي، خاصة وأن الأندلس كانت خلال الفترة المرابطية والموحدية إقليم تابع للعاصمة مراكش، ويخضع لسيطرة مركزية تحدد ضرائبها وعمالها وقضائها، ويتم تسيير الأندلس مباشرة من ولي العهد أو من المقربين للملك أو الخليفة، فأصبحت الأندلس جزء من شرعية المركز، فنمى تقليد العبور عبرمضيق جبل طارق كلما تغير الحكم في المغرب الوسيط. ومن تقاليد العديد من المغاربة التركيز على أنسابهم الأندلسية والإفتخار بهذا الإنتماء. فالتاريخ المغربي بإمتداده المجالي وتحركاته البشرية عبر مختلف المناطق، خلق حالة ذهنية وفكرية تجسد الإنتماء للمحيط الأندلسي، الذي كان يعتبر جزء من الدولة المغربية المرابطية والموحدية، حتى أن إستعمال إسم العدوتين أو الدولة البربرية الأندلسية يحمل في طياته ذالك العمق التاريخي المترابط والمتشابك، لكونه تاريخ ثلاثة دول: مرابطية وموحدية ومرينية. الدول المغربية الوسيطية ألحقت الأندلس بمجالها الحيوي، فكان حظور الأندلس حظور إستراتيجي تتبناه الدولة ومختلف مكونات المجتمع. فالمسألة الإنتمائية حاضرة تاريخيا، ولكن يمكن أن نوضح بعض القضايا المتعلقة بالعلاقات التي جمعت بين بعض المكونات المتميزة بخصوصياتها وربطها بالإنتماء والتاريخ المغربي لا شك أن الجوانب السياسية والدينية تشكل عناصر هامة لتفسير ظاهرة العصر الوسيط المغربي، ولكن سنحاول وضع إطار عام للتحركات البشرية وما يرتبط بها من ظواهر إجتماعية في الفترة المرابطية والموحدية
إن الوحدة السياسية التي دامت مدة طويلة، أي منذ أن أطلق أهل الرباط سنة 1090 سياسة ضم الأندلس إلى ملكهم، خلقت عمقا سياسيا وجغرافيا جاذبا نحو الوحدة إلي حدود النصف الأول من القرن الثالث عشر. إن جعل الأندلس جزء من مجال الدولة المغربية خلال فترة المرابطين والموحدين، كرس وبامتياز فكرة العبور والمرابطة، وأصبحت الأندلس مركز قوة للسلطة المركزية، لذا إعتنت السلطة الوسيطية بمراكش بمختلف المناطق الأندلسية وأخضعتها لنفس التصورات السياسية والجبائية . لقد كان من نتائج الوحدة السياسية تسهيل عملية التحرك البشري بين ضفتي الأندلس والمغرب، فشكل تنقل الأشخاص والمجموعات البشرية نواة تلاقي إجتماعي، ساهم في جعل المغرب الأقصى والأندلس إمتدادا جغرافيا وبشريا لمركزين قادرين على صهر المكونات القادمة إليهما. التحركات البشرية في الغرب الإسلامي وخاصة بين الأندلس والمغرب الأقصى متعددة ومتصلة خلال حقبة العصر الوسيط، مما جعلها تأثر في مختلف المكونات الإجتماعية بشكل أو بآخر في إطار تحالفات محورية مدعومة بصراعات قبلية وكونفدرالية، تتسع وفقا لمعايير المصلحة والظروف الإقتصادية والسياسية. التحركات البشرية بين المغرب الأقصى والأندلس كانت متعددة الأطراف ومتنوعة المشارب، تحمل في تنقلاتها مخزونا يجمع بين العام المتعارف عليه في الغرب الإسلامي والخصوصية الذاتية المحلية الموروثة. غالبية التحركات البشرية في المصادر التاريخية تدخل في إطار ما قد نسميه بالإكتساح المجالي، لكون هذا النوع من التحركات يساهم في تغيير التحالفات والدول والسلطة المركزية، ومن الناحية العددية يخلق إختلالات في التوازن المجالي بين المدن والأرياف. فإنتقال الحكم من ملوك الطوائف لحساب المرابطين إلى وصول الموحدين للسلطة، كلها مراحل عرفت فيها التحركات البشرية بين الضفتين ديناميكية كبيرة، ذات صبغة قوية وشهرة سجلتها المصادر التاريخية الوسيطية، لذا فإن هذا العنصر البشري المساهم في التلاقي الإجتماعي، كانت له آلية سياسية وهي تغير السلطة وبروز سلطة جديدة، رافعة لشعار الجهاد، فالتحرك على هذا المستوى تحرك جماعي محارب، يجمع قبائل بأكملها وما تحمله من خصوصيات تنظيمية وإجتماعية
فبالإضافة إلى هذه التحركات البشرية فإن هناك تحركات مصاحبة ومواكبة للوضعية السياسية، ففي سنة 1125 حاول ألفونس الأول الوصول إلى غرناطة في إطار حملة إستردادية، إلا أنه فشل في مشروعه مما دفعه إلى التراجع، فحمل المرابطون للجالية المسيحية بالأندلس الإسلامية المسؤولية عما حدث لوقوفهم في صف العدو، فتبع ذلك قرار رسمي يقضي بترحيل الجاليات المسيحية خلال سنة 1126 وأعيد العمل به في سنة 1136، وإستقرت الجاليات المهجرة في العديد من المدن المغربية كمكناس وفاس ومراكش وسلا وغيرها
الحالة السياسية والعسكرية التي كانت تتميز بالمد والجزر، كفقدان قرطبة سنة 1263 وإشبيلية سنة 1248 ميلادية، دفع بالعديد من الأسر الغنية الأرستوقراطية إلى الهجرة نحو المغرب الأقصى، كما كان لفئة العلماء دور في إنتقال وإحتكاك المعارف بين الأندلس والمغرب، إذ تمت الهجرة بين العدوتين لتحصيل العلم، مع ما رافق ذلك من البحث على المناصب والعمل داخل البلاط المرابطي والموحدي، وكان في قمة هجرة العلماء رحيل الفيلسوف والعالم الجليل إبن رشد من مسقط رأسه قرطبة إلى مراكش
لعل من أهم ما يمكن الوقوف عنده هو حلقة الوصل التي شكلها الحكم المرابطي والموحدي في تاريخ الغرب الإسلامي برمته والأندلس خاصة، فلا أحد ينكر أننا أمام سلطتين تمكنت كل واحدة من خلق توازن جيوسياسي في الغرب الإسلامي، بتمكن كل من المرابطين والموحدين من مراقبة مجال واسع يمتد من السنغال إلى الأندلس، معتمدين في ذلك على نهج سياسي وحدوي، لذا أصبح المغرب الأقصى مركز القرار السياسي والإقتصادي لوجود السلطة المركزية بالعاصمة مراكش، التي كانت تسهر على جعل المجتمع الأندلسي مجتمعا إسلاميا ومعربا مندمجا في ما يسمى بالغرب الإسلامي. في نفس الوقت كانت مراقبة تجارة الذهب مع الجنوب وإدخالها في التعاملات التجارية والتبادلية بالمواد المغربية والأندلسية، عنصرا مساهما في حركة تنقل العنصر البشري والإقتصادي والثقافي، دعمته وتطورت من خلاله حركة ملاحية مزدهرة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط وعلى المحيط الأطلسي، فعرفت الموانئ المغربية والأندلسية حركة تنقل الأشخاص والبضائع بصورة مهمة، أثرت على التجارة الداخلية في المدن والأرياف والتجارة العابرة للصحراء. الجهد السياسي المرابطي والموحدي مكن من توفير فرص أمن الطرقات والموانئ، وخلق ديناميكية إقتصادية مرافقة للتحركات البشرية التي إنتقلت معها عادات البناء والملبس والثقافة بمختلف تنوعاتها وخصوصياتها المحلية، حيث أصبح العمران عمرانا أندلسيا مغربيا، نلاحظه في قصور ومساجد المرابطين والموحدين كمنارة الكتبية بمراكش والمسجد الكبير وإقامة الخلفاء بإشبيلية وغيرها في غرناطة ومرسية وفاس وتلمسان والأمثلة كثيرة. لقد حاول اهل الرباط وبالخصوص أهل التوحيد بناءا على عقيدتهم صهر المغرب والأندلس في وحدة جغرافية وثقافية، يشكل فيها العنصر الإجتماعي مقوما وحدويا رغم خصوصية كل جهة. الوحدة السياسية والجغرافية والثقافية التي رسختها الدول المغربية الوسيطية، نجحت إلى حد كبير في جوانب منها وأخفقت في الأخرى، تركت أثرها في الذاكرة المغربية، فأصبح إنتماء المغربي إلى البحر الأبيض المتوسط حقيقة وذاكرة تاريخية، هذا المحيط الجيوسياسي لعب فيه أهل المغرب الأقصى دورا رياديا وتاريخيا، ولعل ربط الأندلس بالمغرب هو الذي يدفع المغاربة إلى الإفتخار بالإنتماء إلى ماضي الغرب الإسلامي وبالخصوص الأندلسي، وهو إنتماء لمرحلة جيوسياسية كانت فيها مكونات المجتمع المغربي قادرة على صهر التنوع الثقافي والجهوي بإحتضان خصوصية كل جهة وكل عنصر بشري، وذلك عن طريق نهج سياسة المجال الجغرافي الممتد والموحد، لكون المغرب الأقصى والأندلس كانا يعيشان نفس الحقيقة السياسية خلال الحقبة الوسيطية، فكان نهج سياسة الوحدة من الثوابت، وكل ما يدخل في إطار الخصوصيات المحلية والثقافية والقبلية روافد تتغذى بها سياسية الوحدة القائمة
 
مشاركة ثرية بالمعلومات التاريخية
و الله إن الإنسان المسلم ليحزن حى هذه اللحظة على ضياع الأندلس فقد كانت دولة عريقة دينيا و ثقافيا و علميا
مشكور أخي هنيبال على المشاركة القيمة
 
مشاركة ثرية بالمعلومات التاريخية
و الله إن الإنسان المسلم ليحزن حى هذه اللحظة على ضياع الأندلس فقد كانت دولة عريقة دينيا و ثقافيا و علميا
مشكور أخي هنيبال على المشاركة القيمة
على الرحب اخي ، فعلا امر مؤسف يدمي القلب ولكن الزمن علمنا أنه عجلة، وعاجلا ليس اجلا سوف يعود لنا عزنا.
تقبل احترامي.
 
للاسف بموت الأندلس بدأت أطماع بنات اوى في الدول العربية .
صمدت من صمدت واحتلت من وهنت ولكن في النهاية الكل سقط
 
330px-Alhambradesdegeneralife.jpg
042815_1431_1.jpg
arton14368.jpg
2014_9_12_17_8_15_633.jpg
1402863557-819592.jpg
042815_1431_1.jpg
arton14368.jpg
Patio_de_los_Leones._Alhambra_de_Granada._Spain..JPG
alhambra-paleis-van-leeuwen-granada-spanje-40076103.jpg
4.jpg
 
وعَنْ أبي عبد اللَّه خباب بن الأرت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: شكونا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو متوسد بردة له في طل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: <قد كان مِنْ قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمِنْشار فيوضع عَلَى رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عَنْ دينه! واللَّه ليتمن اللَّه هذا الأمر حتى يسير الراكب مِنْ صنعاء إِلَى حضرموت لا يخاف إلا اللَّه والذئب عَلَى غنمه ولكنكم تستعجلون!> رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
سقطت غرناطة –آخر قلاع المسلمين في إسبانيا- سنة (897 هـ=1492م)، وكان ذلك نذيرًا بسقوط صرح الأمة الأندلسية الديني والاجتماعي، وتبدد تراثها الفكري والأدبي، وكانت مأساة المسلمين هناك من أفظع مآسي التاريخ؛ حيث شهدت تلك الفترة أعمالاً بربرية وحشية ارتكبتها محاكم التحقيق (التفتيش)؛ لتطهير أسبانيا من آثار الإسلام والمسلمين، وإبادة تراثهم الذي ازدهر في هذه البلاد زهاء ثمانية قرون من الزمان.
وهاجر كثير من مسلمي الأندلس إلى الشمال الإفريقي بعد سقوط مملكتهم؛ فراراً بدينهم وحريتهم من اضطهاد النصارى الأسبان لهم، وعادت أسبانيا إلى دينها القديم، أما من بقي من المسلمين فقد أجبر على التنصر أو الرحيل، وأفضت هذه الروح النصرانية المتعصبة إلى مطاردة وظلم وترويع المسلمين العزل، انتهى بتنفيذ حكم الإعدام ضد أمة ودين على أرض أسبانيا.
ونشط ديوان التحقيق أو الديوان المقدس الذي يدعمه العرش والكنيسة في ارتكاب الفظائع ضد الموريسكيين (المسلمين المتنصرين)، وصدرت عشرات القرارات التي تحول بين هؤلاء المسلمين ودينهم ولغتهم وعاداتهم وثقافتهم، فقد أحرق الكردينال "خمينيث" عشرات الآلاف من كتب الدين والشريعة الإسلامية، وصدر أمر ملكي يوم (22 ربيع أول 917 هـ/20 يونيو 1511) يلزم جميع السكان الذي تنصروا حديثًا أن يسلموا سائر الكتب العربية التي لديهم، ثم تتابعت المراسيم والأوامر الملكية التي منعت التخاطب باللغة العربية وانتهت بفرض التنصير الإجباري على المسلمين، فحمل التعلق بالأرض وخوف الفقر كثيرًا من المسلمين على قبول التنصر ملاذًا للنجاة، ورأى آخرون أن الموت خير ألف مرة من أن يصبح الوطن العزيز مهدًا للكفر، وفر آخرون بدينهم، وكتبت نهايات متعددة لمأساة واحدة هي رحيل الإسلام عن الأندلس.
1207994052pic2.jpg

صورة للوحة زيتية قديمة تظهر إحراق المصاحف والكتب الإسلامية من قبل أعضاء محاكم التفتيش في أسبانيا
 
محاكم التفتيش
توفي فرناندو الخامس ملك إسبانيا في (17 ذي الحجة 921 هـ=23 يناير 1516م) وأوصى حفيده شارل الخامس بحماية الكاثوليكية والكنيسة واختيار المحققين ذوي الضمائر الذين يخشون الله لكي يعملوا في عدل وحزم لخدمة الله، وتوطيد الدين الكاثوليكي، كما يجب أن يسحقوا طائفة محمد!
وقد لبث "فرناندو" زهاء عشرين عامًا بعد سقوط الأندلس ينزل العذاب والاضطهاد بمن بقي من المسلمين في أسبانيا، وكانت أداته في ذلك محاكم التحقيق التي أنشئت بمرسوم بابوي صدر في (رمضان 888 هـ= أكتوبر 1483م) وعين القس "توماس دي تركيمادا" محققًا عامًا لها ووضع دستورًا لهذه المحاكم الجديدة وعددًا من اللوائح والقرارات.
وقد مورست في هذه المحاكم معظم أنواع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، وأزهقت آلاف الأرواح تحت وطأة التعذيب، وقلما أصدرت هذه المحاكم حكمًا بالبراءة، بل كان الموت والتعذيب الوحشي هو نصيب وقسمة ضحاياها، حتى إن بعض ضحاياها كان ينفذ فيه حكم الحرق في احتفال يشهده الملك والأحبار، وكانت احتفالات الحرق جماعية، تبلغ في بعض الأحيان عشرات الأفراد، وكان فرناندو الخامس من عشاق هذه الحفلات، وكان يمتدح الأحبار المحققين كلما نظمت حفلة منها.
وبث هذا الديوان منذ قيامه جوًا من الرهبة والخوف في قلوب الناس، فعمد بعض هؤلاء الموريسكيين إلى الفرار، أما الباقي فأبت الكنيسة الكاثوليكية أن تؤمن بإخلاصهم لدينهم الذي أجبروا على اعتناقه؛ لأنها لم تقتنع بتنصير المسلمين الظاهري، بل كانت ترمي إلى إبادتهم.
1207994160inquisition_-_bur.jpg
120799474220041114-inquisition.jpg


120799484541-18.jpg


صورة لبعض اللوحات الزيتية لبعض حفلات إحراق المسلمين في الأندلس من قبل محاكم التفتيش
 
شارل الخامس والتنصير الإجباري
تنفس الموريسكيون(المسلمون المنصرون قسراً) الصعداء بعد موت فرناندو وهبت عليهم رياح جديدة من الأمل، ورجوا أن يكون عهد "شارل الخامس" خيرًا من سابقه، وأبدى الملك الجديد –في البداية- شيئًا من اللين والتسامح نحو المسلمين والموريسكيين، وجنحت محاكم التحقيق إلى نوع من الاعتدال في مطاردتهم، وكفت عن التعرض لهم بسبب توسط النبلاء والسادة الذين يعمل المسلمون في ضياعهم، ولكن هذه السياسة المعتدلة لم تدم سوى بضعة أعوام، وعادت العناصر الرجعية المتعصبة في البلاط وفي الكنيسة، فغلبت كلمتها، وصدر مرسوم في (16 جمادى الأولى 931 هـ=12 مارس 1524م) يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه، وإخراج كل من أبى النصرانية من إسبانيا، وأن يعاقب كل مسلم أبى التنصر أو الخروج في المهلة الممنوحة بالرق مدى الحياة، وأن تحول جميع المساجد الباقية إلى كنائس.
ولما رأى الموريسكيون هذا التطرف من الدولة الإسبانية، استغاثوا بالإمبراطور شارل الخامس، وبعثوا وفداً منهم إلى مدريد ليشرح له مظالمهم، فندب شارل محكمة كبرى من النواب والأحبار والقادة وقضاة التحقيق، برئاسة المحقق العام لتنظر في شكوى المسلمين، ولتقرر ما إذا كان التنصير الذي وقع على المسلمين بالإكراه، يعتبر صحيحًا ملزمًا، بمعنى أنه يحتم عقاب المخالف بالموت.
وقد أصدرت المحكمة قرارها بعد مناقشات طويلة، بأن التنصير الذي وقع على المسلمين صحيح لا تشوبه شائبة؛ لأن هؤلاء الموريسكيين سارعوا بقبوله اتقاء لما هو شر منه، فكانوا بذلك أحراراً في قبوله.
وعلى أثر ذلك صدر أمر ملكي بأن يرغم سائر المسلمين الذين تنصروا كرهًا على البقاء في أسبانيا، باعتبارهم نصارى، وأن ينصر كل أولادهم، فإذا ارتدوا عن النصرانية، قضى عليهم بالموت أو المصادرة، وقضى الأمر في الوقت نفسه، بأن تحول جميع المساجد الباقية في الحالة إلى كنائس.
وكان قدر هؤلاء المسلمين أن يعيشوا في تلك الأيام الرهيبة التي ساد فيها إرهاب محاكم التحقيق، وكانت لوائح الممنوعات ترد تباعًا، وحوت أوامر غريبة منها: حظر الختان، وحظر الوقوف تجاه القبلة، وحظر الاستحمام والاغتسال، وحظر ارتداء الملابس العربية.
ولما وجدت محكمة تفتيش غرناطة بعض المخالفات لهذه اللوائح، عمدت إلى إثبات تهديدها بالفعل، وأحرقت اثنين من المخالفين في (شوال 936هـ/مايو 1529م) في احتفال ديني.



1207994656351px-pedro_berru.jpg

صورة للوحة زيتية قديمة تظهر إحراق مسلمين في أثناء حفل ديني
كان لقرارات هذا الإمبراطور أسوأ وقع لدى المسلمين، وما لبثت أن نشبت الثورة في معظم الأنحاء التي يقطنونها في سرقسطة وبلنسية وغيرهما، واعتزم المسلمون على الموت في سبيل الدين والحرية، إلا أن الأسبان كانوا يملكون السلاح والعتاد فاستطاعوا أن يخمدوا هذه الثورات المحلية باستثناء بلنسية التي كانت تضم حشدًا كبيرًا من المسلمين يبلغ زهاء (27) ألف أسرة، فإنها استعصت عليهم، لوقوعها على البحر واتصالها بمسلمي المغرب.
وقد أبدى مسلمو بلنسية مقاومة عنيفة لقرارات التنصير، ولجأت جموع كبيرة منهم إلى ضاحية (بني وزير)، فجردت الحكومة عليهم قوة كبيرة مزودة بالمدافع، وأرغمت المسلمين في النهاية على التسليم والخضوع، وأرسل إليهم الإمبراطور إعلان الأمان على أن يتنصروا، وعدلت عقوبة الرق إلى الغرامة، وافتدى الأندلسيون من الإمبراطور حق ارتداء ملابسهم القومية بمبلغ طائل.
وكانت سياسة التهدئة من شارل الخامس محاولة لتهدئة الأوضاع في جنوب الأندلس حتى يتفرغ للاضطرابات التي اندلعت في ألمانيا وهولندا بعد ظهور مارتن لوثر وأطروحاته الدينية لإصلاح الكنيسة وانتشار البروتستانتية؛ لذلك كان بحاجة إلى توجيه كل اهتمامه واهتمام محاكم التحقيق إلى "الهراطقة" في شمال أوروبا، كما أن قيام محاكم التحقيق بما يفترض أن تقوم به كان يعني إحراق جميع الأندلسيين؛ لأن الكنيسة تدرك أن تنصرهم شكلي لا قيمة له، يضاف إلى ذلك أن معظم المزارعين الأندلسيين كانوا يعملون لحساب النبلاء أو الكنيسة، وكان من مصلحة هؤلاء الإبقاء على هؤلاء المزارعين وعدم إبادتهم.
وكان الإمبراطور شارل الخامس حينما أصدر قراره بتنصير المسلمين، وعد بتحقيق المساواة بينهم وبين النصارى في الحقوق والواجبات، ولكن هذه المساواة لم تتحقق قط، وشعر هؤلاء أنهم ما زالوا موضع الريب والاضطهاد، ففرضت عليم ضرائب كثيرة لا يخضع لها النصارى، وكانت وطأة الحياة تثقل عليهم شيئًا فشيئًا، حتى أصبحوا أشبه بالرقيق والعبيد، ولما شعرت السلطات بميل الموريسكيين إلى الهجرة، صدر قرار في سنة (948 هـ=1514م)، يحرم عليهم تغيير مساكنهم، كما حرم عليهم النزوح إلى بلنسية التي كانت دائمًا طريقهم المفضل إلى الهجرة، ثم صدر قرار بتحريم الهجرة من هذه الثغور إلا بترخيص ملكي، نظير رسوم فادحة. وكان ديوان التحقيق يسهر على حركة الهجرة ويعمل على قمعها بشدة.
ولم تمنع هذه الشدة من ظهور اعتدال من الإمبراطور في بعض الأوقات، ففي سنة (950 هـ=1543م) أصدر عفوًا عن بعض المسلمين المتنصرين؛ تحقيقًا لرغبة مطران طليطلة، وأن يسمح لهم بتزويج أبنائهم وبناتهم من النصارى الخلص، ولا تصادر المهور التي دفعوها للخزينة بسبب الذنوب التي ارتكبوها.
وهكذا لبثت السياسة الأسبانية أيام الإمبراطور شارل الخامس (922 هـ=1516م) حتى (963هـ=1555م) إزاء الموريسكيين تتردد بين الشدة والقسوة، وبين بعض مظاهر اللين والعفو، إلا أن هؤلاء المسلمين تعرضوا للإرهاق والمطاردة والقتل ووجدت فيهم محاكم التحقيق الكنسية مجالاً مفضلاً لتعصبها وإرهابها.
 
وعَنْ أبي عبد اللَّه خباب بن الأرت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: شكونا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو متوسد بردة له في طل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: <قد كان مِنْ قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمِنْشار فيوضع عَلَى رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عَنْ دينه! واللَّه ليتمن اللَّه هذا الأمر حتى يسير الراكب مِنْ صنعاء إِلَى حضرموت لا يخاف إلا اللَّه والذئب عَلَى غنمه ولكنكم تستعجلون!> رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
سقطت غرناطة –آخر قلاع المسلمين في إسبانيا- سنة (897 هـ=1492م)، وكان ذلك نذيرًا بسقوط صرح الأمة الأندلسية الديني والاجتماعي، وتبدد تراثها الفكري والأدبي، وكانت مأساة المسلمين هناك من أفظع مآسي التاريخ؛ حيث شهدت تلك الفترة أعمالاً بربرية وحشية ارتكبتها محاكم التحقيق (التفتيش)؛ لتطهير أسبانيا من آثار الإسلام والمسلمين، وإبادة تراثهم الذي ازدهر في هذه البلاد زهاء ثمانية قرون من الزمان.
وهاجر كثير من مسلمي الأندلس إلى الشمال الإفريقي بعد سقوط مملكتهم؛ فراراً بدينهم وحريتهم من اضطهاد النصارى الأسبان لهم، وعادت أسبانيا إلى دينها القديم، أما من بقي من المسلمين فقد أجبر على التنصر أو الرحيل، وأفضت هذه الروح النصرانية المتعصبة إلى مطاردة وظلم وترويع المسلمين العزل، انتهى بتنفيذ حكم الإعدام ضد أمة ودين على أرض أسبانيا.
ونشط ديوان التحقيق أو الديوان المقدس الذي يدعمه العرش والكنيسة في ارتكاب الفظائع ضد الموريسكيين (المسلمين المتنصرين)، وصدرت عشرات القرارات التي تحول بين هؤلاء المسلمين ودينهم ولغتهم وعاداتهم وثقافتهم، فقد أحرق الكردينال "خمينيث" عشرات الآلاف من كتب الدين والشريعة الإسلامية، وصدر أمر ملكي يوم (22 ربيع أول 917 هـ/20 يونيو 1511) يلزم جميع السكان الذي تنصروا حديثًا أن يسلموا سائر الكتب العربية التي لديهم، ثم تتابعت المراسيم والأوامر الملكية التي منعت التخاطب باللغة العربية وانتهت بفرض التنصير الإجباري على المسلمين، فحمل التعلق بالأرض وخوف الفقر كثيرًا من المسلمين على قبول التنصر ملاذًا للنجاة، ورأى آخرون أن الموت خير ألف مرة من أن يصبح الوطن العزيز مهدًا للكفر، وفر آخرون بدينهم، وكتبت نهايات متعددة لمأساة واحدة هي رحيل الإسلام عن الأندلس.
1207994052pic2.jpg

صورة للوحة زيتية قديمة تظهر إحراق المصاحف والكتب الإسلامية من قبل أعضاء محاكم التفتيش في أسبانيا

لا حول و لا قوة إلا بالله
 
شارل الخامس والتنصير الإجباري
تنفس الموريسكيون(المسلمون المنصرون قسراً) الصعداء بعد موت فرناندو وهبت عليهم رياح جديدة من الأمل، ورجوا أن يكون عهد "شارل الخامس" خيرًا من سابقه، وأبدى الملك الجديد –في البداية- شيئًا من اللين والتسامح نحو المسلمين والموريسكيين، وجنحت محاكم التحقيق إلى نوع من الاعتدال في مطاردتهم، وكفت عن التعرض لهم بسبب توسط النبلاء والسادة الذين يعمل المسلمون في ضياعهم، ولكن هذه السياسة المعتدلة لم تدم سوى بضعة أعوام، وعادت العناصر الرجعية المتعصبة في البلاط وفي الكنيسة، فغلبت كلمتها، وصدر مرسوم في (16 جمادى الأولى 931 هـ=12 مارس 1524م) يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه، وإخراج كل من أبى النصرانية من إسبانيا، وأن يعاقب كل مسلم أبى التنصر أو الخروج في المهلة الممنوحة بالرق مدى الحياة، وأن تحول جميع المساجد الباقية إلى كنائس.
ولما رأى الموريسكيون هذا التطرف من الدولة الإسبانية، استغاثوا بالإمبراطور شارل الخامس، وبعثوا وفداً منهم إلى مدريد ليشرح له مظالمهم، فندب شارل محكمة كبرى من النواب والأحبار والقادة وقضاة التحقيق، برئاسة المحقق العام لتنظر في شكوى المسلمين، ولتقرر ما إذا كان التنصير الذي وقع على المسلمين بالإكراه، يعتبر صحيحًا ملزمًا، بمعنى أنه يحتم عقاب المخالف بالموت.
وقد أصدرت المحكمة قرارها بعد مناقشات طويلة، بأن التنصير الذي وقع على المسلمين صحيح لا تشوبه شائبة؛ لأن هؤلاء الموريسكيين سارعوا بقبوله اتقاء لما هو شر منه، فكانوا بذلك أحراراً في قبوله.
وعلى أثر ذلك صدر أمر ملكي بأن يرغم سائر المسلمين الذين تنصروا كرهًا على البقاء في أسبانيا، باعتبارهم نصارى، وأن ينصر كل أولادهم، فإذا ارتدوا عن النصرانية، قضى عليهم بالموت أو المصادرة، وقضى الأمر في الوقت نفسه، بأن تحول جميع المساجد الباقية في الحالة إلى كنائس.
وكان قدر هؤلاء المسلمين أن يعيشوا في تلك الأيام الرهيبة التي ساد فيها إرهاب محاكم التحقيق، وكانت لوائح الممنوعات ترد تباعًا، وحوت أوامر غريبة منها: حظر الختان، وحظر الوقوف تجاه القبلة، وحظر الاستحمام والاغتسال، وحظر ارتداء الملابس العربية.
ولما وجدت محكمة تفتيش غرناطة بعض المخالفات لهذه اللوائح، عمدت إلى إثبات تهديدها بالفعل، وأحرقت اثنين من المخالفين في (شوال 936هـ/مايو 1529م) في احتفال ديني.



1207994656351px-pedro_berru.jpg

صورة للوحة زيتية قديمة تظهر إحراق مسلمين في أثناء حفل ديني
كان لقرارات هذا الإمبراطور أسوأ وقع لدى المسلمين، وما لبثت أن نشبت الثورة في معظم الأنحاء التي يقطنونها في سرقسطة وبلنسية وغيرهما، واعتزم المسلمون على الموت في سبيل الدين والحرية، إلا أن الأسبان كانوا يملكون السلاح والعتاد فاستطاعوا أن يخمدوا هذه الثورات المحلية باستثناء بلنسية التي كانت تضم حشدًا كبيرًا من المسلمين يبلغ زهاء (27) ألف أسرة، فإنها استعصت عليهم، لوقوعها على البحر واتصالها بمسلمي المغرب.
وقد أبدى مسلمو بلنسية مقاومة عنيفة لقرارات التنصير، ولجأت جموع كبيرة منهم إلى ضاحية (بني وزير)، فجردت الحكومة عليهم قوة كبيرة مزودة بالمدافع، وأرغمت المسلمين في النهاية على التسليم والخضوع، وأرسل إليهم الإمبراطور إعلان الأمان على أن يتنصروا، وعدلت عقوبة الرق إلى الغرامة، وافتدى الأندلسيون من الإمبراطور حق ارتداء ملابسهم القومية بمبلغ طائل.
وكانت سياسة التهدئة من شارل الخامس محاولة لتهدئة الأوضاع في جنوب الأندلس حتى يتفرغ للاضطرابات التي اندلعت في ألمانيا وهولندا بعد ظهور مارتن لوثر وأطروحاته الدينية لإصلاح الكنيسة وانتشار البروتستانتية؛ لذلك كان بحاجة إلى توجيه كل اهتمامه واهتمام محاكم التحقيق إلى "الهراطقة" في شمال أوروبا، كما أن قيام محاكم التحقيق بما يفترض أن تقوم به كان يعني إحراق جميع الأندلسيين؛ لأن الكنيسة تدرك أن تنصرهم شكلي لا قيمة له، يضاف إلى ذلك أن معظم المزارعين الأندلسيين كانوا يعملون لحساب النبلاء أو الكنيسة، وكان من مصلحة هؤلاء الإبقاء على هؤلاء المزارعين وعدم إبادتهم.
وكان الإمبراطور شارل الخامس حينما أصدر قراره بتنصير المسلمين، وعد بتحقيق المساواة بينهم وبين النصارى في الحقوق والواجبات، ولكن هذه المساواة لم تتحقق قط، وشعر هؤلاء أنهم ما زالوا موضع الريب والاضطهاد، ففرضت عليم ضرائب كثيرة لا يخضع لها النصارى، وكانت وطأة الحياة تثقل عليهم شيئًا فشيئًا، حتى أصبحوا أشبه بالرقيق والعبيد، ولما شعرت السلطات بميل الموريسكيين إلى الهجرة، صدر قرار في سنة (948 هـ=1514م)، يحرم عليهم تغيير مساكنهم، كما حرم عليهم النزوح إلى بلنسية التي كانت دائمًا طريقهم المفضل إلى الهجرة، ثم صدر قرار بتحريم الهجرة من هذه الثغور إلا بترخيص ملكي، نظير رسوم فادحة. وكان ديوان التحقيق يسهر على حركة الهجرة ويعمل على قمعها بشدة.
ولم تمنع هذه الشدة من ظهور اعتدال من الإمبراطور في بعض الأوقات، ففي سنة (950 هـ=1543م) أصدر عفوًا عن بعض المسلمين المتنصرين؛ تحقيقًا لرغبة مطران طليطلة، وأن يسمح لهم بتزويج أبنائهم وبناتهم من النصارى الخلص، ولا تصادر المهور التي دفعوها للخزينة بسبب الذنوب التي ارتكبوها.
وهكذا لبثت السياسة الأسبانية أيام الإمبراطور شارل الخامس (922 هـ=1516م) حتى (963هـ=1555م) إزاء الموريسكيين تتردد بين الشدة والقسوة، وبين بعض مظاهر اللين والعفو، إلا أن هؤلاء المسلمين تعرضوا للإرهاق والمطاردة والقتل ووجدت فيهم محاكم التحقيق الكنسية مجالاً مفضلاً لتعصبها وإرهابها.

حسبنا الله و نعم الوكيل
 
الألخميادو
وكانت الأمة الأندلسية خلال هذا الاستشهاد المحزن، الذي فرض عليها تحاول بكل وسيلة أن تستبقي دينها وتراثها، فكان الموريسيكيون بالرغم من دخولهم في النصرانية يتعلقون سراً بالإسلام، وكثير منهم يؤدون شعائر الإسلام خفية، وكانوا يحافظون على لغتهم العربية، إلا أن السياسة الإسبانية فطنت إلى أهمية اللغة في تدعيم الروح الإسلامية؛ لذلك أصدر الإمبراطور شارل الخامس سنة ( 932 هـ=1526م) أول قانون يحرم التخاطب بالعربية على الموريسكيين، ولكنه لم يطبق بشدة؛ لأن هؤلاء الموريسكيين دفعوا له (100) ألف دوقة حتى يسمح لهم بالتحدث بالعربية، ثم أصدر الإمبراطور فيليب الثاني سنة (964 هـ/1566م) قانونًا جديدًا يحرم التخاطب بالعربية، وطبق بمنتهى الشدة والصرامة، وفرضت القشتالية كلغة للتخاطب والتعامل، ومع ذلك وجد الموريسكيون في القشتالية متنفسًا لتفكيرهم وأدبهم، فكانوا يكتبونها سراً بأحرف عربية، وأسفر ذلك بمضي الزمن عن خلق لغة جديدة هي "ألخميادو" وهي تحريف إسباني لكلمة "الأعجمية"، ولبثت هذه اللغة قرنين من الزمان سراً مطموراً، وبذلك استطاعوا أن يحتفظوا بعقيدتهم الإسلامية، وألف بها بعض الفقهاء والعلماء كتبًا عما يجب أن يعتقد المسلم ويفعله حتى يحتفظ بإسلامه، وشرحوا آيات القرآن باللغة الألخميادية وكذلك سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أشهر كتاب هذه اللغة الفقيه المسمى "فتى أبيرالو" وهو مؤلف لكتب التفسير، وتلخيص السنة، ومن الشعراء محمد ربدان الذي نظم كثيرًا من القصائد والأغنيات الدينية؛ وبذلك تحصن الموريسيكيون بمبدأ "التقية" فصمدوا في وجه مساعي المنصرين الذين لم تنجح جهودهم التبشيرية والتعليمية والإرهابية في الوصول إلى تنصير كامل لهؤلاء الموريسيكيين، فجاء قرار الطرد بعد هذه الإخفاقات.
ولم تفلح مساعي الموريسيكيين في الحصول على دعم خارجي فعال من الدولة العثمانية أو المماليك في مصر، رغم حملات الإغارة والقرصنة التي قام بها العثمانيون والجزائريون والأندلسيون على السفن والشواطئ الأسبانية، ودعم الثوار الموريسيكيين.
واستمرت محاكم التحقيق في محاربة هؤلاء المسلمين طوال القرن السادس عشر الميلادي، وهو ما يدل على أن آثار الإسلام الراسخة في النفوس بقيت بالرغم من المحن الرهيبة وتعاقب السنين، ولعل من المفيد أن نذكر أن رجلاً أسبانيًا يدعى "بدية" توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج سنة (1222هـ=1807م) أي بعد 329 سنة من قيام محاكم التفتيش.
 
وبعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس، أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.
ولنستمع إلى هذه القصة التي يرويها لنا أحد ضباط الجيش الفرنسي الذي دخل إلى إسبانيا بعد الثورة الفرنسية ( كتب (الكولونيل ليموتسكي) أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا قال: " كنت سنة 1809 ملحقاً بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل (مدريد) العاصمة وكان الإمبراطور نابيلون أصدر مرسوماً سنة 1808 بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية غير أن هذا الأمر أهمل العمل به للحالة والإضطرابات السياسية التي سادت وقتئذ.
وصمم الرهبان الجزوبت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقاماً من القرار الصادر وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو.
وبينما أسير في إحدى الليالي أجتاز شارعاً يقل المرور فيه من شوارع مدريد إذ باثنين مسلحين قد هجما عليّ يبغيان قتلي فدافعت عن حياتي دفاعاً شديداً ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام فما أن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب. وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش فأسرعت إلى(المارشال سولت) الحاكم العسكري لمدريد وقصصت عليه النبأ وقال لا شك بأن من يقتل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع وهاجم دير الديوان واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة .. "
حدث إطلاق نار من اليسوعيين حتى دخلوا عنوة ثم يتابع قائلاً " أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعاً وعلى جنودهم الحراس توطئة لتقديمهم إلى مجلس عسكري ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراس هزازة وسجاجيد فارسية وصور ومكاتب كبيرة وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو، وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع يوقد أمام صور الرهبان ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد " .
" وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها. فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش. فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن "دي ليل"استمهلني قائلاً: ( أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!!).
قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً. فماذا تريد يا لفتنانت؟!.. قال: (إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها).
عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة – وكنا نرقب الماء – فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط "دي ليل" من شدة فرحه، وقال ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.
أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.
وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يابني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.
قلت له، يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك!؟!.
وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.
وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء. ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.
رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.
1k.jpg

قد كان مِنْ قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمِنْشار فيوضع عَلَى رأسه فيجعل نصفين
رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.
وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.
كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم ، وهم في الرمق الأخير من الحياة.
كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.
أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور.
 
.
1207993828t978459a.jpg


1207994368hang_2.jpg


1207993938spanish_inquisiti.jpg

1207993997supliciodepolea1.jpg


1207994103spanish.jpg


1207994708121750.jpg


1207994421befragung.jpg


2k1.jpg

صور للوحات زيتية قديمة تظهر عمليات التعذيب البشعة التي تعرض لها المسلمون من قبل محاكم التفتيش في الأندلس



k5454.jpg

تابوت السيدة الجميلة التي يلقى فيها الشباب المسلمون ثم يطبق عليهم ليلاقوا حتفهم مباشرة متأثرين بالسكاكين في داخله

1207994538fox_rack_x480-g4_.jpg

صورة للوحة قديمة تبين عملية تعذيب أعضاء ديوان التفتيش لضحاياهم حتى الموت


1207992474waterboard_inquis.jpg

صورة للوحة قديمة تبين أحد عمليات التعذيب التي كان يتعرض لها المسلمون وذلك بإجبارهم على شرب كميات كبيرة من الماء حتى تنفجر معدتهم ليموتوا

ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.
12079947906a00c225289060604a00d41424d5b83c7f-500pi.jpg

صورة لكرسي حديدي لتعذيب الضحية حتى الموقع كانت تستعملها محاكم التفتيش الإسبانية لتعذيب الضحايا حتى الموت
وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة.
كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً.
كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.
وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم.
وصل الخبر إلى مدريد فهب الألوف ليروا وسائل التعذيب فأمسكوا برئيس اليسوعيين ووضعوه في آلة تكسير العظام فدقت عظامه دقاً وسحقها سحقاً وأمسكوا كاتم سره وزفوه إلى السيدة الجميلة وأطبقوا عليه الأبواب فمزقته السكاكين شر ممزق ثم أخرجوا الجثتين وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك. ولم تمض نصف ساعة حتى قضى الشعب على حياة ثلاثة عشر راهباً ثم أخذ ينهب ما بالدير
 
للاسف هناك من نال التاريخ منه وهو اهله وسيده.
الحمد لله انا اليه لراجعون.
 
الموضوع القادم حول أوج حكم هذه الامبرطورية عسى الله ان يطيب خاطرنا بعد هاذا الموضوع.
 
الإسبان يعتبرون المسلمين محتلين بالرغم انه أصلا الأندلس و الأندلسيين مشتقة من كلمة vandals

أنا بوجهة نظري ان الحكام فقط كانو دخلاء من عرب و أمازيغ اما الشعب الآيبيري كان من السكان الأصلين من القوط visigoths
 
الإسبان يعتبرون المسلمين محتلين بالرغم انه أصلا الأندلس و الأندلسيين مشتقة من كلمة vandals

أنا بوجهة نظري ان الحكام فقط كانو دخلاء من عرب و أمازيغ اما الشعب الآيبيري كان من السكان الأصلين من القوط visigoths
يا اخي عندما تسلم وجهك لله تنتهي القومية ويصبح الكل واحد لا اظن ان دولة الأندلس كانت ستصمد يوما واحدا لو فكر اهلها ان حكامهم اجانب
 
يا اخي عندما تسلم وجهك لله تنتهي القومية ويصبح الكل واحد لا اظن ان دولة الأندلس كانت ستصمد يوما واحدا لو فكر اهلها ان حكامهم اجانب
معظم الإسبان يَرَوْن تلك الفترة فترة احتلال و ان ارضهم تحررت بعد ثمانية قرون من الوجود الاسلامي و أيضا هم يعتبرون أنفسهم أوروبيين و لغتهم و ثقافتهم تختلف عن لغة و ثقافة المور moors
 
ما علاقة المغرب بالمرابطين والموحدين ؟؟ والاندلس فتاريخيا المغرب كدولة تحكمها الاسرة الحالية ياتي بعد سقوط الاندلس ؟؟؟
والمرابطين هم من اصول امازيغية جنوبية ولا علاقة لهم بالمغرب الحالي فهم طوارق
والموحدين توسعواعلى كامل شمال افريقيا واتخذوا مراكش عاصمة لا يعني انها دولة مغربية
فهل نقول ان روما هي ايطاليا
وان محمد صلى الله ليه وسلم سعودي اجلنسية ؟؟؟
لا حول ولا قوة الا بالله اني استحي ان أدعو هذا جهل
المغرب دولة موجودة مند قدوم مولي إدريس واسس الدولة الأيدريسية اي مند 1300 سنة اقراء التاريخ ولكن ابتعد عن المقرارات الدراسية فهي موجودة من أجل غسيل ادمغتكم
 
يوسف بن تاشفين.. الأمازيغي الذي عاش قرنًا وأخَّر سقوط الأندلس 4 قرون
maxresdefault-67-1024x576.jpg


"إن يوسف بن تاشفين قد غدا معقد الآمال، وإنه يُعتقد أن الله قد اصطفاه لإنقاذ الإسلام"* المعتمد بن عبّاد، حاكم إشبيلية وقرطبة

عقب استيلاء ألفونسو السادس، ملك قشتالة، على طليطلة سنة 478هـ (1085م) وتهديده ملوك الطوائف بالويل والفناء، استصرخ أهل الأندلس إخوانهم فى المغرب، وطلبوا العون والنجدة منهم، كان وقتها أبو يعقوب «يوسف بن تاشفين» أميرًا على دولة المرابطين التي كانت تحوي ضمن حدودها بلاد المغرب الإسلامي.

عارض الكثير من ملوك الطوائف فكرة الاستنصار بالأمير الأمازيغي، ابن تاشفين، خشية أن يسلب منهم الحكم بعد أن ينصرهم؛ ليخرج المعتمد ابن عبّاد مخاطبًا ملوك الطوائف بجملة شهيرة: «رعي الجمال خير من رعي الخنازير»، قصد بها أن يصبح أسيرًا لدى أمير المسلمين، أفضل من أن يصبح أسيرًا عند ألفونسو.
من هو يوسف بن تاشفين؟
أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم سنة 400هـ (1009م) في المنطقة الواقعة جنوب المغرب، وقد توفي في شهر محرم من عام 500هـ عن عمر يقارب المائة عام. وحسب المؤرخ ابن خلكان نشأ «يوسف بن تاشفين» على حبّ الرباط والجهاد، مع جعله يلتحق بدعوة الشيخ عبد الله بن ياسين، مؤسس الحركة المرابطية، في رباطه على نهر النيجر؛ ليصبح أحد المقربين منه.
بعد وفاة عبد الله بن ياسين وقيام أبي بكر اللمتوني مكانه في إدارة دولة المرابطين؛ أوكل أبو بكر شؤون المغرب لابن عمه يوسف بن تاشفين، وزوّجه بزوجته زينب بنت إسحاق النفزاوية بعد أن طلقها، وفي ظرفٍ وجيزٍ تمكن «ابن تاشفين» من توحيد القبائل، وذاع صيته في أرجاء المغرب، فكّر يوسف في بناء مدينة تكون قاعدة لحكمه فوقع اختياره على أرض تقع شمال غربي مدينة أغمات فاشتراها، فكان ذلك مولد مدينة مرَّاكش سنة 454هـ (1062م).

بعد أن عاد «أبو بكر» من غزواته في الصحراء، اعترف بفضل يوسف في الاستقرار الذي شهده المغرب فقرّر التنازل له عن الملك، وقال له: «أنت أخي وابن عمي، ولم أرَ مَن يقوم بأمر المغرب غيرك، ولا أحق به منك، وأنا لا غناء لي عن الصحراء، وما جئت إلا لأسلم الأمر إليك، وأهادنك في بلادك، وأعود إلى الصحراء مقرّ إخواننا، ومحلّ سلطاننا».
الأندلس على وشك السقوط
في الوقت الذي كان «ابن تاشفين» يرسّم فيه استقرار دولة المرابطين في المغرب، كانت الضفة الشمالية الغربية للبحر المتوسط تشهد اضطرابًا كبيرًا، بعد أن استفحل الذلّ والهوان قلوب المسلمين حتى صار ملوك الطوائف يبعثون بالجزية إلى ملك قشتالة كل عام، إلى أن غضب البعض وضجوا من غطرسة ملك قشتالة، فقام المعتمد بن عبّاد بقتل الرسل الذين بعثهم ألفونسو لجمع الجزية من المسلمين.

%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B4%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%AF.jpg

لوحة تصور يوسف بن تاشفين في معركة الزلاقة

بعد أن توحّدت كلمة ملوك إسبانيا وفرنسا والبرتغال على طرد المسلمين من الأندلس بعد سقوط طُليطلة وامتناع ملوك الطوائف عن دفع الجزية، تحالف ملك قشتالة، ألفونسو السادس، وسانشو الأول، ملك أراجون ونافارا، والكونت برنجار ريموند، حاكم برشلونة وأرجل،، وساروا بجيشٍ ضخم من جليقية وليون، وبدأوا في الاستيلاء على قرى المسلمين واحدةً تلو الأخرى؛ حتى وصلوا إلى ضواحي إشبيلية، فأحرقوا قُراها وحقولها، وحاصروا قلعة سرقسطة وحاصروها حصارًا شديدًا.

خشي المسلمون سقوط سرقسطة، فأرسل أمراء الطوائف رسالةً إلى «ابن تاشفين» أمير دولة المرابطين في المغرب مُوقّعةً من 13 أميرًا، يناشدون الإسراع إليهم بالنجدة قبل سقوط سرقسطة، وأرسل المعتمد بن عبّاد إلى يوسف بن تاشفين: «إن كنت مُؤثرًا للجهاد فهذا أوانه، فقد خرج الأذفونش إلى البلاد، فأسرع في العبور إليه».

ألفونسو أنّ أمراء الطوائف قد استغاتوا بـ«ابن تاشفين» أبرقه رسالةً جاء فيها: «إن كنتَ لا تستطيع الجواز -عبور البحر – فابعث إليَّ عندك من المراكب أجز إليك، وأناظرك في أحبِّ البقاع عندك، فإن غلبتني فتلك غنيمة جُلِبت إليك، ونعمة مثُلت بين يديك، وإن غلبتُك كانت لي اليد واستكملتُ الإمارة».

ليردّ عليه «ابن تاشفين» برسالةٍ يخيّره بين ثلاثة: إما أن يعتنق الإسلام، أو يؤدي الجزية، أو القتال. وكان مما قاله «ابن تاشفين» لألفونسو السادس: «بلغنا يا أذفونش – ألفونسو – أنك دعوت للاجتماع بك، وتمنّيت أن يكون لك فُلك تعبر البحر عليها إلينا، فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبةَ دعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال».

ولما قرأ ألفونسو رسالة «ابن تاشفين»، ألقاها على الأرض، وقال للرسول: اذهب فقل لمولاك: «إننا سنلتقي في ساحة الحرب». وردّ على الرسالة بلهجةٍ ملؤها الغضب والغيظ والوعيد، فلما قرأ «ابن تاشفين» ردّ ألفونسو، قال: «هذا كتاب طويل، أحضر رسالة الأذفونش، وأكتُب في ظهرها: «الذي سيكون ستراه».
«ابن تاشفين» يؤخر سقوط الأندلس 4 قرون

بعد سجال الرسائل بين الأمير يوسف بن تاشفين، والملك ألفونسو السادس، أتى موعد اللقاء، ليركب «ابن تاشفين» مع جنده البحر المضرب سنة 479هـ ومع تعالي الأمواج، قام الأمير متضرعًا إلى ربه قائلًا: «اللهم إن كنت تعلم أن فى جوازنا هذا خيرة للمسلمين فسهّل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعّبه حتى لا أجوزه».

الأمير يوسف – صاحب السبعة والسبعين عامًا وقتها – بالجزيرة الخضراء التي أعطاه إياها المعتمد بن عبّاد، فقام بتحصينها؛ وجعلها قاعدةً خلفيةً لقواته، وهناك وافاهُ المعتمد بن عباد، والمتوكل بن الأفطس، حاكم بطليوس؛ ليضع «ابن تاشفين» خطته لمواجهة تحالف ألفونسو.

كانت خطته مقتبسة من خطة الصحابي خالد بن الوليد في موقعة الولجة في فتوح فارس، بحيث قسَّم الجيش ثلاث فرق: الفرقة الأولى وهي المقدمة بقيادة المعتمد وتضم 15 ألف مقاتل، والفرقة الثانية خلف الأولى وعلى رأسها يوسف بن تاشفين وتضم 11 ألف مقاتل، ومن بعيد تنتظر الفرقة الثالثة وتضم 4 آلاف مقاتل هم من أمهر الرماة والمحاربين.

hqdefault-28.jpg

خريطة معركة الزلاقة،

12 رجب سنة 479هـ (1086م) دارَت المعركة الفاصلة المسماة بـ«موقعة الزلاقة»؛ بين جيش يوسف بن تاشفين و جيش ألفونسو؛ وتلقى جيش ألفونسو ضربةً قوية في هذه المعركة فأصيب ألفونسو في إحدى ركبتيه وفرّ من المعركة برفقة 500 فارسٍ فقط من أصل 80 ألف فارس.

ووصف «لسان الدين بن الخطيب» في كتابه « مشهد هروب ألفونسو قائلًا: «فارًّا لا يُهدى ولا ينام ومات من الخمسمائة فارس الذين كانوا معه بالطريق 400، فلم يدخل طُلَيْطِلَة إلا 100 فارس، والحمد لله على ذلك كثيرًا، وكانت هذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة».

وقال ابن خلكان في كتاب « » عن غنائم هذه المعركة «فلما حصلت عفّ عنها يوسف بن تاشفين، وآثر بها ملوك الطوائف، وعرَّفهم أن مقصوده إنما كان الغزو والجهاد، لا الغنائم».

وبعد انتهاء المعركة وأفول خطر ألفونسو، تلقى يوسف بن تاشفين نبأ وفاة ابنه وولي عهده أبي بكر فقرر العودة إلى المغرب، وعاد أولًا إلى إشبيلية واستراح أيامًا، ثم عبر إلى المغرب وترك من جنده 3 آلاف رهن تصرف المعتمد بن عبّاد،
عاد يوسف بن تاشفين بعدها ثلاث مرّات للدفاع عن الأندلس إثر محاولات ألفونسو الانتقام من ملوك الأندلس لتعاونهم معه، كانت آخر مرّة عبر فيها إلى الأندلس لحمايتها من الحملات الصليبية سنة 496هـ 1103م للدفاع عن مدينة بلنسية، إلى أن توفي يوم الاثنين الثالث من محرم سنة 500هـ (سبتمبر (أيلول) سنة 1106م) وقد بلغ من العمر نحو 100 عام.
بعد 4 قرون من وفاة «ابن تاشفين».. المسلمون خارج الأندلس
بعد حوالي أربعة قرون من وفاة يوسف بن تاشفين الذي حفظ ماء وجه المسلمين في الأندلس في واقعة الزلاقة التاريخية؛ وقع آخر ملوك الأندلس، أبي عبد الله الصغير، معاهدة استسلام مع الملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا بالدموع، وبذلك انتهى الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية.

ولم يتوقّف زحف الصليبيين عند غرناطة؛ إذ سرعان ما توجهوا نحو شمال أفريقيا وسيطروا على مناطق بينها مدينة مليلية المغربية عام 1492 – السنة التي سقطت فيها غرناطة – وقبلها سيطر البرتغاليون على سبتة المغربية عام 1415 مستغلين في ذلك انهيار قوة المغرب الأقصى. ووصلت القوات الإسبانية إلى السواحل الشرقية للجزائر.

كما فعّل حاكم قشتالة وليون ؛ ما جعل المسلمين واليهود يعيشون أصنافًا قاسية من العذاب والاضطهاد الديني، فهرب آلاف المسلمين واليهود من الأندلس نحو المغرب؛ فرارًا من واحدة من أسوأ مجازر القتل والذبح والتعذيب في التاريخ؛ وقد خلد الشاعر الشهير «أبو البقاء الرندي» سقوط الأندلس بقصيدته الشهيرة التي قالها فيها:

لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغر بطيب العيش إنسان
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ *** فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ​
 
عودة
أعلى