تحليل عسكرى للمواجهة بين إسرائيل وحزب الله

هدى مجدى

عضو جديد
إنضم
9 يونيو 2008
المشاركات
410
التفاعل
160 0 0
[SIZE=+2]التقرير الإستراتيجي العربي[/SIZE] [FONT=Arial (Arabic)]
2005-2006

5 - تحليل عسكرى للمواجهة بين إسرائيل وحزب الله
[/FONT]
[SIZE=-1][FONT=Arial (Arabic)]
شكل عدوان إسرائيل على لبنان واحدة من أعنف جولات الصراع العربى ـ الإسرائيلى، لدرجة أن كثيراً من التحليلات والتغطيات الإعلامية اعتبرتها بمثابة الحرب العربية ـ الإسرائيلية السادسة، حيث اتسمت بعدد من الخصائص المتميزة، التى تختلف عن كثير من جولات الصراع السابقة، ويأتى فى مقدمتها انجرار الطرفين إلى الحرب بصورة بدت إلى حد كبير خارجة عن السيطرة، كما شهدت الحرب استهداف العمق الإسرائيلى بكثافة غير مسبوقة فى تاريخ الصراع العربى ـ الإسرائيلى من خلال عمليات القصف الصاروخى التى قام بها حزب الله، وقابل ذلك عجز الجيش الإسرائيلى بقدراته المتفوقة عن تحقيق معظم الأهداف التى كانت موضوعه له، مما اضطر الحكومة الإسرائيلية بقيادة إيهود أولمرت إلى البحث عن مخرج سياسى يحقق لها ما عجزت عن تنفيذه من خلال العدوان المكثف والوحشى على الأهداف المدنية اللبنانية طوال شهر كامل.
ويركز هذا القسم على تحليل مختلف جوانب هذا العدوان، بدءاً بتحليل الاستراتيجيات العسكرية التى تبناها طرفا الصراع: إسرائيل وحزب الله، ثم تحليل تطورات المعركة البرية ـ الجوية ، ثم الوقوف على تطورات عمليات القصف الصاروخى التى نفذها حزب الله ضد العمق الإسرائيلى، ثم التعرض للإشكاليات التى أحاطت بتشكيل قوات اليونيفيل الدولية فى جنوب لبنان، وينتهى من ذلك كله بتحليل انعكاسات هذه الحرب على إسرائيل، لاسيما على صعيد تآكل قدرة الردع الإسرائيلية.

أولاً: الاستراتيجيات العسكرية فى حرب لبنان
1- الاستراتيجية الإسرائيلية
انطلقت الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية فى الحرب من أن عملية الوعد الصادق التى نفذها مقاتلو حزب الله ضد الجيش الإسرائيلى تمثل فرصة ذهبية للقضاء بشكل كامل على الحزب، وإخراجه من المعادلة السياسية اللبنانية، لاسيما وأن حكومة إيهود أولمرت رأت أن هناك ظروفا مثالية توافرت لها بصورة غير مسبوقة فى بداية هذه الحرب، من حيث التأييد الداخلى والإقليمى والدولى لقيام إسرائيل برد فعل عسكرى ضد الحزب. حيث نشأت حالة من الإجماع الداخلى فى إسرائيل بشأن ضرورة إنهاء تهديد حزب الله، كما حاولت حكومة أولمرت أيضا الاستفادة من الاحتجاج الذى عبرت عنه بعض الدول العربية إزاء ما اعتبرته تصرفات منفردة من جانب حزب الله، كما تمكنت إسرائيل من كسب تأييد دولى واسع، وقفت فى مقدمته إدارة جورج بوش فى الولايات المتحدة، التى بدت أكثر تشدداً ضد حزب الله من إسرائيل ذاتها.
هذه المتغيرات وظفتها حكومة أولمرت توظيفاً محدداً يقوم على عدم الاكتفاء بتوجيه ضربات انتقامية محدودة ضد حزب الله، مثل غارات جوية على مواقع معينة تابعة للحزب، وإنما رأت أن المتغيرات سالفة الذكر تتيح لها شن عدوان واسع النطاق، للقضاء تماماً على القدرات العسكرية لحزب الله، كما يتيح لها إعادة صياغة قواعد اللعبة السياسية فى لبنان، على نحو يتضمن إخراج الحزب تماماً من الساحة السياسية اللبنانية، أو على الأقل تهميش مكانته السياسية فى الداخل اللبنانى، فضلاً عن إحراج وإضعاف مكانة القوى الإقليمية الداعمة لهذا الحزب، وتحديدا إيران وسوريا.
وقد بدت الخطة الإسرائيلية متأثرة إلى حد كبير بخلفية رئيس الأركان دان حالوتس، الذى كان قائداً للسلاح الجوى الإسرائيلى، قبل توليه منصبه، حيث ارتكزت على تكليف سلاح الجو الإسرائيلى بتنفيذ عدد هائل من عمليات القصف الدقيق والمكثف ضد ما اعتبر أهداف الحزب العسكرية والمدنية والإعلامية فى الجنوب اللبنانى اولا، ثم فيما وراء شمال نهر الليطانى وصولا إلى الضاحية الجنوبية فى بيروت، ثم يكون دور القوات البرية يسيراً بعد ذلك فى القضاء على فلول الحزب ونزع سلاحه وطرد فلوله إلى شمال نهر الليطانى.
ومن ثم، ارتكزت الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية فى العدوان على لبنان على مرحلتين رئيسيتين، الأولى تقتصر على القصف النيرانى الجوى والمدفعى بصورة مكثفة للغاية، بينما تمتزج فى المرحلة الثانية عمليات القصف مع الاجتياح البرى لمناطق محددة فى جنوب لبنان، ولكن مع تطبيق مبدأ تداخل المراحل فى هذه الخطة، بمعنى أن هذا التقسيم للمراحل لم يكن صارماً، وإنما من الممكن أن تتداخل بعض عناصر كل مرحلة مع الأخرى، بما يخدم أهداف العدوان الإسرائيلى.
من ناحية أخرى، افترضت الخطة الإسرائيلية أن تنفيذ العمليات العسكرية، على النحو المشار إليه، سوف يحقق هدفين سياسيين كبيرين وهما:
الاول أنها ستؤدى إلى عملية فرز سياسي واسع المدى داخل الساحة اللبنانية، اعتقاداً بأن إلحاق الهزيمة العسكرية بحزب الله سوف يضعف كثيراً من مكانته الداخلية فى لبنان، لأنه تسبب فى جر البلاد إلى مواجهة خاسرة مع إسرائيل، وتسبب فى إلحاق دمار هائل لمناطق واسعة فى جنوب ووسط لبنان، بسبب تصرفاته المنفردة والخارجة عن سلطة الدولة اللبنانية، مما سوف يحمله بالتالى مسئولية ما حدث من دمار هائل فى البينة التحتية فى وسط وجنوب البلاد.
الثانى أنها ستقود إلى انعكاسات سلبية على الأطراف الداعمة لحزب الله، وبالتحديد إيران وسوريا، ليس فقط على الساحة اللبنانية، بل وعلى امتداد المنطقة ككل، وهو ما قد يؤدى إلى عزلهما وتهميشهما على المستوى الإقليمى، بل وربما خلق ظروف مواتية لضرب كل منهما عسكرياً فى مراحل لاحقة.
2- استراتيجية حزب الله
على الجانب المقابل ، ارتكزت استراتيجية حزب الله بالكامل على الطابع الدفاعى العام، ولكن مع القيام ببعض المبادرات الهجومية، من خلال عمليات القصف الصاروخى للعمق الإسرائيلى. وعلى الرغم مما بدا واضحاً فى تصريحات قادة حزب الله، لاسيما الأمين العام السيد حسن نصر الله، من أن الحزب لم يكن يتوقع أن يكون الرد الإسرائيلى على عملية الوعد الصادق، بهذه الحدة والعنف، وفى صورة عدوان شامل وواسع النطاق ضد لبنان، فإن تطورات المواجهات العسكرية أبرزت من ناحية أخرى أن الحزب كان مستعداً تماماً لمثل هذه المواجهة.
وقد ركزت استراتيجية حزب الله على مفهوم حرب الاستنزاف، مع تطبيق تكتيكات حرب العصابات ضد القوات الإسرائيلية، وتقوم هذه الاستراتيجية على محاولة الحزب تحييد عناصر التفوق العسكرى الساحق التى يتمتع بها الجانب الإسرائيلى فى معظم مؤشرات القوة العسكرية، مع تعظيم عناصر القوة المحدودة التى يتمتع بها حزب الله، وذلك من خلال منع الجيش الإسرائيلى من توظيف هذا التفوق فى حسم الصراع لصالحه، وإنما حصر المواجهة فى مناوشات متفرقة، وفق تكتيكات حرب العصابات، مع قيام عناصر الحزب بعمليات استنزافية ضد الجانب الإسرائيلى، بما يلحق به آثاراً نفسية سلبية، وبما يمنعه أيضاً من فرض سيطرته الكاملة على الأرض، حتى تلك التى نجح بالفعل فى احتلالها، وهو ما يعنى إجمالاً حرمانه من تحقيق أهدافه السياسية ـ العسكرية بالكامل.
هذه الاستراتيجية جرى التعبير عنها من خلال معادلة ثلاثية الأبعاد التزم بها حزب الله منذ بداية الحرب، وهذه العناصر هى :
العنصر الأول يتمثل فى امتصاص الضربات العسكرية الإسرائيلية الموجهة ضد قادة وعناصر ومنشآت الحزب، وذلك من خلال تنفيذ عملية تأمين كامل لهذه الأهداف. ومع أن الساحة اللبنانية كانت مفتوحة بالكامل أمام غارات الطيران الإسرائيلى وعمليات القوات الخاصة الإسرائيلية، إلا أن الحزب نجح فى فرض حالة من التعتيم الكامل، بحيث لم تكن لدى الجانب الإسرائيلى معلومات هامة تذكر بشأن الأهداف الحيوية للحزب، وهو ما يعنى أن الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة تتحول فى مثل هذه الحالة إلى مجرد ضربات عمياء غير مؤثرة. وهو ما ظهر فى اكثر من مناسبة، حين قام الطيران الإسرائيلى بضرب مكثف للعديد من المبانى لاسيما فى الضاحية الجنوبية لبيروت، اعتقادا أن قادة الحزب يقيمون أو يختبئون فيها، ثم تبين أنها لا تمت للحزب بصلة، أو تم تفريغها تماما من أية أهدف حزبية قبل الغارات.
ولم تكن خطة التأمين التى نفذها حزب الله أثناء الحرب هى وليدة الملابسات التى أحاطت بعملية الوعد الصادق، أو جرى تنفيذها على عجل أثناء الحرب، بل على العكس يبدو أنها كانت محل التخطيط والتنفيذ منذ فترة طويلة نسبياً، وارتبطت بالمواجهة المستمرة بين الحزب وإسرائيل، وبحقيقة أن قادة حزب الله، لاسيما أمينه العام، كانوا على قائمة الاستهداف الإسرائيلية منذ فترة طويلة من الزمن، كما ارتبطت عملية التأمين هذه بحقيقة أن هناك قناعة بدت شائعة على جانبى إسرائيل وحزب الله بشأن إمكانية حدوث جولة جديدة من المواجهة بين الجانبين، طالما ظلت أسباب الصراع قائمة بينهما.

من الخطاب السياسى لحسن نصر الله
* 12 يوليه 2006
إن هذه العملية جاءت لتسليط الأضواء عالميا ودوليا وفي كل وسائل الإعلام على معاناة آلاف المعتقلين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب وعائلاتهم، وحتى يرى العالم أن هناك مأساة اسمها 10 آلاف معتقل و10 آلاف عائلة ،ما جرى يضع العالم كله أمام المعاناة... إن هذا هو الطريق الوحيد المنطقي الموجود لأن لا المجتمع الدولي سيحرر الأسرى ولا المؤسسات الدولية ولا المؤسسات الإقليمية، ولا الحكومات ولا الأنظمة ولا المفاوضات السياسية.
وأنا أعرف حساسية الموقف لبنانيا وإسرائيليا وفلسطينيا وعربيا ودوليا. نحن هدفنا مما جرى هو أسر جنود إسرائيليين لنبادل بهم، والسلام. ونحن لا نريد التصعيد في الجنوب وهذه ليست نيتنا. ولا نريد أخذ لبنان إلى الحرب ولا أخذ المنطقة إلى الحرب. أما إذا أرادوا المواجهة فعليهم أن يستعدوا للمواجهات. ونحن حاضرون للمواجهة ونذهب إليها بعزم وإيمان قوي ويقين بالنصر.
* 14 يوليه 2006
ما يجرى اليوم ليس رد فعل على عملية أسر، وإنما هو تصفية حسابات مع الشعب والمقاومة والدولة والجيش والقوى السياسية والمناطق والقرى والعائلات التي ألحقت الهزيمة التاريخية بهذا الكيان المعتدى الغاصب الذي لم يعتد على الهزيمة ... وأقول لكم فى هذه المواجهة نحن أمام خيارين؛ إما أن نخضع اليوم للشروط التى يريد العدو الصهيونى إملاءها علينا جميعا وبضغط وتأييد ودعم امريكى ودولى وللأسف عربي، إما أن نخضع لشروطه الكاملة التى تعنى إدخال لبنان فى العصر الاسرائيلى وفى الهيمنة الاسرائيلية، بكل صراحة هذا هو حجم الموضوع، وإما أن نصمد وهو الخيار الآخر وأن نصبر وأن نصبر ونواجه وأنا بالتوكل على الله سبحانه وتعالى وبالثقة به وبالمجاهدين وبكم وبمعرفتى بهذا الشعب وبهذا العدو، كما كنت أعدكم بالنصر دائما أعدكم بالنصر مجددا.?
* 21 يوليو 2006 ( من حوار مع قناة الجزيرة)
الكلام انهم دمروا 50% من القدرات العسكرية للحزب كلام فارغ، والدليل هو استمرار المقاومة في قصف الصواريخ... الإنجاز الوحيد الذي حققه الإسرائيلي يمكن أن يحققه أي سلاح جو في العالم، تدمير الجسور وضرب الموانئ والمطار والبيوت، أي جيش عنده كام طيارة يقدر على ذلك، ولكن في مقابل المقاومة هو فشل
نستطيع إطلاق مئات الصواريخ على إسرائيل يوميا ولكننا ندير المعركة بهدوء
نحن لسنا مجانيين حتى نضحي بأرواحنا من أجل محاكمة سوريا أو ملف إيران
البيان الوزاري الذي تم انتخاب الحكومة على أساسه يؤكد حق المقاومة في تحرير الأرض واستعادة الأرض ، وكيف كانوا يتصورون الطريقة التي ستحرر بها الأسرى غير تلك الطريقة
لقد رأت إسرائيل أن موضوع نزع سلاح حزب الله لن يتم داخليا فقررت نزعه عن طريق إسرائيل ووفرت له الغطاء العربي
نحن نعرف أننا نقاتل جيشا هزم عده دول عربية مجتمعه وبالتالي استمرار المقاومة هو نصر ونزولهم بسقف أهدافهم يوما بعد يوم هو فشل لهم ونصر لنا
إن هذه الحرب الدائرة من أهم نتائجها أنها صنعت تحصينا كبيرا على مستوى السنة والشيعة في العالم الإسلامي
* 26 يوليو 2006
في تقدير الأميركيين أن هناك عقبات أمام شرق أوسط جديد. فهو يعني المنطقة التي تسيطر عليها الإدارة الأميركية وتتفرد في إدارة شؤونها ومواردها وخيراتها، وتكون شريكتها الأولى إسرائيل. في الشرق الأوسط الجديد لا مجال لأي حركة مقاومة، المطلوب العمل على إزالة العقبات وهي حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وتالياً سوريا وإيران.
إننا لن نقبل بأي شرط مذل لبلدنا مهما طالت المواجهة وعظمت التضحيات. ولن نسمح لأحد بأن يهدر كرامتنا. ونحن منفتحون على المعالجة السياسية ونتعاطى بمرونة. ويبقى الخط الأحمر مصالحنا وسيادتنا واستقلالنا الوطني.
* 29 يوليه 2006
تدمير البنى التحتية وقتل الناس ليس إنجازا عسكريا، هو إنجاز همجي وحشي لا يمكن استثماره على المستوى السياسي..
تعود رايس لتحاول فرض شروطها من جديد على لبنان خدمة لمشروعها الشرق الأوسط الجديد، وخدمة لإسرائيل. إن إسرائيل باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى أداة طيعة تنفيذية لمشروع قرار أمريكي
* 3 أغسطس 2006
نحن في المواجهات البرية قلنا سياسة واضحة منذ اليوم الأول ليست سياستنا التمسك بالجغرافيا، وبالتالي، نحن ليست في نيتنا أن يقتل كل مجاهدينا وشبابنا من أجل الدفاع عن هذه النقطة أو تلك التلة أو هذه البلدة. قتالنا ليس قتالا جغرافيا، وأنا قلت نحن لسنا جيشا نظاميا، ولا نقاتل بطريقة الجيش النظامي، وإنما بطريقة حرب العصابات
إذا قصفتم عاصمتنا ستقصف عاصمة كيانكم الغاصب، إذا قصفتم مدينة بيروت فالمقاومة الإسلامية ستقصف مدينة تل أبيب وهي قادرة على ذلك بعون الله.
* 9 أغسطس 2006
موقفنا من انتشار الجيش.. نحن في السابق كنا نعترض على نشر الجيش على الحدود ليس شكا في الجيش، لأنه جيش وطني، وعندما كنا نتحفظ ليس خوفا من الجيش ولكن كنا نخاف على الجيش، لأن المسألة واضحة أن تضع جيشا نظاميا في مواجهة عدو قد يعتدي في أي لحظة من اللحظات..كنا نعترض على نشر الجيش في المنطقة الحدودية لأننا كنا نخاف على الجيش وليس منه.
* 12 أغسطس 2006
نحن في السابق من خلال موقفنا السياسي ومن خلال وجودنا في الحكومة اللبنانية قلنا أننا موافقون على فكرة انتشار الجيش اللبناني معززا بقوات اليونيفيل. وهذا موقفنا، ونحن ملتزمون به. وعندما يتقرر انتشار الجيش وقوات اليونيفيل ستلقى من المقاومة كل التعاون والتسهيل والاستعداد المطلوب، إن شاء الله.
نحن نعتبر القرار ( 1701 ) غير عادل وغير منصف عندما يحاول تحميل مسؤولية بدء الهجوم للمقاومة التي قامت بعملية عسكرية محدودة... أن تلام المقاومة على عملية عسكرية محدودة الأفعال والنتائج والتداعيات، ولا تلام إسرائيل، ولا تدان، ولا يذكر في القرار الدولي أي شيء يتعلق بعدوانية إسرائيل وارتكابها المجازر المهولة وقتلها لأكثر من ألف مدني لبناني.. وتدميرها للبنى التحتية وارتكابها لجرائم الحرب.. هذا ظالم وغير منصف وغير عادل بكل تأكيد... هناك بنود أخرى نتحفظ عليها ولكن نؤجل الحديث عنها إلى بعد أيام والتوصل الجدي إلى وقف إطلاق النار
* 14 أغسطس 2006
إننا أمام نصر استراتيجي وتاريخي، وليس في هذا أي مبالغة للبنان كل لبنان، وللمقاومة وللأمة كل الأمة، ما معنى هذا النصر، ما هي آفاقه، وما هي أدلته، وما هي وقائعه، هذا ما سأتركه للحديث في الأيام المقبلة.
نحن موافقون على بسط سلطة الدولة ونحن أصلا في الدولة هل نحن خارج الدولة نحن في الحكومة ونحن في المجلس النيابي ونحن جزء أساسي من هذا البلد ونؤمن بالدولة لكن أي دولة، الدولة القوية القادرة العادلة... البعض يأتي ويقول إن سحب سلاح المقاومة شرط أساسي لبناء الدولة القوية القادرة وأنا أقول العكس إن بناء الدولة القوية والقادرة والمقاومة المطمئنة هو المقدمة الطبيعية لتأتي هذه الدولة إلى الشعب اللبناني والى أهل الجنوب.
* 27 أغسطس 2006
لم نتوقع ولو واحدا بالمائة أن عملية الأسر ستؤدى إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، لأنه وبتاريخ الحروب هذا لم يحصل.. لو علمت أن عملية ا؟لأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا
طالما هناك احتلال فنحن لدينا الحق بالمقاومة، وحتى الآن صبرنا، وليس معنى ذلك أننا سنصبر على طول الخط، ونحن نحتفظ بهذا الحق، ويمكن أن نمارسه بأى وقت، وبالتالى أنا لا أعطى تطمينات لأى أحد


وقد ارتكزت خطة التأمين التى نفذها حزب الله على دعامتين أساسيتي وهما؛ إقامة مواقع سرية ومؤمنة لإقامة قادة الحزب السياسيين والعسكريين، من أجل الحماية ضد القصف الجوى أو محاولات الاغتيال أو الاختطاف التى قد يقوم بها الجانب الإسرائيلى، وثانيا إقامة شبكة ضخمة من الأنفاق السرية تحت الأرض، الخاصة بتخزين الأسلحة والمعدات التى يستخدمها مقاتلو الحزب، لاسيما الصواريخ المستخدمة فى عمليات قصف العمق الإسرائيلى، علاوة على توظيف هذه الأنفاق فى خدمة تحركات عناصر الحزب فى ظروف العمليات العسكرية ضد القوات الإسرائيلية.
العنصر الثانى تمثل فى التصدى للهجمات البرية الإسرائيلية، فى حدود قدرات الحزب، ووفق استراتيجية النفس الطويل، حيث بدا واضحاً فى هذا السياق أن حزب الله كان مدركاً أن إطالة أمد الصراع لأطول فترة ممكنة يعتبر بحد ذاته مكسباً سياسياً ـ عسكرياً، بحكم ما يسببه من حرج شديد للجانب الإسرائيلى سواء الرأى العام الداخلى لديه، أو أمام المجتمع الدولى، لما يعنيه ذلك من عجز الجيش الإسرائيلى بقدراته الفائقة التطور عن القضاء على جماعة مقاومة صغيرة العدد وذات قدرات تسليحية محدودة للغاية، ناهيك عما يؤدى إليه طول فترة الصراع من إحداث آثار نفسية سلبية بأفراد الجيش الإسرائيلى أنفسهم، وبالمواطنين الإسرائيليين فى الداخل، مما يؤثر على التماسك.الداخلى.
العنصر الثالث تمثل فى مواصلة عمليات القصف الصاروخى ضد العمق الإسرائيلى، بحيث كان هذا القصف الصاروخى العنصر الهجومى الوحيد من استراتيجية حزب الله، وكان لهذا القصف أثر استراتيجى بالغ الأهمية، لأن استمرار عمليات القصف الصاروخى ضد العمق الإسرائيلى يمثل بحد ذاته تعبيراً عن فشل الآلة العسكرية الإسرائيلية فى تحقيق أهدافها فى الحرب، من زاويتين محددتين، الأولى العجز عن القضاء على القدرة الصاروخية لحزب الله، على الرغم من تواصل الغارات الجوية والمدفعية واستمرار الاجتياحات البرية الإسرائيلية لمناطق الجنوب اللبنانى. والثانية إبقاء مناطق شمال إسرائيل مهددة بعمليات القصف، بما يعنيه ذلك من استمرار بقاء أكثر من مليونى إسرائيلى فى المخابئ، أو رحيل أعداد كبيرة من سكان تلك المناطق إلى غيرها، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد الإسرائيلى، لاسيما فى قطاعى السياحة وسوق الأوراق المالية.

ثانياً: تطورات المعركة البرية ـ الجوية
على الرغم من أن إسرائيل ظهرت وكأنها قد دخلت الحرب على عجل، عقب عملية الوعد الصادق، إلا أن التطورات اللاحقة أثبتت أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية كانت تحتفظ بالفعل بخطط عمليات جاهزة للعدوان ضد لبنان، تتألف من مراحل متعددة. وسوف يتم التركيز فى هذا الجزء على تطورات المعركة البرية ـ الجوية، بينما يتم التركيز فى قسم لاحق على عمليات القصف الصاروخى من جانب حزب الله.
اتسمت العمليات العسكرية البرية ـ الجوية على لبنان بمجموعة محددة من الخصائص والسمات المميزة التى اتسم بها أداء كل طرف، وفقاً لقدراته العسكرية والأهداف التى يسعى إلى تحقيقها، وذلك على النحو التالى:
* على الجانب الإسرائيلى، ركزت استراتيجية العدوان البرية ـ الجوية على الاعتماد بدرجة كبيرة على التفوق الجوى للقضاء على قدرات حزب الله، لاسيما استهداف قياداته العليا وعناصر القيادة والسيطرة ومناطق تخزين الأسلحة والمعدات. وكان جوهر الخطة الإسرائيلية يقوم على الاعتقاد بأن ضرب العناصر القيادية فى الحزب كفيل بحد ذاته بتفكيكه، وتحويله إلى جسد بلا رأس، بما يسهل بعد ذلك على القوات البرية الإسرائيلية تدمير بقايا وفلول الحزب، وأسر من بقى منهم على قيد الحياة، وتجريد بقايا الحزب من أسلحتهم. وكانت هذه الاستراتيجية تقوم على افتراض بأن تنفيذ الاجتياح البرى، وفق التصور المذكور، سوف يجعل من السهل على القوات الإسرائيلية بعد ذلك الوصول إلى المخبأ الذى يتم فيه احتجاز الأسيرين الإسرائيليين، أو على الأقل الحصول على معلومات دقيقة بشأن مكان احتجازهما ممن وقعوا فى الأسر من عناصر حزب الله، بما يحقق بالتالى أحد أهم أهداف هذه الحرب من المنظور الإسرائيلى.
* على جانب حزب الله، تمثل التركيز الأساسى فى استيعاب الضربات الجوية الإسرائيلية، ثم التصدى لمحاولات الاجتياح البرية الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن موقف الحزب كان بالأساس موقف رد الفعل فى مواجهة المبادرات الهجومية الإسرائيلية، إلا أنه نجح فى فرض إيقاعه الخاص على الجانب الإسرائيلى. وكانت هناك خاصيتان رئيسيتان فى استراتيجية حزب الله أثناء المعركة، وهما:
أ. التطبيق المرن لتكتيكات حرب العصابات، وهو ما تمثل فى عدم الاحتفاظ بالأرض فى مواجهة محاولات الاجتياح البرى الإسرائيلية، بسبب الخلل الشديد فى موازين القوى بين الجانبين، وكان مقاتلو الحزب يحاولون بضراوة شديدة منع القوات البرية الإسرائيلية من السيطرة على المواقع الاستراتيجية المختلفة على الأرض، ويقاتلون فى حدود أقصى ما تسمح به الإمكانات المتاحة، من خلال الأكمنة والهجمات المفاجئة، ثم ينسحبون بعد ذلك حينما يصبح الموقف العسكرى فى غير صالحهم، ثم يواصلون بعد ذلك تنفيذ هجمات استنزافية وفق تكتيك الكر والفر ضد القوات الإسرائيلية فى المناطق التى احتلتها، بما يحول دون تمكينها من فرض سيطرتها عليها.
ب. التوسع فى استخدام الصواريخ المضادة للدبابات، حيث من المعروف أن حزب الله يمتلك أعداداً غير معروفة بدقة من هذه الصواريخ، ومن طرازات مختلفة، مثل ساجر 3، وسبايجوت 4، وتو. وعلى الرغم من أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية كانت تعرف قبل بدء الحرب بامتلاك الحزب لهذه الصواريخ، كما كانت تعلم بتشكيل مجموعات مضادة للدبابات من مقاتليه، إلا أنها لم تكن تتوقع أن الحزب سوف ينجح فى استخدام تلك الصواريخ بفاعلية ضد المدرعات الإسرائيلية. وقد أثبتت صواريخ حزب الله المضادة للدبابات فعاليتها فى المعارك البرية، بحيث كانت أغلبية الإصابات التى لحقت بالمدرعات الإسرائيلية وطواقمها البشرية ناتجة عن ضربات الصواريخ المضادة للدبابات. وكان عدد جنود المشاة الإسرائيليين الذين قتلوا بهذه الضربات أكثر بكثير من أولئك الذين قتلوا فى الاشتباكات المباشرة مع مقاتلى الحزب.
وفى سياق رصد وتحليل الخصائص التى اتسمت بها المعركة البرية ـ الجوية، يمكن الإشارة إلى مرحلتين رئيسيتين مرت بهما هذه المعركة، على النحو التالى:
المرحلة الأولى حيث جرى خلالها التركيز من جانب إسرائيل على تنفيذ عمليات القصف الجوى بصورة مركزة للغاية، واستهدفت هذه العمليات ثلاثة أنواع رئيسية من الأهداف، تمثل أولها فى استهداف واغتيال قادة حزب الله فى منازلهم أو مكاتبهم، والعمل على تدمير مراكز القيادة والسيطرة التابعة للحزب. وقد بدا هذا الهدف واضحاً بقوة فى عمليات القصف الجوى التى نفذتها المقاتلات الإسرائيلية خلال الأيام الأولى من العدوان، حيث قام الطيران الإسرائيلى فى اليوم الثالث للحرب، أى 14 يوليو بقصف مقر الأمانة العامة لحزب الله فى بيروت، مستهدفاً الأمين العام حسن نصر الله، إلا أن هذا الهجوم فشل فى تحقيق أهدافه، ثم واصل فى اليوم التالى العملية ذاتها، حيث قصفت المقاتلات الإسرائيلية بكثافة شديدة الضاحية الجنوبية لبيروت، ودمرت مقر حزب الله ومعظم المبانى المدنية التى كانت تحيط به ويتملكها مدنيون عاديون. بالإضافة إلى قصف مواقع أخرى لقياديين فى حزب الله فى مناطق مختلفة فى بيروت. وزعمت إسرائيل عقب ذلك أنها قضت على البنية القيادية لحزب الله، وهو ما نفاه الحزب، ثم أثبتت التطورات اللاحقة عدم صحة المزاعم الإسرائيلية فى هذا الشأن.
وفى المقابل، فإن حزب الله نجح فى تأمين قياداته وكوادره وبنيته الأساسية، مع إعداد بدائل لكل الاحتمالات، بما فى ذلك إعداد العديد من المخابئ السرية للأمين العام وقيادات الحزب، بصورة أتاحت لقادة الحزب الإفلات من كافة عمليات التجسس وجمع المعلومات التى تقوم بها إسرائيل، عبر طائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية والعناصر البشرية، وهو ما تكامل مع نجاح الحزب فى فرض ستار حديدى من السرية على أنشطته وتحركاته وبنيته الأساسية، بحيث أن قلة قليلة فقط من القادة والكوادر هى التى تعرف أسرار الحزب العسكرية. وترافق ذلك مع تكثيف الجهود من جانب السلطات اللبنانية لاصطياد عملاء إسرائيل داخل لبنان، حيث تم فى يوم 19 يوليو اكتشاف شبكة عملاء محليين تعطى إحداثيات للطائرات الإسرائيلية، عبر أجهزة متطورة تعمل بالليزر لقصف مواقع على الأرض، وتم اعتقال 20 شخصاً من أعضاء هذه الشبكة فى كل من بيروت وبعلبك.
أما ثانى الأهداف التى ركزت عليها عمليات القصف الجوى الإسرائيلى فتمثل فى ضرب كل ما يمكن أن يخدم العمل العسكرى من جانب حزب الله، وجرى فى هذا الإطار التركيز على تدمير البنية الأساسية لحزب الله، وبشكل خاص ضرب مراكز القيادة ومخازن الأسلحة والمعدات وقواعد الاتصال ومناطق انطلاق الهجمات الصاروخية، بالإضافة إلى تدمير شبكة الطرق والكبارى فى الجنوب اللبنانى، بغرض شل حركة عناصر الحزب، وإغلاق كافة منافذ الدخول والخروج من الجنوب، لمنع وصول أى إمدادات إليه من الخارج، لاسيما من سوريا وإيران، ومن ثم تتم محاصرة مقاتلى الحزب. ولذا شمل القصف الإٍسرائيلى القوافل البرية القادمة إلى لبنان، بما فى ذلك سيارات الإسعاف والشاحنات حتى التى تحمل الأدوية إلى لبنان، بحجة أنها يمكن أن تحمل أسلحة مهربة من سوريا إلى حزب الله.
وقد تمثل النوع الثالث من أهداف القصف الجوى الإسرائيلى فى تدمير قطاع واسع من البنية الأساسية (الخدمية والسكنية) فى لبنان من أجل إشعار قطاعات واسعة من الشعب اللبنانى، بحجم الثمن الذى يجب أن يتحملوه نتيجة لمساندتهم لحزب الله، اعتقادا من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن ذلك يمكن أن يؤدى إلى حدوث تحول فى الموقف الشعبى اللبنانى، أو على الأقل من جانب قطاعات مؤثرة فيه، فى اتجاه التخلى عن دعم المقاومة أو ممارسة ضغوط عليها لوقف عملياتها ضد إسرائيل.
المرحلة الثانية، وفيها جرى التركيز من جانب القوات الإسرائيلية على تنفيذ عمليات للاقتحام البرى لمناطق الجنوب اللبنانى، إلا أن هذه العمليات لم تتم دفعة واحدة، وإنما جرت بصورة متدرجة، ومرت بثلاث مراحل فرعية على النحو التالى:
أ. مرحلة الاقتحام المحدود (16 ـ 19 يوليو)، حيث حاولت القوات البرية والجوية الإسرائيلية، عقب عملية الوعد الصادق مباشرة فى يوم 12 يوليو، الإسراع بتنفيذ عمليات لإطلاق سراح الأسيرين، تضمنت تنفيذ غارات قصف جوى مكثفة على المنطقة التى جرت فيها تلك العملية من أجل تقطيع أوصال المناطق الجنوبية، فى محاولة لمنع خروج الجنديين الأسيرين من المنطقة الحدودية، كما جرى دفع قوة مسلحة إسرائيلية صغيرة لاستعادة الأسيرين، وتقدمت باتجاه موقع الراهب غرب بلدة عيتا الشعب، إلا أنها اصطدمت بكمين أعده مقاتلو حزب الله، أسفر عن مقتل 4 جنود إسرائيليين، وجرح 8 آخرين، مما أدى إلى امتناع القوات البرية الإسرائيلية عن محاولة تنفيذ أى عمليات فى الأيام التالية. وجرى التركيز بعد ذلك خلال الأيام الأربعة الأولى للحرب على تنفيذ عمليات قصف جوى مكثف من جانب المقاتلات الإسرائيلية، بدأت بعدها العمليات البرية على نطاق محدود فى اليوم الخامس للحرب، أى 16 يوليو، وذلك مع قيام قوة إسرائيلية خاصة بعملية برية، بموازاة الهجمات الجوية والبحرية.
وقد تكررت محاولات التوغل البرى الإسرائيلى على نطاق محدود ضد جنوب لبنان مجدداً فى يوم 19 يوليو، حيث تقدمت قوة عسكرية إسرائيلية إلى داخل الحدود اللبنانية قرب قرية عيترون لجس النبض واختبار الوضع ميدانيا، ولمعرفة ما إذا كان هناك مسلحون من الحزب، ولكنها وقعت فى كمين نصبه مقاتلان اثنان فقط أمطرا الجنود الإسرائيليين بالرصاص، فأحدثا فيهم بعض الإصابات، فهرعت قوة إسرائيلية أخرى للمساندة، محمولة على دبابة، فأطلق عليها المقاتلان اللبنانيان صاروخاً مضاداً للدبابات، فقتلا جندياً آخر، وأصابا سبعة آخرين بجراح، كما اندلعت الاشتباكات على جبهات أخرى فى المناطق الحدودية.
ب. مرحلة الاحتلال الانتقائى لمواقع استراتيجية (19 ـ 27 يوليو)، وجاءت عقب فشل محاولات جس النبض، وجرى التركيز خلالها على محاولة السيطرة على مناطق عيترون ـ مارون الرأس ـ الناقورة منذ 19 يوليو، وشهدت تلك المناطق معارك عنيفة، نجح مقاتلو الحزب خلالها فى بادئ الأمر فى التصدى للمدرعات وللقوات الخاصة الإسرائيلية التى جرى إنزالها فى تلك المناطق، إلا أن القوات الإسرائيلية نجحت فى السيطرة على مارون الرأس فى 23 يوليو، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار الاشتباكات داخلها وحولها طيلة الفترة التالية.
وقد تركزت الاشتباكات بعد ذلك على مدينة بنت جبيل، التى توصف بـ عاصمة الجنوب، حيث أصبحت هذه المدينة الهدف التالى للقوات الإسرائيلية بعد احتلال مارون الرأس، وظلت المدفعية والمقاتلات الإسرائيلية تمطر المدينة بالقذائف والصواريخ لمدة 48 ساعة. وعندما دخلتها القوات الإسرائيلية، فإنها كانت تتوقع مقاومة ضعيفة من مقاتلى حزب الله، إلا أن النيران انهالت على القوات الإسرائيلية من كافة الاتجاهات، فور دخولها إلى شوارع المدينة الضيقة، فى كمين جرى إعداده بإحكام من جانب مقاتلى الحزب، وقاموا خلاله بإطلاق نيران الرشاشات وصواريخ الأر بى جى المحمولة على الكتف والصواريخ المضادة للدبابات. وتحولت مهمة القوات الإسرائيلية من احتلال المدينة، إلى مجرد الدفاع عن النفس ومحاولة إخلاء الجرحى.
وعقب هذه المعركة، قرر المجلس الوزارى الأمنى المصغر فى إسرائيل فى 27 يوليو عدم شن حملة برية موسعة خلال الفترة التالية، كما تقرر سحب القوات الإسرائيلية من مثلث مارون الرأس ـ عيترون ـ بنت جبيل، مع الاكتفاء بتكثيف الغارات الجوية، باعتبار ذلك بديلا لمحاولات الاجتياح البرية، من أجل إقلال الخسائر البشرية فى صفوف الجيش. وأثناء تلك الغارات، وقعت مذبحة قانا فى 30 يوليو، والتى أسفرت عن وقوع 60 قتيلاً، بينهم 37 طفلاً، قبل أن تعلن إسرائيل إيقاف جانب من ضرباتها الجوية لمدة 48 ساعة بعد المذبحة، كما شهدت تلك الفترة ذاتها استمرار عمليات التمشيط من جانب القوات البرية الإسرائيلية فى محيط بنت جبيل.
وفى تلك الأثناء، حاولت القوات الإسرائيلية القيام ببعض المبادرات الهجومية الخاصة بتحقيق هدف إطلاق سراح الأسيرين الإسرائيليين الموجودين لدى الحزب، وكان أبرزها الهجوم الذى قامت به القوات الخاصة الإسرائيلية المحمولة بطائرات الهليكوبتر فى الأول من أغسطس ضد مدينة بعلبك، وهو ما كان بمثابة أعنف هجوم تقوم به القوات الخاصة الإسرائيلية فى أعمق نقطة وصلت إليها داخل لبنان. واستهدف الهجوم مستشفى دار الحكمة فى بعلبك التى كان قادة إسرائيليون يعتقدون أن الجنديين الأسيرين موجودان فيها، وأسفر الهجوم عن أسر خمسة أفراد، قالت إسرائيل أنهم من مقاتلى حزب الله، بينما أعلن الحزب أنهم مواطنون عاديون، ثم تبين لاحقاً أن الاستخبارات الإسرائيلية وقعت ضحية لتشابه فى الأسماء مع أسرة مواطن لبنانى يحمل الاسم نفسه للأمين العام لحزب الله، ثم اضطرت إسرائيل لإطلاق سراح هؤلاء المختطفين الخمسة فى يوم 22 أغسطس، بعدما تبين لها الخطأ الذى وقعت فيه.
ج. مرحلة الاجتياح البرى الموسع (1ـ 12 أغسطس)، حيث لم تعاود القوات الإسرائيلية هجماتها البرية مجدداً إلا فى الأول من أغسطس مع صدور قرار من المجلس الوزارى الأمنى المصغر فى إسرائيل، الذى تضمن تنفيذ عملية موسعة ضد حزب الله فى جنوب لبنان تمتد لمسافة تتراوح بين 6 ـ 7 كيلومتر من الحدود، ولكنها لا تشتمل على السيطرة على كل الأراضى الممتدة حتى نهر الليطانى، ثم أعقب ذلك قيام الجيش الإسرائيلى بدفع آلاف الجنود إلى جنوب لبنان، بهدف إعادة إنشاء منطقة أمنية عازلة، فى انتظار وصول قوة دولية إلى هذه المنطقة، وفق البيانات الرسمية لكبار المسئولين الإسرائيليين. وقد وقعت عقب ذلك اشتباكات عنيفة بين القوات الإسرائيلية وبين مقاتلى الحزب على أكثر من محور، لاسيما فى عيتا الشعب، وعلى محور كفركلا ـ العديسة ـ رب ثلاثين. وتمكنت القوات الإسرائيلية فى الثالث من أغسطس من التوغل لمسافة 3 كيلومترات فى منطقة الرحراح، ولكنها سرعان ما أجبرت على التراجع تحت تأثير ضربات مقاتلى حزب الله.
وقد قرر المجلس الوزارى الأمنى المصغر فى إسرائيل فى الرابع من أغسطس توسيع نطاق عمليات الجيش الإسرائيلى فى جنوب لبنان، بهدف الوصول إلى عمق 8 كيلومترات، كما قرر دفع المزيد من القوات لإبعاد مقاتلى الحزب إلى ما وراء نهر الليطانى، وهو ما جرى البدء فيه بالفعل من خلال تكثيف الهجمات البرية الإسرائيلية على عدة محاور، إلا أن مقاتلى حزب الله ظلوا يهاجمون القوات الإسرائيلية من خلال الأكمنة المختلفة، مع إلحاق خسائر كبيرة بالدبابات والمدرعات الإسرائيلية، والأطقم العاملة فيها، مع مواصلة عمليات القصف الصاروخى للعمق الإسرائيلى.
وجاءت المرحلة الأخيرة من الاجتياح البرى مع صدور قرار المجلس الوزارى الأمنى المصغر فى 9 أغسطس بتوسيع نطاق العمليات البرية الإسرائيلية فى جنوب لبنان، للمرة الثالثة، إلا أن هذا المجلس أعلن فى اليوم التالى إرجاء الهجوم المزمع، انتظاراً لما يجرى من جهود دبلوماسية فى نيويورك، ثم جرى بدء هذا الهجوم فى 12 أغسطس، برغم صدور قرار مجلس الأمن رقم 1701، حيث بدأ الجيش الإسرائيلى حملته البرية الواسعة فى الجنوب اللبنانى، بإسناد جوى كثيف، بهدف ضرب شبكة الصواريخ قصيرة المدى وقوات حزب الله فى تلك المنطقة، ومن أجل الزعم بتحقيق انتصار رئيسى فى الحرب. وشاركت فى هذه العملية عدة فرق عسكرية من الجيش الإسرائيلى، وقوات من المظليين جرى إنزالها بطائرات هليكوبتر على محاور مختلفة فى الخطوط الداخلية. وقد وقعت اشتباكات عنيفة بين الجانبين فى الأودية والأحراش الواقعة فى وسط منطقة شرق الليطانى. وأعلن حزب الله أنه نجح فى إنزال خسائر جسيمة بالقوات الإسرائيلية، ثم توقفت الاشتباكات مع بدء سريان وقف إطلاق النار فى 14 أغسطس 2006.
ولدى تقييم نتائج المعركة الجوية ـ البرية، تشير التقديرات إلى أن المقاتلات الإسرائيلية نفذت حوالى 15 ألف غارة جوية أثناء فترة العدوان، أسقطت خلالها 100 ألف قذيفة على لبنان. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 1081 مدنياً، وإصابة 4054 آخرين، وتشريد أكثر من 970 ألف لبنانى من منازلهم، كما أسفرت الغارات عن مقتل 5 أفراد من قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، وإصابة 11 آخرين. وتزعم إسرائيل أنها قتلت 534 مقاتلاً من أعضاء حزب الله، بينما ينفى حزب الله ذلك، ويؤكد أن عدد ضحاياه 69 فرداً فقط. وتزعم إسرائيل أن عملياتها العسكرية فى لبنان أسفرت عن تدمير 309 منصة إطلاق صواريخ تابعة لحزب الله، فضلاً عن تدمير 33 نفقاً أرضياً يستخدمها مقاتلو الحزب فى عملياتهم، بالإضافة إلى تدمير أو إصابة 1800 منزلاً لحزب الله، بينما ينفى حزب الله ذلك، ويؤكد أن خسائره أقل من ذلك بكثير.
ومن حيث الخسائر الاقتصادية، فقد ألحقت الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان دماراً واسعاً بالبنية الأساسية والسكنية والاقتصادية فى لبنان، بما تصل قيمته الإجمالية إلى حوالى 6 مليارات من الدولارات، وتضمنت: تدمير حوالى 31 مطارا وميناء ومحطة كهرباء أو مياه أو صرف صحى، وتدمير 630 كيلومتراً من الطرق، وتدمير 80 جسراً و77 كوبرى علوى، وتدمير 15 ألف منزل وشقة سكنية، وتدمير 900 مصنع ومتجر ومزرعة ومكتب.
أما على الجانب الإسرائيلى، فتزعم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أنها فقدت 121 جندياً أثناء فترة العدوان على لبنان، بينما تقول مصادر أخرى أن عدد قتلى الجيش الإسرائيلى يصل إلى 200 جندى، فضلاً عن 312 مصاباً. ومن حيث الخسائر فى الأسلحة والمعدات، تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن صواريخ حزب الله المضادة للدبابات أصابت 46 دبابة من طراز ميركافا، كما أصابت 14 عربة مدرعة أخرى. ومن بين هذه الإصابات المختلفة، هناك اختراق كامل لـ 15 دبابة، و5 عربات مدرعة، مما أسفر عن تدميرها، ومقتل 20 جنديا، منهم 15 فى الدبابات، فى حين أن حزب الله يؤكد من ناحيته أنه نجح فى تدمير ما لا يقل عن 124 دبابة، و12 مدرعة وناقلة جند مدرعة. أما فى الأسلحة الأخرى، فإن حزب الله يؤكد نجاحه فى إسقاط 4 طائرات هليكوبتر إسرائيلية، بالإضافة إلى إصابة بارجة وزورق بحرى.

ثالثا: القصف الصاروخى من جانب حزب الله
كانت عمليات القصف الصاروخى التى نفذها حزب الله ضد إسرائيل بمثابة المبادرة الهجومية الوحيدة التى كان الحزب يمتلكها فى مواجهة إسرائيل. ومع أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت على علم منذ فترة طويلة نسبياً بأن حزب الله يطور قدراته الصاروخية، إلا أن ذلك لا ينفى أن الاستخدام المكثف والمتدرج لعمليات القصف الصاروخى التى نفذها حزب الله ضد إسرائيل كان بمثابة مفاجأة كبرى وغير متوقعة لإسرائيل ومؤسساتها الاستخبارية.
فعلى الرغم من أن كافة الصواريخ التى يمتلكها الحزب تعتبر صواريخ تكتيكية، من حيث مدياتها وقدراتها التدميرية، إلا أن الأثر الذى أحدثته كان ذا طبيعة استراتيجية، من حيث أنها استطاعت الوصول إلى العمق الداخلى للخصم. فالتمييز بين ما هو استراتيجى وما هو تكتيكى فى الأسلحة والمعدات القتالية يتوقف بالأساس على الاستخدام العملياتى لها. فإذا كان هذا السلاح قادراً على الوصول إلى عمق الخصم، حتى وإن كان سلاحاً تكتيكياً، فإنه يصبح فى هذه الحالة سلاحاً تكتيكياً ذا استخدامات استراتيجية.
هذا التوصيف يعنى، إذن، أن منظومة صواريخ حزب الله التكتيكية لعبت دوراً استراتيجياً فى مواجهة العدوان الإسرائيلى. وعلى الرغم من أن الحزب لم يقدم معلومات واضحة عن حقيقة قدراته الصاروخية ومصادرها، وهو ما يمكن تفسيره بضرورات المفاجأة والتعتيم على الخصم، فإن المعلومات المتاحة تشير إلى أن هذه القدرات اعتمدت بالأساس على الاستيراد من إيران، حيث حصل الحزب منها على عدد من الصواريخ، وأبرزها: كاتيوشا، وفجر، ورعد، وزلزال. والكاتيوشا هو عبارة عن صاروخ روسى الأصل قصير المدى. وهناك سلسلة متنوعة من هذا الصاروخ التى تختلف من حيث مدى العمل الخاص بها، ولكنها إجمالاً تتراوح ما بين 12 ـ 22 كيلومتراً، ومن الممكن إطلاق هذا الصاروخ بواسطة راجمة أو منصة ثابتة، من دون الاعتماد على مشغل، اعتماداً على التوقيت الذى يمكن ضبطه مسبقاً لهذا الصاروخ.
وتشير بعض التقديرات إلى أن حزب الله كان يمتلك حوالى 13 ألف صاروخ من هذا النوع، إلا أن المعروف عن هذا الكاتيوشا أنه لا يتمتع بقيمة استراتيجية أو عملياتية كبرى، بحكم قصر مداه وضعف دقته، إلا أن قدراته التدميرية تتيح له إحداث حالة من الهلع والذعر لدى الطرف الآخر، ناهيك عما يترتــــب على ذلك من الأثر النفسى والاقتصادى والإعلامى، المترتبة على ذلك.
أما الصاروخ فجر، فهو تطوير إيرانى للكاتيوشا، وتوجد منه أنواع متعددة تختلف من حيث مدى العمل، ويتراوح مداه إجمالا ما بين 35 ـ 75 كيلومتراً، ويتم إطلاقه من منصات متحركة. وتشير بعض التقديرات إلى أن حزب الله كان يمتلك حوالى 500 صاروخ من هذا النوع. ويمتلك الحزب أيضاً أعداداً غير معروفة بدقة من الصاروخ رعد. وهناك اعتقاد شائع بأن الصاروخ رعد 1 هو نفسه الصاروخ شاهين 1 الإيرانى، والذى يصل مداه إلى 70 كيلومتراً، وهو فى الأصل تقليد إيرانى للصاروخ الروسى فروج، وهو يعمل بالوقود السائل، وتصل دقته إلى 75%، ويقدر وزن الرأس المتفجر للصاروخ بحوالى 100 كيلو جرام.
أما أقوى ما فى الترسانة الصاروخية لحزب الله، فهو يتمثل فى الصاروخ زلزال، والذى يتراوح مداه ما بين 150 ـ 200 كيلو متر، مما يجعله قادراً على الوصول إلى تل أبيب ومواقع حيوية أخرى فى العمق الإسرائيلى، ويقدر وزن الرأس الحربية لهذا الصاروخ بحوالى 600 كيلو جرام، ويعمل بالوقود الصلب، إلا أن ما يعيبه هو الافتقار للدقة فى إصابة الأهداف لعدم احتوائه على أجهزة تحكم ذاتية لتوجيه الصاروخ نحو أهداف محددة. وتشير بعض التقديرات إلى أن حزب الله كان يمتلك ما بين 10 ـ 20 صاروخاً من هذا النوع.
وقد بدأت عمليات القصف الصاروخى من جانب حزب الله فى يوم 12 يوليو، وجاءت رداً على عمليات القصف البرى والجوى والبحرى التى قامت بها القوات الإسرائيلية، عقب عملية الوعد الصادق. وتواصلت عمليات القصف الصاروخى بعد ذلك بصورة يومية طيلة الثلاثة والثلاثين يوماً التى استغرقتها الحرب، ولكنها كانت تتصاعد فى وتيرتها بصورة متدرجة. وقد اتسمت عمليات القصف الصاروخى التى قام بها حزب الله بخاصيتين رئيسيتين هما:
أ. ربط عمليات القصف الصاروخى بتطورات الموقف السياسى ـ العسكرى، بحيث أن كثافة عمليات القصف الصاروخى كانت ترتبط بتطورات الوضع العسكرى على الأرض، وأيضاً بتطورات الموقف السياسى، حتى لا تكون عمليات القصف جهداً منعزلاً عن التطورات الجارية فى المسارات السياسية والعسكرية الأخرى. وكان الحزب يكثف هجماته فى الحالات التى تزيد فيها إسرائيل من ضراوة غاراتها الجوية ضد لبنان، بينما كان الحزب يهدئ من عملياته حينما تخف حدة الغارات الجوية والهجمات البرية التى تقوم بها القوات الإسرائيلية، وهو ما كان يرتبط فى الأغلب بتطور الجهود الدبلوماسية التى كانت جارية على هامش الصراع، كما التزم حزب الله بإيقاف هجماته الصاروخية على إسرائيل عقب إعلان حكومة أولمرت فى 31 يوليو إيقاف ضرباتها الجوية على لبنان لمدة 48 ساعة، عقب مذبحة قانا التى كانت قد وقعت فى اليوم السابق.
وفى هذا الإطار نفسه، حاول الحزب منذ فترة مبكرة من بدء العدوان الإسرائيلى توجيه عمليات القصف الصاروخى بصورة أكثر دقة لخدمة الموقف العسكرى على الأرض، وذلك من خلال محاولة استهداف مواقع عسكرية رئيسية إسرائيلية، مثل محاولة قصف قاعدة جوية رئيسية للسلاح الجوى الإسرائيلى فى رامات ديفيد بشمال إسرائيل منذ اليوم الثامن للحرب، أى يوم 19 يوليو، وهى قاعدة رئيسية تنطلق منها غارات جوية ضد مناطق الجنوب اللبنانى، إلا أن إسرائيل نفت من ناحيتها نجاح صواريخ حزب الله فى إصابة القاعدة، كما تكرر قصف هذه القاعدة مرة أخرى فى 4 أغسطس من جانب الحزب، ولكن من دون معرفة نتائج هذا القصف. وركز الحزب أيضاً على محاولة قصف مقار القيادة العسكرية لشمال إسرائيل ومناطق تجميع القوات الإسرائيلية، وأعلن فى هذا الإطار قصفه للمرة الأولى لمقر القيادة العسكرية الشمالية الإسرائيلية فى ثكنة برانيت وقاعدة عين حامور العسكرية قرب طبرية فى 2 أغسطس، كما أعلن قيامه بقصف تجمع لجنود الاحتياط فى قرية كفار جلعادى بشمال إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 12 جندياً إسرائيلياً فى 6 أغسطس، إلا أن سياسة التعتيم الإعلامى التى كانت إسرائيل تفرضها على هذا القصف منعت التعرف على النتائج العملياتية الحقيقية لهذا القصف.
ب. تنفيذ استراتيجية الإغراق الصاروخى، وهى تقوم على تنفيذ عمليات القصف الصاروخى بمعدلات عالية تفوق قدرة الخصم على مواجهتها، حيث كان حزب الله حريصاً على مواصلة القصف بمعدل يومى كثيف، باعتبار أن استمرار القصف يعد بحد ذاته دليلاً على أن إسرائيل فشلت فى تحقيق أهدافها فى الحرب. وتحقق استراتيجية الإغراق الصاروخى أهدافاً متعددة، يأتى فى مقدمتها إرباك دفاعات الخصم الصاروخية، وإضعاف قدرتها على التصدى للهجمات الصاروخية من خلال الوسائل المضادة، علاوة على أن استهداف مناطق متعددة فى جبهة الخصم الداخلية بالهجمات الصاروخية بصورة مكثفة يُلحق أضراراً أكبر بالخصم، ويُحدث آثاراً نفسية واقتصادية أكثر ضرراً، فضلاً عما تنطوى عليه هذه الهجمات من إظهار فاعلية القدرات الهجومية لحزب الله.
وقد أطلق الحزب على إسرائيل خلال العدوان الإسرائيلى الذى امتد 33 يوما حوالى 4000 صاروخ، تخللها إيقاف حزب الله لعمليات القصف الصاروخى ضد إسرائيل لمدة يوم واحد، هو يوم 31 يوليو، على نحو ما سبق ذكره، مما يعنى أن القصف استمر 32 يوما، أى بمعدل 125 صاروخاً فى اليوم الواحد فى المتوسط، ولكن مع الأخذ فى الاعتبار أن القصف كان يزيد عن هذا المعدل فى بعض الأحيان، بينما كان يقل عن ذلك فى أحيان أخرى.
وقد وصل القصف الصاروخى من جانب حزب الله ضد إسرائيل إلى ذروته فى يوم 3 أغسطس، الذى شهد إطلاق خمس دفعات من صواريخ الكاتيوشا على شمال إسرائيل، تضمنت كل دفعة منها عشرات الصواريخ، وشمل القصف مناطق كريات شمونه ومدن صفد وطبريا وعكا وروش بينا، وهو ما اعتبرته حكومة أولمرت أكبر عدد من الصواريخ يقع على إسرائيل فى يوم واحد، ويبدو أن ذلك جاء رداً على العملية العسكرية التى قامت بها القوات الخاصة الإسرائيلية على مستشفى دار الحكمة فى مدينة بعلبك، والتى تمت الإشارة إليها سابقاً.
على الجانب الآخر، شكلت عمليات القصف الصاروخى التحدى الأكثر خطورة على الإطلاق لحكومة إيهود أولمرت وللمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وكان العمل على إيقاف هذا القصف الصاروخى أحد أهم أهداف العمليات العسكرية الإسرائيلية فى لبنان، واتخذت الجهود الإسرائيلية المبذولة فى هذا المجال ثلاثة مسارات رئيسية على النحو التالى:
أ. محاولة التصدى لعمليات القصف الصاروخى بالوسائل العسكرية، حيث حاولت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية البحث عن حلول عسكرية لوقف الهجمات الصاروخية، بما فى ذلك نشر صواريخ الباتريوت المضادة للصواريخ، إلا أنها لم تفلح قط فى تحقيق أى نتائج فى هذا الصدد، حيث شرع الجيش الإسرائيلى منذ اليوم الرابع للحرب فى نشر ثلاث بطاريات صواريخ باتريوت فى مدينة حيفا، تحسبًا لإطلاق حزب الله صواريخ على حيفا ومحيطها. وقد بدأ الحزب بالفعل فى قصف هذه المدينة عقب نشر تلك البطاريات بيوم واحد، إلا أن صواريخ الباتريوت أظهرت عجزاً كاملاً عن التصدى لصواريخ الكاتيوشا، وهو ما اعتبرته قطاعات واسعة من الرأى العام ووسائل الإعلام فشلاً عسكريًا وخططيًا كبيرًا للقيادة الشمالية العسكرية فى إسرائيل.
ب. تكثيف الغارات الجوية والهجمات البرية على المناطق التى كان يُعتقد أنها مركز انطلاق الهجمات الصاروخية لحزب الله، حيث خصص السلاح الجوى الإسرائيلى جانباً رئيسياً من عملياته فى لبنان من أجل إيقاف هجمات حزب الله الصاروخية ضد إسرائيل، وكانت الحكومة الإسرائيلية تعلن أثر هذه العمليات أن قواتها نجحت فى القضاء على نسبة كبيرة من القدرة الصاروخية للحزب، ثم تبين بعد ذلك أن هذه الإعلانات كانت تنطوى على قدر كبير من المبالغة. وكانت مثل هذه التصريحات قد دفعت قادة حزب الله فى العديد من المناسبات إلى إصدار تصريحات مضادة، لعل أبرزها إعلانه فى 19 يوليو أن لديه مخزوناً من الصواريخ يكفى لضرب إسرائيل أشهراً طويلة، مع توسيع نطاق عمليات القصف الصاروخى للعديد من المستوطنات والبلدات والمدن الواقعة فى شمال إسرائيل، لاسيما تلك المطلة على ساحل البحر المتوسط.
وقد دفعت كثافة القصف الصاروخى بعض قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لإطلاق تهديدات عنيفة، لعل أهمها تلك المتعلقة بأن إسرائيل سوف تقوم بتدمير 10 مبان فى لبنان فى مقابل كل صاروخ يطلقه حزب الله على حيفا والمناطق الشمالية فى إسرائيل، برغم أن غارات السلاح الجوى الإسرائيلى كانت تتسبب بالفعل فى وقوع دمار فى لبنان يفوق المعدل المذكور فى التهديد المشار إليه، إلا أن هذه التهديدات لم تفلح بدورها فى إيقاف عملية القصف الصاروخى، أو حتى الإقلال من كثافتها.
وكان استمرار عمليات القصف الصاروخى من حزب الله ضد إسرائيل أحد أهم أسباب تصعيد العمليات العسكرية من جانب إسرائيل، ومن بين ذلك تخلى حكومة أولمرت عن الحدود الزمنية لعملياتها العسكرية فى لبنان، بدءاً من 19 يوليو، وذلك فى ضوء قرار صادر عن المجلس الوزارى الأمنى المصغر لحكومة أولمرت، والذى تضمن مواصلة العمليات فى لبنان من دون أى حدود زمنية، ثم قرار الحكومة فى 27 يوليو باستدعاء المزيد من الاحتياط، وتكثيف الضربات الجوية ضد حزب الله عقب الخسائر البشرية والاقتصادية التى لحقت بإسرائيل بسبب عمليات القصف الصاروخى للعمق والشمال الاسرائيلى.
وبالمثل، جرى تركيز بعض الهجمات البرية الإسرائيلية ضد مواقع كان يُعتقد أنها مركز انطلاق الهجمات الصاروخية من جانب حزب الله، حيث توصلت القيادة العسكرية الإسرائيلية منذ المراحل الأولى من الحرب إلى استنتاج بأن مدينة صور ومحيطها هى المركز الرئيسى الذى تنطلق منه معظم الهجمات الصاروخية لحزب الله، لاسيما تلك التى كانت تستهدف مدينة حيفا، علاوة على الزعم بأن سوريا كانت تقوم بإمداد حزب الله بشحنات من الذخائر والصواريخ ومنصات إطلاقها عبر تلك المنطقة، واعتقد قادة المؤسسة العسكرية أن حزب الله ينشر معظم صواريخه هناك، وهو ما جعل تلك المدينة ومحيطها هدفاً لهجمات جوية إسرائيلية لا تتوقف، بل واستهدافها من خلال العملية البرية الموسعة التى بدأتها القوات الإسرائيلية خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من الحرب، من أجل إيقاف انطلاق الهجمات الصاروخية منها، إلا أن كافة هذه الجهود الإسرائيلية لم تفلح فى إيقاف الهجمات على شمال إسرائيل، لاسيما مدينة حيفا، حتى اليوم الأخير من الحرب.
ج. فرض التعتيم الإعلامى، حيث حرصت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على منع وسائل الإعلام من تصوير المناطق التى أصابتها صواريخ حزب الله، أو نشر أى معلومات بشأن حقيقة الوضع فى تلك المناطق، حتى لا يحصل مقاتلو الحزب على معلومات دقيقة بشأن نتائج عمليات القصف، سواء من حيث دقة عمليات القصف أو الإصابات التى أحدثتها، بما يساعد مقاتلى الحزب على استثمار هذه المعلومات لتحسين عمليات القصف التالية، فضلاً عن أن هذا التعتيم الإعلامى كان يخدم الأهداف الإسرائيلية المتعلقة بإخفاء حقيقة الخسائر الناجمة عن عمليات القصف، حتى لا تؤثر سلباً على معنويات الجنود والرأى العام.
وقد حاول حزب الله التغلب على مشكلة نقص المعلومات من خلال استخدام الطائرة بدون طيار (المرصاد 1) التى يمتلكها، للحصول على معلومات دقيقة بشأن إحداثيات المناطق المستهدفة فى شمال إسرائيل، وهى عبارة عن طائرة تجسس تحمل 3 كاميرات وراداراً رقمياً ونظام إرسال إلكترونياً، وهى قادرة على التحليق على ارتفاع أكثر من 6 آلاف قدم، وتصل سرعتها القصوى إلى حوالى 120 كيلومتر فى الساعة، إلا أن وسائل الدفاع الجوى الإسرائيلية كانت تسارع إلى رصد هذه الطائرة لإسقاطها وحرمان حزب الله من المعلومات التى يمكن الحصول عليها لتوجيه عمليات القصف الصاروخى.
بالنسبة لعمليات القصف الصاروخى ذاتها، فقد بدأ حزب الله هذه العمليات منذ اليوم الأول للحرب، أى يوم 12 يوليو، ثم انقسمت هذه العمليات إلى عدد من المراحل الفرعية على النحو التالى:
أ. مرحلة القصف المحدود، وهى المرحلة التى جرت خلال الأيام الأولى للحرب، واستمرت خلال الفترة ما بين 12 ـ 14 يوليو، وكانت أقرب إلى مرحلة جس النبض من جانب حزب الله، حيث كان الحزب ينتظر خلال هذه المرحلة معرفة حدود رد الفعل العسكرى الإسرائيلى على عملية الوعد الصادق، وكانت عمليات القصف الصاروخى تقتصر على مجرد رد فعل محدود على الغارات الجوية الإسرائيلية، واقتصرت العمليات خلال هذه المرحلة على استهداف البلدات والمستوطنات المتاخمة للحدود المشتركة.
ب. مرحلة قصف حيفا، وبدأت بحلول يوم 14 يوليو، عقب تهديدات أمين عام حزب الله حسن نصر الله التى توعد فيها إسرائيل بحرب مفتوحة تستهدف حيفا وما بعد حيفا، وشرع بعدها حزب الله فى اليوم التالى مباشرة فى قصف طبرية التى تبعد 40 كيلومتر من الحدود، كما قصف أيضاً مدن صفد ونهاريا وبعض البلدات الصغيرة فى الجليل.
ج. مرحلة ما بعد حيفا، حيث بدأ حزب الله مرحلة ما بعد حيفاً فى 28 يوليو، وقصف فى ذلك اليوم مدينة العفولة بخمسة صواريخ من طراز خيبر 1، وتقع العفولة بين حيفا وتل أبيب، وتبعد 50 كم عن الحدود اللبنانية، وهى المرحلة التى كان أمين عام حزب الله حسن نصر الله قد توعد بها طبقاً لتطورات الموقف السياسى ـ العسكرى، كما شمل القصف أيضاً مدن عكا وصفد وحيفا ومستعمرة كرمئيل، ولكن وتيرة القصف عادت بعد ذلك إلى معدلاتها المعتادة، ثم تصاعدت مجدداً فى يوم 2 أغسطس، حيث وصل القصف وقتها للمرة الأولى إلى بلدة بيسان القريبة من حدود إسرائيل مع الأردن، والتى تبعد حوالى 68 كيلومتراً جنوب الحدود اللبنانية، باستخدام صاروخ خيبر 1، كما امتد القصف لقاعدة عين الحامور العسكرية قرب طبرية للمرة الأولى.
د. مرحلة ما بعد ما بعد حيفا، وبدأت يوم 4 أغسطس، واشتملت على قصف مدينة الخضيرة، التى تبعد نحو 80 كيلو متر عن الحدود اللبنانية، ونحو 40 كيلو متراً شمال تل أبيب، والذى كان بمثابة أعمق هدف تصل إليه صواريخ حزب الله داخل إسرائيل، ثم قام الحزب فى اليوم التالى بإطلاق عشرات الصواريخ على الخضيرة أيضاً، بالإضافة إلى مدينتى عكا وحيفا، معلناً أن هذا القصف يمثل رداً على المجازر التى ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد لبنان، وكان آخرها مجزرة القاع بمنطقة البقاع، كما واصل قصف القاعدة الرئيسية للسلاح الجوى الإسرائيلى فى رامات ديفيد بشمال إسرائيل.
وحتى فى المراحل الأخيرة من الحرب، والتى سعت فيها إسرائيل إلى تحقيق أى نصر عسكرى من خلال توسيع الهجوم البرى فى مناطق الجنوب اللبنانى، برغم كثافة الجهود الدبلوماسية التى كانت مبذولة وقتذاك للوصول إلى قرار لوقف إطلاق النار فى مجلس الأمن، فإن حزب الله كان حريصاً من جانبه على مواصلة عملياته العسكرية، ومنع إسرائيل من تحقيق أهدافها، ووقعت اشتباكات برية عنيفة بين الجانبين خلال الفترة 11 ـ 13 أغسطس، وأطلق خلالها حزب الله دفعات عديدة من الصواريخ على شمال إسرائيل، ووصل القصف إلى ذروته فى يوم 13 أغسطس، الذى شهد إطلاق حزب الله لما لا يقل عن 250 صاروخاً على حيفا ونهاريا ومعالوت وصفد وعكا، كان من بينها ما لا يقل عن 5 صواريخ بعيدة المدى سقطت شمال العفولة.
وقد أوقف حزب الله عمليات القصف الصاروخى ضد إسرائيل، اعتباراً من يوم 14 أغسطس، وهو موعد بدء سريان وقف إطلاق النار طبقاً لقرار مجلس الأمن 1701، إلا أن النظرة المبدئية تثير عدداً من التساؤلات التى تحيط بعمليات القصف الصاروخى التى نفذها حزب الله ضد إسرائيل أثناء الحرب، وأبرزها على الإطلاق يتعلق بـ: لماذا لم يستخدم حزب الله صواريخه الأطول مدى والأكثر فعالية، للوصول إلى أعماق أبعد داخل إسرائيل، بما فى ذلك قصف العاصمة تل أبيب؟
ومبعث هذا السؤال أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله كان قد هدد فى يوم الخميس 3 أغسطس بقصف تل أبيب، فى حال استهداف المقاتلات الإسرائيلية لمناطق وسط بيروت، وهو تهديد لم تكترث به الحكومة الإسرائيلية، وواصلت قصف بيروت مرات عديدة بعد إطلاق هذا التهديد، مما كان يتطلب من حسن نصر الله أن ينفذ تهديداته. ومن ناحية أخرى، شهدت الحرب العديد من أشكال التصعيد بالغة الحدة من جانب إسرائيل، بما فى ذلك ارتكاب مجازر دموية، مثل مجزرتى قانا والقاع، وكان المتصور بالتالى أن يرد حزب الله على هذه الاعتداءات الدموية باستخدام أقوى ما فى ترسانته من الأسلحة، لاسيما الصاروخ زلزال، بل وإمكانية استخدامه فى ضرب تل أبيب ذاتها، وهو ما لم يحدث لأسباب غير معروفة، ولم يتحدث عنها قادة الحزب صراحة بشأنها.
وربما يكون عدم حدوث ذلك عائداً إلى أحد الاعتبارات التالية؛ إذ من الممكن ألا يكون حزب الله يمتلك أصلاً صواريخ تستطيع الوصول إلى أعماق أبعد داخل إسرائيل، ويكون بالتالى ما ورد فى وسائل الإعلام فى هذا الشأن مجرد معلومات خاطئة. ومن المرجح أيضاً أن يكون الحزب يمتلك صواريخ أبعد مدى، إلا أنه رأى عدم استخدامها لأسباب فنية أو سياسية. فمن الناحية الفنية، من المعروف أن الصواريخ ذات المدى الأبعد تحتاج إلى منصات إطلاق كبيرة الحجم، بصورة قد يصعب إخفاؤها على الطيران الإسرائيلى الذى كان موجوداً بشكل شبه دائم فوق مناطق الجنوب اللبنانى، وربما كان من السهل عليه تدميرها، مما كان يعنى بالتالى ضعف الفاعلية العسكرية لتلك الصواريخ، بحكم أن من الممكن ضربها من الجو قبل انطلاق الصواريخ منها أصلاً.
على أن البعد السياسى ربما يكون فى الأغلب هو الذى حال دون استخدام الحزب لأقوى ما فى ترسانته الصاروخية ضد إسرائيل، رداً على استفزازاتها المشار إليها، إذ ربما يكون قادة الحزب قد ارتأوا أن تصعيد القصف الصاروخى لأقصى مدى ضد إسرائيل، عبر ضرب تل أبيب، ربما يدفع بالتالى حكومة أولمرت لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية بأكثر مما كانت عليه، كما أن الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى ربما تؤيد إسرائيل فى مثل هذا التوجه.
ولدى تقييم فاعلية عمليات القصف الصاروخى من حزب الله ضد إسرائيل، تشير التقديرات المتاحة إلى أن حزب الله أطلق خلال الحرب حوالى 4 آلاف صاروخ على إسرائيل. ومن حيث الخسائر البشرية، أسفرت تلك الهجمات الصاروخية عن مقتل 41 فرداً، من بينهم 16 عربياً، وإصابة نحو ألف آخرين، ودفع حوالى مليون إسرائيلى إلى النزوح من أماكن إقامتهم الأصلية. أما من حيث الخسائر الاقتصادية، فقد أسفرت عمليات القصف الصاروخى عن تدمير مئات المنازل فى المدن والبلدات والمستوطنات الإسرائيلية، ودمرت 750 متجراًً، و57 مصنعاً وورشة، و120 سيارة، فضلاً عن إلحاق إصابات بحوالى 42 حقلاً زراعياً، كما تسببت عمليات القصف فى إبقاء حوالى مليونى إسرائيلى من سكان المناطق الشمالية فى الملاجئ بصورة شبه دائمة، مما كان يشل الحياة الاقتصادية تماماً فى تلك المناطق، وهو ما كان يتسبب فى خسائر تقدر بمائة مليون دولار يومياً لإسرائيل.
ولكن الأكثر أهمية مما سبق أن عمليات القصف الصاروخى التى قام بها حزب الله ضد إسرائيل كانت تنطوى على دلالات استراتيجية بالغة الأهمية تتمثل فى كونها المرة الأولى فى تاريخ الصراع العربى ـ الإسرائيلى التى يتعرض فيها العمق الداخلى الإسرائيلى لقصف صاروخى بهذه الحدة والكثافة، وعلى مدى زمنى طويل نسبياً، موقعاً خسائر بشرية مؤثرة، ومحدثاً آثاراً اقتصادية وسياسية وعسكرية بالغة الأهمية. وفى الوقت نفسه، نجح حزب الله فى الحفاظ على قدراته الصاروخية، وفى مواصلة عمليات القصف الصاروخى ضد إسرائيل، على الرغم من التفوق الجوى المطلق الذى تمتعت به إسرائيل طوال فترة العدوان.
ومع أن القصف الصاروخى الذى قام به حزب الله كان، من الناحية العملياتية الفعلية، يتمثل بالأساس فى إزعاج واستنزاف للخصم، إلا أن ذلك لا ينفى أن حزب الله حاول عدم الاكتفاء بتوظيف عمليات القصف الصاروخى لمجرد الإزعاج، وإنما حاول فى بعض الحالات أن يوظف عمليات القصف الصاروخى لخدمة الصراع الدائر على الأرض، من خلال قصف أهداف عسكرية رئيسية على الجانب الإسرائيلى تلعب دوراً هاماً فى خدمة المجهود العسكرى الإسرائيلى فى لبنان، على نحو ما سبقت الإشارة.

[/FONT][/SIZE]
 
[SIZE=-1][FONT=Arial (Arabic)]
رابعاً: تعقيدات مسألة نشر القوات الدولية
اكتسبت مسألة نشر قوات دولية فى لبنان أهميتها من كونها المخرج الرئيسى لإنهاء العدوان الإسرائيلى ضد لبنان، ولتفادى نشوء تصعيد جديد بين الجانبين فى المستقبل، عبر اضطلاع تلك القوات بمنع الهجمات على الجانبين اللبنانى والإسرائيلى، ومراقبة أوضاع وقف إطلاق النار على الجانبين، إلا أن هناك العديد من الإشكاليات التى أحاطت بهذه المسألة، كان أبرزها يتعلق بالمفاضلة ما بين توسيع حجم وصلاحيات قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة، المعروفة اختصاراً بـ اليونيفيل، الموجودة بالفعل فى مناطق الجنوب اللبنانى، أو إنشاء قوة دولية جديدة تماماً، بما فى ذلك أن تكون تلك القوة تابعة لحلف شمال الأطلنطى (الناتو). وحتى عندما جرى اعتماد خيار توسيع حجم وصلاحيات قوات اليونيفيل، فقد استمر الخلاف بشأن حدود التفويض الممنوح لها، وحجمها ومناطق انتشارها، وعلاقتها بالجيش اللبنانى.
ومن المعروف، بداية، أن قوات اليونيفيل كانت قد أنشئت منذ عام 1978، بموجب قرارى مجلس الأمن رقم (425) و(426)، حيث تضمن الأخير نصاً بإنشاء تلك القوات، وكان قوامها حوالى 1994 جندياً، يساعدهم 50 مراقباً عسكرياً من الأمم المتحدة، كما يساندهم 101 من الموظفين المدنيين الدوليين، بالإضافة إلى 296 موظفاً مدنياً محلياً. ويتم التجديد لهذه القوة من مجلس الأمن كل ستة أشهر، وتتمثل صلاحياتها فى التأكد من انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، واستعادة السلام والأمن الدوليين فى تلك المناطق، ومساعدة حكومة لبنان على ضمان عودة سلطتها الفعلية فى المنطقة، إلا أن هذه القوات واجهت عقبات عدة، لعل أبرزها الافتقار إلى القوة البشرية الكافية لتأمين جميع مناطق العمليات المكلفة بها، بالإضافة إلى عجزها عن منع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان.
وكان كبار مسئولى الحكومة الإسرائيلية، لاسيما وزير الدفاع عمير بيرتس، قد أعربوا عقب فترة قصيرة من بدء الحرب عن رغبتهم فى نشر قوات دولية بديلة عن اليونيفيل، تابعة لحلف شمال الأطلنطى الناتو، وتكون من العدد والعدة والعتاد بحيث تستطيع القيام بما يعجز الجيش اللبنانى عنه، على أن تتمتع تلك القوة المقترحة بتفويض واسع لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559، بشأن نزع سلاح حزب الله والإشراف على مناطق الحدود الجنوبية اللبنانية، وتكون قادرة على إحباط أى هجمات تنطلق ضد إسرائيل، مع التأكد من أن المناطق الجنوبية لن تـُستخدم لشن هجمات ضد إسرائيل. وقد عبر بعض المسئولين الإسرائيليين عن اعتقادهم بأن نموذج نشر قوة حلف شمال الأطلنطى المدججة بالسلاح فى كوسوفو عام 1999 يعتبر نموذجاً لما تريد إسرائيل تنفيذه فى الجنوب اللبنانى.
وكان كبار مسئولى الحكومة الإسرائيلية قد أعربوا فى مناسبات عديدة عن رغبتهم فى مشاركة الولايات المتحدة بقوات كبيرة فى تلك القوة المقترحة، إلا أن الولايات المتحدة رفضت ذلك، وذلك بناء على موقف وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) التى أكدت أن الولايات المتحدة تنشر قوات كبيرة فى كل من أفغانستان والعراق، وليس لديها فى الوقت الحالى قوات زائدة يمكن إرسالها إلى لبنان، للمشاركة ضمن تلك القوة المقترحة، إلا أن الإدارة الأمريكية أيدت بقوة الاقتراح الإسرائيلى بشأن نشر قوات دولية فى مناطق الجنوب اللبنانى، واقترحت أن يتراوح حجم هذه القوة ما بين 8 ـ 10 آلاف جندى، على أن تتولى قيادتها فرنسا أو تركيا، كما أيد رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير الفكرة ذاتها بقوة، وإن كان قد اعتذر أيضاً عن المشاركة بقوات بريطانية فى تلك القوة المقترحة.
وفى المقابل، فإن أطرافاً عديدة رفضت الاقتراح السابق، من بينها الدول العربية، وفى مقدمتها لبنان، بالإضافة إلى إيطاليا وفرنسا وروسيا وأسبانيا، وطالبت بنشر قوات دولية تابعة للأمم المتحدة على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، كجزء من خطة متكاملة. وكان الرفض الفرنسى بصفة خاصة قوياً فى تأكيده على أهمية ألا تكون القوة المقترحة تابعة لحلف الناتو، حيث أشار الرئيس الفرنسى جاك شيراك إلى أن الحلف يعتبر شئنا أم أبينا الذراع المسلحة للغرب فى هذه المناطق، كما أكد على أن نشر هذه القوة مرهون بالتوصل إلى اتفاق سياسى شامل، يتضمن ـ من بين ما يتضمن ـ وقفاً لإطلاق النار.
وكانت تلك المسألة واحدة من الإشكاليات الرئيسية التى دار الخلاف حولها بحدة فى المداولات التى جرت على هامش عملية إصدار قرار من مجلس الأمن بشأن حرب لبنان، والتى استغرقت أكثر من ثلاثة أسابيع، لم يقتصر الخلاف خلالها على طبيعة تلك القوة وصلاحياتها ومهامها، بل وعلى ترتيب الأولويات الخاصة بإنهاء الحرب.
وقد جرى التخلى تدريجيا عن فكرة نشر قوات تابعة لحلف الأطلنطى، مع تبنى خيار بديل يقوم على توسيع قوات الطوارئ الدولية الموجودة بالفعل اليونيفيل. وفيما يتعلق بترتيب الأولويات، كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تصران على البدء بتشكيل قوات دولية، بحيث تنتشر على الأراضى اللبنانية بعمق أكثر من‏20‏ كيلو متراً، فى حين أن فرنسا وأطرافاً عربية ودولية أخرى أصرت على أن يبدأ الحل بإعلان وقف نهائى لإطلاق النار، ثم التوصل إلى اتفاق سياسى مقبول من مختلف الأطراف، ثم تشكيل ونشر قوة دولية تكون مهمتها الإشراف على تطبيق هذه الترتيبات بصورة متوازنة.
وبالمثل، دار خلاف كبير حول مرجعية القرار، وهل يكون بالاستناد إلى الفصل السابع، الذى يسمح للقوات الدولية باستخدام القوة المسلحة، أم بالاستناد إلى الفصل السادس، أى أن تندرج فى الإطار التقليدى لعمليات حفظ السلام..؟ ومع أن بعض القوى السياسية اللبنانية رأت أن الاستناد إلى الفصل السابع ربما يوفر فرصاً أفضل للدفاع عن لبنان، من أجل التصدى لأى محاولة إسرائيلية للعدوان على لبنان، فضلاً عن عدم تحميل لبنان أى أعباء دفاعية ومالية فى هذا الصدد، فإن الحكومة اللبنانية اعترضت على ذلك بشدة، لكونه يمثل انتقاصاً من سيادتها، بل واعتبر الرئيس اللبنانى العماد أميل لحود أن الاستناد إلى الفصل السابع يمثل أمراً سوف يؤدى إلى خراب على لبنان، بينما اعتبره آخرون استعماراً جديداً للبنان.
وقد أخذت صيغة قرار مجلس الأمن رقم 1701، والصادر فى ليلة 12 أغسطس 2006، بوجهة النظر القائلة بعدم الاستناد إلى الفصل السابع، كما أخذت بفكرة التدرج القائمة على البدء أولا بالوقف الكامل للأعمال الحربية، مع دعوة حكومة لبنان وقوات الطوارئ الدولية اليونيفيل إلى نشر قواتهما معا فى الجنوب، ودعوة حكومة إسرائيل إلى سحب جميع قواتها من الجنوب اللبنانى بالتوازى مع بدء انتشار القوات اللبنانية والدولية. وتضمن القرار أيضاً بنداً ينص على زيادة حجم قوات الطوارئ الدولية يونيفيل إلى حد أقصى يبلغ 15 ألف جندى، على أن تتولى ـ إضافة إلى المهمات الموكلة إليها أصلا ـ القيام بـ: مراقبة وقف العمليات العدائية، ومرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية التى تنتشر فى الجنوب، وتوسيع مساعدتها للإسهام فى ضمان الوصول الإنسانى إلى السكان المدنيين وعودة الأشخاص المهجرين بشكل إرادى وآمن، ومساعدة القوات اللبنانية فى اتخاذ خطوات باتجاه إقامة المنطقة المشار إليها، وفى تأمين حدودها، مع تكليف اليونيفيل بالقيام بكل التحركات الضرورية فى مناطق نشر قواتها، وفى إطار قدراتها، للتأكد من أن مناطق عملياتها لا تستخدم للأعمال العدائية.
ولدى البدء فى تشكيل القوات التى نص عليها القرار 1701، برزت مشكلات تتعلق بالضمانات والمهام الخاصة بهذه القوات. وكان ذلك سبباً فى تراجع فرنسا عن الإسهام بقوات تصل إلى حوالى 2000 جندى، وفق ما كانت قد تعهدت فى بادئ الأمر، وذلك بسبب المخاوف التى أثارتها المؤسسة العسكرية الفرنسية بشأن غموض التفويض وقواعد الاشتباك، وهو ما أثار مخاوف من أن يجد الجنود الفرنسيون أنفسهم فى وضع صعب فى الجنوب اللبنانى، وطالبت وزارتا الدفاع والخارجية الفرنسيتان بـتحديد دقيق جداً للمهمات التى سوف تناط بقوات اليونيفيل، مع توفير الوسائل المادية والقانونية اللازمة لهذه القوة، والتى ستمكنها من القيام بواجباتها، مع ضرورة تحديد قواعد الاشتباك التى تتعلق بحدود السماح للقوات باستخدام السلاح، وكيفية التصرف ميدانياً.
وطغى ما سبق على المناقشات التى جرت فى الأمم المتحدة بين الأمانة العامة للمنظمة الدولية والدول المدعوة للمساهمة فى القوة الجديدة، حيث برزت مسألة تحديد مهمات اليونيفيل بشكل دقيق وكاف. وحاولت إدارة جورج بوش معالجة هذه المشكلة عبر اقتراح إصدار قرار جديد عن مجلس الأمن لتحديد مهمات قوة اليونيفيل، وتضمينه بنداً ينص صراحة على نزع سلاح حزب الله، وهو ما رفضته الحكومة الفرنسية، استنادا إلى أن قرار مجلس الأمن 1701 يحدد بما فيه الكفاية مهمة القوة الدولية، ورأت أن الجوانب التفصيلية المتعلقة بمهمات هذه القوات يمكن أن تتحدد من خلال المناقشات الجارية بين الأمانة العامة للأمم المتحدة والدول المدعوة للمساهمة فى القوة الجديدة، مما دفع الإدارة الأمريكية للتراجع عن الاقتراح المذكور.
وقد أسفرت المداولات الجارية داخل الأمم المتحدة عن إقناع فرنسا بتغيير موقفها بشأن حجم مشاركة قواتها المسلحة فى اليونيفيل، حيث أعلن الرئيس جاك شيراك فى 24 أغسطس توسيع المشاركة الفرنسية فى تلك القوات، موضحاً أن هذا القرار جاء بعدما حصلت فرنسا من الأمم المتحدة ولبنان وإسرائيل على التوضيحات الضرورية وضمانات حول تأمين عمل قواتها فى لبنان. وبموجب هذا التغير فى الموقف، تعهدت فرنسا بنشر 2000 عنصر، على أن تحتفظ بقيادة اليونيفيل حتى فبراير 2007، بحيث تحل محلها ايطاليا بعد ذلك.
وبالإضافة إلى فرنسا، فإن هناك ثلاث دول أخرى تشارك بأعداد كبيرة نسبياً من القوات فى اليونيفيل هى ايطاليا وأسبانيا وبولندا، حيث تشارك إيطاليا بما يتراوح بين ألفى إلى ثلاثة آلاف جندى، بينما تشارك أسبانيا بـ 950 عنصراً، فى حين تشارك بولندا بما يتراوح بين 214 ـ 500 عنصر، كما أعلنت العديد من الدول الأخرى استعدادها للمشاركة فى هذه القوات، ومن بينها اندونيسيا وماليزيا وتركيا وبلجيكا والدانمارك وفنلندا وبريطانيا واليونان والسويد والنرويج.
ولكن الإشكالية التى واجهت تشكيل ونشر قوات اليونيفيل المعززة فى لبنان تمثلت فى بطء عملية تشكيل هذه القوات بسبب تعدد الجوانب الفنية والإجرائية التى يتعين التباحث بشأنها بين الأمم المتحدة والدول المشاركة فى تلك القوات، بالإضافة إلى بطء عملية نقل ووصول تلك القوات إلى مواقعها فى جنوب لبنان. وكان مسئولو الأمم المتحدة قد أعلنوا أن هذه المسألة يمكن أن تستغرق عدة شهور، وهو ما كان البوابة التى استغلتها إسرائيل لإعطاء نفسها الحق فى مواصلة عملياتها العسكرية من أجل السيطرة على الوضع الأمنى فى تلك المنطقة، خلال فترة ما قبل انتشار قوات اليونيفيل، مما كان سبباً فى وقوع انتهاكات عديدة للغاية من جانب إسرائيل، وكادت هذه الانتهاكات أن تدفع بالحكومة اللبنانية إلى إيقاف عملية نشر الجيش اللبنانى فى الجنوب احتجاجاًَ على تلك الانتهاكات.

خامساً: حرب لبنان وتآكل قدرة الردع الإسرائيلى
تركت حرب الثلاثة والثلاثين يوماً بين إسرائيل وحزب الله آثاراً استراتيجية بالغة الأهمية، ليس فقط على المستوى الصراعى بين هذين الطرفين، ولكن أيضاً على مستوى الصراع العربى ـ الإسرائيلى ككل، وهى آثار تصب بالسلب فى غير صالح إسرائيل، سواء لأنها فشلت ـ برغم قدراتها العسكرية المتفوقة والمتطورة ـ فى تحقيق الأهداف التى حددتها لنفسها فى الحرب، أو لأنها اضطرت للبحث عن مكسب سياسى يعوض القصور فى الأداء العسكرى.
والفكرة الرئيسية هنا أنه على الرغم من الدمار الهائل الذى ألحقته إسرائيل بلبنان أثناء عملياتها العدوانية، فمن المؤكد أن حكومة إسرائيل فشلت فى تحقيق معظم أهدافها الرئيسية فى الحرب ضد حزب الله، سواء المتعلقة بالقضاء على قوة حزب الله العسكرية ونزع سلاحه، أو إطلاق سراح الأسيرين الإسرائيليين لدى حزب الله، أو المتعلقة بتغيير قواعد المعادلة السياسية فى لبنان. أضف إلى ذلك، أن العدوان خلق أوجهاً أخرى للفشل تمثلت فى عجز إسرائيل عن إيقاف الهجمات الصاروخية لحزب الله ضد إسرائيل، وفشل الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر فى إلحاق الهزيمة بتنظيم صغير، مؤلف من حوالى 1500 مقاتل، حسب تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
ولهذا الفشل الإسرائيلى العديد من النتائج والآثار الاستراتيجية، وهى نتائج يرى بعض الباحثين الاستراتيجيين الإسرائيليين، مثل زئيف شيف، أنها ربما تفضى إلى تغير استراتيجى فى الشرق الأوسط بصورة معاكسة لما حدث عقب حرب يونيو 1967، التى أدت إلى تكريس مكانة إسرائيل كقوة إقليمية عظمى فى الشرق الأوسط. أما بعد العدوان على لبنان فقد بدا واضحا تآكل هذه المكانة، لاسيما فيما يتعلق بتآكل قدرة الردع الإسرائيلية. وللوقوف على مختلف جوانب هذه المسألة، لابد أولاً من الوقوف بإيجاز شديد على مرتكزات نظرية الردع الإسرائيلية، والآثار السلبية التى نتجت عن فشل العدوان على لبنان علي هذه الاستراتيجية.
بداية، تستند نظرية الردع الإسرائيلية على قوة الجيش الإسرائيلى بوصفه الأقوى والأكثر تطوراً وفاعلية فى منطقة الشرق الأوسط، بما يجعله قادراً على ضرب الخصوم والأعداء، وتوجيه ضربات ساحقة لهم إن تجرأوا فقط على التحرش بإسرائيل. ومن خلال قوة هذا الجيش وفاعليته القتالية، تتبلور صورة محددة لإسرائيل فى منظور جيرانها وأعدائها تقوم على أن هذا الجيش هو جيش لا يقهر، وهو ما يؤدى بالتالى إلى إدراك الأعداء بأنهم سوف يدفعون ثمناً باهظاً إذا حاولوا التحرش بإسرائيل أو الاعتداء عليها. وهذه الصورة بحد ذاتها هى التى يعول عليها الفكر الاستراتيجى الإسرائيلى فى تعزيز مكانة إسرائيل، وتمكينها من فرض نفسها كـ قوة إقليمية عظمى فى الشرق الأوسط، وفى منع خصومها من التفكير فى التحرش بها، وأيضاً فى صيانة مصالح إسرائيل الإقليمية والدولية.
وتمثل نتائج العدوان على لبنان، بالتالى، لطمة عنيفة لصورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، ولقدراته الردعية. ويرتبط ذلك بصورة محددة بثلاثة عوامل رئيسية اتسم بها الأداء العسكرى الإسرائيلى فى ذلك العدوان، وهى:
الأول، عجز الجيش الإسرائيلى عن القضاء على تنظيم صغير نسبياً، مثل حزب الله، طوال 33 يوماً من المعارك، فشل خلالها فى التقدم لأكثر من بضعة كيلومترات فى الأراضى اللبنانية خلال الحرب، كما تعرض خلالها لكافة أنواع الأكمنة المسلحة من جانب مقاتلى الحزب، مما ألحق به خسائر لا يستهان بها فى الأرواح والمعدات القتالية، كما يحتل فشل السلاح الجوى حيزاً رئيسياً فى هذا الفشل، حيث ارتكزت خطة الحرب الإسرائيلية على أن سلاح الجو سوف ينجح فى تصفية قدرات حزب الله القتالية خلال أيام معدودة فقط، وهو ما لم يحدث قط.
الثانى، العجز عن إيقاف الهجمات الصاروخية لحزب الله، بعد ما فشلت الغارات الجوية والهجمات البرية فى إيقاف هذه الهجمات، كما فشلت معها منظومات الدفاع المضادة للصواريخ المتطورة، التى طالما تباهت إسرائيل بفاعليتها فى التصدى لأى هجمات صاروخية محتملة ضد العمق الإسرائيلى، مما جعل مناطق شمال إسرائيل عرضة لهجمات صاروخية يومية مستمرة، الأمر الذى أجبر مليونى مواطن إسرائيلى على البقاء فى الملاجئ لأكثر من أربعة أسابيع متصلة، ناهيك عن الخسائر البشرية والاقتصادية الكبيرة نسبياً التى لحقت بإسرائيل من هذه الهجمات.
الثالث، فشل عملية التخطيط العسكرى ذاتها، حيث كانت خطة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تقوم على أن السلاح الجوى سوف يتكفل بالقضاء على قدرات حزب الله العسكرية، ثم تتكفل القوات البرية بعد ذلك بتدمير ما تبقى من فلول حزب الله من خلال عمليات اقتحام برى محدودة، إلا أن المؤسسة العسكرية فوجئت بعد عدة أيام من بدء الحرب بأن الخطة لم تتحقق على النحو الذى كان متصوراً، وأصيبت بالتالى بحالة من الارتباك والعجز عن تبنى خطط بديلة للتعامل مع هذا الموقف.
ويعبر هذا الفشل التخطيطى عن قصور شديد فى عملية صنع قرار الحرب ككل فى إسرائيل، وعن خلل فى السيطرة السياسية على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث تبنت حكومة أولمرت الخطة التى أعدها الجيش بدون دراستها بصورة وافية من مختلف الجوانب، لاسيما فيما يتعلق بمدى توافر بديل أو بدائل فى حالة عدم نجاحها، ثم سمحت الحكومة للمؤسسة العسكرية بأن تحدد ما الذى سوف تقوم به فى الحرب، كما أن مجلس الأمن القومى، الذى جرى تشكيله قبل عدة سنوات، وكان يفترض منه أن يقوم بعملية فحص وتدقيق للخطط التى تقدمها المؤسسة العسكرية للحكومة، لم يُطلب منه القيام بهذا الدور، وجرى تهميشه بصورة كاملة أثناء مراحل العدوان على لبنان. وهو ما يمثل ـ حسب رؤى إسرائيلية ـ تعبيراً عن مشكلة هيكلية ممتدة منذ نشأة إسرائيل، تتمثل فى الافتقار إلى هيئة استشارية مهنية تقوم بمساعدة الحكومة فى مراجعة مقترحات الجيش وخططه، وهو ما يعتبر واحداً من الأسباب الرئيسية للفشل الإسرائيلى فى العدوان على لبنان.
وتمثل أوجه الفشل هذه تعبيراً دقيقاً عن قصور أداء الجيش الإسرائيلى. ومع أن البعض داخل إسرائيل يجادل بأن الجيش لم يستخدم إلا نسبة صغيرة فقط من قوته أثناء عدوانه على لبنان، مما يعنى أنه لا يصح اعتبار هذه الحرب مقياساً لقوة هذا الجيش، فإن المهم هنا هو نتيجة المعركة، لاسيما ما يتعلق منها بتحطيم صورة الجيش الاسرائيلى فى نظر الخصوم والأعداء الذين يمكن لهذا الجيش أن يدخل فى مواجهات مستقبلية ضدهم، والذين يمكن أن يعيدوا صياغة خططهم العسكرية فى ضوء تآكل قدرة الردع الإسرائيلية، وهو ما ينظر إليه الكثيرون فى إسرائيل بقلق شديد.
وتتمثل الخشية الأساسية لدى دوائر واسعة داخل النخبة السياسية والعسكرية فى إسرائيل من أن تؤدى نتائج العدوان على لبنان إلى تشجيع أطراف أخرى فى المنطقة، سواء كانت دولاً أو تنظيمات، على أن تتجرأ على التحرش بإسرائيل فى المستقبل، بعدما انكسرت رهبة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر وتآكلت هيبته بعد أدائه الخائب واستناده إلى التغطية السياسية والدبلوماسية الأمريكية لتحويل هذه الخيبة العسكرية إلى انتصار وعائد سياسيى. وهى مسألة ينظر إليها الكثيرون فى إسرائيل باعتبارها تنطوى على مخاطر شديدة فى ضوء انهيار عملية التسوية على المسارات الفلسطينية والسورية، وأيضاً فى ضوء التوتر المزمن بين إسرائيل وإيران، وهو ما يخلق مخاطر أن تتحول هذه القضايا بدورها إلى صراعات ساخنة مستقبلا.
وللتعامل مع هذه التداعيات، تكاثفت الضغوط على حكومة إيهود أولمرت عقب الحرب لتشكيل لجنة للتحقيق فى مختلف ملابسات العدوان ونتائجه، وهو ما اضطر أولمرت للتجاوب معها، وأعلن بالفعل فى 28 أغسطس عن تشكيل هذه اللجنة، وأعلن فى سياق ذلك استعداده لتحمل المسئولية بالكامل عن تطورات تلك الحرب ونتائجها.
والمسألة اللافتة للانتباه فى الجدل السياسى ـ العسكرى الذى نشب فى إسرائيل عقب توقف العمليات العسكرية العدوانية يتمثل فى أن هذا الجدل ينصب بالكامل على استخلاص الدروس من هذه الحرب، سعياً إلى حصر واحتواء آثارها السلبية، لاسيما فيما يتعلق بكيفية استعادة قدرة الردع الإسرائيلية، مع التركيز بدرجة كبيرة على تحسين سبل إدارة الصراعات المسلحة القادمة، وفى مقدمتها تلك التى يحتمل شنها ضد أطراف عربية كسوريا، أو إقليمية كإيران.
ولكن الدرس الرئيسى للعدوان على لبنان، والذى يبدو غائباً بدرجة كبيرة عن الجدل السياسى ـ العسكرى المحتدم فى إسرائيل، يتمثل فى استحالة تطبيق حلول عسكرية للصراعات القائمة بين إسرائيل والدول العربية، حيث لم تفلح قوة إسرائيل الجبارة فى تحقيق أى إنجاز عسكرى أو سياسى أمام تنظيم صغير، مثل حزب الله. ومن ثم، فإن النتيجة الأهم لهذه الحرب هى بالأساس انكسار غطرسة القوة الإسرائيلية، وفى التأكيد على ضرورة العودة للحلول التفاوضية العادلة التى تلغى أسباب الصراع تماماً، فى حين أن اعتماد أى بديل بخلاف ذلك من جانب إسرائيل لن يعنى إلا التمهيد لمزيد من جولات الصراع المسلح القادمة مع الطرف نفسه أو أطراف أخرى فى الإقليم.


[/FONT][/SIZE]
 
بارك الله فيك على التحيل موفق ان شاء الله
 
حزب الشيطان قدم اكبر هدية لليهود الصهاينة وهي السماح له بالهجوم على لبنان وتدميره

والله ان الشيعة الروافض هم اكبر عدو للامة الاسلامية
 
لقد ذهبت إلي لبنان ورأيت التضاريس الطبيعية التي حبها الله لهذا البلد الجميل فلو كانت لبنان أرضاً منبسطة بلا جبال أو غابات لسحق حزب الله منذ الوهلة الأولى فطبيعة الأرض اللبنانية لعبت دور مهم في هذه الحرب .


 
مشكوووووووووووووووور يا اخي ولاكن لو كان الموضوع في صور يكون اجمل
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى